التركيبة الهوياتية العربية تبحث عن نفسها سينمائيا
تناولت بعض الأفلام التي عرضت ضمن فعاليات مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، مسألة الهوية وتعاطي المجتمع والسلطة مع مركباتها في البلدان العربية، خاصة في ظل الأوضاع التي مرت بها تلك الدول والتي لا تزال متواصلة تنخر ركائز المجتمع، ويبدو أن عدسة الكاميرات راحت تغوص في أعماق أنثروبولوجيا المجتمعات، لتبحث عن جذور التركيبة الهوياتية التي تسمح لها بجمع أدلة حول عراقة تلك المركبات، وأنها لن تموت أو تختفي مهما فعل بها المدمرون والمخربون.
ورغم أن الفيلم المشترك الجزائري التونسي «أوغسطينوس»، قد صنع فرجة سينمائية نقلت الجمهور بقاعة سينما المغرب للماضي القديم، إلا أنه من الواضح أنه ارتكز على عملية تنقيب عن جوانب من فسيفساء الهوية الوطنية في زمن تكاد معالمه تطمس في ظل التحولات والأوضاع التي يتخبط فيها العالم كله والعرب بصفة خاصة في دوامة البحث عن «الأنا» الذي قد يتصور أنها في «الآخر»، كما أن ميزة هذا العمل هو تجسيد النقلة النوعية في السينما العربية من خلال اشتراك الجزائر و تونس في الإنتاج ومصر في الإخراج.
«أوغسطينوس» شخصية ولدت وعاشت فترة من الزمن في الجزائر بين منطقة سوق اهراس وعنابة، وفيلسوف ترك بصماته في تاريخ البلاد، ورغم أن عدة أفلام تناولت سيرته، إلا أن ظروف البلدان العربية المتدهورة أمنيا وهوياتيا، يبدو أنها أصبحت تستدعي النبش في الماضي وأنثروبولوجيا الإنسان للبحث عن صور منيرة للتسامح والتعايش الديني و معان أعمق للهوية بتركيبتها المتنوعة، لإسقاط كل هذا على واقع مرير، ربما نجم عن الهوة بين ماضيه وحاضره عبر الحقب التاريخية، هذا ما أراد تفسيره طاقم الفيلم خلال النقاش بعد العرض الذي اعتبرته الفنانة اللبنانية مادلين طبر «فيلما عالميا» لأبعاده الحضارية والإنسانية، بعيدا عن طغيان المعطى الديني والعقائدي الذي أصبح اليوم يصنع مشاهد العنف في الوطن العربي.
هو ذات المعطى الذي حاول المخرج المصري وحيد صبحي معالجته من خلال العودة لجزئية من تركيبة المجتمع المصري وهم الأرمن الذين تناولهم في فيلم وثائقي «احنا المصريين الأرمن»، و الذين يعيشون منذ أزمنة في مصر ومندمجين في المجتمع يصنعون يومياته وميزتهم أن أغلبهم فنانون، لكن ربما لم يأخذوا حقهم في التناول، سواء التاريخي أو الإعلامي أو السينمائي، وأوضح المخرج خلال جلسة النقاش بقاعة السينيماتيك، أن هؤلاء الفنانين ذوي الجذور الأرمنية، يخشون البوح بهذه الحقيقة، خوفا من أن يقاطع المصريون أعمالهم، بما أن الذاكرة المصرية لا تحفظ لهم وجودا في سيرورتها التاريخية، رغم أنهم أصبحوا يشكلون جزءا من ذاكرتها وهويتها.
ولعل الفيلم الوثائقي التونسي «سيدة من رماد» للمخرجة سامية بوعلاقي، ظل في ذات النسق، مع تغيير المعطى بتطرقها لمسألة التخريب والدمار الذي مس أضرحة الأولياء الصالحين تحت تبريرات متعددة ومسميات مختلفة، حيث حاولت المخرجة إعادة الولية الصالحة «منوبية» للحياة، بعد أن تم تدمير ضريحها خلال الأوضاع الأمنية المتدهورة التي مرت بها تونس، وتم عبر العمل إبراز دور هذه السيدة الصوفية التي كانت تلبي حاجات قاصديها وكأنها تتكفل بهمومهم ومشاكلهم وحتى حاجاتهم المعيشية.
وقالت المخرجة أنها لم تكن تريد أن تنظر وتقدم طرحا أكاديميا عن السيدة منوبية و الأضرحة، لكنها حاولت نقل واقع عاشت هي نفسها جوانب منه، في محاولة لإبراز دور هؤلاء الأولياء الصالحين في رسم معالم المجتمع التونسي، مثله مثل باقي المجتمعات العربية، رغم أن عمق هذه المجتمعات لا يبتعد عن الإيمان بالله. وذكرت المخرجة أن نسوة المنطقة، لا يزلن يتناقلن كرامات السيدة المنوبية التي تعد جزءا من هويتهن وذاكرتهن، ولعل هذا يتجسد من خلال الحكايا والأساطير التي لا تزال تتداول في المجتمع عن هذه السيدة الصوفية المباركة، ولكن من أجل التصوير، و حسب المخرجة فإن النسوة رفضن الظهور في الفيلم، خوفا من تعرضهن لإعتداءات. وهكذا يتشبث العرب بأشعة ضوء تنبعث من الماضي للدلالة على إنتماء معين، ضمن منظومة هوياتية قد تقصي أجزاء منها.
هوارية ب