"الخواتم الأبدية"صور مهربة من ذاكرة طفل عايش وحشية الاستعمار
« إنهم الفرنسيون جاءوا من بعيد، قطعوا البحر و أخذوا بلادنا عنوة و نهبوا خيراتنا و استعبدونا مدة طويلة، وكنا بالنسبة إليهم كمواشينا، غير أننا نحب مواشينا ولا يحبوننا»، هي صورة تحفظها ذاكرة الطفل الكاتب أحسن زقرور، الذي عايش سنوات الاستعمار، وعاد ليلخص معاناته في رواية أصدرها مؤخرا عن دار نشر الأيام، تحت عنوان «الخواتم الأبدية».
العمل يعد أول تجربة روائية للأستاذ و مفتش التربية المتقاعد أحسن زقرور، طبعه على حسابه الخاص، نظرا لقيمته المعنوية الكبيرة ، كما قال، فالرواية عبارة عن قصة حقيقية هي حكايته مع المستعمر، الذي قتل والده الشهيد « العربي زقرور بوخراف»، وعنف والدته و عذبه بشراسة أرقدته في مستشفى قسنطينة لمدة 10 أيام كاملة، وهو طفل لم يتجاوز العاشرة من العمر.
ويختصر الكاتب في 111صفحة، تفاصيل عن واقع مرير هو جزء من معاناة شعب بأكمله، دفع ثمن الحرية غاليا، فتحمل ويلات التعذيب التي لم يسلم منها حتى من لم يحملوا السلاح يوما كالنساء و الأطفال، في صورة مأساوية أبت ذاكرته إلا أن توثقها من خلال كتاب، يؤرخ لنضال المجاهدين وصمود أبناء المداشر والقرى الذين اتخذت منهم فرنسا وقودا لحقدها، لذلك فقد اختار الكاتب الاحتفاظ بالأسماء الأصلية للأشخاص والأماكن ليصور الحقيقة كما هي، ولا يهرب منها إلى الخيال، حتى وإن كان العمل يتضمن تفاصيل تخص ممارسات بعض من قال بأنهم خانوا القضية الوطنية و باعوا الثورة التحريرية « التي ما كان عمرها ليطول، لولا الحركى»، حسبه.
أحداث القصة تدور في مشتة بوخلف، بقرية شعبة المذبوح، التابعة لبلدية حامة بوزيان بولاية قسنطينة، بطلها مجاهد هو والد الكاتب، اختار النضال من أجل التحرر، فتجند في صفوف جيش وجبهة التحرير الوطنيين ك» مسبل» أي مكلف بالاتصال بين المواطنين و الجبهة ومسؤول عن جمع التبرعات لصالحها، لكن المستعمر اكتشف نشاطه، فطارده طويلا ، لكنه لم يتمكن من القبض عليه رغم المداهمات الكثيرة التي كان يقوم بها لكوخ عائلته، لكن أحد الحركى فضح سر حمل زوجته ذات يوم، فاقتادها العسكر خارج الكوخ و استجوبوها، ولأن وضعها لم يسمح بسجنها، قرروا تعذيب ابنها البالغ من العمر عشر سنوات، وهو كاتب القصة.
تتوالى محطات العمل و يسترسل صاحبه في سرد الأحداث، منذ بداية الثورة إلى غاية استشهاد والده سنة 1960، بعدما لجأ إلى تهريب أفراد عائلته نحو إحدى مشاتي ميلة، ليعودوا مجددا إلى قريتهم بعد الاستقلال، أين تجرعوا مرارة الفقر و العوز وعاشوا على الصدقات، قبل أن يقرروا النزوح إلى المدينة، أين تمكن الطفل الصغير العصامي أحسن من الاعتماد على نفسه و التعلم والالتحاق بالمدرسة، ثم الجامعة ليتخرج منها أستاذا و بعدها مفتشا تربويا.
هدى طابي