المسيرون والمدربون واللاعبون تحولوا إلى عنصر عنف بالملاعب
اعتبرت الدكتورة فتيحة حمادي، أستاذة بكلية علم النفس و العلوم التربوية بجامعة قسنطينة 2 عبد الحميد مهري، إنشاء مدن جديدة تضم مزيجا غير متجانس من السكان، إستراتيجية مستوردة، لم تكلل بالنجاح المنشود، على غرار ما يحدث بالمدينة الجديدة علي منجلي بقسنطينة التي ظهرت بها أشكال جديدة من العنف، فيما يرى أستاذ بالمعهد الوطني لتكوين إطارات الشباب أن اللاعبين والمسيرين والمدربين لفرق كرة القدم يشكلون عنصر عنف.
أكدت الدكتورة حمادي بأن هذه الإستراتيجية أدت إلى فشل ذريع في علي منجلي، محور بحثها الميداني ،حيث يتجسد بها عدم القدرة على تجسيد الانسجام بين قرابة نصف مليون ساكن، و غياب العلاقات الاجتماعية بينهم، بل تسببت في تزايد مظاهر العزلة و الفردانية و انعدام التواصل الإيجابي، و بالمقابل أدت إلى تفشي العنف بأشكاله.
الأستاذة الجامعية ذكرت أول أمس في مداخلتها في اليوم الوطني حول مظاهر العنف و طرق التصدي له الذي احتضنت فعالياته كلية علم النفس و العلوم التربوية، بمشاركة أساتذة و باحثين من مختلف جامعات الوطن ، بأن إحصائيات مصالح الأمن ، تجعل الباحثين المختصين و مختلف شرائح المجتمع يدقون ناقوس الخطر ، لأن المدينة الجديدة أصبحت مسرحا لمختلف مظاهر العنف، حيث سجلت مؤخرا ألف و 800 اعتداء على الممتلكات، تليها الاعتداءات على الأشخاص، فترويج المخدرات و الأفعال المخلة بالحياء، كما أشارت الدكتورة حمادي إلى ظهور حالات غير مسبوقة من العنف في المدينة الجديدة، مثل حرب العصابات بين سكان الوحدات الجوارية و الاعتداءات المنظمة على المدارس و التلاميذ و هما ظاهرتان جديدتان من مظاهر العنف بمجتمعنا.
صاحبة الدراسة، أكدت بأن الأحياء التي ينتشر بها العنف هي التي تتميز بالهشاشة و الفقر المادي الثقافي و الاجتماعي، كما أن للتركيبة السكانية غير المتجانسة لسكان الوحدات الجوارية بعلي منجلي، دور في تفشي العنف، لكون المرحلين من الأحياء القصديرية و الفوضوية لا يستطيعون التعايش مع المرحلين من أحياء وسط مدينة مثلا، كما زاد النزوح الريفي من تفاقم الظاهرة.
و أشارت المتدخلة إلى الغياب التام لفضاءات الترويح بالمدينة الجديدة ما جعل الشارع ، متنفسا لمظاهر العنف ، بالإضافة إلى النمط المعماري غير المدروس الذي نقل السكان من بيئة أفقية إلى أخرى عمودية.
الدكتور الهاشمي لوكية عميد كلية علم النفس و العلوم التربوية، قال في مداخلته بأن مجتمعنا كان في السابق يعالج العنف من خلال السلوكات الأخلاقية لكنها مفقودة اليوم ، معترفا بأنه ظاهرة معقدة و مركبة يصعب تفسيرها من جانب واحد ، و لعلاجها ينبغي تضافر جهود الجهات الأمنية و التربوية و الاجتماعية، لتحويل الصراع داخل المجتمع ، نحو غايات مفيدة لتصب شحنات العنف في قنوات تجعله تحت السيطرة.
البروفيسور في علم النفس العيادي محمد شلبي قال أن العنف داخل المدرسة يمثل انعكاسا لما يحدث في المحيط، و قد توسع من الشجار بين التلاميذ و تكسير ممتلكات المدرسة ، إلى آفة المخدرات و العنف من التلميذ نحو الأستاذ، مرجعا السبب إلى تخلي الأسرة عن التربية.
من جانبه تطرق الأستاذ رشيد محيمدات من المعهد الوطني لتكوين إطارات الشباب بقسنطينة إلى العناصر الفعالة في تنامي ظاهرة العنف و الشغب في ملاعب كرة القدم الجزائرية، و ركز على دراسة حالة اللاعبين، لأن الجمهور الرياضي،حسبه، يتفاعل مع ما يقوم به اللاعبون ، و ذكر أن اللاعبين من خلال تحضيراتهم و أدائهم يشكلون عنصر عنف، إلى جانب المدربين و المسيرين لفرق كرة القدم و كذا الصحافة الرياضية، لتبرز مظاهر العنف عند الأنصار في النهاية.
و اعتبر المتدخل أن التمارين و التحضير البدني المبالغ فيه للاعبين، على حساب تدريب المهارات الأخرى من قبل المدربين، هو السبب في ظهور العنف بالملاعب، رغم أن تلك التدريبات تشمل خمسة عناصر تشكل عناصر التحضير للاعبين، و لكن غالبا ما يتم تجاهلها و تفضيل التدريب البدني المؤدي إلى العنف و الذي يتجلى في عبارات مثل «تفوت يا أنت يا البالو»، و لكن هناك عناصر أخرى مرتبطة بنتيجة المقابلة و تصرفات اللاعبين و المدربين و المسيرين، حسب المتدخل، الذي أشار إلى أن جهل البعض بقوانين كرة القدم من بين الأسباب المؤدية إلى العنف.
جدير بالذكر أن معظم المختصين و الباحثين ، أكدوا في مداخلاتهم خلال اليوم الدراسي الوطني، بأن مظاهر العنف المتفشية في المجالات التربوية و الأسرية و الرياضية و في الشارع تشير إلى أن العنف كظاهرة ، ليست حكرا على فئة معينة و لا تمثل التعبير غير السوي لمجموعة بعينها، بل صارت تنخر جسد المجتمع برمته، و اقترحوا للتصدي لها و محاربتها تضافر جهود الجميع ، و على رأسهم النخبة الجامعية التي تنير الطريق، في حين يرى متدخلون آخرون بأن الوضع ليس بدرجة الخطورة التي تستدعي إثارة الذعر، و دعوا للتعامل مع الظاهرة برؤية علمية و من منظور علم النفس في تخصصاته المختلفة، لكي تتم معالجتها بطرق ناجعة، مثلما فعلت الكثير من الدول المتقدمة و على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي تقع بها جريمة كل خمس دقائق، لكنها لم تشل المجتمع و لم تؤثر على الاقتصاد ، بفضل تجند النخبة للبحث عن حلول للمشكلة.
إلهام.ط