الجزائر كانت رائدة في طبع ونشر المؤلفات بالعربية في العالم
قال الأستاذ المؤرخ من جامعة كامبريدج البريطانية «آرثير آساريف» مساء أول أمس خلال محاضرة بعنوان «جذور الطباعة في الجزائر: الأسطورة، الإعلام والجماهير» والتي ألقاها بمقر «كراسك» وهران الذي نظم اللقاء بالتنسيق مع مركز الدراسات المغاربية، أن البحث عن تاريخ أول جريدة في الجزائر، أدى به للغوص في تاريخ الطباعة التي عرفتها الجزائر مبكرا في القرن 19، مبرزا أنه وجد أن أقدم المنشورات في العالم والمطبوعة باللغة العربية مصدرها الجزائر، مما يدل على أنها كانت رائدة على مستوى دول شمال إفريقيا في هذا المجال، رغم أن المستعمر الفرنسي حاول طمس الأرشيف ومعالم الريادة.
وأضاف المتحدث أن الطباعة لقيت رفضا ونفورا من طرف الدول العربية والإسلامية لدرجة أنها لم تصلهم إلا بعد 4 قرون من ظهورها وإنتشارها في مختلف دول العالم، وفي غياب أدلة وتوثيق عن سبب هذا الرفض وتأخر الطباعة في العالم الإسلامي، تم تبرير ذلك من طرف بعض المؤرخين بأنه بالنسبة للمسلمين كان القرآن فقط هو المقدس المكتوب والباقي يتم تناقله شفويا، وحتى القرآن تم رفض طباعته في البداية وأثير الجدل في القرن 19 حول «الحلال والحرام في طبع القرآن»، وقد فند المحاضر هذه التبريرات معتبرا أنه توجد عدة كتابات ومؤلفات عربية قبل القرن 19 ولكن عدم طبعها ونشرها حال دون إكتشاف المؤرخين لها. وأفاد المؤرخ «آرثير» أن دول شمال إفريقيا كانت تعرف الطباعة في بداياتها ولكن ربطوها بالإيديولوجية أي أنها وسيلة مسيحية غالبا ما دعوا لتجنبها، مفضلين اللجوء للنسخ الحجري.
وبالعودة لتاريخ أول جريدة ظهرت بالجزائر، قال المحاضر أنها «لي ستافات دالجي» التي تعد أيضا أول صحيفة مطبوعة إفريقيا، وكانت عبارة عن صفحات إعلامية تم تحضيرها مسبقا من طرف المستعمر الفرنسي في مدينة «تولون» الفرنسية في إطار حملة لتعريف الجزائريين بأن الجيش الفرنسي دخل العاصمة، مشيرا أنه تم توزيع أعداد صغيرة منها ثم توقفت لأسباب غير معروفة لحد الآن، ما عدا إفتتاحية العدد الأول التي ذكر فيها أن هذه الجريدة ستطبع في الجزائر وتنشر في كل مكان «الجدران، الأشجار وكل محيط قصر الداي»، ولكن حسب الدكتور «آرثير أسيراف» فإن الداي حسين كان يقرأ الجرائد الفرنسية قبل 1816 ، مثلما كان يفعل الأمير عبد القادر وفق المتحدث الذي أضاف أن المستعمر الفرنسي بعد دخوله الجزائر 1832، شرع في إصدار بعض الجرائد التي مضمونها موجه للجزائريين للتأثير عليهم وإقناعهم بتواجده وكانت أول جريدة جزائرية هي «لومونيتير الجزائري» أو «المرصد الجزائري» التي هي ثاني صحيفة تصدر في العالم العربي بعد «الوقائع المصرية» وكانت تصدر غالبا باللغتين الفرنسية والعربية عكس جريدة «المبشر» التي كانت تصدر بشكل متواصل منذ 1847 وباللغة العربية وإعتبرها مؤرخون أنها ثالث جريدة عربية في تاريخ الصحافة وإستمر وجودها لغاية 1920 وكانت بمثابة مدرسة لتكوين صحفيين جزائريين الذين منهم من تولى مناصب في الدولة ومنهم من كانت له مكانة مرموقة فكريا وإجتماعيا.
وخلال القرن 19 تعود الجزائريون، يضيف، على قراءة الصحافة الغربية خاصة الفرنسية للتعرف على ما يحاك ضدهم مما أثار تخوف المستعمر حينها لأن إنتشار المعلومة وسط المجتمع الجزائري بطريقة شفهية يساهم حسبه في رفع الوعي وتفطن «الأهالي» لما يقوم به المستعمر، وبناء على هذا التحليل، بادرت السلطات الإستعمارية مثلما شرح المحاضر، للتضييق على الحريات الفردية ومنها حرية قراءة جريدة فرنسية، والدليل أن كل جزائري يشتري جريدة فرنسية مثل «لوموند» «ليبيراسيون» أو «ليمانيتي» وغيرها يسجل لدى الإستخبارات في سجل خاص وكلفت السلطات الإستعمارية كل المكتبات بتدوين أسماء وكل معلومات الجزائريين الذين يشترون هذه الجرائد، مشيرا أن هذه السجلات لا زالت ضمن الأرشيف «المحظور» في فرنسا.
بن ودان خيرة