الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

النصر تنقل جحيم النقل الجماعي بقسنطينة

منــاورات خـطيــرة و شـجــارات عنيفـة علـى متـن حــافــلات مـتهـالكـــــة

تسيطر على واقع النقل داخل الحافلات بولاية قسنطينة، سلوكات غير حضارية يقوم بها العديد من السائقين و القابضين، من خلال عدم التقيّد بقواعد المرور و النقل، و كذا التوقف العشوائي و السرعة المفرطة و المناورات الخطيرة، إضافة لعدم احترام الركاب و غياب النظافة و شروط السلامة و الشجارات، و هي مظاهر وقفت عليها النصر في رحلة على خط جبل الوحش- المدينة الجديدة علي منجلي، لتنقلها في هذا الروبورتاج.
روبورتاج: عبد الرزاق.م
كانت الساعة قد قاربت الثامنة من صباح يوم الثلاثاء، عندما اصطف عشرات الأشخاص على الرصيف بموقف الحافلات بحي الدقسي عبد السلام، أين كانت أربع منها قد احتلت جانب الطريق دفعة واحدة، و ما إن تغادر إحداها حتى تخلفها أخرى، في مشهد عشوائي اختلط فيه صوت منبهات السيارات بصراخ القابضين، و رغم أن الكثير من الأشخاص كانوا يصعدون على متن الحافلات و يغادرون، غير أن عددهم على الرصيف لم يتناقص.
مع وصول الحافلة القادمة من جبل الوحش في اتجاه المدينة الجديدة علي منجلي، سارع الكثير من المنتظرين إلى ركوبها، بعد أن نزل منها بضعة أشخاص، حيث لم تكن تحتوي على أي مساحة شاغرة تقريبا، عندما حللنا بداخلها، و لم نحصل سوى على موضع قدم أمام الباب الخلفي كما لم يكن باستطاعتنا التحرك أو الالتفاف، لا يمينا و لا شمالا، فالمجال لا يسمح بذلك، و كذلك الأمر بالنسبة لمعظم الركاب، الذين فاز منهم من ظفر بمقعد، على الكراسي القليلة التي تحتويها هذه المركبة القديمة من نوع «100 في 8»، فتاريخ صنعها الذي لمحناه قبل الصعود إليها على لوحة الترقيم، يعود إلى سنة 1986.
اكتظاظ و سباق للظفر بأكبر عدد من الزبائن
سارت الحافلة و ما هي إلا دقيقتان حتى توقفت في مدخل حي سيدي مبروك السفلي، و فتح الباب فاضطررنا رفقة بضعة أشخاص للنزول، حتى يتسنى لركاب آخرين المغادرة، و رغم أن المكان لم يكن يتسع، غير أن القابض أصر على أن يصعد أشخاص جدد، لتبدأ المعاناة على طريق حي التوت مع الاختناق المروري، فهذه المركبة الكبيرة أصبحت تسير ببطء شديد، و رغم أن الأجواء كانت باردة في الخارج، غير أنها كانت لا تطاق في الداخل، و يصعب معها التقاط الأنفاس بسبب الروائح المختلطة، فيما كان الهواء يدخل من شق الباب فيتسرب إلى الأطراف، و يصبح عندها التفريق بين البرد و الحرارة أمرا غير ممكن.
وصلنا بعد حوالي 10 دقائق إلى موقف محطة المسافرين الشرقية، بعد أن توقفت الحافلة قبل ذلك بحي التوت، و هنا كان طلبة الجامعة الذين وصلوا لتوهم من ولايات أخرى، ينتظرون قدوم المركبة المتوجهة نحو علي منجلي أين تقع معظم إقامات قسنطينة، حيث تدافعوا إلى الصعود محملين بالأمتعة، بمجرد فتح الأبواب، و رغم أن بعض الركاب كانوا قد نزلوا بهذا الموقف، إلا أن الأمر لم يتغير كثيرا، باستثناء التقدم إلى داخل الحافلة التي بقيت مكتظة عن آخرها، بينما استمر القابض الشاب يتجول، بقدرة عجيبة، بين الركاب الواقفين لتلقي الأجرة، فيطلب الإذن من هذا و يتجاهل ذاك، لكي يبلغ الزبون الذي يبحث عنه، حتى لو تطلّب الأمر الاحتكاك بالنساء، دون حرج، رغم محاولتهن تجنبه.
عند موقف جامعة قسنطينة 1، بدأ الطلبة يغادرون و نزل الكثير منهم أيضا بإقامة منتوري، و بكلية زرزارة، فأصبح في المكان بعض المتسع، غير أننا لم نتمكن من الجلوس على تلك الكراسي البلاستيكية القاسية، فقد كانت كلها ممتلئة، و بدا الطريق طويلا نحو زواغي بسبب الاختناق المروري، حيث استغرقنا قرابة نصف ساعة قبل أن تفتح الأبواب مجددا، و يتسنى لأشخاص آخرين النزول أو الصعود، لتنطلق المركبة مجددا نحو علي منجلي، التي غادرنها في إحدى مواقفها و نحن نسترجع أنفاسنا و كأننا خرجنا للتو من قبو ضيق لا هواء فيه، فيما تركنا القابض و قد دخل في جدال مع قابض حافلة أخرى، بسبب التنافس على الركاب.

سلك معدني لغلق الأبواب!
في طريق العودة، صعدنا على متن حافلة أخرى و هذه المرة نحو حي بوالصوف، و لم يختلف الأمر كثيرا فقد كانت مكتظة عن آخرها و تسير ببطء كبير، أما السائق فكان يتوقف في كل مكان لحمل الركاب، سواء في المواقف أو على قارعة الطريق، و الخطير في الأمر أن الباب لم يكن يغلق بإحكام و قد ربط مقبضه بسلك معدني، أما الكراسي فضيقة جدا و لا تكفي لجلوس شخصين، غير أنها مصممة لذلك، و لقدمها فقد بدت ممزقة و خرج الإسفنج من جوانبها، فيما ظهرت قاعدتها الخلفية و كأنها صنعت في إحدى ورشات التلحيم التقليدية المحلية، و ما إن تجلس عليها عليك أن تثني ركبتيك، حتى يتسع لك المكان، أما إن جلست بجانب شخص آخر، فستضطر لإبقاء إحدى ساقيك خارج الكرسي.
أخذ القابض ثمن الركوب و كان يطلب من كل شخص قطعة من فئة 5 دنانير، لأنه لا يملك منها الكثير ليعيد الباقي، و بالفعل لم يعد للكثيرين 5 دنانير، على أن يرجعها لهم قبل أن يغادروا، غير أنه لم يفعل، على الأقل في حالتنا، أما السائق فقد أطلق صوت أغاني «الملاهي» دون مراعاة للركاب، قبل أن يدخل في سباق مع سائق آخر، حول أول من يصل إلى المواقف، قصد الظفر بأكبر عدد من الركاب، و لم يتوان في القيام بمناورات خطيرة، كادت إحداها أن تؤدي إلى خروج الحافلة عن الطريق المقابل للمطار، وسط ذعر كبير من الركاب الذين أخد بعضهم في الصراخ، و كاد الأمر يتحول إلى شجار بعد أن انفعل أحد الشباب، و لولا تدخل الحاضرين لوقع اشتباك بالأيدي.
رُكاب مضطرون في غياب البدائل
من خلال هذه الجولة تحدثنا إلى عينة من الركاب، الذين اعتادوا على ركوب الحافلات بمدينة قسنطينة، و باتت مثل هذه التصرفات تمثل لهم أمرا اعتياديا، رغم أنهم عبروا عن عدم تقبلهم لها، حيث أجمعوا على أن التنقل داخل الحافلات بقسنطينة أمر يقبلون عليه مضطرين، بسبب عدم وجود البديل، الذي و إن توفر في سيارات الأجرة، فإن التكلفة تكون باهظة، و بعدة أضعاف ما يكلفه ركوب الحافلة، التي لا يتجاوز سعر التنقل عبرها 35 دينارا.
و تحدث من التقيناهم و هم طلاب و تلاميذ أو عمال، بين شباب و شيوخ و حتى عجائز و أطفال، عن الاكتظاظ الكبير، و الانتظار الطويل داخل الحافلات، نتيجة توقف السائقين لمدة طويلة بالمواقف، و قالوا بأن السائقين يجعلونهم أحيانا ينتظرون لأكثر من 10 دقائق في كل موقف، كما اشتكوا من رداءة الحافلات التي لا تتوفر على أدنى ظروف الراحة، فالكراسي مكسرة و ممزقة، و متسخة في غالب الأحيان، و تنبعث منها الروائح، و كذلك الأمر بالنسبة للأرضية التي تحمل شتى أنواع القمامة و بقايا السجائر و «الشمة»، و النوافذ لا تفتح، و الأبواب لا تغلق بشكل جيد.
كما أن الهيئة التي يظهر بها الكثير من القابضين و السائقين و سلوكاتهم، تثير قلق الركاب، على حد ما علمناه، فقد اشتكوا من الكلام القبيح و التعامل السيئ، و وضع أغان «غير لائقة»، إضافة إلى السرعة المفرطة و المناورات، التي تنتهي أحيانا بحوادث سير، و قالوا بأن الحافلات يتم حشوها بالركاب فوق طاقتها، و يصبح البقاء بداخلها أمرا في غاية الصعوبة، كما أشاروا إلى أن بعض السائقين لا يحترمون الخطوط، فمثلا حافلات جبل الوحش تتوقف في حي الأمير عبد القادر، و هناك من ينزل الركاب ليصعدوا مع حافلة أخرى، حتى لا يكمل الخط إلى نهايته، و الأكثر من هذا أن بعضها قد تتحول أحيانا إلى حلبات شجار، بين القابض أو السائق و أحد الركاب، و ذلك بسبب سوء تفاهم أو معاملة غير حسنة، وسط ذعر النساء و الأطفال، و كل هذا و أكثر يحدث في غياب تام لأي نوع من أنواع الرقابة، باستثناء رجال الشرطة الذين يعاقبون مخالفي قانون المرور.                       
ع.م

جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com