"لاسيتي هاوسا".. مقاطعة للنازحين من النيجر بقلب فرجيوة
"لاسيتي هاوسا" ..تسمية جديدة أصبحت تطلق على أحد أحياء مدينة فرجيوة بولاية ميلة، بعد أن اختيرت المنطقة لإيواء نازحين من النيجر تزايد عددهم في ظرف سنة، لتتشكل تدريجيا "مقاطعة" تجمع بين مختلف المتناقضات.. أفرادها يعيشون على التسول نهارا، بالتنقل يوميا وبطريقة منظمة إلى مدينة قسنطينة ومدن مجاورة لها، و الانتشار عبر الأحياء والطرقات، في نظام توزع فيه الأدوار بشكل مدروس ينتهي مساء بالعودة إلى "لاسيتي هاوسا"، أين تظهر طقوس إفريقية من خلال نمط العيش والأكل واللباس.
روبورتاج:عبد الله بودبابة
النازحون المنحدرون من قبيلة "هاوسا" يأكلون الجراد المجفف ويرتدون أزياءهم المزركشة ولا يجدون حرجا في الاستحمام في وديان وبرك، إلا أنهم لا يشربون مياه الحنفيات و يقتنون الحفاظات لأطفالهم، كما أن وجودهم داخل خيم لم يمنعهم من التزاوج والإنجاب والرقص ورسم خطط لحياتهم بالجزائر، لأنهم لا ينوون العودة من حيث أتوا بعد أن ساعدهم التسول على توديع حالة الفقر التي دفعتهم إلى هنا.
يعتقد كثيرون أن الوضع الأمني وراء الانتشار الكبير للأفارقة ببعض المدن الشمالية على غرار ولاية قسنطينة، إلا أن الحقيقة أبعد بكثير عن الواقع الذي يراه البعض من منظور فيه قراءات للوضع السياسي وما خلفه من صعوبات اجتماعية لدول الجوار، ما جعل الكثيرين يعتقدون أن العدد الكبير للأفارقة المنتشرين عبر مختلف أرجاء مدينة قسنطينة والذين يختفون ليلا بطريقة غامضة، فارون من دولة مالي المجاورة.
إن مشهد المعاناة اليومية لمئات الأفارقة المنتشرين عبر أحياء مدينة قسنطينة، وهم يحملون أبناءهم بطرق تعرف بها دول إفريقية ، جعل الكثير من المواطنين يسارعون لتقديم يد المساعدة لهم، فالعشرات ممن تكلمنا معهم عن سبب مساعدتهم للأفارقة، عبروا عن تأثرهم بمدى المعاناة التي يعيشونها وتعاطفهم معهم.
ومع تواصل مراقبتنا لنشاط الأفارقة المنتشرين عبر الشوارع والطرق الرئيسية للمدينة، موازاة مع التزايد المتسارع للوافدين، لاحظنا خلو المدينة منهم ليلا، فأي ملاحظ بسيط، يستطيع أن يشعر باختفائهم مساء، رغم أن المألوف والمنطقي هو مشاهدتهم ليلا ببعض الأحياء والحدائق، وحتى ببعض الزوايا المعزولة، لكن وفي خضم موجة الوافدين خلال الأشهر الأخيرة، أصبح من الصعب العثور على شخص واحد ليلا، رغم الأعداد الهائلة التي تغزو المدينة باقي النهار، وهو ما دفع بنا إلى تتبع تحركاتهم اليومية، والكشف عن الوجهة التي يقصدونها للمبيت ليلا، قبل العودة صباحا إلى نشاطهم الذي أضحى مألوفا للكثيرين.
أمسية من المراقبة تكشف وجهة الأفارقة
لم تكن بداية المراقبة مشوقة كثيرا، فالبقاء في مكان واحد كان أمرا مضجرا في البداية لتكرار نفس المشهد، مراقبة أم تحاول سد جوع ابنيها بما تصدق به بعض المارة عليها من طعام، في وقت يرمي بعض ممن لا يقدرون على مقاومة براءة الصغار، الذين يتحركون بين أرجل المارة، بقطع نقدية داخل إناء معدني صغير. الملل زال عند اقتراب الساعة الثالثة زوالا، حيث لاحظنا أن أعداد العائلات الإفريقية تتراجع بوسط المدينة، في هذا الوقت كنا قرب مقر البريد المركزي وسط قسنطينة، في مراقبة أم شابة، بدأت تستعد وجمعت ما تحمله من أكياس بها بقايا أكل وصدقات.
اقترب منها شاب في العقد الثاني من عمره، بدا من الوهلة الأولى أنه زوجها، حيث رافقها نحو مدخل حي رحماني عاشور قبل أن يتركها تتابع سيرها نزولا، ويعود مرة أخرى، ويقوم بمرافقة امرأة أخرى وابنيها، وتكرر المشهد مع عدة شباب، حيث تبين أنهم يقومون بتأمين تلك النسوة وإرشادهن نحو منطقة رحماني عاشور، ليتابع الجميع سيرهم على الأقدام نزولا، ليتواصل تتبعنا لعشرات العائلات التي كانت تسير في نفس الطريق، إلى أن بلغنا أسفل الجسر العملاق، عندما لمحنا جماعات متفرقة من العائلات الإفريقية تسلك الطريق المقابل الرابط بين حي باب القنطرة نزولا عبر حي رومانيا سابقا، لنكتشف أن وجهة الجميع كانت نحو محطة المسافرين الشرقية، التي من المرجح أن تكون مأوى كل الوافدين، خصوصا وأنها ملجأ الكثير من المتشردين والمتسولين، حتى أصبحت معلما خاصا لهذه الفئة.
محطة المسافرين نقطة انطلاق وليست وجهة
معرفتنا المبدئية بوجهة العائلات الإفريقية، أوحت لنا أننا تمكنا من الوصول إلى مكان مبيت عشرات النازحين الأفارقة وعائلاتهم، ما جعلنا نحاول تخيل المكان ليلا بعد أن يخلو من حركة السيارات والحافلات، وهو الفضول الذي دفعنا إلى الإسراع نحو المحطة الشرقية من أجل تفقدها مع تواصل توافد عشرات النسوة والأطفال الصغار.
غير أن المفاجأة كانت صادمة، حيث أن المبنى القديم المتأثر بمرور السنوات من أي مظهر غريب، خلا من الحركة وكان كل المسافرين من المواطنين العاديين ولم يظهر أي أثر للأفارقة، حتى خيل لنا أننا ضيعناهم، لنعود من جديد إلى آخر نقطة تركنا فيها النسوة والأطفال، أين تجمع العشرات بالقرب من أحد الأسوار، قبل ركوبهم سيارات فرود، وقد بدا جليا و من الوهلة الأولى أن معرفة سابقة تجمع أصحاب السيارات بهم، وبعد محاولات للتقرب منهم لمعرفة السبب تبين أن كل أصحاب سيارات الفرود من خارج ولاية قسنطينة، وبالضبط من منطقة فرجيوة بولاية ميلة، علمنا من خلال المتابعة و الاستفسار أنهم تنقلوا صباحا من ولاية فرجيوة نحو قسنطينة رفقة عائلات إفريقية، قبل العودة بهم مساء إلى نفس المكان.
وبعد معاينة قصيرة، تحققنا أن كل العائلات الإفريقية التي تقضي يومها بشوارع مدينة قسنطينة، تغادر فعلا في الفترة المسائية نحو دائرة فرجيوة بولاية ميلة، وهو الأمر الذي طرح عديد علامات الإستفهام، ودفع بنا لوضع خطة من أجل الوصول إلى المكان الذي يعيش به مئات النازحين من الدول الإفريقية، في محاولة الكشف عن السر، والإجابة على فضول الكثيرين، لننطلق بعد ساعة ونصف من المسير على متن السيارة نحو دائرة فرجيوة، أين استقبلنا دليلنا، الذي قدم لنا تفاصيل عن قضية الأفارقة وعلاقتهم بالمدينة، والتي تمتد إلى أكثر من سنة ،وقال أن السكان ألفوا تواجدهم بالمدينة، وبالأخص في منطقة تسمى "لاسيتي"، أين يوجد مستودع كبير استغلته عشرات العائلات كمأوى لها.
6 آلاف دينار من وإلى فرجيوة يوميا
أول سؤال أردنا أن نجد له إجابة، هو مردودية نقل العائلات اللاجئة بين ولايتي قسنطينة و ميلة، إذ تبدو العملية من الوهلة الأولى أمرا غريبا، وغير مجد نظرا للفقر الظاهر على اللاجئين، إلى جانب المخاطر الصحية التي يمكن أن يسببونها لكل من يحتك معهم، خصوصا وأن دولهم تعرف انتشارا كبيرا لبعض الأمراض التي لها علاقة بالمناخ والفقر، إلا أنه وبعد محاولات حثيثة من أجل معرفة السر وراء تهافت العشرات من أصحاب سيارات "الفرود" للظفر برحلة نقل الأفارقة، تبين أن الرحلة التي تنطلق صباحا حوالي الساعة السابعة والنصف من مدينة فرجيوة، تصل لمحطة المسافرين الشرقية بقسنطينة بعد حوالي ساعة ونصف من المسير، يظل بعدها السائق في نفس المكان لأزيد من ست ساعات في انتظار عودة من أقلهم صباحا، ليعود بهم نحو مستودع "لاسيتي" بفرجيوة، مقابل مبلغ مالي معتبر أكدت مصادر "النصر" أنه يصل 6 آلاف دينار يوميا، أي ما يعادل 18 مليون سنتيم مدة شهر فقط من التنقل بين الولايتين، وهو ما جعل هذا النشاط يتحول إلى عمل يومي لأزيد من 20 سيارة تتنقل يوميا بين قسنطينة وميلة فقط، وفور وصول السيارة إلى المكان المحدد يتم تسديد مبلغ الرحلة مباشرة، في حين يقوم بعض أصحاب حافلات المسافرين من نوع "تويوتا كواستير" بإنهاء يوم من العمل برحلة مباشرة من محطة المسافرين نحو مكان إقامة الأفارقة.
التسول يذر ما يقارب 20 ألف دينار للعائلة الواحدة
سعر الرحلة يوميا من ميلة نحو قسنطينة يطرح علامات استفهام حول القيمة المالية التي تجنيها العائلات النيجيرية يوميا من صدقات المواطنين عبر الكثير من الشوارع والأحياء، وكان المنطق أنه من الضروري أن تكون المداخيل اليومية أكبر، وإلا ما تكبدوا عناء التنقل أزيد من 160 كلم يوميا يتم خلالها إنفاق كل ما يتم جنيه في تكلفة السيارات.
ورغم أن مهمة معرفة المبلغ المتحصل عليه يوميا كانت صعبة للغاية، إلا أن لجوءنا لأحد تجار المدينة الذي ألف على جمع "الصرف" من الأفارقة يوميا، أكد أنه من خلال تعامله يوميا مع بعض العائلات التي تمده بمبلغ يتراوح بين 15 و 20 ألف دينار يوميا، وهو نفس الأمر الذي أكده لنا بعض "الفرود" الذين قبلوا الحديث إلينا والكشف عن بعض الأسرار.
كل هذه الأموال بدأت تغير بعضا من مظاهر حياة الأفارقة، بعد أن أصبحوا لا يشربون إلا المياه المعدنية، ولا يثقون في المياه التي وفرتها لهم بلدية فرجيوة، فبيع المياه المعدنية أصبح تجارة مربحة بالقرب من المستودع الذي يأوي أزيد من 150 عائلة بأبنائها، في حين أصبح الإقبال على حفاظات الأطفال أمرا ملفتا للانتباه، بعد أن كان حلم العائلات في وقت قريب تأمين الأكل فقط.
يخيل لكل من يقترب من مستودع حي "لاسيتي"، أنه غادر الجزائر، وأصبح بقلب مدينة افريقية.. شباب، نساء، أطفال وشيوخ من بشرة سمراء جالسون على زرابي، يحمل أغلبهم هواتف نقالة، ويستمعون لموسيقى افريقية، في وقت يزاول البعض الآخر بيع مختلف المواد الغذائية العامة، طاولات يعرض أصحابها سلعا من مختلف الأنواع، قيل لنا أن تجار الجملة الجزائريين يتوافدون يوميا على المكان لبيع ما يطلبه التجار الأفارقة.
كما تعرف الكثير من المأكولات الإفريقية التقليدية رواجا كبيرا بين العائلات، التي لا تتوانى عن اقتناء كل ما يطلبه أبناؤها حتى وإن بدت الأسعار مرتفعة في الكثير من الأحيان، وما يلفت الأنظار أيضا، عرض بعض الأثواب التقليدية النيجيرية للبيع قرب مدخل المستودع، الذي تحول إلى شبه مستعمرة، مليئة بعرض كل متطلبات الحياة، ولا ينقص أي شيء، فحتى المصلى موجود، ويقصده بعض الشيوخ لآداء الصلوات الخمس.
الأعداد الكبيرة للاجئين دفعت بنا لمحاولة السؤال عن بلدهم الأصلي، وإن كانوا بالفعل من مدينة واحدة، فكان الجواب أن كل الوافدين قدموا من دولة النيجر، وينتمون إلى نفس القبيلة، وهي قبيلة "الهاوسا"، هذه الأخيرة تعتبر السبب الرئيسي في تآلفهم بتلك الطريقة، لتصبح هذه القبيلة أشهر من نار على علم بين سكان فرجيوة، ما جعلهم يطلقون اسم "سيتي هاوسا" على المكان.
أما داخل المستودع فلا مكان فيه لموطئ قدم، حيث لا نجد سوى فسحة صغيرة تتسع لعبور شخص واحد فقط، بعد أن ضاق المكان بأزيد من 150 خيمة صغيرة، تعد بمثابة منازل للعائلات، فكل من يدخل المستودع الكبير يتجه مباشرة نحو الخيمة، في شبه اتفاق بين المقيمين.
يأكلون الجراد المجفف ويستحمون في الوديان ولا يشربون مياه الحنفيات
رغم بعد المسافة عن النيجر، إلا أن الطقوس الإفريقية الخاصة لم تفارق "الهاوسا" أبدا، فكل ما ألفوا القيام به في بلدهم من قبل نقلوه، وواصلوا بنفس الطريقة، دون أن يشكل ذلك لهم مركب نقص، رغم أن الكثير مما يقومون به لا يزال يثير فضول الجزائريين، كما أنهم لم يتخلوا عن الأطباق التقليدية الخاصة بهم، إذ تعرف هذه الأخيرة انتشارا كبيرا بين الأفارقة، لدرجة أن البعض منهم جعل منها مهنة مربحة، حيث لا يزال بيع الجراد المجفف يستقطب العشرات من العائلات، شأنها شأن أطباق أخرى غريبة.
كما أن لجوء العائلات نحو مجرى الوادي من أجل غسل بعض الملابس أو الاستحمام لم يغادر عاداتها، رغم توفر المياه ومن دون انقطاع، وهو ما يؤكد أن العادات الإفريقية متأصلة في حياتهم، رغم وجود البديل المريح.
ومن الملاحظات المثيرة للانتباه في حياة الأفارقة، أن الرجال هم من يقومون بالكثير من الأعمال المنزلية بدل النسوة، اللاتي تبقين جالسات إما للتسامر أو متفرجات على أزواجهن وهم يقومون بغسل الملابس بمجرى الوادي، قبل وضعها على سياج من أجل تجفيفها، كما أن تنظيف الأطفال الصغار من واجبات الرجال أيضا، في حين يقتصر دور النساء على إطعامهم وحملهم في حملات توضع خلف الظهر.
فروا من الفقر و ليس الحرب .. ولا يفكرون بالعودة!!
من المفارقات التي اكتشفناها من خلال حديثنا لأحد الأفارقة اللاجئين، والذي يتحدث العربية بطلاقة، لطول إقامته واحتكاكه الكبير بالجزائريين، أكد "هاشم" أن كل الموجودين بالمخيم من دولة النيجر، وأنه لا علاقة للحروب بتواجدهم في الجزائر، بل يرجع ذلك إلى محاولة لتحسين ظروفهم المعيشية، بعد أن أصبح الفقر يهددهم وعائلاتهم، بسبب البطالة والانتشار الكبير للمجاعة، خصوصا في البلدات الصحراوية النائية، والمناطق الحدودية.
وفي هذا الإطار يتابع محدثنا "في النيجر لا يوجد عمل، أما هنا فنحن نعيش جيدا رغم أن الكثيرين لا يعملون"، واستبعد هاشم فكرة عودة الكثيرين إلى بلدهم بعد أن ألفوا الحياة والناس بالجزائر، رغم أن بدايتهم لم تكن بالسهلة، خصوصا في فصل الشتاء، قبل أن تخصص البلدية مكانا يأويهم حتى وإن لم يتسع لهم جميعا.
كما أنه من بين المؤشرات التي توحي بأن هذه العائلات لا تفكر بالعودة إلى بلدها، هي زواج البعض من فتيات قدمن مع عائلاتهن، حيث أكد محدثنا أنه لا يمر شهر إلا وتقام أفراح زفاف بالمخيم، تزف فيها العروس إلى عريسها، وفق العادات والتقاليد المعمول بها في قبيلة "الهاوسا".
زيادة على هذا فقد كشف محدثنا أن الكثير من الرجال والشباب زاروا مؤخرا عائلاتهم المتواجدة بالنيجر، قبل العودة إلى الجزائر من أجل العمل أو التسول، وأضاف "الكثيرون يزورون عائلاتهم في النيجر ويعودون، يذهبون محملين بالمال لمساعدة أبنائهم ونسائهم على العيش الكريم، ثم يعودون لقضاء فترة أخرى في الجزائر للسعي وراء كسب مال، الكثيرون يريدون البقاء هنا ولا يفكرون في العودة إلى النيجر"، مضيفا "في النيجر الفقر مدقع وسنموت من الجوع، الكل يعاني ولا تجد من يساعدك، أما هنا في الجزائر، فعلى الأقل لن نموت من الجوع"، كما أنه لا مشكل للعنصرية هنا، يضيف، هاشم "فالجزائريون وإن كنا غرباء عنهم فهم لا يؤذوننا، ولا يهينوننا".
البلدية جمعت العائلات في مستودع بحي "لاسيتي"
بلدية فرجيوة تشهد فوضى كبيرة التي خلقها تجول الأفارقة في بعض أحياء المدينة، أين كان مظهر العائلات وأبناؤها يشوه الصورة العامة، وينذر بمشاكل اجتماعية وخيمة، في ظل انتشار كبير للأمراض والأوساخ التي تتركها عشرات العائلات التي كانت تفترش الأرض، وتستند لجدران المنازل، فضلا على أن ارتباط اللاجئين الأفارقة بعاداتهم، أقلق كثيرا بعض السكان، إلى درجة خدش الحياء في بعض الأحيان.
كما أن سوء الظروف الجوية، خصوصا في فصل الشتاء، والمعاناة الكبيرة للكثيرين سيما الأطفال، فضلا على أن النازحين لم يألفوا برودة الطقس، بما أن السمة العامة للجو في بلدانهم حارة، وهو ما ضاعف من عدم قدرتهم على الاحتمال.
كل هذه المؤشرات دفعت ببلدية فرجيوة، حسب رئيس مجلسها الشعبي، جلول طورشي، للبحث عن حل ولو مؤقت، ليكون الاقتراح جمع الأفارقة شهر مارس الماضي وتحويلهم نحو مستودع بمنطقة "لاسيتي"، وتحويله لشبه مخيم، حيث أوضح ذات المسؤول، أن فرق النظافة التابعة للبلدية تقوم بتنظيف المكان مرتين في الأسبوع من أجل توفير جو ملائم للعائلات والأطفال، زيادة على تخصيص بعض المراحيض، ومدهم بالكهرباء والماء الصالح للشرب، وهو الإجراء الذي يأخذ حسبه شقين الأول وقائي والثاني إنساني، ليبقى الحل مؤقتا، في انتظار ما تقرره السلطات.
ومن الأمور التي أصبحت مثيرة للاهتمام، هو تعود الكثيرين ببلدية فرجيوة على رؤية العائلات الإفريقية تجوب المدينة، كما أن العشرات من الشباب كونوا علاقات صداقة مع بعض العائلات، وأصبحوا يقضون أوقات طويلة من النهار رفقتهم، يقول محمد الذي يعمل كسائق سيارة "فرود" أنه ورغم إنهائه لعمله، إلا أنه يتعمد البقاء رفقة بعض أصدقائه من النيجيريين ولا يغادر المكان إلا في ساعات متأخرة من الليل، كما أن الكثير من الأطفال تعلقوا به وأصبحوا ينادونه حتى يلعب معهم، شأنه في ذلك شأن الكثيرين الذين تجدهم يتجولون بين الخيم، ويتبادلون الحديث، رغم صعوبة التواصل بسبب جهل الأفارقة للغات الأجنبية.
غادرنا "لاسيتي هاوسا" حوالي الساعة الثامنة مساء، وفي أذهاننا عديد الأسئلة التي لم تجد إجابة واضحة، وتتعلق أساسا بالطريقة التي دخل بها هؤلاء إلى الأراضي الجزائرية، رغم أنهم ليسوا من اللاجئين الفارين من الحروب، وفتح المجال لهم للتحرك بحرية كبيرة داخل البلاد، رغم أنهم مهاجرون غير شرعيون، لا يملك أغلبهم وثائق تثبت هويتهم، ناهيك عن بعض الأمراض التي تحيط بهم، فضلا على أنهم عرضة للاستغلال من قبل شبكات اجرامية عديدة، وتحويلهم لأغراض مشبوهة وغير أخلاقية، ما سيدخل المنطقة في مشاكل هي في غنى عنها.
روبورتاج:عبد الله بودبابة