البيع بالتوقيع بين المجاملة و المقايضة
مرّة أخرى تتعرض حفلات البيع بالتوقيع أو بالإهداء في الجزائر، إلى الانتقاد والأحاديث الجانبية التي تنتقص من هذا الفعل ومن قيمته، ما يدفع إلى التساؤل عن هذا الفعل الّذي يتم بعيدا عن المعايير والأصول المعمول بها في بلدان العالم الأخرى. فهل مثلا هذا الطقس أو الفعل لا يتم حقا بطريقة محترفة تليق بالكاتب والكِتاب؟، أم أنّه ظاهرة لها ما لها وعليها ما عليها؟، وهل حقا حفلات وجلسات «البيع بالتوقيع» في معظمها تتم في إطار من المجاملات والعلاقات والسلوكات الضيقة، وبصيغة مجاملاتية مؤداها: «أحضر حفل توقيعي، أحضر حفل توقيعك»، أو «أجاملك فجاملني». يرى الباحث والكاتب بومدين بلكبير أنّ حفلات البيع بالتوقيع غالبا ما تطبعها الارتجالية والفوضى، ويرى أيضا أنّ المستفيد منها على وجه العموم الناشر (فقط) على حساب الكاتب، من خلال المداخيل والإيرادات المالية التي تحققها مبيعات الكِتاب الموقع في هكذا حفلات، ونادرا ما ينتفع منها المؤلف، وإذا حدث، يكون ذلك خصوصا عند الأسماء الكبيرة أو المكرسة إعلاميا وعالميا.
أمّا الروائي الصدّيق حاج الزيواني، فيرى أنّ هذا الطقس «البيع بالتوقيع» بات مُؤرّقا جدا لكثير من الكُتّاب المغمورين، بينما لا يخسر الناشر شيئا من ماء وجهه، كما يفقده الكاتب يوم توقيعه. ويذهب الزيواني إلى وصف حفلات البيع بالتوقيع باللعبة الممغنطة، التي يقع فيها الكاتب في إحراج كبير، بينه وبين نفسه أولا، وبينه وبين ناشره ثانيا، وبينه وبين أصدقائه. في حين يرى القاص مسعود غراب، أنّه ليس هناك شيئا سيئا في فعل المجاملة، بل إنّنا في أمسّ الحاجة لمعاني وقيّم الجمال والمجاملات. مؤكدا على ضرورة هذه المجاملات في جلسات وحفلات البيع بالتوقيع.
استطلاع/ نوّارة لحـــرش
ومن جانبه الكاتب رشيد فيلالي، يعتقد أنّ احتفاليات البيع بالتوقيع تطبعها طقوس المجاملات وما يشبه المقايضة (وقع لي وأوقع لك) والابتعاد عن اقتناء الكتب من أجل القراءة والبحث والاطلاع، وهذا ما يؤثر سلبا على التظاهرة ويحط من قيمتها، وحتى يبتعد عن أهدافها المرجوة التي خُلِقت لها أصلا. أمّا الروائي سفيان مخناش، فقال بصريح العبارة: «مجرّد إعلان الكاتب عن جلسته لهذه العملية (بيع بالتوقيع) هو مظهر من مظاهر الإحراج سواء للموقع أو الموقع له، كيف لا وهو يمارس تسولا بطريقة مبتكرة قد يضطر الزائر لتفادي المرور به حتى لا يقتني عمله مجاملة وهذا ما يحدث غالبا». أمّا الشاعر خالد بن صالح، فيرى أنّ تقليد حفلات التوقيع يبقى ضبابيا، لا تساهم في الارتقاء به عدد من الجهات، بدءاً بدار النشر، إلى وسائل الإعلام، ثم المؤسسة الثقافية ونوادي القراءة، وصولا إلى القارئ الّذي طالما نلتقيه صدفة في مثل هذه المناسبات النادرة.
بومدين بلكبير: أستاذ محاضر و باحث
حفلات البيع بالتوقيع غالبا ما تطبعها الارتجالية والفوضى
أعتقد أنّ أغلب حفلات البيع بالتوقيع في الجزائر لا تُحترم فيها المعايير ولا تتم باحترافية، وغالبا ما تطبعها الارتجالية والفوضى، كما يستفيد منها على وجه العموم الناشر (فقط) على حساب الكاتب، من خلال المداخيل والإيرادات المالية التي تحققها مبيعات الكِتاب الموقع في هكذا حفلات، ونادرا ما ينتفع منها المؤلف، وإذا حدث، يكون ذلك خصوصا عند الأسماء الكبيرة أو المكرسة إعلاميا وعالميا. أو تكون الاستفادة معنوية ورمزية للكاتب من خلال تواصله المباشر مع قرائه دون وسائط أو حواجز، والترويج لنصه في فضاءات أوسع.
ويمكن الحديث عن أهم سِمات الفوضى من خلال غياب جهة مستقلة تقوم بضبط أرقام النسخ المُباعة باحترافية عالية، الأمر الذي جعل حفلات البيع بالتوقيع في الجزائر تخضع إلى التلاعب بأرقام الكُتب الموقعة من خلال التصريحات المبالغ فيها (تضخيم الكتب المباعة)، فنسبة مهمة من دور النشر أو من المؤلفين أنفسهم صرحوا على هامش الصالون الدولي للكتاب المنظم مؤخرا في الجزائر، بأرقام غير صحيحة بخصوص عدد رواياتهم المباعة في حفلات التوقيع (المنظمة بمعرض الكِتاب). بطبيعة الحال الغرض من هذا السلوك غير الأخلاقي هو تضليل القراء والتأثير على قراراتهم الشرائية (في بقية أيام المعرض). وهذا الأمر راجع بدرجة كبيرة لمحاولتهم استغلال الطفرة الحاصلة في قراءة الرواية (والتي حدثت مؤخرا) لدى فئة واسعة من الشباب على وجه الخصوص، ومن الفئات العمرية الأخرى على وجه العموم.
كما هناك طريقة أخرى للتضليل من خلال التصريحات الغامضة؛ كالتصريح من قِبل الناشر أو الروائي بنفاد كلّ نسخ الرواية في حفلات البيع بالتوقيع، دون أن يتبع التصريح عدد النسخ المباعة. فقد تكون النسخ المتوفرة في المعرض عشرين نسخة أو أكثر بقليل!.
كما أنّ العديد من تلك الحفلات قد يخضع في كثير من الأحيان لمؤثرات ذاتية غير موضوعية، حيث يضطر الكثير من القراء لاقتناء الكتاب تحت ضغط العلاقات الشخصية أو المجملات، وليس رغبة في اكتشاف مضمونه أو لجودة محتواه. ورغم أن هذه الظاهرة غير صحية وعليها ما عليها من سلبيات كثيرة، إلا أنّه قد يكون لها عاملا واحدا ايجابيا على الأقل، وهو احتمال أن يتورط بعض ممن اقتنوا تلك الكتب في غواية القراءة، وقد يصابون فيما بعد بدودة اقتناء الكُتب (يبقى الأمر مجرد احتمال لا يحصل دوما).
الصدّيق حاج أحمد الزيواني: روائي
أغلبها لا تخرج عن دائرة المجاملات
البيع بالتوقيع لعبة ممغنطة، اخترعها الغرب، فاستوردناها كبقية المستوردات المعلّبة غير المجمركة، دون أن نكون مؤهلين لذلك، ففي الغرب هناك دعاية من دور النشر، تُصرف عليها أموالا، كما أن الكاتب، له طقوس وعلاقات مع قرائه، بينما في عالمنا العربي البائس، تجد الكاتب –لاسيما إن كان غير معروف– يُدعى للجلوس على كرسي وطاولة التوقيع، بعدما يكون الناشر قد صفّف له مجموعة كبيرة من الكُتب، فيقع الكاتب في إحراج كبير، بينه وبين نفسه أولا، وبينه وبين ناشره ثانيا، دون أن ننسى بينه وبين أصدقائه..بيد أنّ أغلب هذه الحفلات التي يسمونها البيع بالتوقيع، لا تخرج عن دائرة المجاملات، وقد تذهب مذهب «السلفة» بين الكتّاب أحيانا، فمن حضر جلسة توقيعك، سينتظرك يوم توقيعه، وإن لم تأت، ستجد وابلا من اللّوم.. لقد بتُ لا أحفل بهذا الطقس، ولولا أن ناشري رغّب إليّ تخصيص جلسة للتوقيع، ما كنت طلبتها، بالرغم من أن الإقبال على اقتناء رواية «كاماراد» كان جيّدا.
أحيانا تأخذني الشفقة، على نفسي وعلى كاتب مغمور، أراه مسمّرا على كرسيه، يرقب بعينيه الغائرتين الزوّار، ويتشفّعهم بصمت دون كلام، لأن يقتنوا كتابه ويبصم لهم بتوقيع.. لقد بات هذا الطقس مؤرّقا لكثير من الكُتّاب المغمورين، بينما لا يخسر الناشر شيئا من ماء وجهه، كما يفقده الكاتب يوم توقيعه. ربّما أتفهم حماس شاب ينشر كتابه الأول في حياته، فقد يرى في تلك الجلسة وفي ذلك التوقيع، إثبات للذات وللوجود الكينوني بالنسبة له، ومن حقه ذلك.. لكن بالمقابل علينا أن نفكّر في تلك الخسارات المعنوية، التي يجنيها ذلك الكاتب من تلك الخيبات، والتي تأتي دائما عكس المتوقّع.. فقد يُمنيه الأصدقاء بالحضور، وبالتالي لن يحضر له إلا القليل.. مما ينعكس سلبا على نفسية ذلك الكاتب..أرى أنّه من الأجدى، أن تصرف للكاتب نسبة 5 بالمائة من مبيعات جلسة التوقيع، نظير جلوسه ووقته للتوقيع، كنوع من رد الاعتبار للكاتب، وإعطائه القيمة المستحقة به.
خالد بن صالح: شاعر
غياب المعايير المعمول بها يكرّس نوعا من الفوضى والارتجال
في البداية أود أن أقف عند التسمية، لأنّها ستكون منطلقا لما سيأتي حول طرق الاحتفاء بالإصدارات الجديدة خلال الصالون الدولي للكتاب بالجزائر، وأقترح تعديلا بسيطا: «حفل توقيع»، لا بيع ولا إهداء. بالرغم من أنّني وقعت شخصيا في فخ العبارة التي قد تتضمن مدلولات تعكس الجانب السلبي لهذا التقليد الأدبي بِما له وما عليه. ذلك أنّ توصيف «الحفل» سيجنبنا تلك التهكمات التي لا فائدة منها خاصة وأنّ الاحتفاء بالكِتاب يبقى أمرا شخصيا باتفاق بين صاحبه ودار النشر. وفي هذا السياق يخطر في بالي تساؤل غير بريء: ما هي الطرق والوسائل المتاحة الأخرى البديلة خلال السنة للاحتفاء بالكِتاب وتقديمه للقارئ؟ هل نملك نوادي قراءة يكون لها التأثير الحاسم والمُهم في خيارات المُتسائلين عن جودة إصدار ما أو تواضعه. ما هي إستراتيجية توزيع الكِتاب عبر ربوع البلاد؟ لا أدري كم سؤالا سأقترف هنا دون الرغبة في الإجابة لأنّ غياب المعايير المعمول بها في مثل هذه الأنشطة الأدبية يكرس نوعا من الفوضى والارتجال. ويتحمل جانب من المسؤولية الكاتب نفسه الّذي يرضى بِما لا تقدمه دار النشر، ولاء النفي هنا مقصودة لنعرف من يتحمل الجانب الآخر من سقوط الكاتب في مجانية الظهور بذلك الشكل المُحزن وكأنّه يستجدي الناس ليقتنوا كتابه.
من خلال تجربة شخصية مُتواضعة شكلت لي حفلات التوقيع التي أقمتها منذ صدور ديواني الأوّل سنة 2010 وقد بعت خمس نسخ آنذاك! شكلت لي هذه الحفلات مناسبة للفرح سواء لي أو للأصدقاء الذين سعدت باقتناء كتبهم في حفلاتهم ليس مجاملة ولا تبادل مواقع. قناعتي لا تقبل المحاباة خاصّة مع الكُتب. وطالما لا نملك ثقافة الاختلاف وتقبل أراء وتصرفات بعضنا البعض في ظل دائرة يُفترض أنّها مساحة للحوار والنقاش الجاد والنقد الحقيقي المُؤسس على النصوص لا الأشخاص، يبقى تقليد حفلات التوقيع ضبابيا، لا تساهم في الارتقاء به عدد من الجهات، بدءاً بدار النشر، إلى وسائل الإعلام، ثم المؤسسة الثقافية ونوادي القراءة، وصولا إلى القارئ الّذي طالما نلتقيه صدفة في مثل هذه المناسبات النادرة.
رشيد فيلالي: كاتب و مترجم
ظاهرة صحية ولكن...!
أعتقد أنّ ظاهرة بيع الكتب بالتوقيع، سواء تم ذلك في المعارض الوطنية والدولة أم في مناسبات خاصة، على غرار الملتقيات والأمسيات الأدبية، هي برأيي ظاهرة صحية وجديرة بالتشجيع والاهتمام والرعاية أيضا، ليس من طرف الناشر فحسب، بل يجب على جميع الأطراف أن يكون لها نصيبها ودورها في هذا النوع من «التجارة» التي لها خصوصيتها طبعا، على اعتبار أن القراء تكون لهم عادة في مثل هذه المناسبات فرصة الالتقاء والاحتكاك بكاتبهم المفضل وتبادل أطراف الحديث معه، ولما لا طرح بعض الأسئلة «الشخصية» التي ربّما يتعذر على القارئ طرحها على الكاتب في لقاءات عامة.
وفي تصوري أيضا أن هذه الظاهرة عرفت انتشارا كبيرا وملحوظا في السنوات الأخيرة وهذا طبيعي بالنظر إلى تنامي نشاط التأليف والنشر في بلدنا بعد سنوات عجاف، وللمحافظة على هذا التقليد الحضاري الجديد علينا أن نأخذ التجربة ممن سبقونا في هذا المجال وهم الدول العربية والغربية، ويمكن القول مع ذلك بأنّنا والحق يقال ما نزال بعيدين عن المستوى المطلوب في هذا الشأن، حيث بالفعل مازالت احتفالية البيع بالتوقيع تطبعها طقوس المجاملات وما يشبه المقايضة (وقع لي وأوقع لك) والابتعاد عن اقتناء الكتب من أجل القراءة والبحث والاطلاع، وهذا ما يؤثر سلبا على التظاهرة ويحط من قيمتها، وحتى يبتعد عن أهدافها المرجوة التي خلقت لها أصلا، أقصد دعم الكاتب والشد على يديه من أجل مواصلة نضال الكتابة في واقع متأزم يحتفي بالقيّم المادية ويدير ظهره لكلّ ما هو ثقافة رفيعة وإبداع أدبي، ومن هنا وجب ترسيخ تقليد البيع بالتوقيع في فضاءاتنا الثقافية وحتى في المكتبات التجارية لتقوية أواصر الاحترام والتقدير بين الكاتب والقاري، اللذين لا وجود لأحدهما بدون الآخر، مع الابتعاد وهذا من واجب المنظمين، عن مهازل الفوضى والارتجالية والارتباك.والجدير ذكره أن ظاهرة البيع بالإهداء التي شاعت قديما في الغرب كانت في الأصل تتم عن طريق إهداء الكُتاب أعمالهم إلى السيد المسيح عليه السلام وإلى أمه مريم وإلى الملوك والأمراء وكبار رجال الدين (فولتير أهدى كتابه «محمد» للبابا بيندكت الرابع عشر) قبل أن تعم وتمنح كهدية للمحبين والأصدقاء والأهل، كما أن البيع بالإهداء كان يقتصر على الأعمال التي تطبع في طبعات فاخرة، وعادة سعرها يكون مرتفعا جدا، ومع مرور الوقت صارت هذه الممارسة أكثر ديمقراطية، بحيث يوقع الكاتب لجمهوره العريض دون تمييز ولا اختيار مسبق، والطريف في الموضوع أن هناك اهداءات تعتبر في غاية الطرافة، نذكر منها إهداء أحد الكُتاب الذي قال فيه «إلى كافة أعدائي» لأنّهم في نظره هم سبب شهرته وتحوله إلى كاتب معروف.
سفيان مخناش: روائي
حفلات البيع بالتوقيع فيها الكثير من مظاهر الإحراج
لقد رأيت في المشهد الأدبي الجزائري بالخصوص الكثير من الظواهر الدخيلة والتي صارت تقليدا يمارس عند كلّ مناسبة ثقافية، ومن بينها هذه الظاهرة التي تختلف تسميتها من شخص لآخر، مرة يسمونها بيعا بالتوقيع ومرات بيعا بالإهداء، وفي كلتا الحالتين يُحتفظ بمفردة البيع التي هي في الأساس ليست مهمة الكاتب، وتتغير بالتوقيع والإهداء، فالذي نعرفه أنّه تقليد خاص بالنجوم فقط، وفي حقيقة الأمر يُهدى العمل ولا يُباع حتى يتقرب المبدع من قراءه ومعجبيه كونه الفرصة الوحيدة أو النادرة للقائهم به.
ولأنّ اليوم المعطيات تغيرت، صار لزاما على المبدع مهما كبر (سنّا أو إبداعيا)، أول شيء يقوم به خصوصا بالمعرض الدولي للكتاب هو الإعلان عن جلسته لهذه العملية التي هي مظهر من مظاهر الإحراج سواء للموقع أو الموقع له، كيف لا وهو يمارس تسولا بطريقة مبتكرة قد يضطر الزائر لتفادي المرور به حتى لا يقتني عمله مجاملة وهذا ما يحدث غالبا. كم جميل أن يعلن المبدع عن توفر كتابه بجناح معين ويترك الفرصة للقارئ بالبحث عنه وليس العكس. كنت قد تخليت عن هذه الفكرة في أول تجربة لي مع الصالون الدولي للكتاب كمبدع، لكن في التجربة الثانية وفي العام الماضي 2016، نبهت ناشري وحتى أصدقائي أنّي لن أقوم البتة بجلسة للتوقيع. الناشر يحق له كونه «تاجر» ومسجل ضمن السجل التجاري، لكن المبدع «فنان»، وأيّ مبلغ سيُدفع لقاء عمله فلن يعوض جهده وتعبه، ولأنّ الصالون الدولي للكتاب تقريبا في الجزائر هو الحدث الوحيد الذي يلتقي فيه المبدع بالقارئ والصديق، حرصت في اليوم الّذي خصصته لي دار النشر أن يكون حفلا ولو بسيطا بمناسبة الإصدار، وليس الغرض منه البيع بدليل أنّه هناك من حضر الحفل وتبادلنا أطراف الحديث والتقطنا الصور لكن لم يأخذ لا الرواية ولا التوقيع، وجزمت لناشري أنّي لو ألتزم بطاولة التوقيع ولا أبرحها طيلة النهار فإنّني متأكد من أنّي سأبيع كلّ النسخ، لكن هذه ليست مهمتي، إن أرادني القارئ فهو من سيسأل ويبحث عني.
مسعود غراب: قاص
قد يتحسّس البعض منها باعتبارها تخلو من الاحترافية
ليس هناك شيئا سيئا في الحقيقة في فعل المجاملة، بل إنّنا في أمسّ الحاجة لمعاني وقيّم الجمال والمجاملات، هذه القيم والمعاني التي في واقع الأمر تصنع الفرق بين مختلف المجتمعات وتعطي الملمح الحقيقي والمعبّر لحياة الفرد، وفي تشكيل ذلك المشترك الإنساني المتناغم والعميق، والذي لا شك أنّه يظهر بشكل تلقائي في مختلف مناحي الحياة كلّما كان الإيمان بها حقيقيا ومجردا، تظهر في السوق، والطُرق والمواصلات، وفي المدارس وأروقة الجامعات، وفي الملاعب، وفي دور الثقافة ومعارض الكتاب...، ولعلّه المعيار الأول والمعبّر بدقة، في قياس معدلات التحضر والنمو للفرد والمجتمع، إلى جانب تلك المحددات التقنية والمادية التي يضعها علماء الاقتصاد وخبراء الاجتماع.أمّا عن ظاهرة البيع بالتوقيع كما جاء في سؤالكم، أو حفلات التوقيع، فهي أمر جيّد ومثل ذلك كمثل الاحتفال بكلّ مولود عزيز يُضاف إلى البيت العائلي بعد طول انتظار وعناء.. والكتاب كذلك في عائلة التأليف. وهي فرصة للفرح بالنسبة للقارئ والكاتب والناشر...، وقد تبدو هذه الصورة مثالية، وبعيدة عن واقعنا الثقافي والأدبي.
وعلى المستوى الشخصي بعد صدور مجموعتي القصصية الأخيرة «السّر الذي لم يدفن مع الحمار»، على حسابي الخاص بعدما بقيت لسنوات تنتظر الإحسان. أخبرتني الناشرة بإمكانية برمجة جلسة بيع بالتوقيع، ووافقت على ذلك بعد شيء من التردد، وكان يوما جميلا، محاولة لصنع فسحة من الفرح مع هذا الكائن الجديد..، ولكنّي أعتقد أنّ الرهان الحقيقي هو القارئ المجهول، غير المعروف الذي يقرأ ويقتني، ويستمتع.
قد يتحسّس البعض من هذه الحالة، باعتبارها تخلو من الاحترافية، ومن تقديرٍ للكاتب والكِتاب. وهو هاجس مشروع وحقيقي خصوصا في شطره الثاني، إنّنا بعيدون جدا عن تقدير الجهد الفكري والأدبي والفني، فإذا ما كانت هناك سنوات سِمان فقد يُلتفت لذلك، فما بالك إن كن عجافا!؟.. فالمبدع والكاتب غير المكرّس إعلاميا وليس أدبيا هو الحلقة الأضعف في دائرة تشكيل الكتاب، ورغم ذلك يحاول أن يرسم شيئا من الحلم ومن الفرح..، وهنا يطرح استفهام كبير عن دور الجهات المسؤولة التي ترعى هذا الموضوع، وما يتعلق بحقوق المؤلف المادية والمعنوية، وهنا ينبغي أن نتجاوز الحديث عن سلبية المثقف وانطوائية المبدع..، إن الجواهر المقدرة يُسعى لها سعيا حثيثا بين الكهوف وأدغال الغابات والصحراء، وأعماق البحار.ومن أجل الوصول إلى شيء من «الاحتراف» والمهنية فذلك يتطلب جهدا مركبا وصبرا مضاعفا، فالكتاب وجملة العلاقات المحيطة به ليست في معزل عن المدرسة وأوضاع التربية، وعن الاقتصاد والثقافة والإعلام، ويبدو أنّنا في الجزائر وربّما في بعض البلدان العربية، في حاجة إلى المزيد من التراكم والانتباه. وليكتب من يكتب ويوقع من يوقع، والأكيد أنّ الأجمل والأجدر سيشق طريقه .