العائـــــــلات القسنطينيــــة تتـــصالح مع «نصـب الأمــــوات»
يشهد المعلم التاريخي "نصب الأموات" كل مساء توافد عدد كبير من العائلات القسنطينية وحتى الزوار من خارج الولاية بالإضافة للسواح الأجانب، لأخذ قسط من الراحة و الاسترخاء و التمتع بجمال الطبيعة المحيطة به خصوصا أنه يقع على صخرة يبلغ علوها 635 مترا فوق الضفة اليمنى لوادي الرمال تسمح لزائرها بالتمتع ببانوراما ساحرة لمدينة الجسور المعلقة.
ويعد «نصب الأموات» من المعالم التاريخية التي تزخر بها مدينة العلم والعلماء، حيث شيد سنة 1934 تخليدا لموتى فرنسا بالإضافة لأبناء المدينة و اليهود الذين ماتوا في الحرب العالمية الأولى، ومنذ تلك الفترة وهذا المعلم يتحدى الزمن، وبعد الاستقلال أصبحت العائلات القسنطينية تتخذه مكانا لالتقاط الأنفاس والراحة بعد عناء يوم طويل، قبل أن تتدهور حالته ويتعرض لإهمال كبير جعل المعلم و المناطق المجاورة له مرتعا للمنحرفين و مسرحا لممارسات غير أخلاقية شوهت سمعته المكان، وجعلت العائلات تقاطعه لمدة قاربت العقدين.
وقبل احتضان قسنطينة لتظاهرة «عاصمة الثقافة العربية» خضع هذا المعلم التاريخي لعملية إعادة تهيئة واسعة، وسخرت السلطات فرقا تسهر على تأمينه و سلامة زواره على مدار 24 ساعة، بالإضافة لتخصيص مكان لركن السيارات.
ومع هذا لم تكن عودة العائلات القسنطينية إلى «نصب الأموات» مثلما هو عليه الحال الآن حيث بقيت مترددة خصوصا أن المكان تشوهت سمعته كثيرا في العقدين الفارطين وبقي مقتصرا على بعض الشباب الذين يتوافدون عليه لالتقاط بعض الصور التذكارية، لكن مع مرور الوقت عادت العائلات إليه تدريجيا.
ولم تقتصر زيارة هذا المعلم على العائلات القسنطينية فقط بل حتى زوار المدينة من مختلف أنحاء الوطن يقصدونه لأخذ صور تذكارية ، حيث يلاحظ بحظيرة السيارات الموجودة بالمكان لوحات ترقيم من مختلف الولايات، وهناك من يفضل ركن السيارة في وسط المدينة والتوجه إلى «نصب الأموات « مشيا على الأقدام حيث يسمح لهم بالمرور بعدة معالم من بينها جسر سيدي مسيد المعلق والذي يشكل نقطة التقاء بين كتلتي مدينة قسنطينة من نهج القصبة وصولا إلى مستشفى قسنطينة ويمنحهم أيضا فرصة مشاهدة وادي الرمال، ومن ثم الصعود إلى «نصب الأموات» عبر السلالم المحاذية للمستشفى خصوصا أن تلك المنطقة قد تم إعادة تهيئتها من طرف بعض الشبان الغيورين على المدينة، حيث تم طلاء السلالم بألوان مختلفة وغرس أشجار على طول الطريق المؤدي للمعلم.
وصادف تواجدنا بالمكان وجود سيارات من تونس، حيث علمنا من صاحب الكشك الموجود بالمكان أن عددا كبيرا من السواح التونسيين يتوافدون يوميا على المكان في أول يوم يزورون فيه مدينة الجسور المعلقة، بالإضافة للزوار الأتراك و الصينيين ممن يعملون بمشاريع بالمدينة، حيث يفضلون قضاء يوم العطلة بالتمتع بسحر المكان.
ويزداد جمال المكان في الفترة الليلية التي يرتفع فيها توافد عائلات تصطحب الأطفال للعب في محيط المكان، وقد عبر لنا العديد من زوار المكان عن أسفهم على وضعية خريطة قسنطينة المنقوشة فوق طاولة توضيحية لمواقع المدينة وضواحيها ، حيث تعرضت للتخريب العمدي.
كما تمنى العديد ممن حدثناهم أن يتم تخصيص فضاءات جانبية ومرافق كالمطاعم و المقاهي، مع العلم أن أحد أصحاب البيوت الهشة المجاورة لنصب الأموات قد استغل الفرصة وقام بتخصيص ركن لبيع الشاي ومختلف أنواع المكسرات.
وأعرب العديد من المعلم عن أملهم في فتح السلالم المؤدية إلى أعلى النصب، حيث يوجد تمثال النصر الذي يبدو كأنه امرأة مجنحة تشبه طائرا خرافيا يتأهب للتحليق، وقد كان في السابق مفتوحا قبل أن يغلق لعقدين من الزمن بعد أن تحول المكان إلى وكر للمنحرفين لتناول الخمور و المخدرات.
فوغالي زين العابدين