«الفاكتور».. مهنة لم تتطور رغم ثورة المعلوماتية
أجمع العديد من سعاة البريد أن مهنتهم لا تزال تمارس بطريقة تقليدية ببلادنا، و ذلك بالرغم من التطور التكنولوجي و ثورة المعلوماتية، و قد طرح المعنيون في استطلاع أجرته «النصر»، مشاكل بالجملة تعيقهم لدى أداء مهنتهم الصعبة، كنقص ثقافة استعمال علب البريد بين المواطنين و عدم تسمية العديد من الأحياء، بالإضافة لقلة وسائل النقل.
مهنة ساعي البريد و برأي الذين عملوا لسنوات طويلة كسعاة بريد و يوشكون على التقاعد، هي عمل «نبيل و شريف» بحكم دوره في تبليغ المواطنين عن طريق المراسلات اليومية، سواء كان ذلك من طرف الإدارات و مختلف القطاعات الخدماتية أو بين المواطنين أنفسهم، و بغض النظر إن كانت المراسلات عادية أو مستعجلة، فإيصالها لصاحبها يعتبر أولوية بالنسبة لساعي البريد، حيث يصول و يجول بين السكنات و العمارات بوتيرة يومية تقريبا، من أجل إيصال البريد، خاصة بالنسبة للفواتير و المراسلات المستعجلة و التيليغرامات.
رجال المهنة و في استطلاع أجرته معهم «النصر»، قالوا أنه و بالرغم من أهمية إيصال البريد، إلا أن « الفاكتور» يجد الكثير من الصعوبات أثناء تأدية مهامه، بسبب عدم استغلال التطور التكنولوجي و قلة وسائل العمل و التنقل و انعدام العلب الخاصة بوضع البريد في أغلب العمارات و السكنات الفردية، و هو ما يستنزف مجهوداته في رحلة البحث عن صاحب الرسالة.
ساعي البريد صليح البالغ من العمر 57 سنة، قال لنا أنه اجتاز 33 سنة كاملة في ممارسة هذه المهنة بحي 20 أوت بقسنطينة، و هو اليوم يشارف على التقاعد دون أن يستفيد من التطور التكنولوجي في مجال توزيع البريد، مثلما هو حاصل بالدول المتقدمة، حيث قال أن عمليات فرز الرسائل و ترتيبها ثم إحصائها في سجل خاص و ضبط تاريخ توصيل البريد، تتم كلها بطريقة يدوية، و تستغرق بالنسبة لعملية الفرز لوحدها بين ساعة و ساعة و نصف تقريبا، و هي عملية قال السيد صليح أنها تأخذ وقتا و جهدا من العامل، في وقت كان يجدر الإستعانة بالوسائل الحديثة، عن طريق الفرز الآلي، مضيفا أن هناك طرقا حديثة لتوصيل البريد عن طريق الانترنت و الإيمايلات، ما من شأنه تخفيف الضغط على العامل و إضفاء مرونة في توصيل البريد.
و أضاف محدثنا أن هناك صعوبة في تنقل ساعي البريد أثناء آداء مهامه، و ذلك بحكم طبيعة العمل التي تفرض عليه التنقل من مسكن لآخر و من عمارة لأخرى، في ظل غياب وسائل النقل، حيث يعتمد على إمكانياته الخاصة للتنقل و مباشرة عمله، فيما يضطر كثيرون إلى السير على الأقدام لمسافات طويلة من البريد المركزي إلى غاية الأحياء المعنية، مشيرا إلى أن وسيلة الدراجات النارية المستحدثة ليست في متناول جميع العمال، و منها المعطلة و التي لا يمكن استعمالها بسبب عدم صيانتها و وضعها في الخدمة، حيث تشكل هذه العوامل مجتمعة، حسبه، عوائق في وجه مهام ساعي البريد.
أجمع سعاة البريد الذين تحدثت النصر إليهم، على أن المشكل الحقيقي و الهاجس الأكبر الذي يواجهه عمال المهنة، هو انعدام العلب الخاصة بوضع البريد في مداخل العمارات و السكنات الفردية، حيث قال أحدهم أن غالبية العمارات لا تتوفر على علب بريد، ما يضطر العامل إلى توظيف الخبرة في التعرف على مكان إقامة أصحاب الرسائل، مشيرا إلى أن البعض منها لا يصل إلى أصحابها في كثير من الأحيان، بسبب عدم معرفة مكان الإقامة أو لعدم إيجاد أصحابها بالعناوين المدونة.
كما ذكر ساع آخر أن العديد من المواطنين يحتجون على عدم وصول البريد لدى المصالح المعنية رغم عدم استجابتهم للمناداة، و كذا عدم وضعهم للعلب أمام السكنات و بمداخل العمارات، و هو ما يستنزف، حسبه، مجهودات العامل خاصة على مستوى العمارات التي تتألف من طوابق كثيرة، إذ أن ساعي البريد مجبر على إيصال بعض الرسائل المستعجلة كالاستدعاءات و التيليغرامات و غيرها مهما كان علو الطابق الذي يسكن فيه المعني.
كما تطرق ساعي البريد بوزيد، الذي يمارس هذه المهنة لمدة 16 سنة بحيي كوحيل لخضر و كاف شداد، إلى مشكلة عدم تغيير العناوين بالنسبة للعائلات التي رحلت نحو تجمعات سكانية أخرى، و هو ما يتسبب في عمل مضاعف نتيجة قضاء وقت أطول في البحث عن صاحب البريد، دون التمكن من العثور عليه، حيث قال أنه وقع مرات عديدة، في حرج مع بعض السكان الذين يرفضون استلام رسائل أشخاص رحلوا و لم يغيروا عناوين إقاماتهم، و هو ما يضع العامل في ورطة على حد قوله، خاصة بالنسبة للرسائل المستعجلة و التي يجب أن تصل إلى أصحابها في الوقت المناسب كالتيليغرامات و دفاتر الصكوك.
يصل معدل توزيع البريد لكل ساعي إلى 150 منزلا يوميا، و هو ما يضع العامل في تحد صعب من أجل توصيل الرسائل و ضمان التغطية، و قد قدم البعض مثالا عن المدينة الجديدة علي منجلي، التي يصل عدد السكنات المعنية بتوزيع البريد بها إلى 60 منزلا يوميا لكل ساع، و ذلك بحكم التوسع العمراني في بعض التجمعات السكانية، بما يتطلب حسب محدثينا، جهدا و وسائل عملية أكبر حتى يتمكن ساعي البريد من تأدية واجبه كاملا.
كما أكد أصحاب المهنة أن البريد غير المستلم مصيره الإرجاع إلى مركز البريد و يتم وضعه في سجل خاص مع ضبط التاريخ، و هو ما اعتبره المعنيون عملا إضافيا بالنسبة لساعي البريد، من خلال إعادة توزيعه في اليوم الموالي و البحث عن صاحبه، مشيرين إلى إمكانية التعرض لعقوبات من طرف الإدارة في بعض الحالات، التي لا تصل فيها المراسلات المستعجلة مثلا إلى أصحابها، رغم عدم وضع علب البريد من طرف الشخص المعني بالبريد، أو غيابه أصلا لحظة وصول ساعي البريد إلى الحي.
خالد ضرباني