صور قالمة القديمة .. حنين إلى الماضي و رسائل مشفرة للقائمين على العمران
عادت صور قالمة القديمة بقوة إلى التداول بين الناس و على مواقع التواصل الاجتماعي، و تجلب إليها مزيدا من الاهتمام، بعد اختفاء دام عقودا من الزمن كادت أن تنسي السكان تاريخ منطقتهم و ما تركته الحضارات المتعاقبة على المنطقة منذ فجر التاريخ.
تعد مشاهد قالمة خلال فترة الاحتلال الأكثر حضورا و تداولا بين الناس، و أصبح بإمكان أجيال ما بعد الاستقلال، أن تطلع على تاريخ مدينة قالمة العريقة و مدنا أخرى قريبة منها، عبر أرشيف ضخم من الصور بدأت تتسرب و تخرج للعلن عن طريق مؤرخين و باحثين و نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي الذين يغذون صفحات قالمة بمزيد من الصور الجميلة التي تبرز نهضة عمرانية مميزة صاحبت دخول الاستعمار الى المدينة قبل 180 سنة تقريبا.
و بالرغم من أهمية بقايا الحضارات الرومانية و البيزنطية و العثمانية التي مرت على منطقة قالمة، فإن تداول مشاهدها المتبقية كالمسرح الروماني و الصور البيزنطي الكبير و مدينة تبيليس الرومانية الشهيرة ، لم يرق بعد إلى المستوى الذي بلغته صور المعالم العمرانية الخاصة بالمرحلة الاستعمارية على منصات التواصل الاجتماعي، و أصبحت الشواهد العمرانية الجميلة تثير فضول السكان و تدفع بهم إلى معرفة المزيد عن تاريخ المدينة و القيام بجولة افتراضية عبر شوارعها و ساحاتها و حدائقها التي كانت تضاهي في جمالها و هندستها شوارع و ساحات و حدائق أوروبية شهيرة.
و تعد صور ساحة سانت أوغيستان وسط المدينة، و التي أصبحت تسمى ساحة الشهداء بعد الاستقلال، الأكثر تداولا بين الناس على شبكات التواصل، و هي تمثل القلب النابض لقالمة القديمة إلى غاية اليوم، و تضم معالم هندسية جميلة تضاهي العمراني الأوربي، من بينها مبان سكنية و كنيس تحول إلى مساجد و واجهات تجارية خلف الأقواس و شوارع ذات هندسة متناسقة.
و ينظر الناس إلى الساحة الشهيرة كمعلم تاريخي يروي قصة قالمة القديمة و الإبداع الهندسي الذي ظل محافظا على جماله، خاصة البناء الجميل الذي يطلق عليه سكان المدينة “عمارة شوشنة الكبيرة” التي بنيت بعد سنة 1840 ،حسب المهتمين بتاريخ المدينة ، الذين يعملون على ربط الأجيال بماضيها و يحثون الناس على معرفة الشواهد العمرانية و الأثرية و تشكيل صورة واقعية لما كانت عليه قالمة، عندما دخلها الرومان و البيزنطيون و الأتراك و الفرنسيون و غيرهم من الأمم الأخرى، التي تركت شواهد حية لا تزال تتحدى الطبيعة و الزمن منذ آلاف السنين.
و تظهر الصور المتادولة على نطاق واسع أبواب قالمة القديمة منها باب السوق و باب سكيكدة و باب عنابة و سوق المواشي الذي أصبح اليوم حيا سكنيا كبيرا هو حي قهدور الطاهر ، و ساحة المجلس الشعبي الولائي و شارع الولاية و شارع عنونة و شارع سويداني بوجمعة و الحي القديم الذي تم هدمه لإنجاز شارع التطوع في منتصف الثمانينات و محطة القطار و المعهد الفلاحي و مبنى الخزينة العمومية و غيرها من المعالم العمرانية التي بقي البعض منها صامدا إلى غاية اليوم و البعض اختفى تماما، مثل أبواب المدينة الثلاثة و معالم الساحات و الحدائق و الشوارع الكبرى.
و يرى مروجو صور قالمة القديمة، بأن ما يقومون به هو محاولة لربط الأجيال بماضيها و حث الناس على حماية الآثار و الشواهد التاريخية، بينما يرى الناس بأن هذه الشواهد العمرانية الجميلة، بمثابة رسالة قوية للمهندسين و المشرفين على شؤون المدينة منذ الاستقلال إلى اليوم، حيث يرى الكثير من سكان مدينة قالمة القدامى، بأن هؤلاء المهندسين عجزوا عن بناء تحف معمارية تضاهي تلك التحف التاريخية الجميلة و الشوارع المنظمة و الحدائق و الفضاءات عامة.
و عندما يقارن سكان قالمة ما كانت عليه مدينتهم قبل 180 سنة، و ما صارت عليه اليوم من فوضى و عمران مشوه و تقلص رهيب للحدائق و البساتين و الحقول الزراعية، يتساءلون بحسرة لماذا لم يتمكن المتعاقبون على شؤون المدينة من المحافظة على الطراز الهندسي الجميل و يصدون فوضى العمران التي طالت المدينة و حاصرت معالمها التاريخية النادرة؟!.
فريد.غ