التهــاب أسـعـــار الـملابـس عشيــة العيــد
تغيّرت مؤخرا معطيات تجارة الألبسة الجاهزة في الجزائر، فقد اكتسح المنتج التركي السوق و أزاح السلعة الصينية، بل و صار ينافس الأوروبي بقوة، و هو وضع يرجعه التجار إلى عاملي النوعية و السعر، مع السهولة النسبية في إدخال هذه الملابس انطلاقا من اسطنبول، سواء عبر ما يُعرف بـ «الكابا» أو بطرق قانونية في الظاهر، لكنها كثيرا ما تقوم على حيل مُغلّفة في قالب سجلات تجارية تُؤجر بـ "الكلمة" من طرف ما يُعرف بـ «الترانزيتور»، وسط كل ذلك، يُسجل ارتفاع كبير في الأسعار مسّ بشكل أخص ألبسة الأطفال، يُرجعه التجار إلى تهاوي قيمة الدينار مقابل «الأورو».
تحقيق: ياسمين بوالجدري
لا تزال ألبسة النساء و الأطفال من أكثر السلع طلبا ببلادنا مقارنة بالألبسة الرجالية الجاهزة، لذلك فإن معظم تجار التجزئة ينشطون في هذا المجال، و للوقوف على خبايا هذه التجارة المُربحة، قامت النصر بجولة في أهم نقاط بيع ألبسة النساء و الأطفال بولاية قسنطينة عشية عيد الفطر، و قد كانت البداية من أحد المحلات المعروفة بوسط المدينة و تحديدا بشارع عبان رمضان.. ما استوقفنا هناك هو غلاء أسعار ثياب الأطفال التي لا تقل عن ألفين دينار للقطعة و تتعدى 5 آلاف دينار بالنسبة للباس ذي القطعتين، رغم ذلك، لاحظنا إقبالا من طرف الزبائن الذين أخبرنا بعضهم أن ما يهمهم أكثر هو مدى ملاءمة اللباس للطفل و نوعيته الجيدة.
و قد اتفق العديد من المتسوقين الذين تحدثنا إليهم عن الارتفاع الكبير المسجل في أسعار ألبسة الأطفال، حيث قالت سيدة إنها بحثت عن ثياب لحفيدتها التي لا يتعدى عمرها شهرين، غير أنها تفاجأت بالتهاب الأثمان التي لا تقل عن 3 آلاف دينار، مضيفة أنها وجدت لباسا بسيطا من قطعة واحدة عُرض بمبلغ 6 آلاف دينار في أحد المحلات، لتستطرد بالقول "هذا جنوني.. إذا كان هذا سعر لباس رضيع فكيف لمواطن بسيط أن يكسو أطفاله للعيد!".
لباس طفل واحد يعادل تكلفة كسوة 3 أبناء!
أحد المتسوقين ذكر أنه أراد أن يشتري تُبانا "شورت" لابنه الصغير، لكنه وجد الأسعار ملتهبة و قال "أعجبني شورت بسيط و مناسب لطفلي، لكن تفاجأت بأنه يُباع بـ 3 آلاف دينار رغم أن طوله بضع سنتيمترات فقط!"، فيما علّق مواطن آخر "في السابق كانت مليون سنتيم تكفي لكسوة 3 أولاد، أما اليوم فقد صار هذا المبلغ لا يكفي حتى لشراء لباس العيد لطفل واحد".
النصر اقتربت من صاحب محل معروف ببيع الألبسة الجاهزة للنساء و الأطفال، أكثر زبائنه من العائلات الميسورة، سألناه عن سبب ارتفاع أسعار ما يعرضه، فأجاب "نعم.. اعترف أن سروالا كهذا (أشار إلى سروال جينز نسوي) يُفترض أن يُباع بـ 1200 دينار، لكني أبيعه بـ 3 آلاف دينار"، مرجعا ذلك إلى انخفاض قيمة الدينار الجزائري في السوق العالمية، حيث قفزت قيمة 1 أورو بالدينار من 11 إلى 19 دينارا في ظرف قصير.
صاحب المحل ذكر أنه أصبح يعرض الطقم النسائي ذو القطعتين بـ 28 ألف دينار، بعدما كان يُباع بحوالي 8 آلاف قبل سنة تقريبا، و أضاف "لا يمكننا أن نتحكم في الارتفاع فهو خارج عن نطاقنا"، ليتابع بالقول إن سلعته تأتي من فرنسا و تركيا و يُعتمد في اختيارها على "النوعية الجيدة" التي يبحث عنها زبائنه، رغم ذلك، يرى محدثنا أن الزبون ميسور الحال تغيّر و لم يعد يُفضل السلعة الأعلى سعرا لأنها تعني حتما نوعية جيدة، فقد صار، بحسبه، "طماعا" و يُفاصِل من أجل تخفيض الثمن.
و بحي سيدي مبروك أين توجد محلات و "بازارات" تلقى إقبالا كبيرا من طرف النساء، كان لنا حديث مع بعض التجار الذين عُرفوا بين الزبونات ببيع قطع مستوردة تلقى رواجا و تستجيب لجديد الموضة، حيث أكدوا لنا أن السلعة تصلهم عادة من فرنسا و بشكل أكبر من تركيا، كما أنهم يبيعون بضائع صينية تأتي من فرنسا و ليس من الصين، و تكون، حسبهم، ذات جودة عالية.
«الفايبر» لعقد الصفقات و زبونات يخترن الموديلات بـ «الآنستغرام»!
استفسرنا عن المعايير التي يتم على أساسها اختيار موديلات الملابس و ألوانها، و عمّا إذا كانت تعتمد على نوعية الطلب المحلي أو على ما هو متوفر في السوق، فأخبرنا التجار أنها تختلف من موسم إلى آخر و من مناسبة إلى أخرى، فعلى سبيل المثال، لاقت سراويل الجينز و السترات الصيفية القصيرة طلبا و رواجا كبيرا قبيل امتحانات "البيام"، حيث فضلت الكثير من المترشحات ارتداءها، ثم جاءت بعدها الألبسة الخاصة بالمحجبات و غير المحجبات لمترشحات البكالوريا، أما في الفترة الحالية التي تسبق عيد الفطر، فيزداد الطلب على ألبسة السهرات البسيطة التي راجت هذا العام بـ "الدونتيل"، ليأتي بعد ذلك موسم الصيف، أين يرتفع الإقبال على الألبسة الخفيفة و خاصة الفساتين التي لا تزال على الموضة، قبل أن يحلّ الدخول الاجتماعي الذي يشهد ذروة الطلب، خاصة بالنسبة لثياب الأطفال.
أحد التجار أخبرنا أنه غالبا ما لا يتنقل إلى فرنسا أو تركيا لشراء السلعة، إذ يكفي أن يختار نوع و حجم ما يريده عن طريق التواصل بالهاتف مع المُوردين في أزمير و اسطنبول، و كثيرا ما يتم ذلك مباشرة مع أصحاب المصانع التركية التي تنتج هذه الألبسة باستخدام تطبيق "فابير" الالكتروني، استغربنا كيف تُدار صفقة عن طريق الأنترنت و بكل هذه البساطة، فقال لنا محدثنا إن ذلك راجع إلى عامل الثقة الذي يكتسبه التاجر مع مرور الوقت، رغم أن البعض تحايلوا، حسبه، على الأتراك و أخذوا منهم سلعا تصل قيمتها إلى 300 مليون سنتيم دون تسديد ثمنها.
و أرجع أصحاب المحلات إقبال التجار الجزائريين على تركيا في الفترة الأخيرة، إلى جودة المنتجات التي تعرضها و استجابتها لأذواق المحجبات و غير المحجبات، و قد ساعد على ذلك، حسبهم، ازدهار صناعة الخمارات و الحجاب التركي و استفادة تركيا من ظروف الحرب في سوريا، التي كانت الجزائر التي تستورد منها هذه الألبسة، مضيفين أنه و في حالة طلب زبونة ما قطعة معينة من فرنسا مثلا، يتكفل التاجر أو أحد معارفه بجلبها من هناك عن طريق "الكابا"، بعد أن تكون المعنية قد شاهدت و اختارت القطعة التي تريدها عبر الأنترنت و خاصة عن طريق موقع التواصل الاجتماعي "آنستغرام".
التجار تحدثوا عن اقتحام "دخلاء" للمهنة، خاصة من طرف المستفيدين من الدعم في إطار جهاز "أنساج"، إذ يستأجرون، كما أكدوه لنا، محلات بأثمان تصل إلى 18 مليون سنتيم شهريا، رغم أن هذا السعر يتطلب، على الأقل، بيع 7 قطع في اليوم الواحد، حيث علّق أحد التجار بالقول "صحيح أن الاختيار أصبح أوسع و السلع صارت متوفرة بنوعية جيدة، لكن الدخلاء خلقوا لنا مشكلة".
«شارع فرنسا».. سوق يجمع الميسورين و «الزوالية»
و لم يكن ممكنا جسّ نبض سوق الألبسة الجاهزة بقسنطينة، دون المرور على شارع 19 جوان الواقع بقلب المدينة و المعروف محليا باسم "شارع فرنسا"، فعند دخول المكان تصدمك حشود من البشر التي لا تتوقف عن الحركة على طول الطريق، وسط عشرات المحلات المفتوحة في جانبيه و في أزقته المتفرعة. و بما أنا زيارتنا للمكان تصادفت مع عشية عيد الفطر، فقد كان الإقبال أكبر بكثير من المعتاد خاصة من طرف النسوة، إلى درجة أن المشي في الشارع أو دخول أحد محلاته يتطلب منك تحريك كتفك يمينا و يسارا حتى لا تصطدم بالآخرين، و أحيانا يضطرك إلى الوقوف لبضع دقائق لانتظار مواصلة الطريق.
و من العوامل التي جعلت "رود فرانس" يعرف إقبالا كبيرا من القسنطينيين بمختلف فئاتهم الاجتماعية و حتى من سكان خارج الولاية، هو توفر ما يطلبونه داخل محلاته بأسعار تتناسب مع دخل الطبقات المتوسطة و حتى الهشة، و يظهر ذلك جليا من خلال أثمان ألبسة الأطفال التي كانت أقلّ مقارنة بما لاحظناه بأماكن أخرى، إلى درجة أننا وجدنا قطعا تُعرض مقابل 450 دينارا فقط، و الكثير منها مستورد من تركيا و ليس من الصين مثلما تعودنا عليه في السنوات الماضية، و إن كانت جودتها أقل مما هو موجود في المحلات الفاخرة.
ألبسة دون وسم وأغلب المستوردين من العلمة وعين مليلة
أما ألبسة النساء فكانت هي الأخرى بأثمان منخفضة، فمثلا، يمكن للفتيات شراء قميص طويل "ليكات" على الموضة بسعر 1500 دينار، أو سراويل جينز بثمن أقل، فيما لا يستطعن الحصول عليها بأقل من ألفين دينار في أماكن أخرى، و قد أخبرتنا بعض المتسوقات أن اختيارهن يقع عادة على المنتج التركي نظرا لنوعيته الجيدة و سعره المعقول، بينما لا يهم مصدر السلعة إذا تعلق الأمر بالألبسة المنزلية "القنادر" و التي كثيرا ما تصنع محليا.
و ما استوقفنا خلال الجولة التي قمنا بها، هو عدم وضع الوسم على الألبسة النسوية المنزلية، خاصة "القنادر"، بحيث لا توجد بها الملصقات التي تٌبين بلد المنشأ و نوع القماش المستعمل و لا حتى اسم الجهة التي استوردتها إن كانت مستوردة، استفسرنا عن الأمر مع بعض التجار فأخبرونا أنها غالبا ألبسة تنتجها ورشات خياطة محلية، العديد منها تعود إلى فتيات و ربات بيوت أنشأنها في إطار جهازي "أنجام" و "أنساج"، مضيفين أنه و على العكس من ذلك، أصبحت السلعة الصينية الخاصة بالألبسة النسائية المنزلية، و منذ حوالي سنة، تشهد عزوفا رغم أسعارها المنخفضة جدا، و ذلك بسبب نوعيتها الرديئة، حيث يتضح من مجرد تلمسها أنها مصنوعة من مادة "النيلون" و ليس القطن.
و قد علمنا من مصالح مديرية التجارة أن طلب استخراج سجل تجاري لبيع الألبسة الجاهزة ليس أمرا معقدا، فيما لا تُشترط مساحة معينة للمحل التجاري، فيما ذكر مصدر مطلع من المديرية الجهوية للجمارك بقسنطينة، بأن إدخال شحنة من الألبسة الجاهزة عبر الميناء، لا يتطلب سوى ترخيصا من مديرية التجارة و بيان الشحن و فاتورة تتضمن التوطين البنكي. لكن و بعد دخول السلعة، تتم عملية الفحص العيني للبضائع للتأكد أنها تتطابق ما هو موجود في الوثائق المودعة لدى مصالح الجمارك، و أضاف المصدر ذاته أن أكثر الألبسة تدخل من تركيا ثم الصين، إضافة إلى الدول الأوروبية، لكن بنسبة قليلة.
و وسط كل هذه التداخلات التي تشهدها سوق الألبسة الجاهزة، يشترك تجار التجزئة في أمر واحد يمكن اختصاره في "الشوالة"، و هو مصطلح معروف في أوساط التجار و يعني الحاويات التي يتم وضع الألبسة المستوردة بداخلها قبل توزيعها على التجار كل حسب حصته، و في هذا الخصوص ذكرت مصادر مطلعة للنصر أن العديد من المتعاملين في استيراد هذه السلع بالجهة الشرقية للبلاد، هم من مدينتي العلمة و عين مليلة، لكن الحلقة الأهم في العملية برمّتها هم الوسطاء المعروفون بين أهل المهنة بـ "الترانزيتور"، و هم أشخاص يمكن أن يكونوا جزائريين أو حتى أتراك و سوريين، حيث تتلخّص مهمتهم في إدخال السلعة التي يكون التاجر قد اختارها و اشتراها، و ذلك بأية طريقة، فالمهم هو أن تدخل البضاعة و ليس كيف تدخل، حسب تعليق أحد التجار الذي اعترف بأنه لا يمانع إن تخطت سلعته الحدود بطريقة غير شرعية، طالما أنها تصله سليمة و غير منقوصة.
ي.ب
بين"الكابا" و حاويات "الشوالة" يأتي دور "الترانزيت"
700 مليون أرباح شحنــــة واحــــدة من تــــــــركيا
و للتعمق أكثـر في عالم الألبسة الجاهزة، تواصلت النصر مع أحد وسطاء "الترانزيت" المعروفين بمدينة قسنطينة، حيث أكد لنا بأن عدد الرحلات التي يقوم بها كل شهرين يمكن أن تصل إلى 6، و تتم العملية من خلال استئجار سجل تجاري من تاجر مختص في استيراد الألبسة الجاهزة، لكن الاستئجار يكون، حسبه، بـ "الهدرة"، إذ لا يتم من خلال عقد أو أية صفقة مكتوبة، و إنما عن طريق اتفاق شفوي يعتمد على عامل الثقة بين الطرفين، حيث يستورد صاحب السجل السلعة التي يكون تاجر التجزئة قد اشتراها من مصانع الألبسة في اسطنبول و أزمير، و عند وصولها إلى الجزائر يُسلمها للوسيط أو "الترانزيتور" داخل ما يُعرف بـ "الشوالة"، التي قد تحتوي على سلع أكثـر من تاجر، و يكون ذلك بشرط تلقي صاحب السجل التجاري نسبة من قيمة الصفقة، تختلف من حالة إلى أخرى.
و عادة ما تدخل هذه الألبسة عبر مينائي سكيكدة و عنابة، وفقا لما ذكره محدثنا الذي قال إن إشكالية العملة الصعبة تُحل في تركيا من خلال شرائها هناك، خصوصا، حسبه، و أن مبلغ 7500 أورو المسموح بتحويلها من البنك لا تكفي لإتمام الصفقة مع الطرف التركي، كما أسّر لنا بأن الرحلة الواحدة بين تركيا و الجزائر، تُدّر عليه ما لا يقل عن 700 مليون سنتيم.
و بالمقابل، يلجأ العديد من التجار المحليين إلى طرق أخرى لإدخال السلع غير الاستيراد، حيث يتم "استئجار" أشخاص تُعد لهم "فيزا" سياحية إلى تركيا، و يتكفل التاجر بتسديد تكاليف المبيت و الأكل و حتى التنزه لهؤلاء، مقابل قيام الشخص المُستأجَر بإدخال السلعة عند العودة و أحيانا الحصول على قطعة أو أكثـر من السلع كهدية، و ذلك في إطار ما يٌعرف بتجارة "الكابا" التي تدفع التاجر إلى رفع سعر اللباس لأنه أدخل منه كميات محدودة و كلّفه كثيرا.
ي.ب
الحاج الطاهر بولنوار رئيس الجمعية الجزائرية للتجار
80 بالمئة مما نلبسه مستورَد و الحل في بعث الصناعة المحلية
الحاج محمد الطاهر بولنوار رئيس الجمعية الجزائرية للتجار و الحرفيين، قال إن الجزائر لا تتوفر على صناعة ألبسة جاهزة قوية، لذلك فإنها لا تنتج سوى 20 بالمئة من احتياجاتها، بينما يتم استيراد 80 بالمئة مما تبقى، و هو ما يتطلب، برأيه، إعادة بعث صناعة النسيج التي كانت تنتج أجود الألبسة في سنوات الثمانينات، من خلال تشجيع الاستثمار في هذا المجال خاصة مع توفر الإمكانيات، مضيفا أن ولاية مثل المدية يمكنها أن تلبي 50 بالمئة من احتياجات السوق من الأحذية، لتوفرها على المادة الأولية المتمثلة في الجلود و كذا وجود اليد العاملة.
و ذكر بولنوار في اتصال بالنصر، أن أكثر من 50 بالمئة من ألبسة الأطفال تسوق أثناء فترة الأعياد و خلال الدخول المدرسي، كما يلاحظ أنها تتصدر الطلب، لتليها الألبسة المخصصة للنساء ثم الرجال، مُعترفا بتسجيل ارتفاع في أسعار ثياب الأطفال خلال الخمس سنوات الأخيرة، لكن مقارنة بالعام الماضي لوحظ، حسبه، استقرار نسبي، خاصة أن جزء مما يُعرض حاليا أخرجه التجار من المخزون المتبقي من العام الماضي، و فسر محدثنا الارتفاع الحاصل بكون المواد المستوردة الموجهة للاستهلاك المباشر، و من بينها الألبسة، تتأثر بقيمة الدينار التي تنخفض كل عام مقابل العملات الصعبة.
و يضيف رئيس جمعية التجار و الحرفيين أن الإنتاج الصيني الذي كان، قبل سنوات قليلة، يشكل أكثر من 60 بالمئة مما هو موجود في السوق الجزائرية، قد تراجع بشكل تدريجي مع دخول البضائع التركية للجزائر بقوة، و يرجع ذلك، برأيه، إلى عاملين، أولهما اقتراب أسعار السلعة التركية من الأثمان المنخفضة للملابس الصينية و ثانيهما تقاربها مع نوعية الملابس الأوروبية.
و ذكر بولنوار أن الملاحظ هو تزايد عدد محلات بيع الملابس المستعملة بسبب غلاء أثمان المستورد مقابل انخفاض القدرة الشرائية، معترفا بأن الكثير مما يدخل السوق الجزائرية لا يتطابق مع تقاليد المجتمع و خصوصيته، و هو ما يستلزم، على حد حوله، فرض رقابة شديدة، فحتى البلدان المنخرطة في السوق الحرة لا تسمح، حسبه، بدخول ما لا يتلاءم مع مجتمعاتها.
ي.ب
حسب مسؤولين في مديرية التجارة بقسنطينة
سوق الألبسة الجاهزة حرّة و لا يمكن التحكم في أسعارها
يؤكد السيد بونعاس عبد الغني رئيس مصلحة حماية المستهلك بمديرية التجارة بقسنطينة، أن 2056 شخصا مُسجلون كتجار التجزئة في الألبسة و الأحذية و الأنسجة بالولاية، و أضاف أن الخرجات الرقابية التي شملتهم العام الماضي مسّت 198 محلا و أسفرت عن تحرير 7 محاضر متابعة قضائية، في إطار عمليات تم خلالها حجز 17.4 كيلوغرام من الألبسة بقيمة تفوق 43 ألف دينار، حيث تعلقت المخالفات القليلة المسجلة ببيع منتجات غير صالحة و عدم إجراء الرقابة الذاتية، أما في الأشهر الأولى من سنة 2017، فلم تُسجل مخالفات في هذا الجانب.
أما فيما يتعلق بالممارسات التجارية، فقد تم خلال سنة 2016 تسجيل 291 مخالفة تتعلق بعدم الإعلام بالأسعار و التعريفات، 65 منها تخص عدم الفوترة بمبلغ إجمالي يفوق 1.5 مليون دينار، إضافة إلى 9 مخالفات بممارسة نشاط قار دون التسجيل في السجل التجاري و اثنتان بممارسة نشاط تجاري خارج السجل و كذلك 4 مخالفات حول الإشهار التضليلي و معارضة الرقابة و رفض تقديم الوثائق، و أضاف بونعاس أنه و منذ بداية السنة الحالية و إلى غاية ماي الفارط، تم إحصاء 212 مخالفة بعدم الإعلام بالأسعار و التعريفات، و فاق مبلغ عدم الفوترة 12 ألف دينار، فيما سُجلت 20 مخالفة تخص الإشهار التضليلي و عدم التسجيل في السجل التجاري و عدم تعديله.
و أرجع رئيس مصلحة الممارسات التجارية، قطيش عبد الجليل، قلة المخالفات المسجلة مقارنة بباقي الأنشطة التجارية، إلى أن معظم الألبسة الجاهزة تدخل، حسبه، بطريقة قانونية، كما قال إن السلع غالبا ما تتوفر على الوسم، أما بالنسبة للأسعار، فقد أوضح المسؤول أنها حرّة و غير مقننة و تخضع للعرض و الطلب، لذلك فإن مصالحه لا يمكنها أن تتدخل في قيمتها على عكس المواد الغذائية المقننة، خاصة أن هناك ألبسة تُضاف إليها أشغال فنية مثل ما نجده في “القنادر»، و هي أشغال أكد بأنه لا يمكن تحديد قيمتها لأنها تعتمد على الإبداع.
و أشار المتحدث إلى أن للمستهلك حرية الاختيار في شراء السلعة التي يراها مناسبة، خاصة أن قانون المنافسة يسمح للتجار بتخفيض أو رفع الأسعار، و في هذا الخصوص قال السيد قطيش إن هناك أسواقا بالولاية معروفة بالأثمان المنخفضة، لذلك فهي تستقطب أكبر عدد من الزبائن، أما فيما يتعلق بنوعية و جودة الألبسة، فقد دعا رئيس المصلحة المواطنين إلى التقدم بشكاوي لدى مصالح مديرية التجارة في حال تسجيل أية مشاكل في هذا الخصوص، رغم إشارته إلى غياب مخابر مختصة في مراقبة الألبسة الجاهزة و التي تُصنف في خانة المنتجات الصناعية.
ي.ب
فيما تعرف الأسعار ارتفاعا جنونيا
ملابس رجالية مجهولة المصدر و تجار يتحايلون
تعرف تجارة الملابس الرجالية نشاطا كبيرا خلال شهر رمضان، حيث يقوم الباعة بتجديد مخزونهم من السلع على مستوى المحلات، و يتنافسون لعرض البضائع الجديدة، لكن عملية البيع و الشراء لا تخلو من الكثير من الممارسات الاحتيالية على الزبائن، الذين يجهل أغلبهم كيفية التعرف على نوعية البضاعة و مصدرها أو طريقة وصولها إليه، بينما يعرض البائعون سلعهم بأسعار مرتفعة و يحصّلون أرباحا مضاعفة، متخفين خلف شهرة بيع البضائع الأصلية و التهافت على الموديلات الجديدة.
روبورتاج: سامي حباطي
و قد قمنا في هذا الروبورتاج بجولة عبر محلات بيع الألبسة الرجالية بوسط مدينة قسنطينة في الأيام الأخيرة من شهر رمضان، التي يسجل فيها إقبال كبير من المواطنين تحضيرا لعيد الفطر. توجهنا إلى أحد المحلات الواقعة بوسط المدينة، حيث حملنا سروالا و سألنا صاحبه عن السعر، فأخبرنا بأنه يقدر بثلاثة آلاف دينار و أنه مصنوع بتركيا، في حين تفقدنا البطاقة الموجودة بداخله، و التي دونت عليها جميع تفاصيل السلعة، على غرار المواد المصنوعة منها و كيفية غسيلها و المواد التي يتجنب وضعها معها أو الأدوات التي يجب تجنب استعمالها لكيها، لكننا لم نجد ما يدل على البلد الذي صنعت فيه البضاعة، و لاحظنا آثار قطع بالمقص على آخر البطاقة، وهو الجزء الذي اعتادت الشركات المصنعة للملابس تدوين بلد المنشأ عليه، في حين تحمل بعض البطاقات آثار خربشة بالقلم.
« صنع بتركيا » جملة ذهبية
و لاحظنا نفس الأمر على مجموعة من الملابس التي سألنا البائعين عنها و عن سعرها بالمحلات، التي تعرض سلعها بأسعار مرتفعة مقارنة بأماكن أخرى لكنها متوسطة، حيث اختفت بشكل غريب جملة «مصنوع في الصين»، التي تعتبر من بين المصادر الأولى للملابس المستهلكة محليا، بينما أُبقي على عبارة صنع في تركيا، التي تحولت إلى ما يشبه المبرر لرفع أسعار السلع، رغم أنها ليست ذات جودة عالية، مثلما يقول أحد تجار الملابس السابقين الذي تحدثنا إليه، حيث أضاف بأن الملابس التركية حققت شهرة في السنوات الأخيرة، مقارنة بالسلعة المصنوعة في الصين على أساس أنها أفضل جودة من حيث المواد المستعملة و جودة التصميم.لكن محدثنا أكد لنا وجود عدة أصناف للملابس التركية من ناحية الجودة، حيث تختلف نوعية الموجهة إلى الدول الأوروبية عن نظيرتها التي تصدر نحو الدول الإفريقية أو الشرق الأوسط، فضلا عن وجود سلع مقلدة كثيرة يتم استيرادها من تركيا، منبها بأن ظاهرة نزع بلد المنشأ من البطاقة الخاصة بالمعلومات حول السلعة تشمل علامة «صنع في تركيا» أيضا، لدى أصحاب المحلات التي تشتهر ببيع الملابس الأصلية بأسعار خيالية، فرغم أن أصحابها يقومون فعلا باستيراد سلع أصلية ومن شركات الملابس الكبرى مباشرة، إلا أن هذه الشركات أصبحت تلجأ إلى صناعة كميات كبيرة من سلعها على مستوى تركيا، بسبب توفر اليد العاملة فيها بأسعار منخفضة مقارنة بدول أخرى، فضلا عن قرب المسافة من مستودعات ومتاجر العلامات الكبرى بدول الاتحاد الأوروبي، التي لا تسمح بدخول بضائع غير مطابقة للمعايير الدولية إلى أسواقها وتقوم بحجزها.وقد أضاف نفس المصدر بأن بعض التجار تعرضوا في سنوات ماضية، لحجز سلعهم من الملابس المستوردة من تركيا على مستوى مطارات إيطاليا بسبب عدم مطابقتها للمعايير المعمول بها دوليا، بعدما اختاروا هذا البلد كنقطة للعبور، ما يدفع بالعديد منهم اليوم إلى تجنب المرور بالمطارات الأوروبية عند إحضار السلع من تركيا.
ولم ينف محدثنا بأنه كان يقوم بمحو بلد المنشأ لبعض السلع الأصلية التي كان يعرضها أحيانا، مرجعا السبب إلى كون أغلبية الزبائن لا يستوعبون قضية السلع الأصلية المصنوعة في بلدان غير أوروبية أو أمريكية وخصوصا إذا كان مصدرها من تركيا، ما يضطر تجار الملابس الأصلية إلى حجبها لتجنب مشاكل تؤدي إلى فقدان الزبائن بشكل نهائي، في حين لا يحتج نفس الزبائن على ماركات البدلات والأحذية الرياضية الأصلية المصنوعة في الفيتنام وبنغلادش. كما قال التاجر إن بعض الشركات الكبرى تصنع ملابس أصلية وذات نوعية جيدة في الصين أيضا، رغم أنها من أكبر البلدان المعروفة بمشكلة السلع المقلدة، بالإضافة إلى ماركات إيطالية مرتفعة الثمن في السوق، وجدت في تونس عمالة جيدة جعلتها تفتح ورشات على مستواها للتصنيع، لكن بشرط ألا تسوق أي قطعة منها إلا في إيطاليا.
أحذية بأسعار لا تقل عن مليونين
وشد انتباهنا خلال جولتنا الارتفاع الكبير لأسعار الملابس في المحلات، حيث يتراوح سعر سراويل الجينز وغيرها بين ثلاثة آلاف دينار إلى أكثر من 5 آلاف، في حين يتراوح سعر القمصان ما بين 1500 دج، إلى غاية 4 آلاف دينار بحسب الماركة والنوعية، وقد لجأ بعض التجار إلى وضع تخفيضات على الأسعار لم تغير من الثمن شيئا، حيث أخبرنا بائع بأحد المحلات بأنه يمكننا الحصول على ثلاثة قمصان (تي-شورت) رياضية في حال اقتناء اثنين بسعر 5200 دج، لكن البائع قال لنا إن القماش مصنوع مائة بالمائة من القطن، في حين وجدنا في البطاقة الخاصة بالمنتج بأنه مكون من 60 بالمائة قطن و40 بالمائة منه عبارة عن بوليتسير، كما أكد لنا محدثنا بأن سلعته أصلية، معللا بأن المحل الذي يعمل به جزء من شركة كبيرة تقتني الملابس من الشركات المنتجة لها وتوزعها على مختلف متاجرها.
و تعرف الأحذية ارتفاعا كبيرا للأسعار مقارنة بباقي القطع من الملابس، حيث أصبح سعر الحذاء من النوعية المتوسطة يبدأ من حوالي 7 آلاف دينار، ويمكن أن يصل إلى أكثر من مليوني سنتيم، وفي أحد المحلات التي تعرض مجموعة كبيرة من الأحذية، وجدنا أحذية للكبار يصل سعرها إلى حوالي مليون سنتيم بينما تباع أخرى موجهة لفئة الشباب بأزيد من 7 آلاف دينار، كما أن أغلبية تلك المخصصة للكبار مصنوعة بالهند بحسب ما هو مدون عليها، في حين صنعت الأخرى بدول مختلفة على غرار بنغلاديش. أما المحلات الأخرى التي تعرض الأحذية الرياضية فيُسجل بها ارتفاع أكبر للأسعار، حيث يقدر ثمن أحد الأحذية الأصلية بحوالي 24 ألف دينار لبعض الماركات الشهيرة.
وبمحلات بيع الملابس الأصلية، وصلت الأسعار إلى مستويات خيالية، حيث لاحظنا بأن الأحذية لا تقل عن المليونين، في حين يصل سعر القمصان والسراويل إلى مليونين وأكثر، أما البذلات الكلاسيكية فتبدأ من ثلاثة ملايين ونصف إلى غاية 12 و14 مليون سنتيم. وقد أخبرنا بائع بأن سعر بعض الملابس الأصلية يمكن أن يصل إلى أكثر من ثلاثين مليونا، على غرار إحدى الماركات الفرنسية الفخمة التي تصنع أحذيتها من جلود حيوانات حقيقية كالتماسيح والثور الأمريكي. ولاحظنا بأن بائعي الملابس الأصلية يتحججون في أغلب الحالات بالسعر المدون على المنتج بالأورو، رغم أن بعض الناشطين في المجال أخبرونا بأنها تبريرات واهية، لكونهم يحصلون على بعض القطع في الخارج بعد أن يتم تخفيض أسعارها عند نهاية موسم عرضها، في حين يقتني آخرون الملابس التي تعرض على الدمى بثمن بخس، لأن من عادة المتاجر الكبرى في الخارج ألا تقوم ببيع القطع المعروضة عليها، لكن التجار الجزائريين يعيدون تسويقها بأسعار مرتفعة جدا ويحصلون هامش ربع بالأضعاف.
التقليد في مواجهة الماركات العالمية
ويمكن الحصول على نفس الموديلات من الأحذية الرياضية ذات الماركات العالمية بأسعار منخفضة جدا على مستوى أسواق وسط المدينة، لكنها عبارة عن موديلات مقلدة نجدها في سوق رحبة الجمال أو في بعض المحلات والأسواق الأخرى، حيث يتراوح سعر الحذاء بين ألفين إلى ثلاثة آلاف دينار، بالإضافة إلى البدلات الرياضية المقلدة المناسبة لها و التي تُباع بأسعار منخفضة أيضا، لكن نوعية هذه السلع رديئة ويمكن أن تتعرض للتلف بعد استعمالها لفترة قصيرة، كما أفاد به بعض الباعة الذين لاحظنا بأنهم صرحاء مع الزبائن فيما يتعلق بنوعية السلع وبلد المنشأ وقال أحد البائعة إن الكثير من بائعي هذه النوعية من الملابس يحصلون عليها من تجار الجملة الذين يقتنونها من المستوردين، حيث تُصنع في الصين وغالبا ما تكون من الماركات ذات الاستهلاك الواسع بحسبه، لكون المستوردين يواكبون الموضات الجديدة، بحيث يقومون بشراء قطع وينقلونها إلى المصنعين في الصين من أجل إنتاج نسخ مقلدة بأسعار منخفضة جدا، ما يدفع ببعض التجار الكبار الذين يشتهرون ببيع الملابس الأصلية وذات الجودة العالية والماركات غير المتداولة كثيرا إلى رفض بيعها لبعض الزبائن، في حال الشك بأنهم سيقومون بإرسالها إلى الصين من أجل صناعة نسخ عنها بأقل الأسعار.
شباب يشتكون من الغلاء وتجار يخالفون القانون
واشتكى زبائن من غلاء الأسعار حيث أبرز شاب وجدناه يتفحص الملابس، بأن اقتناء تشكيلة واحدة أصبح يكلفه حوالي مليوني سنتيم، معتبرا بأن أصحاب المحلات يقومون برفع الأسعار مع اقتراب العيد، في وقت لجأ فيه تجار إلى حيل جديدة لمنع الزبائن من التفاوض على السعر مثلما جرت عليه العادة في عمليات البيع والشراء، حيث أصبحوا يقومون بتعليق أسعار الملابس في واجهة المحل دون كتابة كلمة «صولد»، حتى لا يتعرضوا لمتابعات إدارية من طرف مديرية التجارة التي تشترط رخصة خاصة لممارسة «الصولد». وعند توجه الزبون إلى هذه المحلات، يرفض البائع مناقشة الثمن متحججا بأنها تخفيضات استثنائية وثابتة ولا يمكن التراجع عنها، مع أن القانون يفرض عليه أن يضع السعر القديم والجديد على البضاعة في التخفيضات لمنع التحايل.من جهة أخرى، لاحظنا في أحد المحلات بأن التاجر لم يكلف نفسه عناء وضع السعر على أي من الملابس التي يعرضها على زبائنه، بما فيها السلع المعروضة على الواجهة الخارجية، ما يضع الزبون في حيرة من أمره ويجعله مضطرا لسؤال البائع في كل مرة، فضلا عن أنه لا يمكن معرفة ما إذا كانت الأسعار حقيقية أم تتغير بحسب الزبون، على عكس محلات أخرى يقوم أصحابها بإشهار الثمن على بعض السلع الموضوعة في الجهة الأمامية من المحل حتى لا تطبق عليهم مديرية التجارة عقوبات، بينما لا تجدها على السلع الأخرى الموجودة في الجهة الداخلية، لكن التجار يشتكون من مشكلة مع الأسعار، فوضع البطاقات اللاصقة لإشهارها قد يضر ببعض السلع لأنه يترك أثرا دائما على بعض الملابس و خصوصا المصنوعة من الجلد، بحسب ما علمناه من التجار.
س.ح
النصر تكشف حيل إدخال الألبسة المستوردة
المجوهرات لشراء العملة و مسافرون لتهريب «الكابا»!
بالنظر إلى الإجراءات الجمركية الصارمة التي تطبق في الموانئ و المطارات و عبر الحدود، يلجأ مستوردو الملابس الجاهزة في الجزائر إلى عدة حيل و طرق غير قانونية لإدخال سلعهم و تحويل العملة الصعبة إلى الخارج من أجل التهرب من دفع الضرائب، و قد يتم ذلك بإدخال الملابس عن طريق ما يسمى بـ «الكابا» أو بالاستعانة بـ «حراق»، و حتى بتضخيم فواتير المواد المستوردة، أو بنقل الأموال عبر أمتعة مسافرين عاديين يُغامرون بسمعتهم و لا يترددون في مساعدة «البزناسة» إما بمقابل أو دون مقابل.
تحقيق: عبد الله بودبابة
و تفرض القوانين الخاصة بحركة رؤوس الأموال من و إلى خارج الوطن إجراءات جد صارمة تمر على مصالح الجمارك، حيث تحدد بشكل دقيق كيفية تحويل العملة الصعبة خاصة ما تعلق بالنسبة للمستوردين والتجار، و يتم ذلك عن طريق ملف يظهر مسبقا نموذجا للطلبية و يتضمن كامل التفاصيل المتعلقة بالسلع المرغوب استيرادها، إلى جانب فاتورة التوطين البنكي، تضم هذه الوثيقة المعلومات الخاصة بالمبلغ المودع من قبل المستورد في حسابه الخاص بالبنك، و الذي يستعمله في الخارج لتسديد ثمن المشتريات، على أن تتوافق الطلبية والقيمة المالية التي تشهرها فاتورة التوطين البنكي.
و رغم كل هذه الإجراءات، إلا أن بعض «البزناسة» و المستوردين طوروا حيلا للتملص من القيود التي يفرضها القانون على مثل هذه الممارسات، فتهريب العملة ينتشر بينهم عن طريق «الكابة»، كما لا يصرحون بحقيقة نشاطهم، وبالتالي فإن كامل معاملاتهم تتم في الظل ولا يتم الإعلان عنها، غير أنها تلتهم قيم ضخمة من العملة الصعبة الموجودة بالداخل وتحولها بطرق غير مشروعة نحو عدة دول أبرزها، فرنسا، اسبانيا، تركيا، إيطاليا و الإمارات العربية المتحدة و كذلك تونس و الصين و بعض دول شرق آسيا.
و قد حاولنا في حديث مع عدد من تجار «الكابة» أو كما يعرفون في السوق السوداء بـ «البزانسية»، الوصول إلى بعض الحيل التي يعتمدونها من أجل تحويل الأموال من الجزائر نحو الخارج، و كذا طريقة إدخال كميات كبيرة من السلع مرة أخرى خاصة الملابس الجاهزة، من أجل التهرب من دفع الضرائب و من مختلف الإجراءات الإدارية الأخرى.
اختيار الرحلات الأكثر ازدحاما للإفلات من الرقابة!
الحقائب الصغيرة هي واحدة من الوسائل التي يلجأ إليها التجار لتمرير الأموال عبر المطارات أو المنافذ الحدودية الأخرى، بحيث توضع الأموال بداخلها دون التصريح بها لدى أعوان الجمارك، و تتمثل هذه الأموال غالبا في قيم كبيرة من النقود بالعملة الصعبة خصوصا الأورو التي تعتبر الأكثر تداولا، إذ يتم حملها بطريقة بسيطة بالأيدي نحو الطائرة و منها نحو الخارج ببساطة، أما في المرات التي يلاحظ فيها هؤلاء صرامة إجراءات المراقبة، و وجود تفتيش دقيق للمغادرين، يقومون بوضع الأوراق النقدية بين الأمتعة، و في مخابئء سرية بالحقائب، ثم يلفونها بطريقة جد محكمة حتى لا يتم اكتشافها عند المرور على أجهزة السكانير، و هنا يفضل المهربون اللحظات التي تكون فيها المطارات في أوج الحركة، و عدد المسافرين كبير جدا، حيث يراهنون على المرور وسط الفوضى، و لهذا نجدهم يبتعدون عن السفر في الأوقات التي تكون فيها الحركة الجوية في المطارات خفيفة، رغم ذلك، فإن مصالح الجمارك كثيرا ما تكتشف أمر هؤلاء المهربين و تحجز مبالغ كبيرة من العملة الصعبة.
و من المعلوم أن القوانين تلزم كل مسافر بالتصريح بالمبلغ المالي الذي بحوزته قبل مغادرة التراب الوطني، حيث حدد أعلى مبلغ بألف أورو للفرد الواحد، غير أنه و من أجل تجاوز هذه العقبة، تمكن البعض من إيجاد حل مكنهم من القفز فوق القانون، و تمرير ما يمكن من أموال بطريقة بسيطة، تقتضي توزيع المال على بعض الركاب المتنقلين في نفس وسيلة السفر سواء الطائرة أو الباخرة، ثم استرجاعها فور اجتياز أعوان التفتيش، وهي العملية التي تعتبر الأكثر انتشارا بين أصحاب الكابة عبر المطارات والموانئ، حيث تجد البزناسة في رحلة بحث عن كل مسافر يحوز مبلغا أقل من ألف أورو، و يمنحونه الفرق بين ما يحوزه والسقف المسموح به وهو ألف أورو، على أن تسترجع الأموال لاحقا.
تجار يستخدمون زوجاتهم!
كما استطاع مستوردو الملابس تطوير بعض الحيل الأخرى من أجل تجاوز الإجراءات الصارمة المفروضة على حركة رؤوس الأموال، ومن بين هذه الحيل هي عدم حمل أموال بالعملة الصعبة إلا بالحد الأدنى، إذ كثيرا ما لا تتخطى السيولة المالية ألف أورو، يتنقلون من خلالها كباقي المسافرين، غير أنهم ومن أجل تسديد نفقاتهم في الخارج وثمن السلع والملابس التي يريدون إدخالها فيما بعد، يقومون بلبس مجوهرات غالية الثمن عبر المعابر الحدودية، وفي هذا الصدد أوضح لنا صاحب محل لبيع الألبسة بمدينة قسنطينة، أنه و في إحدى المرات لبس سلسة ذهبية يتجاوز ثمنها محليا 100 مليون سنتيم، وقد كان يضعها حول رقبته بشكل عادي، ولدى استفسار أعوان إدارة الجمارك بالمطار، عن حاجته بهذه السلسة، أجاب أنها للزينة و بأنه يلبس دائما مثلها من الحلي الذهبية.
وتابع محدثنا الذي يتاجر في ملابس الرجال من دولة تركيا، أنه سافر بشكل عادي ومن دون أي مضايقات، ولما وصل إلى وجهته بمدينة أنطاليا قام ببيع السلسة بمبلغ مالي محترم، مستغلا ارتفاع الأسعار، حيث استفاد من ثمن بيعها في اقتناء بعض السلع التي عاد بها بعد حوالي أسبوعين إلى الجزائر عبر رحلة جوية، مؤكدا أن مثل هذه العمليات البسيطة شائعة كثيرا وسط التجار الصغار والجدد، أو كما يعرفون بتجار «الكابة»، والذين لا يستطيعون الاستيراد بطرق القانونية التي تشترطها الدولة، كما رفض الكشف لنا عن طرق أخرى، معتبرا أن ذلك يدخل ضمن سر المهنة وذلك حتى يضمن ما سماها «الخبزة».
كما أكد لنا تاجر آخر أن حمل المجوهرات من الجزائر وإعادة بيعها في الخارج، من بين الحيل المنتشرة بكثرة هذه الأيام، وهناك بعض التجار من يصطحبون معهم زوجاتهم في رحلاتهم نحو دول أوروبا، و السبب هو أن النساء يلبسن مجوهرات ثمينة جدا، على غرار الخواتم و الساعات و القلادات و السلاسل الذهبية المرصعة بالماس والأحجار الثمينة، إذ يكفي فقط أن تصرح صاحبتها أنها تستعملها للزينة، حتى تمر بسلام وتتخطى كامل الإجراءات الأمنية، وفور الوصول إلى أوروبا يتم بيع المجوهرات بقيم مالية كبيرة جدا، تستعمل في شراء الملابس أو بضائع أخرى تنقل إلى الجزائر.
توزيع السلعة على مسافرين و مليون لإدخالها برّا
و عند مغادرة التراب الوطني، و من أجل تفادي المصاريف الإضافية ورسوم الحمولة الزائدة عبر الرحلات الجوية، يعمل «البزناسة» وأصحاب «الكابة» بالمطارات الأوروبية على توزيع الحقائب على بعض المسافرين وذلك لاصطحابها معهم إلى غاية الجزائر، وفور وصولهم، يستلمونها بدلا عنهم قبل مغادرتهم المطارات، وهو ما أكده لنا متعامل مشهور في تجارة «الكابة» بمدينة قسنطينة، ويعمل بالتعاون مع الكثير من التجار المحليين، حيث أوضح أن العدد الكبير للحقائب التي يعود بها إلى أرض الوطن تكلفه كثيرا إذا أدخلها بالحمولة، كما أنه يتخوّف من سحبها منه بسبب ثقلها، ليضيف «أقوم بالبحث عن مسافرين لا يحملون الكثير من الأمتعة وأطلب منهم بلطف التعاون معي، وتسجيلها باسمهم لدى شركات الطيران، والحقيقة أن الكثيرين لا يجدون في ذلك مشكلة، ويقبلون طلبي بكل سهولة، خصوصا لما أخبرهم بأني تاجر وأن الأمر لا يتعلق بأي ممنوعات».
وتابع محدثنا «أتصيد دائما الشباب فهم أكثر تفهما، حيث يسجلون الحقائب بأسمائهم، و نستقل نفس الطائرة، وفور وصولنا إلى الجزائر أستل الحقيبة بدلا عنهم، وأخرج من المطار أين أجد من ينتظرني هناك، وأغادر بكل سهولة»، كما أوضح ذات المتحدث أن هذا الإجراء البسيط لا يحدث على مستوى المطارات فقط، بل حتى بالنسبة للمتنقلين عبر الحدود الشرقية من البلاد مع تونس، حيث أكد أن البعض من التجار أمثاله يقومون بنفس العمل، و لكن بطريقة أخرى، حيث يتنقلون عبر مركبات من الولايات الشرقية للبلاد تضم مركبتين أو ثلاثة بها عدد من الأشخاص، و عند الوصول إلى تونس يقومون باقتناء السلع التي تلزمهم، غير أنهم و عند بلوغ الحدود، يُصرح كل شخص بامتلاكه لجزء من البضاعة.
و يضيف محدثنا أنه بالنسبة للألبسة الجاهزة، يقوم التجار في الكثير من الأحيان بخلط مختلف أنواع الألبسة مع بعضها البعض و اقتسامها فيما بعد بينهم بالتساوي، وذلك حتى لا يلاحظ أعوان الجمارك التونسيون والجزائريون أنها ملك لشخص واحد فقط، و يتم ذلك من خلال توضيبها بشكل يوحي بأنها غير موجهة للتجارة، أما بالنسبة للأشخاص الذين يقبلون مرافقتهم، فعادة ما تُمنح مبالغ مالية تتراوح بين 5000 ألف دج إلى 10 آلاف دينار للرحلة الواحدة.
ع.ب