مواطنون تائهون بسبب هواتف معطلة و أرقام إدارات و مستشفيات غيّرت دون تحيين
«نعتذر، إن هذا الرقم لم يعد في الخدمة»..عبارة كثيرا ما نسمعها عند الاتصال بأغلب الإدارات و المؤسسات في مختلف التخصصات، نتيجة الكم الهائل من الخطوط الهاتفية المتوقفة عن الخدمة، ما يضع المواطن في مأزق للتعامل مع مواقف قد تصل إلى حد فوات الأوان لأنه عجز عن إيجاد الرقم الجديد أو الحقيقي لجهة ما.
يشكل التواصل مع مختلف الإدارات و المؤسسات في بلادنا، معضلة حقيقية خاصة بالنسبة للمواطن العادي، فأن يرن الهاتف أو يرد عليك مستقبل و موزع المكالمات، قد يكون حلما يتحقق لكل من يتصل لحاجة ملحة بإحدى هذه المؤسسات، في ظل كثرة العراقيل الناتجة عن توقفات الخدمة عبر الأرقام القديمة،أو تغييرها أو تعرض الخطوط لأعطاب مؤقتة كانت أو دائمة.
فالكثير منا لا بد و أن يكون قد تعرض لموقف من هذه المواقف، عند محاولته للاتصال مستعملا تلك الأرقام التي تحملها دلائل الهواتف الوطنية، أو المتواجدة منها على شبكة الإنترنت، أو حتى تلك التي تطبع سنويا دون تغيير على صفحات المفكرات السنوية، فالسيد عمار مثلا متقاعد من مؤسسة استشفائية بقسنطينة، يؤكد بأن أرقام الهواتف المتواجدة بالدليل لم تغير منذ سنوات طويلة، علما أنها لم تعد في الخدمة لو جربت الاتصال عبرها.
و يعتبر عدم تحيين أرقام الهواتف الخاصة بالمؤسسات العمومية و الإدارات، أمرا خطيرا في نظر الكثيرين، بالنظر للحاجة الدائمة للتواصل بينها و بين المواطن، خاصة المؤسسات الحساسة كالمستشفيات مثلا أو مصالح الحماية المدنية، فالمريض كما تقول إحدى السيدات قد يموت لأن الهاتف الخاص بمصالح الاستعجالات لا يرن، أو قد يتفاقم وضعه بسبب التأخر في الحصول على الرقم الحقيقي الذي لو لم تكن لديك علاقات داخل هذه المؤسسات، فقد لا تجده أبدا و تضطر إلى التنقل دون مساعدة هذه الجهات، مثلما حدث مع بنت لو لم تستعن بجارة لها، لما تمكنت من نقل والدها المريض إلى المستشفى لأن الهاتف الذي تحصلت عليه متوقف.
الإشكال قد يخلق أيضا في التعامل مع الإدارات، و هو أمر يتعلق خاصة بالباحثين عن عمل أو خدمات محددة، فهم يضطرون في الكثير من الأحيان إلى العدول عن الفكرة لأنهم عجزوا عن التوصل مع هذه المؤسسات في الوقت المحدد، و قد فات الأوان و انقضت الفترة المحددة مثلا لوضع ملف أو الالتحاق لأجل التسجيل.
إشكالية أخرى يواجهها المواطن في التواصل، بسبب عدم الرد على الهاتف من الأساس، فكثيرا ما يرن لساعات، و ساعات غير أنك لن تتلق الرد حتى بالسلب، أو قد يرد عليك أحدهم، غير أنه يوجهك نحو وجهة خاطئة، أو يدعك تنتظر لوقت طويل حتى ترغم أنت على قطع المكالمة بعد أن يتمكن منك الملل.
و الأمثلة في مثل هذه التعاملات كثيرة، فحتى التواصل مع المدارس أو مصالح الشؤون الدينية قد يكون أمرا مستحيلا، كحال سيدة كانت مرغمة على طلب فتوى مستعجلة، عجزت عن الحصول على نتيجة لأن أرقام الهواتف لا تعمل، و الكارثة الكبرى، أنه حتى الموظفون بهذه المؤسسة قد لا يملكون الجديدة منها، أما بالنسبة للمؤسسات التربوية، فكثير منها تعمل دون هواتف خاصة الإبتدائيات منها المتواجدة بالمناطق النائية بحسب ما يؤكده أهل الاختصاص لنا.
و تسرد علينا موظفة حكايتها مع إدارة تابعة لقطاع التربية و التعليم، حيث تقول بأنها حاولت الاتصال عبر عديد الأرقام التي حصلت عليها عبر دليل الهاتف و كذا عن طريق الإنترنيت، غير أن ذلك قد تعذر عليها، و لولا مساعدة صديقة لديها لما اتصلت بالإدارة المرجوة التي رد القائمون عليها على أنهم يعملون بأرقام جديدة تعمدوا عدم إشهارها على المواطنين تفاديا للإزعاج الذي تسببه كثرة الاتصال بلا فائدة على حد تعبيرهم، و هي وقائع تصادفنا نحن أيضا في عملنا مع جهات مهمة حتى بعض الجامعات الكبرى المنتشرة عبر الوطن.
و يرى البعض بأن من بين العوامل التي ساهمت في انتشار الظاهرة و توسعها إلى عدد كبير من الجهات، هو دخول خدمة الهاتف النقال التي دفعت الكثير من المؤسسات للاستغناء عن الهاتف الثابت كما استغنى عنها المواطن البسيط في بيته، غير أن الإشكال يكمن في أن هذه الأرقام و إن كانت بعض المؤسسات توفرها لموظفيها لأجل تسهيل التواصل، فهي لن تعمم و يبقى تداولها منحصرا في مجموعة محددة دون العامة.
و إن كان هذا حال جهات كثيرة، فإن أخرى أكثر تنظيما أو أهمية قد تمكنت من التحكم في الوضع بطريقة جيدة، و ذلك عبر خلق أرقام خضراء تعمل ليل نهار، و لا تتوقف عن الخدمة، و هو حال المؤسسات الأمنية و حتى الحماية المدنية التي تمكنت من مساعدة المواطن، و أنهت معاناته في التكفل بمشاكل بسيطة، قد تصبح خطيرة نتيجة تأخر الاتصال أو تعذره.
و في انتظار أن تجد باقي المؤسسات حلا، أو تفتح خطوطا خضراء خاصة بها، يبقى المواطن في رحلة البحث عن خيط رفيع يمكنه من قضاء حاجة، إنقاذ مريض، أو إسعاف جريح قبل فوات الأوان.
إ.زياري