نثــر حبات الرمان مع شــق أول ثلم يُبـشر بموســـم فلاحي خصــب
يعتقد الفلاحون في أرياف ولاية قسنطينة قديما، بأن نثر حبات الرمان مع شق أول ثلم في موسم الحرث و البذر الذي يصادف هذه الأيام، فأل خير يبشر بموسم فلاحي خصب، مرصعة سنابله ترصع حبات الرمان الحمراء، المنحنية الرؤوس، هذه العادة شرعت في الاختفاء، مع بداية الانتشار الواسع للمكننة لدى ظهور الثورة الزراعية بداية السبعينيات، واختفاء المحراث التقليدي، إلا أن بعض الفلاحين في بلدية عين عبيد على قلتهم ، لا يزالوا محافظين عليها.
الحاج يوسف لخضارة أحد الفلاحين المتمسكين بعادات الأقدمين قال للنصر بأن هذا "المبدأ"، كما أطلق على العادة المذكورة، من تقاليد القدامى و يحرص عليه شخصيا بنية توريث ذلك لأبنائه، ويؤكّد أن إحياء "المبدأ" يكون بإعداد طبق الشخشوخة بلحم الخروف، كمظهر للاحتفال داخل الأسرة و توزيع الطبق على العمال، ثم نثر حبات الرمان مع أول ثلم يشقه محراث جراره وسط الحقول ، على الرغم من أن أبناءه هم الذين يزاولون النشاط الفلاحي، وهذا ما جعله يؤكد أن الاحتفال عائلي، على الرغم من حرصه على استضافة بعض الأحباب و الفلاحين في يوم بهجة وسرور،و أضاف بأن الكثيرين تخلوا عن ذلك، مع دخول الآلة الحديثة قطاع الفلاحة وزوال الوسائل التقليدية التي أصبحت من التاريخ، فقطاع الفلاحة شهد تطورا كبيرا في ظل الثورة الزراعية و دخول الآلات فمحيت الكثير من العادات، ومحيت من الذاكرة الشعبية والمعتقد الميثولوجي، فلم يرثها الجيل الجديد عمن سبقه، وبقيت مجرد حكايات يرويها بعض من عاشوا وعايشوا زمن التقيد بها،و لا يزال يرويها عمي السعيد شعبي في حكاياته مع أقرانه و كذا للشباب بنوع من العجب والتعجب من "سيرة ناس بكري" وبراءة معتقداتهم.
منع النساء من التزين بالكحل وعدم رمي روث المواشي
موسم البذر، يقول عمي السعيد، يبدأ في غرة أكتوبر في مثل هذه الفترة، وهو حدث مميز في حياة الأسرة الجزائرية، الفلاحية بطبعها، و تصاحبه بعض المظاهر التي يصل التقيد بها حد الاعتقاد بها، ومن بينها منع النساء من التزين بالكحل طوال موسم البذر، اعتقادا بأن ذلك يتسبب في إصابة مختلف حقول الحبوب، وعلى رأسها القمح الصلب الأكثر زراعة بالمنطقة ، بالتفحم المعروف محليا بالـ "كحايلة" ، و هي كلمة مشتقة من الكحل، وكذا التوقف عن رمي فضلات الحيوانات، يقول نفس المتحدث، فتراكمها يبشر بتراكم حزم السنابل في النوادر، و بالتالي يكون المحصول وفيرا في موسم الحصاد و الدرس.
ومن الأكلات التي تعد بالمناسبة، الطمينة التي تسمى محليا بـ "الزرير" على أن تؤكل من يد امرأة، و تسف دون مضغ، لترمز لكثرة المحصول و الحب في الأكياس، و وسائل التخزين مطمورا أو سردابا.
هذا فيما يخص المعتقدات داخل جدران البيت وبين أفراد الأسرة، وفي الحقل ومع أول ثلم،تشقه سكة المحراث اليدوي، تنثر حبات الرمان الحمراء فيه، وهذا أملا في أن يكون الإنتاج بنفس كثافة حبات الرمان وحجم ولون هذه الفاكهة، وهي مرصعة في السنبلة، التي تنحني أمام المناجل حياء بما تضمه من خيرات.
هذه الممارسات الشعبية ، كما أكد محدثنا، الالتزام بها كان راسخا و إجباريا، ويعاقب بصرامة من لا يتقيد بذلك طيلة الأسبوع الأول من عملية البذر التي تبدأ بحلول موسم الرمان.
الباحث في علم الاجتماع ومدرس مقياس الأنثرويولوجيا بجامعة قسنطينة 2 ، الأستاذ فوزي مجماج قال للنصر بهذا الخصوص، "تعود هذه الممارسات الطقوسية إلى عهود قديمة عرفت بها المجتمعات الزراعية، و هي ناجمة عن الاعتقاد الراسخ بخصوبة الأرض التي يمثلها شكل خصوبة رحم المرأة مثلا، لذلك تتلاءم كل تلك الأشكال في إسقاطات ذاتية يتحكم بها وجود منطق متشابه يصنف على أنه بدائي" و كان يعتقد الناس بأنه يسقط على الطبيعة، فنجد الكثير من هذه الممارسات في مجتمعنا اليوم و هي ميراث قديم، قد تضرب أصول منبته إلى حقب بعيدة جدا .
ص. رضوان