أطفال يبيعون الفحم و آخرون يغامرون تحت عجلات الشاحنات لجمع بقايا التبن
انخرط العديد من الأطفال هذه الأيام في نشاط تجارة بيع بقايا التبن و الكلأ و الفحم ومساعدة الزبائن على حراسة ونقل الماشية، مقابل عائد مادي يضمن لهم شراء المستلزمات الموسم الدراسي و مساعدة عائلاتهم على توفير مصاريف العيد و أعبائه، في مشهد يعكس واقع الكثير من المحتاجين ممن سرق منهم الفقر براءة الطفولة و شوه فرحتهم بالعيد .
يغامر العديد من الأطفال كل عيد أضحى بالتنقل بين الأسواق، لجمع بقايا التبن و الكلأ التي يخلفها الباعة والموالون تحت عجلات شاحناتهم، إذ يقومون بملأ أكياس بلاستيكية بما يجدونه من تبن ليعيدوا بيعه على مستوى الأحياء و الشوارع مقابل أسعار زهيدة تتراوح بين 50دج و 100دج، ليدخروا مبالغة مالية تساعدهم على توفير جزء من مصاريف الدخول المدرسية لتخفيف الأعباء على أسرهم.
مصطفى 15 سنة، يدرس بإحدى المتوسطات التابعة إقليميا لبلدية بئر ولد خليفة بولاية عين الدفلى، واحد من الأطفال الذين قابلنهم قرب إحدى نقاط بيع الأضاحي بالمدينة، أين كان منهمكا بجمع الكلأ الملقى أسفل شاحنة أحد الموالين، سألناه عن السبب فأخبرنا بأنه يستغل تنظيم السوق الأسبوعي كل يوم أحد، ليجمع بقايا التبن على أمل إعادة بيعه مقابل 100 دج للكيس الواحد، حتى يتسنى له لاحقا توفير مبلغ مقبول في حدود 250دج، يعيد استثمراه في شراء ربطة كلأ كاملة يعيد بعد ذلك بيعها للزبائن مقابل مبلغ قد يصل حتى 400دج، وهو نشاط قال بأنه اعتاد على ممارسته هو وبعض أصدقائه عشية كل عيد أضحى منذ قرابة الثلاث سنوات، حتى وان كان في ذلك احتمال التعرض للدهس من شاحنات الموالين، مضيفا بأن والده لا يعارض فكرة عمله هذه لأنه يعيل أسرة كبيرة و لا يمكنه توفير كل احتياجاتها خصوصا خلال فترة العيد التي عادة ما تتزامن مع الدخول المدرسي، لذا فان تحمل جزء من المسؤولية من شأنه أن يخفف على والده العبء و يوفر له مستلزمات الالتحاق بالمدرسة كل سنة.
ليس بعيدا عن مصطفى قابلنا شقيقيان لا تتجاوز اعمارها 14 و 16سنة وهما « محمد و ياسر»، كانا يبيعان مادة الفحم بسعر يتراوح بين 150 إلى 200 دج للكلوغرام، كان الشقيق الأكبر ينادي على بضاعته بينما يحرس أخوه كيس الفحم متوسط الحجم و ميزانا حديديا بمحاذاته حزمة من الأكياس البلاستيكية، حدثناهما على أساس أننا زبائن فلاحظنا بأنهما يفقهان جيدا في طبيعة الفحم الجيد من المغشوش و يعرفان مصدر الخشب الملائم لصناعة مادة الفحم كالبلوط و الصنوبر والسنديان، حتى أن الشقيق الأكبر أخبرنا بأنه يمكن تفحيم أغصان الأشجار الميتة كاللوز و الزيتون والحمضيات تحت درجة حرارة عالية، وعن الاختلاف في أسعار الفحم الذي يعرضانه قال محدثنا، أن النوع الجيد قليل الرطوبة و لا ينكسر بسرعة، فهو كما عبر، فحم صلب عكس باقي الأنواع الأخرى التي تصدر دخانا كثيفا بدلا من النار أو ما يسمى محليا «بالمرعوب «» القاتل.
هذه الثقافة الواسعة أكتسبها الأخوان اكتسبها الأخوان كما أخبرانا، من تجربتهما في مرافقة والدهما سنويا خلال امتهانه لهذا النشاط الموسمي، فهو من يجمع الخشب و يعد الفحم كما أوضحا لنا، بينما يبيعانه هما على ناصية الطريق أو عند نقاط بيع الأضاحي، أما هو فيتنقل فقط إلى السوق الأسبوعية لبيعه خلال الأسبوعين اللذان يسبقان العيد، علما أنه عامل بناء في الأصل لكنه يمتهن التجارة الموسمية و يشركهما فيها كل عيد أضحى ليوفر مصاريف تمدرسهما و يجمع بدوره ثمن الأضحية.
من قابلناهم من أطفال خلال جولتنا لم يكونوا وحدهم تجارا فوق العادة، فالعديد من تلاميذ المدارس والمراهقين، انخرطوا في نشاط البيع الموسمي الذي يسبق العيد، فمن لم يبع كلآ باع أكياس حفظ و تخزين بلاستيكية، ومن لم يعرض فحما عرض أعواد الشواء و أخشاب التقطيع، أو عرض خدماتهم في إيصال الأضحية إلى غاية سيارة الزبون، أو وحراسة الماشية و حتى تنظيف الشاحنات التي ينقل فيها الموالون و الباعة ماشيتهم أسبوعيا إلى الأسواق و نقاط البيع، في مشهد بات مألوفا يتكرر قبيل عيد الأضحى في عين الدفلى وولايات عديدة.
هشام ج