لم أدخل القدس والضفة الغربية منذ 30 عاما
امتدت طموحاته ليكون رقما علميًّا صعبا وباحثا في أكبر منشأة مهتمة بعلم الفلك والفيزياء والمجرات السماوية «ناسا»، غير أن القدر وآلة الدمار الصهيونية منعته من مزاولة الحلم، فتحدى الاحتلال الغاشم لبلاده و استطاع أن يفتك لفلسطين كرسيا دائما في منظمة اليونيسكو، إنه العالم الفيزيائي والفلكي البروفيسور محمد سليمان بركة، الذي حاورته النصر على هامش تكريمه مؤخرا من طرف جمعية الشعرى بقسنطينة، اعترافا بإسهاماته النبيلة.
في البداية نبارك لك هذا التكريم
شكرا للجزائر بلد المليون ونصف المليون شهيد، وهذا لا يعتبر غريبا عنها، ولا عن جمعية الشعرى لعلم الفلك ورئيسها الدكتور جمال ميموني، وكل من شارك بالتكريم.
هل يمكن أن تعرّف القراء الجزائريين من هو سليمان بركة؟
محمد سليمان بركة ابن فلسطين، ولدت العام 1965 في بلدة بني سهيلا، شرقي خان يونس، بقطاع غزة، وتحصلت على شهادة بكالوريوس من جامعة القدس أبو ديس سنة 1987، وعلى ديبلوم دراسات عليا في الإدارة العامة والمفاوضات من جامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأمريكية في 1998، وعلى شهادة ماجستير في الفيزياء النظرية من الجامعة الإسلامية في غزة في عام 2003، بعد ذلك، أكملت دراستي وحصلت على شهادة دكتوراه من معهد الفيزياء الفلكية في باريس، وجامعة بيار وماري كوري في عام 2007.
عملت في إدارة وكالة «ناسا» ضمن طاقم فيزيائي، لحل مشاكل متعلقة بتأمين بيئة فضائية سليمة للمركبات الفضائية، في مواجهة النشاطات الإشعاعية الشمسية الكهربائية المفاجئة، وحماية رواد الفضاء منها، في عام 2008. لكنّ عملي توقّف على خلفية العدوان الإسرائيلي على غزة سنتي 2008 و 2009.
هل دفعك العدوان إلى الرجوع لبلدك؟
أكيد، رجعت مرغما مع أن طموحاتي كانت أكبر بالذهاب بعيدا في هذا الحلم، ولكن لا بأس، قدر لي شيء آخر، وأنا مؤمن بالرسالة الكامنة وراء هذا الأمر.
كيف استطعت مواصلة مشوارك العلمي بعد ذلك؟
بعد رجوعي، حاولت بالطبع استكمال رسالتي العلمية مع أن كل الظروف لم تكن تسمح، خاصة عام عودتي، حيث دُمِّرت الكثير من البنى التحتية بقطاع غزة المحاصر، وعمليا، عندما تريد إنشاء مركز علمي ما، في أي مكان بالعالم، فستحتاج لمتعلمين ومعلمين وجامعة أو معهد للتلقين، لكن الإمكانيات المحدودة لم تسمح لنا بذلك، فأنشأنا مقرا مؤقتا، ووجدنا إقبالا كبيرا من طلبة العلم، وهو ما حفزنا.
في ظرف قصير استطعت جذب انتباه العالم لما تقوم به فلسطين وغزة، فتوِّجت بكرسي اليونسكو للتربية والثقافة والعلوم؟
نعم، حقيقة أرى أن العلم قادر على تعويض العمل السياسي والديبلوماسي، دون الاستغناء عنه، طبعا، وهذه الخطوة لم تكن سهلة كما أسلفت لك الذكر، خاصة بغياب الإمكانيات المادية، و قد سبق الحصول على الكرسي تأسيس أوَّل مركز لأبحاث علوم الفضاء والفلك في قطاع غزّة عام 2010، تحت إشرافي، رغم الحصار والدمار والتقتيل، وهو ما جعل الأمم المتحدة عبر «يونيسكو» تقرر منحنا كرسيا فلسطينيا دائما للتربية والثقافة والعلوم، و هذا مكسب كبير لنا.
هل واجهتم منعا من المحتل؟
منعنا من إجراء اللقاءات والحصول على الإمكانيات من خارج القطاع، سواء عبر المساعدات القادمة من الخارج ودول الجوار، أو حتى أوروبا وأمريكا..
هل يمنع الاحتلال الصهيوني الأوروبيين والأمريكان من الدخول وتقديم يد المساعدة؟
أجل، يفعل ذلك دونما اعتبار للمعاهدات والاتفاقيات الدولية، و احتلاله فلسطين أكبر دليل، كما أن تعامله مع العلماء والباحثين بطريقة مجحفة سواء الأوروبيين والأمريكيين خير برهان أيضا، هل تصدق أن البروفيسور روبرت وليمس رئيس الاتحاد الدولي لعلم الفلك منع مرارا من دخول غزّة تبعا لدعوات وجهناها له، بل حتى الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية جيمي كارتر منع من الدخول.
التضييق جعلكم في سجن مساحته حوالي 40 كيلومتر مربع، لكن المعهد والجمعية مازالت تنشط؟
لن نستسلم، نعلم يقينا أن انتصارنا على اليهود الصهاينة مسألة وقت لا غير، اليوم أو غدا، لكنَّ الانتصار حليفنا في الأخير، وأنا خير مثال على ما نقول، انتظرت للخروج من غزة نحو القاهرة للتنقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتحديدا «ناسا» ضمن منحة مدفوعة من قبل بنك فلسطين، لمدة 4 أشهر، وعندما خرجت و عدت، انتظرت ذات المدة للرجوع عبر معبر رفح لبلادي.
معبر رفح يعتبر النافذة الوحيدة، تقريبا، المتاحة للخروج إلى العالم، ما مدى صعوبة المرور به؟
عن نفسي يعتبر المنفذ الوحيد لي خارج أسوار السجن الكبير الذي نعيش فيه، وداخله، ولكن بكرامة، فغزة تعني كل الكرامة والإباء والدفاع عن شرف الأمة العربية والإسلامية، هذا أوَّلا، وثانيا، حتى معبر رفح تحكمه شروط وضوابط مانعة في الكثير من الأحيان، وهذا يمكن تفهمه جيدا، والقائمون عليه مشكورون، لكن دعني أضف لك شيئا..
تفضل..
منذ 30 عاما و4 أشهر تحديدا لم أزر القدس المبارك والضفَّة الغربية، إلى يومنا هذا، منعت بموجب قرار من قوات الاحتلال الصهيوني، وبالتالي مكان دخولي وخروجي الوحيد هو معبر رفح.
نعود إلى الجزائر، فبلادنا كسرت مرات عديدة حاجز المنع عبر المساعدات والقوافل الإنسانية برًّا وجوا وبحرا، ووصلت غزَّة، وجمعية الشِّعرى ومحبي الفلك ممثلة في الدكتور ميموني، فعلت ذات الشيء، هل لك أن تشرح لنا قليلا ما حدث؟
هذا يشرفني، كل العالم يعرف التضييق والحصار من الاحتلال اليهودي على شعبنا وأرضنا، وهذا لم يقتصر على أشياء معينة بل شمل كل شيء، ولو وجدوا كيف يقطعون عنا السند المعنوي لفعلوا، لكن هيهات، فالجزائر مثالا، مع فلسطين «ظالمة أو مظلومة» وفي 2012 كسر الفلكيون الجزائريون و يتقدمهم الدكتور ميموني، حاجز الحصار وقاموا بزيارتنا، في سابقة هي الأولى عبر كل أقطار هذا الكوكب الأزرق، وتزامن ذلك مع منح غزة وعموم فلسطين كرسي «يونيسكو» للتربية والثقافة والعلوم.
نودُّ كلمة ختام لو سمحت
أوَّلا جزيل الشكر موصول لكم ولكل الجزائر، وجمعية الشعرى بقسنطينة، وسنواصل البحث والتنقيب عن العلوم مهما طال الحصار، ويوم الانتصار بات أقرب.
حاوره: فاتح خرفوشي