جيلنا بحاجة إلى الإمكانات لترك بصمته في المسرح الجزائري
كشف المخرج المسرحي الشاب فوزي بن براهيم بأن الجيل الجديد من الممثلين والمخرجين قادر على ترك بصمته في المسرح الجزائري، لو توفرت لديه الإمكانات اللازمة، والثقة في مؤهلاته.
مخرج ملحمة قسنطينة في افتتاح تظاهرة عاصمة الثقافة العربية، أشار في حواره للنصر، على أن تحمل مسؤولية إخراج هذا العمل الدرامي الضخم، وفي مناسبة بهذا الحجم وبحضور مكثف لأعلى سلطات البلاد، لم يخفه بقدر ما زاد من عزيمته وإرادته على رفع التحدي، وتقديم عرض يكون في مستوى الحدث.
فوزي بن براهيم الذي يعد من المخرجين الشبان الذين تزخر بهم الساحة الوطنية تطرق رغم حالة التعب والمرض الذي يتواجد فيها مؤخرا، إلى واقع المسرح الجزائري، ورؤيته المستقبلية للفن الرابع المتجدر في الثقافة الجزائرية.
لا أدري كيف تم الاتصال بي وترشيحي لإخراج «ملحمة قسنطينة»، ولكن سعدت كثيرا للأمر بعد أن تلقيت المكالمة الهاتفية من المخرج علي عيساوي، خاصة وأن ذلك يتعلق بعمل فني ضخم ومناسبة كبيرة جدا مثل تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية.
صحيح أني صغير السن ( من مواليد 1985)، مقارنة بمخرجين كبار تركوا بصمتهم في العمل المسرحي الجزائري، ولكن لدي إسم في الساحة الفنية الوطنية، بالنظر إلى الأعمال الجيدة التي قدمتها لحد الآن، والتي جعلت المخرج علي عيساوي يعتبرني الشخص المناسب لقيادة هذه الملحمة الضخمة، هو يعرف إمكاناتي جيدا، وكان صريحا معي عندما تحدث معي بخصوص هذا العمل، أين قال لي بأنهم بحاجة إلى لمستي الشبابية، والتي تميز أعمالي الفنية والمسرحية، وهو ما جعلني أوافق مباشرة، خاصة وأنه لا يمكنني تضييع فرصة مثل هذه.
رغم ضخامة العمل وقيمة المناسبة، إلا أن ترشيحي لإخراج ملحمة قسنطينة لم يخفن بالمرة، بل بالعكس جعلني أمام تحد من نوع خاص، لكي أثبت للجميع بأن جيلنا الحالي قادر على الإبداع والتألق، نحن بحاجة إلى الإمكانات والمساندة فقط، من أجل أن نترك بصمتنا على المسرح الجزائري الذي تراجع بشكل رهيب في السنوات الأخيرة.
استفدت كثيرا من خبرة علي عيساوي المسرحية خلال إخراجي لملحمة قسنطينة التي كانت افتتاح لعاصمة الثقافة العربية، هو كفاءة وطنية أتشرف بالعمل إلى جانبها، فهو لم يبخل عليّ بالإرشادات والنصائح عند «البروفات»، وترشيحه لي لم يكن من باب المجاملة كما قال لي، بل لتميزي وتفوقي في هذا المجال، أنا فخور كثيرا بهذا العمل، واعتقد بأني كنت عند حسن ظنه وظن ديوان الثقافة الذي وضع ثقته في شخصي، كما أريد أن أضيف شيء.
لقد تلقيت المساعدة التي كنت بحاجة إليها من المخرج علي عيساوي، بالنظر إلى أنه كان المشرف والمخرج العام للعرض، صدقوني لما يمتلك الشخص للخبرة اللازمة بإمكانه التحكم في العمل المنجز، وبذلك يكون قادرا على تقديم أشياء جميلة للجماهير.
مدة الشهرين لم تكن كافية من أجل إخراج عمل مسرحي بهذا الحجم، لقد اضطررنا للعمل ليل نهار حتى نكون جاهزين يوم الافتتاح، والحمد لله سارت الأمور كما ينبغي معنا، لقد خرج الجمهور راض بالعرض الذي تابعه على مدار أزيد من ساعتين، سيما وأننا أظهرنا وجهه مشرف حول الفن الجزائري رغم الصعوبات الكثيرة التي واجهتنا إلى غاية اليوم الأول للعرض.
ملحمة قسنطينة حققت نجاحا باهرا على جميع الأصعدة، ولقد تلقينا الإشادة والتهاني من جميع الجهات، لقد خرج الجميع راض بالعمل المقدم، وحتى الوفود العربية خصتنا بعبارات الثناء، لقد أعجبت كثيرا بالمشاهد والفصول الجميلة التي تابعتها، كما أن التهاني لم تنقطع، إلى درجة أنها وصلتنا حتى من الوزير الأول عبد المالك سلال الذي أصر على تشجيعي بطريقته الخاصة، وهو ما أعتز به كثيرا، سيما وأن الأمر يتعلق برئيس الحكومة، والرجل الثاني في البلاد.
لقد أعجب الوزير الأول كثيرا بالمحلمة، وبالأمور التي شاهدها، وهو ما جعله يقترب مني عند نهاية العرض، حيث هنأني على المجهودات التي بذلتها رفقة طاقمي، لقد قال لي بالحرف الواحد:» يعطيك الصحة، لقد كان عمل جبار بالنسبة لشاب بسنك، وأنا هنا إذا ما إحتجت المساعدة في قادم المواعيد، خاصة وأن الدولة تريد الاستثمار في الطاقات الشبانية المتميزة».
صحيح أنه لم يكن من السهلي عليّ التحكم في هذا الكم الهائل من الفنانين، ولكن كنت مطالبا بتسيير المجموعة بشكل جيد، والحمد لله وفقت في ذلك، وتم تقديم العمل بوجه جيد، لقد كانت لدي برودة الأعصاب اللازمة، كما امتلكت قوة الشخصية، وهو ما جعلني أوفق في إخراج هذه الملحمة الضخمة، لقد أحسنت التعامل مع الفنانين، وركزت على عامل الاحترام، ما مكنني من النجاح في تقديم العرض في أحسن صورة.
اعتقد أن هذه التجربة جد نافعة بالنسبة لي، حيث مكنتني من إثبات قدراتي ومؤهلاتي، وبأن الشباب الجزائري قادر على الإبداع والتألق، ولكن لا يجب أن أغتر، وسأكون مطالبا بمواصلة العمل الذي بدأته، ولكن بوضع الأرجل على الأرض لأنها السبيل الوحيد لمزيد من النجاحات، خاصة وأنني أريد أن أكون واحدا من رموز الإخراج المسرحي في الجزائر.
أي عمل فني لا يخلو من النقائص، وهو ما ينطبق على ملحمة قسنطينة التي كنت وراء إخراجها، حيث كانت بها بعض الأمور السلبية التي كنا قادرين على تقديمها بشكل أفضل، ولكن على وجه العموم نحن راضون بما قدمناه، حقا.. لم نتلق انتقادات كثيرة، بل بالعكس وصلتنا العديد من الرسائل التشجيعية التي تجعلنا فخورين بالعمل المنجز.
بطبيعة الحال تكويني بفرنسا أضاف لي الكثير من الأمور الإيجابية في عملي الفني، خاصة وأن دراستي بالخارج منحتني المزيد من الخبرة، والجرأة والإبداع، ولكن لا يمكن أن أبخس حق الجامعة الجزائرية التي درست بها، وتخرجت منها، صدقوني بلادنا لا تزال قادرة على تكوين مخرجين وفنانين أكفاء، وما على المسؤولين سوى منح الفرصة للطاقات الشبانية، سيما وأن المسرح الوطني والمسارح الجهوية قادرة على صقل المواهب الصاعدة.
صحيح أن الفن في الجزائر يتواجد في أسوأ أحواله في السنوات الأخيرة، بالنظر إلى غياب الأعمال الجيدة، ولكن لا يجب أن نقتل المبدعين، سيما وأن هناك بعض الكفاءات والطاقات التي هي قادرة على إعادة الصورة الجميلة للفن الجزائري.
اعتقد أن الجيل الحالي قادر على تعويض الجيل الذهبي للمسرح الجزائري، صحيح أن المهمة لن تكون سهلة، بالنظر إلى الواقع الأليم للفن الجزائري في السنوات الأخيرة، ولكن بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب نحن قادرين على إعادة الأمجاد الضائعة.
فوزي بن براهيم واحد من الشبيبة الجزائرية التي تطمح لتغيير الوضع الثقافي في الجزائر، ولهذا استغل الفرصة من أجل توجيه رسالة خاصة إلى المسؤولين تتمثل في ضرورة فتح الأبواب أمام الطاقات الشبانية من جديد، خاصة وأنها الوحيدة القادرة على أن تصنع الأمجاد.