المضمون والصدق أهم عنصرين في الإنشاد
يحدثنا المنشد منير معماش، ابن مدينة قسنطينة، في هذا الحوار عن رؤيته الفنية وعن مجموعة من النقاط المتعلقة بممارسته لمجاله وعن البعد الروحي لها، بالإضافة إلى الأغاني التي سجلها خلال مساره الممتد على عشر سنوات، كما يؤكد لنا بأنه لا يتقن المجاملة والنفاق، لكنه لم يرجع مسؤولية بقائه في الظل إلى اليوم رغم قدراته الصوتية، إلا إلى عدم تمتعه بمهارات تسويق نفسه، حيث اكتفى بالتأكيد على رضاه عن عمله الحالي كعون أمن.
• النصر: ما هي رؤيتك في الإنشاد؟
- منير معماش: انطلاقا من كوني مسلما، أنا مقتنع ومتيقن بأنني أمتلك عاطفة دينية كأي إنسان له معتقد، يمثل بالنسبة إليه مجموعة من الأحاسيس وعاطفة متفردة، ويتحول إلى سلوك. أعتقد بأن أي إنسان مسلم سيتواصل بالضرورة مع كل ما له علاقة بدينه، لكنني ذهبت أبعد من هذا الأمر بعض الشيء ودخلت في الممارسة من خلال صوتي الذي أتمتع به، وأي خاطرة أو شيء يتعلق بحياتي كمسلم أحوله إلى نغمات لأتقاسمها مع غيري.
أعمل عون أمن في الجامعة وأنا راض عن وظيفتي.
•ما رأيك في تحفُظ بعض المنشدين على تسمية منشد ويفضلون تسمية فنان، على غرار سامي يوسف؟
سامي يوسف عارف بالموسيقى ومتمكن منها، وهو استثمر كثيرا في الجانب الموسيقي، التي يعتمد عليها اعتمادا كليا. أما أنا فأعتبر بأن الموسيقى أداة، وأستثمر بالشكل الأكبر في صوتي، لكنني أحرص بشدة على أن يكون المضمون المُدعم بالأداء في أعمالي طاغيا على ثنائية الإيقاع أو الموسيقى، مع أنني لست ضد الموسيقى أبدا، لكنها ليست ذات أولوية بالنسبة إلي.
•ألا ترى بأن الإنشاد ارتبط بصورة نمطية باهتة أساءت له أكثـر مما أحسنت إليه؟
أمارس الإنشاد منذ عشر سنوات، وأنا عاشق للصوت البشري مهما كان الأداء الذي يقوم به، فالشجن والصدق هما أكثر عنصرين ينبغي توفرهما في الأداء بحسب رأيي، لكنني متيقن من أنه لا يمكن أن يتمتع إنسان ناكر للخالق بالصدق، فسيكون صدقا مزيفا، وأنا مؤمن بأن الحدث الأكبر في الجنة هو الاستماع للقرآن بصوت النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصوت النبي داوود عليه السلام، وأعظم النعم في الجنة هو الاستماع للقرآن بصوت الرحمن.
العولمة جعلت القادر على تصدير ثقافته هو المُهيمن على الساحة، لكن المجتمعات الإسلامية تعيش حالة من الضعف للتشوه الروحي الذي يعيشه الفرد، لذلك لا يمكن أن ننتظر منه أن ينتج مادة فنية راقية. وكمُحب للصوت يمكنني الاكتفاء بما أنتجه المنشدون الكبار من قبلي، لكن التحدي اليوم هو أن تجعل الإنسان المسلم من الجيل الجديد يستمع إليك انطلاقا من عاطفة دينية تشترك معه فيها عوض الغوص في ثقافة الأقوى. حالة المسلمين اليوم انعكست على نوعية فنونهم، كما أننا فقدنا الكثير من النقاط المرجعية في ثقافتنا، لأننا لسنا نحن من ننتج الواقع، بل بشر آخرون من ثقافات مختلفة، كما أن المشتغلين بالدين أنفسهم ليسوا في منأى عن هذا الأمر.
•ما رأيك كفنان ومُنشد في تحريم استعمال الآلة الموسيقية؟
في أعمالي أستعمل الآلات الموسيقية، لكنني لا أستطيع أن أعطيك رأيا شرعيا في هذه المسألة، لأنها من اختصاص علماء الدين. في وقت سابق قرأت نصوصا لعلماء دين، على غرار محمد الغزالي وابن حزم والقرضاوي، لكن هناك من عاتبني واعتبر بأن استنادي لآراء هؤلاء العلماء نوع من التحيز مني لمن يتوافق مع أرغب به، في حين أقول إن أفكار محمد الغزالي واكبت تركيبتي كمسلم منذ الصغر وأنا أفهم لغته وطريقته جيدا، لأنه كرس حياته للدين الإسلامي، ومن ذكرتهم لم يحرموا الموسيقى.
أمرنا الإسلام بأن نحب الحياة ونعيشها بما فيها، وليس أن نتركها لغيرنا ونشيح بوجوهنا عنها، فالرجل خلق بفطرته محبا للنساء على سبيل المثال، وهذا ليس مدعاة للخجل وليس عيبا، لكن يجب أن نقر بأن الطيبات الموجودة في الحياة من نعم الله علينا، ونأتيها بعد ذكر اسمه.
لا أجيد سياسة النفاق وتوجيه المجاملات لنيل مصلحة.
•هل يمكن أن نقول إذن بأن الإنشاد فن عميق ولا يختزل في صورة سطحية تعبر عن نوع من الدروشة؟
نعم فعلا. فالإنشاد يجب أن يعبر عن العاطفة الدينية وأحاسيس لأشخاص آخرين وأن يستقطبهم لأنه يغريهم.
لكن هل يمكن أن يخوض الإنشاد في مواضيع غير دينية؟
المضمون والأداء هما الأولوية في العمل الإنشادي، لكن الضابط الشرعي الديني يسبقهما، لتبقى الغاية من الإنشاد إرضاء الله. تخيل لو أن لك طفلا في عمر الثامنة ويتساءل عن كيفية قدومه إلى الحياة، فلا يمكنك أن تشرح له العملية لأنه علم لا ينفعه في ذلك العمر، مثلما لا يضره الجهل به. هذا هو المعيار الرئيسي في الإنشاد. لدي يقين بأننا عندما نصل إلى خلق محيط صحي يعيش فيه المسلم، سنخرج من حالة الضياع التي نحن فيها.
•ما هو عدد الأغاني التي قمت بتسجيلها خلال مسارك؟
في جعبتي حاليا سبع تسجيلات مختلفة، بما يشكل ألبوما كاملا، لكنه من الصعب جدا على المنشد أن يبني لنفسه جمهورا في الساحة الفنية، خصوصا مع تنوع ما هو موجود. أحيانا يطالبونك بتقديم تنازلات إلى غاية الإخلال بمبدئك وهذا ما أرفضه.
•ألا تظن بأنه من مهمة الجهات المسؤولة على الثقافة أن تكتشف الفنانين عوضا عن دعوة نفس الأسماء المكرسة في المهرجانات؟
في وقت سابق كان ينصحني كثيرون بتسويق نفسي إعلاميا، وأنا أعرف كثيرا من الأشخاص في ميدان الثقافة بحكم ممارستي للمسرح من قبل. الفنان، في رأيي، لا يكتفي بإنتاج الفن، لكن يجب أن يتمتع بملكة تسويق نفسه ليصل إلى جمهوره، وهذا ما أفتقده، ويمكن أن يكون وراء بقائي مجهولا وفي الظل. لدي فيديو كليبات لم تر النور إلى اليوم. ليس عيبا أن يسوق فنان لأعماله، لكن كرامتي وعزة نفسي كإنسان خط أحمر بالنسبة إلي، كأي إنسان آخر، لذلك أتحفظ كما أنني لا أجيد سياسة النفاق ولا أحسن توجيه المجاملات لنيل مصلحة ما، وفي المقابل لا أعتبر نفسي نجما لامعا أو فنانا عظيما لكنني لست عاديا، بحكم من عملت معهم.
المسلم مطالب بحب الحياة والتمتع بها.
•من هم المنشدون الذين ألهموك خلال مسارك؟
القدامى هم من ألهموني، وخصوصا المنشدون المصريون في الابتهال، والمدرسة السورية في الأنشودة الإيقاعية، ومن بين الأسماء الكبيرة التي تأثرت بها شيخ المنشدين الترمذي وأبي الجود، لأنتقل فيما بعد إلى طربية الإنشاد من خلال منير عقلة.
•ما هي وظيفتك في الوقت الحالي؟
أعمل عون أمن في جامعة عبد الحميد مهري بقسنطينة، وأنا راض عن وظيفتي.
س.ح