الفهم القاصر لوظيفة الثقافة يجعلها غائبة عن البرامج التلفزيونية
تكثر الحصص الترفيهية والمسلسلات وبرامج التسلية في التلفزيونات خاصة في الفترة الصيفية، وبالمقابل، تختفي البرامج والحصص التي تُعنى بالثقافة والفكر والفن والأدب. لماذا يتقلص أو ينعدم الاهتمام بالثقافة وشؤونها، ولماذا حتى الآن لم يتم إطلاق قناة ثقافية جزائرية متخصصة؟. وإلى أيّ مدى أصبحت الحياة الثقافية الجزائرية بحاجة إلى قناة ثقافية جامعة، وليس فقط إلى برامج هامشية في بعض الفضائيات التي تمنحها حيزا زمنيا بوقت ضئيل وضحل ليس أكثر .
جمعتها : نـوّارة لحــرش
الكاتبة ياسمينة بريهوم
الثقافة ما زالت أمرا ثانويا عندنا
تقول الكاتبة، ياسيمنة بريهوم: « البرامج الثقافيّة محدودة، بل تكاد أن تكون معدومة في كلّ وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وحتى المكتوبة التي تفرد لها بضع صفحات أسبوعيّة مازالت تروي عطش المثقفين والكُتاب والمهتمين إذا ما توافرت فيها الجودة والنوعية». فالمعروف –تضيف بريهوم-: «أنّ الصحف والمجلات (تزيّن) صفحاتها بالأخبار الثقافيّة و مستجداتها حتى تحصل على المصداقية وتحافظ على الشريحة المثقفة من القرّاء، ويوشك هذا الانطباع ينسحب على كلّ الوسائل الأخرى، وحتى الهيئات والمديريات التي أوكل إليها أمر الثقافة».
وتوضح بريهوم في ذات السياق: «الأمر متعلّق بكون الثقافة مازالت أمرا ثانويا عندنا، فهي العمل الذي يوحي بالعطالة وعدم الفائدة. لهذا قلّ ما نجد من ترنو تطلعاته إلى ميدان الثقافة والاستثمار فيه، فهي مجهودات تسير على استحياء. فربّما على المستثمرين في هذا الميدان أن يؤمنوا بأنّ التخصص الثقافيّ يطلب من صاحبه أن يكون شجاعا في مراميه ومؤمنا بدواعيه، حتى يُقدِم على المغامرة التي تهتم أوّلا بتكوين قاعدة من المتابعين، على نحو متابعي الرياضة، والطبخ، والتجميل....إلخ، وتنتظر ما سيطرح شجر تحديه!». فالساحة –حسب بريهوم دائما- كلها جرود وبحاجة ماسة إلى مشاريع وليس مشروعا وحسب ليضطلع بهذا الميدان، لاسيما وأنّ المُشاهد عندنا لاجئ دائم في قنوات تبثه الغث والسمين وما لا يشبه ثقافته ومالا يمت لوجدانه بصلة.
الكاتب رشيد فيلالي
ما زلنا ننظر للثقافة نظرة مشوهة
أما الكاتب رشيد فيلالي، فيقول في ذات المعطى: «في بلادنا تغيب الثقافة في شهر رمضان مثلا أو على الأصح تُغيّب، وتختفي كلية من كلّ قنوات التلفزيون العامة والخاصة، لتستبدل بها البرامج الترفيهية أو الدينية الاستهلاكية، بمعنى كلّ ما هو وجبة غريزية أو روحية سريعة، وهذا في الحقيقة مؤسف ومثير للشجن على أكثر من صعيد، كون الثقافة بمفهومها التنويري الأصيل من المفروض أن تكون موجودة على شاشات تلفزتنا طوال الوقت، حتى ولو سلمنا جدلا بأنّ التلفزيون بحكم وظيفته (الترفيهية) والإخبارية لا يستطيع أن يقدم برامج ثقافية دسمة، باستثناء طبعا القنوات الثقافية المتخصصة التي تبقى حلما بعيد المنال، بالنظر إلى هرولة أصحاب القنوات الخاصة لتقديم برامج ترضي الذوق العام بكلّ السبل ولو اقتضى الأمر الانحدار إلى درجات سفلى من الابتذال والسوقية والرداءة».
وعليه –يضيف فيلالي-: «فإنّ فهمنا القاصر لوظيفة الثقافة وأهميتها في النهضة بالشعوب، لم نتجاوزه مع الأسف وما زلنا ننظر للثقافة نظرة مشوهة وبعيدة عن الواقع، طالما أنّنا نعتبرها ترفا زائدا لا فائدة كبيرة ترجى من ورائه، يحدث هذا في الوقت الذي تبذل الأمم المتحضرة المستحيل لتثقيف مواطنيها ودعم مثقفيها لأداء دورهم الفعّال في المجتمع بكلّ السبل المادية والمعنوية لكن، لمن تقرأ زابورك يا داوود!!”.
ويواصل فيلالي مستدركا: “نعم، القنوات الثقافية ضرورية لكون الثقافة ميدان واسع جدا، ولا يمكن تقييده بالأدب فحسب، ثم أنّ هناك قنوات خاصة حتى بصناعة الأحواض المائية الخاصة بالزينة (الأكواريوم)، مثلا تقدم برامج ثرية حول هذا النوع من الحِرف التي تعرف انتشارا كبيرا في السنوات القليلة الماضية، فما بالك بالثقافة التي تعتبر عالما قائما بذاته، لننظر مثلا قناة آرتي الفرنكو ألمانية أو tv5 الفرنسية وغيرهما الكثير، وبرامجهما في غاية التنوع والثراء، وبكلمة فقط أذكر بأن مداخيل الولايات المتحدة من المجال الثقافي أكبر من مداخيلها في كلّ القطاعات الاقتصادية الأخرى، ومداخيل بريطانيا من عائدات تعليم اللغة الإنجليزية أكبر من مداخيلها في المجالات الاقتصادية الأخرى وقس على ذلك».
الكاتب والقاص خالد ساحلي
فجوة العقل واللغة تزداد اتساعا
من جهته، يرى الكاتب والقاص خالد ساحلي أنّنا اليوم في عصر الفضاء المفتوح الذي لا يؤمن إلاّ بتعددية الرأي والرأي الآخر المغلّب للفكرة لا المعلّب لها، لكن هناك حسب قوله عدة فجوات على مستويات كثيرة، من الفجوة الرقمية إلى فجوة المحتوى إلى فجوة اقتصاد المعرفة، والأخطر في كلّ هذا هي فجوة العقل واللغة التي تزداد اتساعا. كما يرى أنّ الإيمان بالثقافة ولىّ وانصهر في الثقافة الغربية والعالمية، وما تهميش الثقافة خلال شهر رمضان من برنامج الفضائيات إلاّ دليل آخر على هذه الفجوات المتعددة والتي يؤسف لها حقا، الثقافة طوال العام قليلة الحضور في الفضائيات، لكن في رمضان تصبح معدومة وغير مرحب بها.
مؤكدا أنّ: «مشكلة الثقافة أنّها تحتاج إلى تخطيط وإستراتيجية، وهو العنصر المفقود فيها، كان من المفروض أن الشهر الكريم يكون شهر محاضرات وندوات وعلم، شهر الاجتهاد والتواصل والتكافل والتضامن المعنوي والمادي والفكري. إلاّ أن الواقع حصره في إعلام رديء وفي حصص رديئة تسيء للثقافة وللمثقف بمثل ما حدث لكثير من وجوه الثقافة والرياضة والإبداع» .
ويضيف ساحلي قائلا: “طبعا هناك ضرورة قصوى لإنشاء قناة فضائية ثقافية مستقلة عن توظيفات السياسات، وتكون منبرا للمفكرين والمثقفين. والقناة الثقافية يجب أن تكون حيادية إختلافية لا خلافية، تخدم ثقافة الجميع لا أن تكرّس ثقافة جهة على حساب جهة أخرى، ورأيي الصريح دون مغالاة، الذين لا يتفقون في مشاريع سياسية فإنهم سيفشلون ثقافيا، لهذا لا أظن أن هذا سيتحقق (قناة ثقافية) في القريب. وإن تحقق أخشى أن تسقط في الشعبوية”.
ويستطرد قائلا: “هل حقا يمكننا الحديث عن إجماع ثقافي؟، أشك في ذلك حقيقة لكنّني لست يائسا أيضا”. ويختم ساحلي تصريحه بنبرة اللاجدوى من هذه القناة الثقافية المتخيلة: “أقول هذا الكلام لأنّي أعلم واقعا لا وهما أن النخبة الجزائرية لم تتشبع أصلا بالتنوير فكيف لها أن تقبل الآخر دون عصبية القبيلة والعشيرة ونحن في الغالب هي من تحكمنا”.
وبالنسبة لبعض المتتبعين والمشاهدين الذين طرحنا عليهم السؤال فلا أحد منهم تحمس للفكرة، وقالوا أن أي قناة ثقافية لن يتابعها إلاّ النخبة، وأنّ الإنسان العادي، البسيط، لن يهتم بها ولن يشاهدها، لأنّ كلّ الناس والشباب خاصة -كما صرحوا لنا- سيذهبون لمشاهدة قنوات الرياضة والأفلام والموسيقى، وحتى قنوات أفلام الكارتون وغيرها، لكن لا أحد –حسبهم- سيفتح فضائية ثقافية ويشاهد برامجها.
ن.ل