مناخ الحرية في تونس أشاع الكتابة السطحيّة
• لابدّ من شيء من القبح كي نقف على جماليّة الإبداع
جهاد مثناني، صوت شعري من عاصمة الأغالبة القيروان، وفي رصيدها 03 مجموعات شعرية، و تعد من بين الشاعرات اللائي حفرن في حقل الإبداع التونسي المعاصر، ساعدها ترحالها في تطوير تقنيات الكتابة والاطلاع على تجارب الآخرين، غير أنها بقدر ما تمجد الحرية المفتوحة، إلا أنها تعيب على نصوص المرحلة الأخيرة سطحيتها، خلافا لنصوص الفضاءات المغلقة التي كانت نصوصها أكثر عمقا وتوهجا، اغتنمت جريدة النصر فرصة زيارة الشاعرة لمدينة تبسة من أجل المشاركة في ملتقى أدبي، فكان معها هذا الحوار .
أجرى الحوار : الجموعي ساكر
. النصر: ماذا يعني وجودك في تبسة ؟
جهاد مثناني: سعيدة جدّا بوجودي في مدينة تبسّة ، ويمكن تنزيل ذلك الحضور في إطاريْن : أوّلاً مواكبةً لأيّام تبسّة الشّعريّة أو كما يحلو للشّاعر صلاح طبّة تسميتها بالعكاظيّة الشّعريّة، وهي مبادرة منه ، بالتنسيق والتعاون مع دار الثّقافة محمد الشبوكي وأطراف أخرى فاعلة في النّشاط الثّقافي ، وثانيًا يتنزّل حضوري في مدينة تبسّة، في إطار امتداد فروع جمعيّة خيمة علي بن غذاهم للشّعر العربي، والّتي يترأسها الشّاعر التونسي عبد الكريم الخالقي وحضرت برفقته ، باعتباري شاعرةً من جهةٍ ، ورئيسة لجمعيّة خيمة علي بن غذاهم فرع القيروان من جهة أخرى.
و هي ليست الزّيارة الأولى للجزائر، بل كانت لي زيارات سابقة، فقد زرتُ مدينة عنّابة في أربع مناسبات تقريبا، وكانت لي زيارة لسوق هراس ولبئر العاتر ولأمّ البواقي، وهي زيارات تندرج في إطار المشاركة في التظاهرات الثقافيّة الشعريّة، كامتدادات أخرى لأنشطة الخيمة الّتي دقّت أوتادها في تونس وخارجها، وطبعا لن تكون تلك الزيارات الأخيرة بمشيئة الله، فالجزائر، كما عوّدتنا ، تفتح ذراعيها للإبداع والمبدعين، والتّعاون الأدبي الشّعري بين تونس والجزائر جذوة لن تنطفئ .
. هل لديك اطلاع على المدونة الإبداعية الجزائرية وكيف تنظرين إليها ؟
ـ وضعيّة الحرف والإبداع في الجزائر كغيره في مختلف بلداننا العربيّة، فالعالم قرية صغيرة والعالم الافتراضي جعل البصمة واحدة تقريبا، فالنصّوص متعدّدة والأسماء كثيرة، لكنّ المشهد واحد، وهو كما في كلّ الوطن العربيّ، مشهد فسيفسائي تشكّله الأصوات الجادّة الحقيقية المتأصّلة في الحرف والإبداع، وتدخل عليه ما بين الحين والآخر، أقلام مرتعشة، تتسلّل ليكتمل بها المشهد ، وهي ربّما ضروريّة لنعلم و نتبيّن قيمة ما يكتبه الشعراء الحقيقيون، فبأضدادها تُعرف الأشياء، لذلك لابدّ من شيء من القبح أحيانا، كي نقف على جماليّة الإبداع الحقيقي.
. عرفت تونس تحوّلات بعد ثورة الياسمين فهل انخرط الإبداع التونسي في هذا التحوّل ؟
ـ شهدت تونس بعد ثورة الياسمين ، تحوّلات قد لا تخفى على أحد، والإبداع التّونسيّ جزء لا يتجزّأ من هذه التحوّلات، ولعلّ أبرز سمة لهذا التحوّل، التطوّر اللّافت وغير المسبوق في عدد الجمعيّات الثّقافيّة، ولعلّ في ذلك مؤشّر يوحي بمدى الحرّية الّتي صار يتمتّع بها المبدع التونسي، إلى انخراط جلّ المبدعين في منظومة الطباعة والنّشر، حيث شهدت السّاحة الأدبية طفرةً وَرَقِـيًّةً، فكثرت الإصدارات الشّعريّة والرّوائيّة، وهنا يُطرح سؤال هامّ هل أنّ هذه الطّفرة تُعتبر ظاهرةً صحّية ترتقي بالأدب التّونسيّ؟، وهل أنّ غياب الرّقابة والتمتّع بحرّية الكتابة تخدم المُبدعَ والإبداعَ أم تساهم في انتشار الرّداءة الأدبيّة؟
. لو قارنا بين الإبداع التّونسي قبل الثّورة وبعدها ؟
ـ لعلّ ما ذكرته كإجابةٍ على السّؤال السّابق يتكامل مع ما سأقوله هنا، حيث أنّ الكاتب قبل الثّورة وبسبب تقييد الحرّيات ووجود الرّقابة، كان يلجأ إلى الإيحاءات والتّرميز والتّورية، وهناك يكمن الإبداع الحقيقي، لكنّ غياب هذه الرّقابة ، جعل من الكثيرين يكتبون بأسلوب المباشرتيّة، فغابت بعض مقاييس الإبداع، ألا وهي الصّور القائمة على الإلغاز والقناع .. لكن طبعا تجدر الإشارة، إلى أنّه لا يجب التّعميم، فالإبداع التّونسيّ لا يزال قائما بذاته بأعلام وُجِدوا ومازالوا موجودين يمثّلون السّاحة الأدبيّة التّونسيّة أحسن تمثيل.
الشعر كائن يتطلب الحرية
. هل ينمو الشّعر ويزدهر أكثـر في مناخات مغلقة ؟
ـ الشّعر في نظري كائن حيّ يتطلّب الحرّية والانفتاح بمقدار ويتطلّب الرّقابة والانغلاق بمقدار، كي يؤدّي الشاعر المبدع رسالته الفنيّة ، كما يجب ، فلا إفراط ولا تفريط ، فالمناخات المغلقة تماما تقتل الإبداع، وكذلك المناخات المفتوحة تماما، وبالتّالي الاعتدال يولّد الإبداع.
. هل لا زال الشّعر بخير، برأيك، في عصر الرّواية وقصيدة الومضة ؟
ـ رغم أنّ العصرَ عصر الرّواية وشعر الومضة ، إلاّ أنّ الشّعر لا يزال بخير، فقد كان ديوان العرب و لا يزال كذلك،ولعلّ ما نراه يوميّا من أنشطة ومهرجانات ومشاركات لأسماء شعراء مبدعين تونسيين وعرب في مختلف التظاهرات الشّعريّة، خير دليل على أنّ الشّعر لا يزال بخير . فالأصلُ لا يتزحزح في حضور الأشكال الأدبيّة الوافدة، لكنّ المشهد الثّقافيّ لا يكتمل، إلاّ بتلك التشكيلة الّتي تؤثّثها مختلف الأجناس الأدبيّة .. وهي أجناس أثرت المشهد فعلا، لكنّها لم تنجح في إزاحة الشّعر ولا احتلال مكانته.
تصنيف الشعر حسب جنس صاحبه غير منطقي
. ما رأيك في الأدب النسوي والأقلام الجزائريّة النسوية
إن جاز هذا التصنيف؟
ـ أوّلا دعْني أعبّرُ عن موقفِي من الحديث عن «أجنسةِ الشّعرِ أو جنسويّتهِ» ، نسبةً إلى جنس كاتبِه، لأنّ هذا الطّرحَ في نظري طرحٌ واهٍ، لا منطقَ له، ولعلّ تجربتي الخاصّة وانطلاقًا من اسمي «جهاد» الّذي يراه الكثيرون ، خاصّة أولئك الّذين لا يعرفونني شخصيًّا، اسمًا لرجلٍ، وبالتّالي يمجّدون قصائدي بجميع أصنافها، ويعتبرونني فطحلا من فطاحلة الشّعر، وكم من مرّة في ملتقيات تتمّ دعوتِي ويُكتَبُ اسمي على مطويّة المهرجان الشّاعر جهاد المثناني .. وحصول مثل هذا الموقف على طرافته وبساطته، جعلني أخلُص إلى أنّ تصنيف الشعر، حسب جنس كاتبه، أمرٌ غير منطقيّ، ولا هو منصِفٌ لكلا الطّرفيْن وهو طرح واهٍ في نظري، لذلك لن أناقض نفسي وأقع في فخّ تقييم الأقلام الجزائريّة، حسب جنس الكاتب، وهنا يكفي أن أقول أنّ الشّعر في الجزائر بخير، وأنّ الأقلام المبدعة وارفة الحضور نساء ورجالا، فكلّهم شعراء دون حاجة إلى تصنيفهم تصنيفًا يقلّل من قيمة المرأة، على حساب الرّجل أو العكس، فالإبداع واحد والرّداءة واحدة ، وكلاهما قد يخطئ وقد يصيب ، وقد يرتقي بالحرفِ وقد يتدنّى به .. و قائمة المبدعين الجزائريين طويلة، أخشى الذّكر كي لا أتورّط في ظلم أسماء قد تخونني الذّاكرة في تسميتها.
. ماذا صدر لك حد الآن؟
ـ صدرت لي مجوعتان شعريّتان : مجموعة أولى بعنوان «ليْلٌ بلاَ ذاكرة» صدرت عن دار الإسلام للطباعة والنّشر بجمهوريّة مصر العربيّة وقدّمها الشّاعر التونسي العربي الدكتور المنصف الوهايبي ، مجموعتي الثّانية بعنوان :» وَلاذَ الماءُ بالغرقِ» صدرت عن دار المبدعين للنّشر والتّوزيع تونس والّتي يديرها الشّاعر عبد الكريم الخالقي، ولي تحت الطّبع مجموعة ثالثة بعنوان «وحْدَها الأبوَابُ تعرفُ الحِكاية» ستصدر عن نفس الدّار دار المبدعين للنّشر والتّوزيع قريبا.
. كلمة أخيرة
ـ أخيرًا أتوجّه بالشكر لكلّ المشرفين على جريدة النّصر ، ثمّ أتوجّه بخالص الحبّ والعرفان للمتلقّي الجزائري الذوّاق، ذاك الّذي فتح لنا القلوب قبل الأبواب واحتفى بنا احتفاءً يليق بإخوّة تونسيّة جزائريّة، تشهد على متانتها دماؤنا المختلطة وقصائدنا الّتي ملأناها حبًّا ووطنًا.
ج.س