حوامل في خطر والمتابعات القضائية تطارد طواقم طبية بأم البواقي
امتثلت، منذ أيام الطبيبة العامة بعيادة الولادة سليمان عميرات بأم البواقي المسماة (ب.ا)، أمام محكمة الجنح الابتدائية، في قضية تتعلق بجرم التقصير المؤدي لوفاة سيدة حامل، و التمس وكيل الجمهورية معاقبتها بسنة حبسا نافذا وغرامة مالية قدرها 20 ألف دينار، من جهة أخرى تقدمت عائلة سيدة زوج بمدينة عين كرشة بشكوى أمام السلطات الولائية، تكشف فيها عن وفاة مولود ابنها نتيجة الإهمال، وهما قضيتان أعادتا للواجهة مسألة التكفل بالنساء الحوامل بعيادات التوليد العمومية بالولاية، في ظل الأخطار التي تلاحق الحوامل من جهة والمتابعات القضائية التي أضحت كابوسا يطارد الطواقم الطبية المناوبة، والتي يجد أعضاؤها أنفسهم في كل مرة أمام العدالة بتهم تتعلق في مجملها بالتقصير والإهمال.
سيدة تلفظ أنفاسها وتبادل للتهم بين أطراف القضية
قضية الطبيبة العامة ترجع إلى الأسابيع القليلة المنقضية، عندما تقدمت السيدة (ع.فريدة) في العقد الثالث من العمر رفقة والدتها من عيادة الولادة في حدود الساعة الرابعة مساء لتقدم لها مسكنات طبية، وطلبت منها العودة لسكنها في انتظار أن تعاودها الآلام، لترجع السيدة للعيادة على الثانية صباحا في وضع صحي حرج، أدى بالطاقم المناوب إلى إجهاض مولودها وتحويلها على متن سيارة إسعاف لمستشفى عين البيضاء، لتلفظ أنفاسها في الطريق إلى هناك، لترجع للعيادة وتحول وهي متوفية لمستشفى محمد بوضياف.
واعتبر دفاع الضحية التي لفظت أنفاسها بعد إجهاض مولودها، بأن القضية عبارة عن مأساة حقيقية، مشيرا بأن الملف خضع لـ3 خبرات قضائية من 3 أطباء أجمعوا كلهم بأن سبب الوفاة يعود لنزيف داخلي عانت منه الضحية من أول وهلة، وتساءل محامي عائلة الضحية كيف تقدم الطبيبة للمريضة لحظة تنقلها للعيادة مسكنا للألم وهي تعاني نزيفا دمويا وتطلب منها التوجه لمسكنها، أين انفجر كيسها المائي وسبب لها مضاعفات أدت لوفاتها على متن سيارة إسعاف، وأكد دفاع الضحية بأن السيدة المتوفية سبق لها وأن وضعت اثنين من أبنائها وهما الآن في صحة جيدة، منتقدا ضخ الدولة للملايير على مؤسسات صحية يغيب عنها ما اعتبره بالتسيير الجاد، متسائلا كيف لمريضة في حالة صحية حرجة ولها نزيف داخلي، أن تحول لمستشفى عين البيضاء وتموت في الطريق إليه دون أن تمر على المستشفى الأقرب محمد بوضياف؟، وأكد المتحدث في مرافعته بأن الطبيبة أخلت بالتزاماتها تجاه الضحية.
من جهتها الطبيبة المتهمة فندت التهمة المنسوبة إليها، مشيرة بأن المناوبة الطبية ليلة الوقائع كانت متواجدة بمدينة عين البيضاء، وفي ظل الوضع الصحي الصعب للضحية قامت بتحويلها لمستشفى الأمومة بعين البيضاء، بعد أن أجهضت السيدة بنجاح، وفي ظل معاودة الآلام والدوار لها، لتنقل على متن سيارة إسعاف بمعية ممرضة، وهي التي اتصلت بها هاتفيا وأخطرتها بأن السيدة في وضع غير طبيعي عند وصولها لقرية بئر وناس، لترجع سيارة الإسعاف أدراجها وتنقل السيدة لمستشفى محمد بوضياف أين تأكد وفاتها، من جهته أكد والدا الضحية بان ابنتهما لم تكن تعاني أي مرض باطني ولم تكن تشكو من أية أوجاع.
دفاع المتهمة أشار بأن موكلته الطبيبة العامة وجدت نفسها أمام إجراء تقني وجب أن تتبعه، مشيرا بأن الشكوى حركها والي الولاية، منتقدا في الوقت نفسه جدول المناوبة الطبية الليلية للأطباء المختصين في طب النساء والتوليد، كون المناوبة تكون أحيانا بين مدينتي عين مليلة ومسكيانة، وهو ما يتسبب في أخطار دائمة تلاحق الحوامل، وبين المتحدث بأن الوفاة لم تأت نتيجة الإهمال كون الطبيبة اتخذت إجراء بتحويل المريضة لأقرب نقطة مناوبة.
وفاة رضيع آخر.. والتهمة الإهمال
القضية التي أرجأت هيئة المحكمة الفصل فيها، هي جزء من عدة قضايا يتم تحريكها من طرف أهالي النسوة الحوامل اللاتي يلفظن أنفاسهن أو يخسرن مواليدهن في ظل الصعوبات التي يصطدمن بها عند الوضع، ومن بين الصعوبات التي طالبت النسوة الحوامل بإيجاد مخرج جذري لها، ما طرحته عائلة السيدة (ح.نورة) ابنة مدينة عين كرشة، والتي حرك زوجها شكوى للمسؤول الأول على الجهاز التنفيذي للولاية، يلتمس من خلالها التحقيق في ظروف وفاة ابنه، بعد أن تعرضت زوجته للإهمال والتفريط، وتكشف شكوى عائلة السيدة بأنهم نقلوا المريضة الحامل لعيادة عين كرشة، وبدلا من نقلها لعين مليلة الأقرب من حيث المسافة، حولت لمدينة أم البواقي التي كانت تضم نقطة مناوبة، وعند الوصول للأخيرة تم تحويل المريضة لعين البيضاء، في مشهد وصفته العائلة بالتلاعب الواضح بصحة وسلامة المرضى.
وأكدت عائلة السيدة بأن ابنتهم لما وصلت لمستشفى الدكتور بومالي بعين البيضاء، أحيلت مباشرة على غرفة العمليات أين أجريت لها عملية قيصرية، وأكد الأطباء المشرفون على العملية أنها كانت على وشك الموت نظرا للمضاعفات التي تعرضت لها نتيجة الإهمال وفق نص الشكوى التي نحوز نسخ منها، ليتمكن الطاقم الطبي من إتمام العملية الجراحية التي كللت بوضع السيدة لطفل توفي نتيجة نزيف حاد، واتضح بعدها بأن الطاقم الطبي أعد تقريرا مفصلا حول ملابسات الوفاة وتم تحويله لمديرية الصحة.
عطل مرضية تقلب الموازين وانتقادات للبرمجة
تكشف معطيات رسمية بحوزة النصر أن القائمين على مديرية الصحة بالولاية، قاموا ببرمجة نظام ليلي خاص بمناوبة الأطباء المختصين في طب النساء والتوليد، والبالغ عددهم الإجمالي 12 طبيبا موزعين على 5 قطاعات صحية كبرى للولاية، منها عين فكرون بطبيبين ومسكيانة بطبيب واحد وعين مليلة بـ3 أطباء وأم البواقي بأربع أطباء وعين البيضاء بطبيبين، غير أن هذا النظام يصطدم في كل مرة ببعض الاختلالات التي أثرت سلبا على النسوة الحوامل وعائلاتهن، نتيجة الأخطار التي تلحق بهن في كل مرة ، فجدول المناوبة ، حسب مصدر طبي تم وضعه دون مراعاة التوزيع الجغرافي وبعد المسافة لبعض المناطق، على غرار ليلة الـ16 من شهر جانفي، التي برمجت فيها المناوبة بمستشفى عين فكرون فقط، ما يشكل صعوبة كبيرة للحوامل من مدن سوق نعمان وأولاد زواي وبئر الشهداء وكذا من الجازية والضلعة ومسكيانة، إضافة إلى ليلة 19 جانفي التي خصصت فيها المناوبة بمدينة أم البواقي فقط ، حيث تقرر في بعض الأحياء في عيادة واحدة فقط دون أن تبرمج في عيادة ثانية، هذا ناهيك على تقديم الأطباء المكلفين بالمناوبة لعطل مرضية تعفيهم من ضمانها، يضيف مصدرنا، نتيجة قيام مديرية الصحة بتحديد الجدول دون مراعاة طلبات الأطباء التي توضع سابقا، والتي يؤكد عاملون في مصالح ولادة أنها تشترك أحيانا في ليال محددة ما يجعل المديرية تبرمج ليال أخرى للمناوبة، ما يدخل الحوامل في أزمة حقيقية نتيجة تنقلهن المستمر ليلا بين هيكل صحي و آخر، وفي حالات كثيرة ينتهي بهن الأمر بعيادة سيدي مبروك بقسنطينة أو على مستوى العيادات الخاصة التي تصل بها كلفة العملية القيصرية مبلغ 8 ملايين سنتيم، على الرغم من ضرورة إعلام الطبيب الذي يتخلى عن المناوبة بعطلة مرضية إدارته مسبقا، ليسمح لها بإبلاغ بقية المؤسسات الصحية بسقوط المناوبة، غير أن الواقع، كما تشير عكس ذلك بحسب ما أكدته عديد الشهادات الحية، لمن التقينا بهم من عائلات الحوامل الذين اشتكوا عدم احترام الأطباء لجدول المناوبة، وعدم إعلام المديرية المرضى وسكان الولاية بالجدول المخصص لها، حتى تنقل عائلة الحامل مريضتها مباشرة للنقطة المحددة أين قد تواجهها عدة مفاجآت.
المناوبة خففت الضغط على قسنطينة و نظمت المصالح
يرى مصدر مسؤول بإحدى العيادات المسؤولة على ضمان المناوبة ليلا، في ظل عدم رد مدير الصحة على اتصالاتنا المتكررة، بأن المؤسسات الصحية عبر الولاية تتسلم شهريا جدول المناوبة والذي يشترط تعليقه في قاعة الوضع لتكون القابلات على علم به، ويكون الأطباء المناوبون على أتم الاستعداد لاستقبال الحوامل عند مناوبة كل واحد منهم، مع إلزام المؤسسات المعنية بالمناوبة باستقبال المرضى دون أن يتم الإستفسار بشأن البلديات التي قدموا منها، إلى جانب تخفيف الضغط على عيادة الولاية بسيدي مبروك بقسنطينة، التي كانت تستقبل أضعاف الحالات التي تستقبلها اليوم، كما يرى محدثنا بأن المناوبة في شكلها الجديد سمحت بتقريب الهياكل الصحية من الحوامل.
أحمد ذيب