النعاس الزائد يؤدي إلى سقوط عشرات الموتى و يحيل الكثيرين على البطالة
قد يعكس النعاس أثناء السياقة تعب و إرهاق السائق و حاجته العاجلة و الماسة إلى أخذ قسط من الراحة حتى لا يتعرض لحادث قد يفتك بحياته، أو تناوله لبعض الأدوية التي يعتبر نقص اليقظة و النعاس ضمن آثارها الجانبية ، لكن يمكن أن يعكس النعاس حالة مرضية، يصنف ضمن أمراض النوم الخطيرة التي يحتاج المصاب بها إلى علاج متخصص و الابتعاد عن المقود، حفاظا على سلامته. و الملفت أن الكثيرين، إن لم نقل الأغلبية، لا يفرقون بين الحالات العادية و المرضية ، نظرا لنقص الثقافة الصحية و بقاء أمراض النوم، ضمن خانة الأمراض شبه المجهولة و المسكوت عنها بمجتمعنا.
يحدث هذا رغم أن بلادنا سجلت 4540 وفاة في حوادث المرور، خلال سنة 2014 ،بمعدل 13 ضحية يوميا، و العامل البشري هو المتسبب فيها بنسبة 96 بالمائة، و تليه حالة المركبات، و قدرت الخسائر المادية الناجمة عن هذه الحوادث بحوالي 100 مليار دينار، استنادا إلى إحصائيات رسمية تؤكد بأن الجزائر تحتل الصدارة عربيا و عالميا من حيث عدد الحوادث الفتاكة، و بالتالي من الضروري تكاثف الجهود على كافة المستويات لرصد كل الأسباب الظاهرة و الكامنة لهذه الظاهرة المؤلمة و التصدي لها و محاربتها.
الدراسات و الأبحاث الحديثة بأوروبا، تشير إلى أن النعاس ـ و المقصود به الحالة التي تتوسط اليقظة و النوم ـ أثناء السياقة هو السبب الأول في حوادث المرور هناك بعد السرعة ، لأن السيارات هناك مجهزة بتكنولوجيات جديدة ترصد اللحظة التي يستسلم فيها السائق للنعاس و وقوع الحادث.يحدث هذا بالرغم أن السيارات المتطورة تنبه السائق كلما قطع 300 كلم إلى ضرورة التوقف لأخذ قسط من الراحة.. .في حين أن الغالبية العظمى من السيارات ببلادنا، تفتقد إلى هذه التكنولوجيات التي من المفروض أن يعتمد عليها كافة صانعي السيارات للمساهمة في تقليص الحوادث.
و الملاحظ أنه لا توجد دراسات و أبحاث بالجزائر تتعرض لظاهرة النعاس أثناء السياقة، و بالتالي يتم الربط آليا بين وقوع حوادث المرور التي تشهد ارتفاعا مرعبا،بأسباب نمطية هي في الغالب السرعة و عدم احترام قوانين المرور ، كما قالت الدكتورة سامية كرميش بلمكي،أخصائية الأمراض الصدرية و الحساسية و أخصائية أمراض النوم بولاية قسنطينة التي تضم أخصائيتين فقط في أمراض النوم ، في حين يوجد 10 مختصين على المستوى الوطني درسوا بفرنسا ، نظرا لعدم فتح هذا التخصص بكليات الطب ببلادنا و عدم تدريسه و لو كمقياس في بقية التخصصات التي يكملها و يثريها مثل طب العمل و الأمراض الباطنية و الصدرية و العصبية و القلبية فهو يكمن خلف أسباب الإصابة بالعديد من الأمراض الخطيرة، علما بأنه ظهر بالخارج في الثمانينات.
شددت محدثتنا بأن الشعور بالنعاس يكون طبيعيا تحت تأثير المرض أو الإرهاق و بعد العمل في المناوبة الليلية، أو بالنسبة للطيارين و المسافرين إلى مناطق بعيدة، حيث تتأثر ساعتهم البيولوجية و نشاطاتهم المختلفة. مشيرة إلى أن بعض البلدان على غرار اليابان تمنح الموظفين الحق في نصف ساعة قيلولة في مكان العمل، من أجل استرجاع اللياقة البدنية و اليقظة و التركيز العالي و بالتالي ضمان زيادة مردوديتهم،مؤكدة بأن للقيلولة مفعول سحري في وقت الظهيرة بعد تناول وجبة الغذاء. و أخذ قسط من الراحة ضروري للسائق العادي لاستعادة يقظته و نشاطه أثناء السفر و كوقاية من الحوادث المحتملة.
و أضافت الأخصائية بأن بعض المرضى الذين يعانون من انقطاع التنفس أثناء النوم ليلا، تتأثر نسبة الأوكسجين في دمهم، و تتسارع نبضات قلوبهم، و يرتفع ضغطهم الدموي، فيعانون من الشخير و تقطع دورة النوم لديهم،ما يجعل لديهم "ديْنا" يبرز من خلال النعاس الزائد نهارا .
أكدت الطبيبة بأن النعاس ليس مرضا بحد ذاته ، بل حالة يمكن أن تتحول إلى مرض عندما يؤثر النعاس في النشاط اليومي للفرد و عمله و نقص قدرته على التركيز في شيء يقوم به، كأن يتغلب عليه النعاس، بعد ساعات نوم و راحة كافية في الليل، عندما يتحدث إلى زميل بمقر العمل أو و هو يكتب أو يأكل... إلخ. فيصبح النعاس عائقا قد يؤدي إلى شعور المصاب بالحيرة و القلق و الإحباط ثم الانهيار العصبي، حيث أن مثل هذا الشخص يشعر بالنقص و الدونية، و بأنه غير مفيد و غير فعال في عمله و حياته، و بحاجة لشخص آخر يساعده و يتكفل به دون أن يفهم ما يحدث له أو يعلم بأنه مريض بحاجة إلى علاج.
الحالات كثيرة بمجتمعنا لكنها محاطة بجدار من الصمت و كأنها «طابوها» مخيف، لكننا تمكننا من رصد بعض الحالات.
- علي رجل أعمال في الأربعينات من عمره متزوج و أب لطفلين، يحتم عليه عمله التنقل كثيرا عبر عدة مناطق بشرق و غرب و وسط البلاد، و تعرض أثناء أسفاره إلى مجموعة من الحوادث المميتة التي كادت تودي بحياته و كان ينجو منها بأعجوبة. أخفى السبب طويلا، لكنه قرر في العام الفارط أن يصارح زوجته بأنه عندما يقطع بضعة كيلومترات في الطريق السريع شرق ـ غرب على متن سيارته، يفقد يقظته و تركيزه تدريجيا، حيث يتثاءب كثيرا و يشعر بثقل و فشل في جسمه و يسيطر عليه النعاس ،و يفقد السيطرة على المقود و يصطدم بحافة الطريق أو سيارة أخرى و هكذا و عندما يستيقظ يجد نفسه بالمستشفى بين الحياة و الموت. وضع جعل زوجة علي تتخذ قرارا صعبا، يتمثل في الاستعانة بمربية تتكفل بابنيها في غيابها و مرافقة زوجها في رحلاته، حيث تقوم بدوري السائقة و المرافقة كإجراء وقائي في انتظار حل مناسب.
- محمد رب أسرة متعددة الأفراد في الخمسين من عمره، كان يعمل مع أشقائه في التجارة، لكن الخلاف على نسبة الأرباح جعلته يقرر العمل كسائق أجرة ،لكنه في الأيام الأولى من مزاولة عمله لاحظ بأنه و بعد نصف ساعة فقط من السياقة يشعر بالوهن و ثقل في أطرافه و كتفيه و وخز بعينيه،و كاد عدة مرات أن يفقد السيطرة على المركبة .و أكد محمد بأنه ينام ليلا بشكل طبيعي و لا يعاني من مرض عضوي معروف، لكن حالته هذه حولت حياته إلى جحيم لا يطاق.و في أحد الأيام كان يقود سيارته باتجاه منزله ببلدية مجاورة و في لحظة مسروقة من النوم و اليقظة، اصطدمت سيارته بأخرى ،فأصيب بعدة جروح خطيرة على مستوى رأسه و رجليه ، و بعد تماثله للشفاء قرر أن يترك هذه المهنة التي تحتاج إلى يقظة فقدها لسبب يجهله.
- تقول غنية، طبيبة أسنان في الخمسين بأنها اضطرت لطلب الإحالة على التقاعد المسبق، لأنها أصيبت بأعراض النعاس الزائد في النهار الذي يعرقل عملها الصعب و الدقيق، مشيرة إلى أنها تتابع العلاج حاليا لدى أخصائيين بفرنسا بشكل منتظم على أمل أن تتحسن حالتها .
الدكتورة كرميش أكدت بأن النعاس الزائد لدى الأشخاص الذين يزاولون أعمالا تتطلب الكثير من التركيز و اليقظة و الدقة ،يصبح خطرا عليهم و على الآخرين و أحيانا يتحول إلى وضعية كارثية و بالتالي لابد من إخضاعهم بشكل استعجالي لتشخيص مرضهم و علاجهم .و شددت بأنه من المفروض أن يخضع سائقو سيارات الأجرة و الحافلات و الشاحنات و العاملين في مجال النقل عموما و كذا العاملين بآلات و تجهيزات حادة لاختبارات لقياس أهليتهم و مدى استعدادهم لهذه الأعمال نفسيا و عضويا و سلامتهم من مرض النعاس الزائد و ذلك في مصالح طب العمل ،قبل الموافقة على توظيفهم .
الملفت أن قياس النوم و اختبارات النعاس لا تستعمل بمصالح طب العمل بالمؤسسات الاستشفائية الجزائرية و لدى انتقالنا إلى مديرية النقل ،أكد لنا مسؤول بمصلحة سيارات الأجرة، بأن المترشح ليصبح سائقا عموميا، يخضع لتحقيق إداري و تطلب منه الوثائق المعروفة في ملفات المترشحين لبقية المهن إلى جانب شهادة طبية و لا يخضع لاختبارات نفسية و استغرب من سؤالنا عن اختبار النعاس الذي لم يسمع به من قبل.
إلهام.ط