إصدار أول قاموس للشعر الملحون في المغرب العربي
عرض الأستاذ الباحث محمد الأمين دلاي مؤخرا، مجلدا يضم أربعة مؤلفات على شكل معجم بيبليوغرافي عن الشعر الملحون في المغرب العربي «الجزائر، تونس والمغرب»، ويعد أول إنجاز من نوعه يؤرخ للمبدعين في هذا النوع من الشعر الذي تخصصت فيه منطقة شمال إفريقيا ويعتبر جزءا مهما من تراثها اللامادي الذي ظل مهملا لعقود من الزمن، رغم أنه لم يكن شعرا فقط، بل يؤرخ لمراحل من تاريخ المنطقة اللغوي، الاجتماعي، السياسي والكفاحي والفني وغيرها.
وأوضح السيد دلاي أنه يواصل حاليا العمل رفقة فريق البحث على إطلاق قاعدة بيانات رقمية وإنجاز مجلد آخر يختص بالشعر الملحون الجزائري، حيث يضم المعجم الحالي ألف و 529 تعليمة استخدام تحيل المتصفح لبحر من المعلومات حول القصائد وشيوخها، و كل ما يتعلق بمراجعها ومصادرها، منها 980 تعليمة استخدام تخص القصائد الجزائرية، تقابلها 221 تعليمة استخدام للمغرب و328 تتعلق بتونس.
قال الأستاذ محمد الأمين دلاي خلال عرضه للمؤلف بمركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية «كراسك» وهران، أن هذا القاموس الذي يضم أربعة مؤلفات، يؤشر لأكثر من ألف و 599 تعليمة استخدام، تحيل المتصفح لبحر من المعلومات حول القصائد و الشيوخ وكل ما يتعلق بمراجعها ومصادرها، وهو نتيجة بحث دام عدة عقود، حيث كانت البداية في سنوات التسعينات من خلال بحث ميداني توج بإصدار «الدليل المأمون في مراجع الملحون» سنة 1996 .
المرحلة الثانية جمع مقالاته التي نشرت في صحف ناطقة بالفرنسية، و إصدار مؤلف ثان عنوانه «أغنية القصبة وأغاني البدوي الوهراني».
و في سنة 2002 التحق السيد محمد دلاي بمركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية «كراسك» وهران، ليواصل مسيرته كباحث داخل مؤسسة رسمية، مما سمح له بالانطلاق في مشروع إنشاء قاعدة بيانات رقمية حول الشعر الملحون، بما يخدم الباحثين ويسهل مهامهم، و يتواصل العمل لإطلاق هذه القاعدة قريبا.
و أرجع الباحث سبب تأخر بداية الخدمة لقاعدة البيانات التي بدأ العمل عليها منذ 2013، إلى عمليات جمع المعطيات المدونة من تونس والمغرب وفرنسا و الجزائر، لإثرائها وجعلها مرجعا رقميا أساسيا حول الشعر الملحون، و تساءل عن أسباب ندرة المصادر، سواء المكتوبة أو المنطوقة عن شعراء الملحون في الجهة الشرقية من الوطن، بالرغم من أن أقدم المراجع التي تحصل عليها تعود للمؤلف «سوناك» الذي كان مدرسا في مدرسة قسنطينة، وتضمنت قائمة المراجع والمصادر التي اعتمد عليها الأستاذ الباحث، مدونات منجزة ما بين الفترة 1839 لغاية 1917، وكانت لغاتها متنوعة من العربية إلى الروسية والفرنسية، العبرية، الإسبانية، الإنجليزية والإيطالية، وأثراها الباحث بمقولات وقصص شفهوية منطوقة، كان هو مصدرها بفضل قربه من أناس عايشوا الكثير عن مشايخ البدوي والملحون، واستقى الباحث دلاي السرد الشفهي من سكان المدينة الجديدة بوهران، و ذلك خلال قعدات ساحة الطحطاحة التي كانت تجمع الشعراء والقوال والموسيقيين وغيرهم من أهل الفن والثقافة.
و أكد من جهة أخرى أن العديد من التقارير العسكرية حول المقاومة الوطنية، كانت تدرج جانبا من الشعر الملحون، على اعتبار أنه يروي ما كان يحدث في تلك الفترة، ويعتبر المرجع الوحيد الذي يروي مجريات الأحداث في المنطقة.
وإلى جانب القصائد التي كان المستعمر يزورها ، سواء بإعادة كتابتها أو بشراء بعض الذمم لأشخاص يكتبون قصائد تحت الطلب، كان هناك أيضا ما يشبه اليوم «القرصنة» ، بمعنى أن شخصا يستمع لقصيدة شيخ في جلسة، فينقلها ويضيف إليها أبيات شعرية أو ينقص منها، وفي بعض الحالات يعيدها كما هي، وينسبها لنفسه، ولعل أبرز القصائد التي لا تزال تنسب لكتابها الأصليين هي التي كانت تدون في دفاتر صغيرة «كناش الشيخ»، لحفظها ومن هذا المنطلق، رفض الباحث اعتبار الملحون تراثا شفهيا فقط، بل هو مكتوب أيضا ، ويعبر عن ثقافة الكتابة التي كانت منتشرة آنذاك.
وأكد الأستاذ دلاي أنه سعى في المعجم لتحري هذه الحقائق وذكر ملاحظات تنبه الباحثين والقراء، بأن هذه القصيدة أو تلك تعرضت ل»قرصنة»، أو تغيير أبياتها ،حتى ينسب كل شيء للشيخ الأصلي.
شدد الباحث بأن قصائد الملحون جمعت الشعوب المغاربية، بعيدا عن السياسة، حيث كان الشيوخ ينتقلون من منطقة لأخرى و ينظمون قصائد بلغة كل منطقة يحلون بها، ويحافظون على هويتها من خلال الكلمات والأبيات المعبرة، لدرجة أن العديد منهم لم يكن يعرف من أي مكان ينحدرون، مضيفا أن ذلك من رموز الوحدة المغاربية.
وأشار إلى أن أكثر من 80 بالمئة من أغاني الطابع الشعبي، مصدرها قصائد الملحون المغربي، و أبرز المتحدث أن الشعر الملحون هو حافظ للغة من القرن 16 إلى غاية اليوم، وهو الوثيقة الأساسية وتقريبا الوحيدة ، التي تعكس حقيقة اللغة المتداولة بين شعوب المغرب العربي في تلك الحقب الزمنية، وتطورها عبر العصور.
بخصوص هيمنة الشيوخ الرجال على كتابة الملحون، أكد الباحث دلاي أن الملحون يعتبر شعرا رجاليا، لكن هذا لا يعني أن المرأة لم تنظم قصائد ملحون، لكن لا يوجد أي مراجع أو مصادر تبرز هذا الجانب، ما عدا بعض الكتابات التي ذكرت خيرة السبساجية، ابنة مستغانم و من بين قصائدها «هواري سيد الملاح» التي تغنت بها الزهوانية، وتناولها الباحث محمد بلحلفاوي في أعماله، إضافة لبعض الشاعرات من الجنوب الجزائري.
بن ودان خيرة