«إدوارد سعيد: من نقد خطاب الاستشراق إلى نقد الرّواية الكولونيالية»
صدر منذ أيّام، كتاب جديد بعنوان «إدوارد سعيد: من نقد خطاب الاستشراق إلى نقد الرّواية الكولونيالية» عن منشورات ميم 2017، ويتناول الكتاب الخطاب المعرفي والنقدي عند أهم مفكري ونقاد القرن العشرين البروفيسور إدوارد سعيد.
عن هذا الإصدار يقول الناقد الأدبي لونيس بن علي «لقد تأسست فكرة هذا المشروع النقدي على هذا الإحساس بالحاجة إلى فكر إدوارد سعيد الّذي جابه به الامبريالية الغربية، بكلّ جرأة وشجاعة، لأجل فهم آليات اشتغال الثقافة والفكر الغربيين، في ظلّ استمرار الوعي الامبريالي، الّذي ما زال يتحرّك داخل إطار المشروع الإمبراطوري الّذي لم يأفل بعد، رغم أنّ الشكل التقليدي للاستعمار قد ولّى زمنه، بعد حركات الاستقلال الوطني التي شهدها التاريخ المُعاصر منذ خمسينيات القرن العشرين».
وحسب المؤلف، فإنّ كتابات إدوارد سعيد، تحتفظ بتوهجها النقدي، سواء على صعيد ابتكار أدوات جديدة لقراءة الخطاب الإمبريالي «الاستعمار، العولمة، الامبريالية الاقتصادية...إلخ» أو على صعيد الأهداف الإنسانية التي كان يروم إليها، وعلى رأسها استعادة هويات الأطراف لكياناتها المستبعدة تاريخيا، وكذا تبني مشروع المقاومة الثقافية في وجه الغطرسة الامبريالية الغربية، التي مازالت حبيسة جشعها التاريخي والجغرافي.
وقد حاول الدكتور لونيس بن علي في هذا الكتاب، إبراز أهم الأفكار التي اشتغل عليها إدوارد سعيد طيلة حياته المعرفية الصاخبة بالسجالات المعرفية في قلب الامبريالية الغربية. فحصرناها في ثلاثة محاور أساسية: المحور الأوّل تعلّق بإبراز الرؤية النقدية لإدوارد سعيد في نقده للاستشراق الغربي، فقد طوّر منهجا حفريا في نقد الاستشراق بوصفه خطابا، مبرزا مسارات التلاقي بين المعرفة الاستشراقية بالسلطة الامبريالية، سواء أتعلق الأمر بالاستشراق العلمي أم بالاستشراق الرمزي. وقد بينا الاستفادة التي ظفر بها سعيد وهو يتعامل مع المنظومة المفاهيمية عند ميشال فوكو، صاحب المنهج الأركيولوجي الذي بيّن ما للخطابات من سلط.
أمّا المحور الثاني، فكان منصبا على تفكيك جدلية العالم والنّص، من خلال الموقف النقدي الصارم الّذي أبداه إدوارد سعيد من النظريات الأدبية –النصيّة تحديدا– التي ساهمت من خلال نزعتها النصية، في تجريد الممارسة النقدية من بعدها التاريخي، بل وساهمت في تعزيز حضور الوعي الديني داخل الثقافة، حتى أنّ النقد الجامعي تحوّل إلى نوع من الحقل اللاهوتي الّذي يضم مجموعة من الحواريين. وفي هذا المحور، ينبثق بوضوح مفهوم «الوعي النقدي» الّذي عرّفه إدوارد سعيد بأنّه وعيٌ مُقاوم لأي شكل من أشكال تغريب الثقافة في المجتمع باسم النصيّة تارة، وباسم العلموية تارة أخرى. بل أنّ المسار الحقيقي للنقد أن يكون علمانيا، أي قادرا على إدراك العلاقات بين المعرفة والنصوص بالسلطة مهما كان شكلها، وبذلك نقدها وفضحها.
في حين تناول المحور الثالث، الّذي اشتغل فيه الدكتور بن علي، على علاقة السرد بالإمبراطورية من جهة، وقصد بهذا، أنّ الرواية الأوروبية لم تكن بريئة تماما من النزعة الاستعمارية، بل كانت مواكبة لأطروحاتها، ومجسدة لها. ومن جهة أخرى، أبرز بن علي، أنّ أهمية السرد أيضا –وتحديدا ما يُسمى بالسرد المضاد– في منظومة إدوارد سعيد النقدية، تؤكد على أنّ السرد لم يعد محايدا، بل هو أداة من أدوات تحرير الوعي من سلطة الخطاب الاستعماري.
للتذكير، الدكتور لونيس بن علي، كاتب وناقد أدبي، له العديد من الإصدارات النقدية، من بينها كتابه النقدي «الفضاء السردي في الرواية الجزائرية/ رواية الأميرة الموريسكية لمحمد ديب نموذجا»، الذي صدر العام 2015 عن منشورات الاختلاف بالجزائر، وهو عبارة عن دراسة نقدية، توسعت على مدار 200 صفحة. و كتاب «تفاحة البربري» عن دار فيسيرا.
نوّارة/ل