على رجال الأعمال ترك المكرونة و الاستثمار في السينما
سطع نجم الممثل عبد الباسط بن خليفة وطنيا و عربيا كممثل يتميز بحضور قوي و ثقافة واسعة و موهبة فذة و رصيد إبداعي ثري، مكنه من تقمص كل الأدوار التي أسندت إليه في التليفزيون و السينما و المسرح بالفصحى و مختلف اللهجات العربية، لكنه أكد بكل تواضع في حواره مع النصر على هامش تظاهرة أيام السينما و الثورة التي احتضنتها مؤخرا قسنطينة، بأنه لا يزال كالتلميذ في مدرسة الفن يتعلم كل يوم و يجتهد و يسعى للاحترافية ، داعيا رجال الأعمال الجزائريين إلى ترك المكرونة و الزيت جانبا ، و الاستثمار في الصناعة السينمائية ببلادنا و رفع رهان الأعمال الدرامية المشتركة للخروج من قوقعة المحلية.
حــوار: إلهام طالب
. النصر: لم نعد نشاهدك في أعمال جديدة على الشاشات العربية، هل هذا الانقطاع يعود إلى الظروف الأمنية أم أسباب أخرى؟
ـ عبد الباسط بن خليفة: لا ليس انقطاعا، بل هو انتظار استتباب الأمن في سوريا و البلدان المحيطة بها، فالإنتاج في الوطن العربي قليل في ظل الظروف الراهنة، و من الصعب توفير الوسائل لإنجاز عمل في المستوى المنشود، لكنني أسمع من حين لآخر عن فريق رفع التحدي و صور عملا وسط النار و الدمار. المؤسف أن نقص الإنتاج مسجل في الجزائر أيضا، و آخر مسلسل درامي تاريخي شاركت فيه في العام الماضي هو «طوق النار» مع المخرج الأردني بسام المصري و آخر فيلم مثلت فيه هو «نجمة الجزائر» للمخرج رشيد بلحاج و قد توج بعدة جوائز في البلدان العربية و الأوروبية و افتك مؤخرا جائزة في مهرجان مونبولييه بفرنسا..
الأعمال المشتركة طوق نجاة الدراما الجزائرية من قوقعة المحلية
. هل تلقيت عروضا للمشاركة في أعمال أخرى بالجزائر؟
ـ نعم تلقيت عروضا، لكنني لم أوقع بعد العقود ، لذا أؤجل الحديث عنها، في حين أخصص بعض الوقت للمشاركة بصوتي و تعليقي في مجموعة من الأشرطة و الأفلام الوثائقية.
. كنت عضوا في الفرقة المسرحية التابعة للإذاعة الوطنية و قدمت معها باقة من الأعمال الناجحة، ثم اخترت التقاعد النسبي، لماذا؟
ـ تقاعدي من الإذاعة هو تقاعد إداري فقط، باعتباري كنت موظفا فيها و أتقاضى راتبا، لكنني لا أزال فنانا في أوج عطائه و لدي مشاريع فنية كثيرة . لقد كنت عضوا في فرقة الإذاعة التي كانت تضم عددا كبيرا من الفنانين و كنا نسند مهمة كتابة النص لأحد الأعضاء و نتقاسم بقية المهام من أجل انجاز العديد من الأعمال الدرامية ، لكن الفرقة تقلصت تدريجيا، بسبب تقاعد الكثير من أعضائها ، إلى أن أصبحت تضم خمسة ممثلين فقط، من بينهم ليندة ياسمين و مراد زيروني، و بهذا العدد لا يمكننا إنتاج أعمال مسرحية أو مسلسلات إذاعية، كما أن الإذاعة لا تتوفر على لجنة قراءة نصوص لانتقاء ما يناسبنا. فكرنا مطولا و تشاورنا، ثم قررنا أن نستفيد من إجراء التقاعد النسبي لنمتكن من العمل بكل حرية في الساحة الفنية.
. ألم تخش التهميش الذي طال العديد من الفنانين بعد التقاعد؟
ـ في الواقع تأثر الممثلون و المخرجون و كل من يعمل في المجال الفني بسياسة التقشف، و لا علاقة لذلك بالتقاعد، لكنني أؤمن بأن الثقافة هي ركيزة و واجهة البلاد، و دونها لا نستطيع أن نفعل أي شيء .
. في ظل التقشف و نقص الإنتاج، ما هي المعايير التي يعتمد عليها عبد الباسط بن خليفة في انتقاء أدواره؟
ـ أنا ضد تكريس الرداءة و لا يمكن أن أوافق على عمل رديء، مهما حدث، أختار دوما العمل المتكامل و المناسب الذي يستثير أحاسيسي و أقتنع به. المؤكد أنني لن أشارك في ما يعرف ب «سكاتش شربة»، أي العمل الأجوف الفارغ من حيث المضمون و الهدف. و عندما يسند إلي المخرج دورا معينا، أدرسه بعمق و أشتغل عليه من كل النواحي.
التقاعد حفزني على المزيد من العطاء الفني
. ما هي الشخصية التي تتمنى أن تتقمصها؟
ـ كل الأدوار التي تسند إلي أتقمصها و لا أفضل دورا عن الآخر، الأمر يعود للمخرج، لأن الممثل يجب أن يعيش كل الأدوار، و لا يخضع لما تمليه الكاريزما، كأن يسند له دائما دور شرير لأن ملامحه أقرب إلى ذلك. الممثل هو الذي يقوم بتركيب الشخصية بعد أن يدرسها بعمق من كل الزوايا .
. هل تفضل الأفلام أم المسلسلات؟
ـ أنا فنان أعمل في التليفزيون و السينما و المسرح، و أفكر جديا في العودة إلى الخشبة التي ابتعدت عنها منذ سنة 2001، رغم أنها شهدت انطلاقتي الفنية على يد عميد المسرح الجزائري مصطفى كاتب، لقد ابتعدت عن أبي الفنون، لأن العمل في التليفزيون استغرق الكثير من وقتي، إلى جانب عملي في الإذاعة، فالقانون لم يكن يسمح لي عندما كنت موظفا و أحصل على راتب، بالعمل في مجالات أخرى . الآن تحررت من الوظيفة و أنا متفرغ تماما لكل الفنون.
. اللافت أننا نرى نفس الوجوه تقريبا في مختلف الأعمال الجزائرية في حين تهمش الأخرى ، ما تعليقك؟
ـ أرى أن المشكل في المقاييس المعتمدة، فهناك من لا ينظر إلى التمثيل كمهنة، بل كفن راق يسمو به و لا يتنازل أبدا عن مبادئه و قناعاته، لأن «الفن كن أو لا تكون» ، و هناك من يريد أن يظهر في التليفزيون و يوافق على أي عمل حتى إذا لم يتلق أي مقابل مادي، و هكذا أصبحنا نرى من تقمص أمس دورا أو دورين يقول أنا نجم .
. هل حقق عبد الباسط النجومية و هو يملك رصيدا كبيرا من الأعمال الفنية في الجزائر و سوريا و الأردن و الإمارات و غيرها؟
ـ أنا أسعى للاحترافية و لا أؤمن بالنجومية، أنا ممثل كلما يشرع في تصوير عمل، يترك خلفه رصيده ، و يشعر بأنه الأول في مساره و يعتريه الخوف و الرهبة و يرتعش أحيانا أمام الكاميرا، و هو يتساءل إذا كان سينجح و هل سيكون عملا متكاملا أم لا؟! أنا أنتمي لشريحة الممثلين الذين لا يتكلمون كثيرا أثناء التصوير، و يصغون كثيرا للتوجيهات و الملاحظات من أي جهة، حتى لو تعلق الأمر بزميل مبتدئ، هذه مدرستي منذ بداياتي في الفن، و لن أحيد عنها. و لا أزال أتعلم كل يوم الجديد.
. ماذا لو قارنا بين الدراما الجزائرية بالدراما المشرقية؟
ـ لقد تفوق علينا الإخوة العرب في سوريا و الأردن و غيرهما بالمستوى الرفيع للسيناريو و النص الذي يكتبه مختصون و كذا العمل الجماعي، فأثناء تصوير عمل ما، لا يلتزم أفراد طاقمه بالمهام المسندة إليهم فقط، بل يتجاوزوها بعيدا عن الأنانية و الذاتية، فيكمل كل واحد منهم الآخر و يدلي برأيه و اقتراحاته من أجل إثراء النص و الحوار و تحسين المشاهد، لأن هدفهم المشترك و هو تجسيد عمل رفيع يفتخرون به و يشرفون بلدهم. في مصر مثلا ، هناك إقبال على الأفلام التجارية و توجد قاعات سينما كثيرة لعرضها و تحقيق الأرباح لكنها غائبة ببلادنا ، و بسوريا توجد صناعة درامية متطورة كبحتها الظروف الأمنية، لكنها لم توقفها.
لن أشارك في «سكاتش شربة»
. هل يمكن للجزائر أن تؤسس صناعة سينمائية؟
نعم .. لكن ليست وزارة الثقافة التي تصنعها، لأنها لا تستطيع ذلك، خاصة و نحن في خضم مرحلة التقشف في كل المجالات. يوجد رجال و سيدات أعمال بالجزائر بإمكانهم الاستثمار في الصناعة السينمائية و جني الأرباح منها. بدل تركيزهم على الاستثمار في غذاء البطون، فليستثمروا في غذاء العقول. بصراحة شاهدت إنتاج عدة أعمال وطنية أنفقت عليها مبالغ كبيرة قد تصل إلى 60 أو 70مليارا، ثم ألقي بها في سلة المهملات أو بقيت في «الريبرتوار»، ثم الأرشيف، فالعرض الشرفي لعمل جديد يحضره عادة جمهور غفير يتفرج و يصفق، ثم «السلام و عليكم».
. ربما يعود ذلك أيضا لعدم إجراء دراسات أو سبر آراء لرصد ماذا يريد الجزائري أن يشاهد بالضبط...
أسعى للاحترافية و لا أؤمن بالنجومية
ـ السينما أساسا عالمية، الفيلم التجاري لا ينجح في الجزائر، أولا لأن قاعات السينما مغلقة. أما الفيلم الروائي الذي يعتمد على الرواية كأرضية إبداعية، فيمكن أن يعرض في الخارج و يمثل الجزائر في المحافل الدولية، مثل المهرجانات العالمية، لكنه لا يسوق في العالم العربي، و هذا راجع لكوننا لا نملك إستراتيجية تسويق «ماركيتينغ» فني، نفس الشيء بالنسبة للأعمال التليفزيونية. في الواقع نحن ننتج أعمالا محلية. و أشدد هنا، إن المسلسل و الفيلم يعتمدان على التسويق الناجح الذي يعتمد على مختصين محترفين يتكفلون بمهام الترويج للمنتجات الفنية و تسويقها و بيعها في الخارج و هم كثر في مختلف البلدان كفرنسا، تونس و مصر و غيرها، و لا يوجدون في بلادنا.
. ألا ترى بأن استعمال الدارجة الجزائرية يؤثر على تسويق أعمالنا في البلدان العربية؟
ـ المشكل، حسب رأيي، يتعلق بمستوى الأعمال التي ننتجها ببلادنا، إن الممثل عندما يكون مع مخرج متمكن ومبدع ، يمكن أن يستخرج منه كل طاقاته الفنية ، و عندما يكون المخرج ضعيفا، حتى و لو كان الممثل قويا ، لا يبرز سوى الجوانب السلبية و الضعيفة فيه، و نفس الشيء ينطبق على الإخراج و السيناريو. و بالتالي أكرر بأن الإشكال في الجزائر، أننا لا نملك أساسا إستراتيجية تسويق، و في ظل الظروف الراهنة إذا أردنا بيع عمل جزائري إلى شبكة «أم بي سي» مثلا، لا تشتريه منا.
في حين الأعمال ذات الإنتاج المشترك، مع سوريا أو الإمارات العربية و غيرها، يمكن تسويقها، لكن ليس بشكل «بيزنس» كالأعمال الدرامية السورية و الأردنية، التي يسترجع منتجوها تكاليف انجازها.
الواقع أن بعض أعمالنا تعرض في بعض القنوات العربية، في إطار التبادل الثقافي لا غير، و بالتالي تبث مجانا في الأوقات التي تحددها هذه القنوات. هذا هو القانون الساري المفعول في المحطات العربية، بكل صراحة هي لا تشتري من الجزائر، لأنها لا تملك سوقا و لا تنتج أعمالا في المستوى.
العمل الجماعي سر نجاح الدراما المشرقية
و بالتالي لا داعي لأن يتحجج البعض بأن أعمالهم لم تسوق عربيا، بسبب استعمال اللهجة الجزائرية.
. إذن السينما الجزائرية إلى أين؟
ـ أكرر «يا رجال و سيدات الأعمال كفاكم استثمارا في الزيت و المكرونة، التفتوا إلى الثقافة التي تغذي الفكر و تنير العقل، فالسينما صناعة يمكن أن تدر أموالا طائلة، يكفي أن تمولوا أفلاما مشتركة مع الفرنسيين أو الإنجليز أو العرب».
هذا بالنسبة للتمويل، أما بالنسبة لبقية عناصر الإنتاج، أقول اعتمدوا على أناس مختصين و محترفين و شجعوهم على نقل تجاربهم و خبراتهم لأجيال ستحمل المشعل، اقتدوا بالبرنامج الطموح الذي سطرته جمعية أضواء الفنية الثقافية لتكوين 300 شاب في تقنيات التصوير و الإضاءة و الصوت و التركيب و غيرها.
لا أزال أرتعد أمام الكاميرا
. البعض يرى بأن الحل الأمثل و الأسرع هو تجسيد مشروع مدينة سينمائية أو إعلامية ؟
ـ الإنتاج هو الذي من المفروض أن ينشئ المدينة السينمائية ، على سبيل المثال لا الحصر، نذكر مدينة وارزازت السينمائية المغربية التي صنعتها الأعمال العالمية التي صورت بها، فالمنتج الأجنبي الذي كان يحل بها يبني ديكورا ضخما لتصوير فيلمه، و عندما ينتهي يتركه و يذهب، فيصبح الديكور بمثابة متحف سينمائي يستقطب الزوار بمقابل مالي، و عندما يأتي مخرج أو منتج أجنبي آخر، يستأجر المكان و الديكور أو يصنع آخر و يتركه بعد الانتهاء من التصوير و هكذا استقطبت المدينة أهم الأعمال العالمية. في حين تملك الجزائر أجمل المناظر الطبيعية في العالم و التي تشكل أستوديو مفتوح، و تم تصوير العديد من الأفلام العالمية بجنوبها الكبير، و لا أحد فكر في المحافظة على الديكورات التي تؤرخ لها و يمكن أن تشكل أرضية صلبة لمدينة سينمائية عالمية. إ.ط