الجمعة 25 أكتوبر 2024 الموافق لـ 21 ربيع الثاني 1446
Accueil Top Pub

النصر ترصد ظاهرة التبذير و الطلبة في قفص الاتهام

خبــز الإقامــات الجــامعيـــة يذهب إلـى بطـــون الـمواشي

في خضمّ وضع اقتصادي حرج سبّبه انكماش عائدات النفط و توجّه الدولة إلى ترشيد النفقات العمومية، يبدو من غير المنطقي بل ضربا من الخيال، رؤية أطنان من الخبز مرمية في أقبية و مخازن الأحياء الجامعية، لكنها حقيقة وقفت عليها النصر في هذا التحقيق الذي تكشف من خلاله عن عمليات تبذير شبه منظمة، تطال يوميا كميات هائلة من الخبز المصنوع من الفرينة المدعمة التي يُكلّف استيرادها ميزانيات ضخمة، حيث ينتهي مصير جزء كبير منها، في المزارع و حتى المزابل، عوض بطن المقيم، المتهم الأول في كل ما يحصل.
تحقيق: ياسمين بوالجدري
ولاية قسنطينة التي تضم لوحدها قرابة 30 إقامة أزيد من نصفها في المدينة الجامعية، تشهد يوميا رمي أعداد كبيرة من مادة الخبز التي يخلفها الطلبة و الطالبات داخل الأحياء و المطاعم الجامعية، و يكفي المكوث هناك لفترة قصيرة خلال تقديم وجبتي الغداء و العشاء، للوقوف على حجم التبذير الحاصل، حيث شاهدنا في إحدى الإقامات طلبة و هم يحملون خبزتين كاملتين و أحيانا ثلاث، متجهين بها إلى الغرف، فيما تُترك الطاولات و حتى الأرضيات، و عليها قطع خبز لم تأكل جميعها، و ما يزيد من حجم الدهشة، هو استخدام بعض المقيمين مخلفات الخبز لتنظيف الملاعق، و حتى مسح الأحذية، كما أكده لنا أحد العمال.

و يقول موظف اشتغل بعدة أحياء جامعية بقسنطينة، إن الإقامات كانت تقدم في السابق نصف خبزة فقط للمقيم عند كل وجبة، و في حال لم تكفه، يُعطى له نصف آخر، لكن الوضع تغيّر اليوم بسبب نقص اليد العاملة التي كانت تتكفل بهذه العملية، و أصبح بإمكان الطالب حمل ما يشاء من السلة، و قد يأخذ معه خبزتين و أحيانا يصل العدد إلى 7، فيأكل واحدة فقط أو نصفها أو جزءا قليلا منها و يرمي ما تبقى، كل ذلك على مرأى العمال العاجزين، حسب محدثنا، عن منع هذه التصرفات لعدم وجود قانون يسمح لهم بذلك، فيما يلجأ آخرون إلى أسلوب الحوار و محاولة إقناع المقيم بأنه يرتكب خطأ.
مقيمون يستعملون الخبز لتنظيف الملاعق!
و للتعمق أكثر في الموضوع، زارت النصر أحد الأحياء الجامعية بقسنطينة، كعينة، و هي إقامة 8 نوفمبر 1971 للذكور، و هناك وقفنا على مشاهد صادمة لكميات من الخبز رماها المقيمون عبر الشرفات و استقرت أرضا، فيما تم تقديم بعض منها لطيور الحمام و وُضع الجزء الآخر خلف الأبواب و في زوايا الأروقة، لكن المنظر كان أكثر إثارة للدهشة في إحدى الغرف التي خصصتها الإدارة لتخزين الخبز «الصابح»، أين تم صفّ سلال كبيرة امتلأت عن آخرها و لم تكف لتخزين كل ما تم جمعه، فوُضعت سلال أخرى خارج الغرفة، و الغريب أن جزء كبيرا من هذه الكميات التي قيل لنا إنها تكدست على مدى 10 أيام، كان عبارة عن قطع خبز كاملة لم يُستهلك منها شيء.تحدثنا إلى مدير الإقامة السيد محمد بوثلجة، و الذي قال إن كميات الخبز الذي يتم تبذيره بهذا الحي الجامعي الذي يحتضن قرابة 700 مقيم، تقارب حوالي 200 خبزة كل يوم، من أصل 1200 مخصصة لوجبتي العشاء و الغداء، لكنها تقل بكثير عمّا هو مسجل بإقامات تحتضن عددا أكبر من الطلبة، مضيفا أن الأعوان و عاملات النظافة يرفعون يوميا ما حجمه 80 كيلوغراما من المطعم و من الأرض و الأروقة، ثم يجمعونها في أكياس و سلال، من أجل التخلص منها بسرعة عن طريق بيعها أو رميها خارجا، خوفا من انتشار الجرذان التي تقتات من الخبز.
خبزة الطالب تصل الفلاح بـ 3 دنانير!
و علمنا من مصادرنا، أن معظم الإقامات تلجأ إلى بيع الخبز غير الصالح للخواص، و غالبيتهم فلاحون ينقلون الكميات التي يتم شراؤها مقابل ما معدله 12 دينارا فقط للكيلوغرام، قبل تحويلها عبر شاحنات إلى مزارعهم، أين يتم تفتيت الخبز و خلطه بالنخالة و الشعير لتقديمه للمواشي من أبقار و خرفان، بعد أن كلّفت الخبزة الواحدة الخزينة العمومية، مبلغ 7.5 دينار.
و بعملية حسابية بسيطة و إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن وزن الخبزة الواحدة يُقدّر بـ 250 غراما، يتضح أن هذه الخبزة، و إن لم تُرمى في المزابل، فإنها سُتباع في أحسن الأحوال بمبلغ 3 دنانير للفلاحين، أي بأقل من 60 بالمئة عن سعرها الأصلي، الذي يُفترض أن يكون أكبر، و ذلك بالنظر إلى تكاليف تدعيم الدولة لمادة الفرينة المستوردة في شكل قمح لين كلّف العام الماضي فقط، و بحسب إحصائيات قدمتها مصالح الجمارك، 1.13 مليار دولار.
مدير إقامة 8 نوفمبر قال للنصر إن هذه الكميات تتضاعف بكثير خلال شهر رمضان، أين تزداد مظاهر تبذير الخبز بشكل كبير، فيما وجدت الإدارة نفسها عاجزة عن التصرف، فهي مُلزمة، من جهة، بضمان خبزة على الأقل لكل مقيم، و من جهة أخرى لا يمكنها من الجانب القانوني تقليص حجم ما يتم شراؤه يوميا من الخبازين المتعاقدين مع الخدمات الجامعية، لكنها تلجأ في العديد من المرات إلى إرسال الكميات المتبقية إلى الإقامات الأخرى التي تحتاجها، قبل أن تفسد، فيما تضطر إلى بيع أو رمي ما لم يعد صالحا للاستهلاك، كما تقوم بالتقليل من الحصة في الأيام التي يكون فيها الطبق الرئيسي عبارة عن معجنات.
مقيمون يتحجّجون بالخوف من الجوع

و يرى السيد بوثلجة الذي قضى سنوات عديدة في قطاع الخدمات الجامعية، أنه يجب توعية الطلبة بضرورة الحد من التبذير، في ظل وجود فراغ قانوني في هذا الشأن، و لم لا اللجوء، حسبه، إلى المأكولات الخفيفة التي تلقى إقبالا أكثر من طرف الشباب، فيما سبق لإدارة الخدمات الجامعية بقسنطينة، أن لجأت إلى اعتماد نظام الخدمة الذاتية أو “سيلف سيرفيس»، من أجل تلبية رغبات الطالب و الاقتصاد في تكاليف الإطعام لتجنب التبذير، و ذلك بعد نجاح هذه التجربة لدى تطبيقها سنة 2014 على عدد قليل من الطلبة و الطالبات في إقامات بالخروب و بالحي الجامعي لالا فاطمة نسومر.النصر اقتربت من بعض الطلبة المقيمين لمعرفة رأيهم فيما يحصل، و قد أظهر أغلبهم وعيا بأن ما يحدث عبارة عن عمليات تبذير تخطّت الحدود، لكن كلا منهم وجد مبررا لما يحصل، و من بينهم يحيى و هو طالب من ولاية ميلة يدرس تخصص الأشغال العمومية، قال إنه يضطر إلى استعمال خبزة كاملة يأكل نصفها خلال الوجبة، و يأخذ معه النصف الآخر إلى الغرفة لاستهلاكها في حال شعر بالجوع، فيما اعترف حسام الذي قدم من سطيف لدراسة تخصص الهندسة الميكانيكية، أن هناك من زملائه من يأخذ معه ما يزيد عن حاجته بكثير.أما  فاروق الطالب في كلية العلوم الدقيقة فقدّم تفسيرا آخر، حيث قال إن المقيمين يتعشّون باكرا ضمن الموعد المحدد بين الخامسة و النصف و السادسة و النصف، لذلك فإنهم يشعرون بالجوع خلال ما تبقى من ساعات المساء، خاصة إذا قضوها في التحضير للامتحانات و المراجعة، لذلك يلجأون إلى أخذ كميات من الخبز معهم إلى الغرف.و بين حجج الطلبة و تفسيرات الإدارة، تستمر مظاهر التبذير في العديد من الإقامات الجامعية عبر الوطن، و هو ما يتطلب، برأي المتابعين، القيام بعمليات تحسيس تشارك فيها التنظيمات الطلابية، و كذا اعتماد نظام أكثر صرامة في توزيع الخبز، يضمن للمقيم استهلاك ما يحتاجه فقط.
ي.ب

جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com