تمثال «خطاف لعرايس» أسطورة خالدة وسط مدينة وادي الزناتي
فوق هيكل حجري مصقول وسط مدينة وادي الزناتي العريقة قبالة ساحة الأسود ينتصب تمثال جميل كأنه طائر باسط جناحيه يستعد للطيران و معه غنيمة لا تقل جمالا هي الأخرى كأنها جنية تعيش في الحياة الدنيا و أراد لها ملاك الرحمة الخلاص الأبدي فقرر اختطافها و الذهاب بها حياة أخرى أكثر قدسية و طهارة من حياة دنيا لا تصلح أن تعيش فيها ملائكة إلى جانب شياطين تعيث فسادا في الأرض و تدمر كل جميل. إنه تمثال “إلوة” أو “خطاف لعرايس” كما يسميه السكان القدامى و ورثوا هذه التسمية الخرافية للأجيال المتعاقبة على مدى قرن و نصف من الزمن، الكل هنا بمدينة وادي الزناتي يسميه “خطاف لعرايس” و هي أسطورة قديمة ظلت متداولة بين المجتمعات التي عمرت المنطقة منذ فجر الاحتلال و مازال المعتقد سائدا إلى اليوم و خاصة بمدينة وادي الزناتي عاصمة سهل الجنوب الكبير أين أقام المعمرون مزارع للقمح و العبيد و جلبوا معهم كبار المثقفين و المؤرخين لدعم تواجدهم و تأسيس حضارة جديدة على حساب السكان الأصليين الذين طردوا إلى الأحراش و قمم الجبال بعد أن انتزعت منهم الأراضي الخصبة و صاروا فقراء مشردين بين الأودية و الكهوف السحيقة.
و حسب المصادر التاريخية المتداولة بين سكان المدنية العريقة فإن تمثال “إلوة” الجميل الذي يعد من أهم المعالم الأثرية و التاريخية بالمنطقة، رسمه نحات فرنسي سنة 1869، و قال زكرياء مومني أحد مثقفي و أعيان وادي الزناتي و المهتم بثقافة و تاريخ المنطقة بأن “إلوة” معناه ملاك الرحمة عند المسيحيين. و في اللوحة الفنية الخالدة وسط وادي الزناتي ينتصب ملاك الرحمة بجناحين و هو يحتضن أنثى جميلة كأنها جنية أراد ملاك الرحمة “إلوة” أن يرتقي بها إلى مكان قدسي بعيدا عن الشياطين التي تعمر الأرض و تنشر فيها الشر و الفساد. و تجمع اللوحة الشهيرة بين براعة النحات و قدرته على تجسيد روح المسيح و صلاته و دموعه
و صراعه الأبدي مع الشيطان. و تنتشر بين سكان المنطقة أسطورة “خطاف لعرايس” الذي يريد إلحاق الأذى بكل عروس جميلة تستعد لرحلة الزفاف إلى زوجها، و لذا تراهم يحرسون على إحاطة العروس بحراسة مشددة و رعاية فائقة عند إقامة الأعراس معتقدين بان الخاطف الخفي مازال موجودا و قد يكون في شكل جني أو شيطان مارد، و كلما نظروا إلى تمثال “خطاف لعرايس” الأسطوري أو تذكروه يزداد اعتقادهم بوجود قوى خفية يمكنها أن تلحق الأذى بالعروس و حتى العريس يوم الزفاف.
و رغم التحولات الاجتماعية الهائلة و التطور العلمي و التكنولوجي فإن المعتقدات القديمة مازالت تسري بقوة بين السكان المحليين حتى أنهم أصبحوا ينظرون إلى تمثال ملاك الرحمة “إلوة” عند المسيح على انه يجسد حقيقة أسطورة “خطاف لعرايس” الذي كانت تتحدث عنه الجدات منذ القدم في ليالي سمر مليئة بالأحداث و قصص “لونجة” و الغول و عام الحبل و غيرها من الأساطير القديمة التي ظلت مصدر إلهام كتاب القصص و الشعراء و الرسامين لكنها اليوم في تراجع مثير تحت تأثير متغيرات قتلت الإبداع و الخيال و ألقت بالقصص الجميلة في واد سحيق.
فريد.غ