تشهد حرفة التطريز اليدوي العريقة تراجعا ملحوظا بقسنطينة، وقد انحسر عدد ورشاتها التي تحمل تاريخا طويلا من الإبداع، وذلك بعدما غزت الماكينات الحديثة السوق بمنتجات سريعة وقليلة التكلفة، كما يرى حرفيون محليون أن عزوف الجيل الجديد عن تعلم هذه المهارة، من أبرز الأسباب التي أدت إلى تقلص عدد الناشطين في هذا المجال، رغم أن إنجاز قطعة لباس مطرزة واحدة كان في الماضي، يتطلب جهد فريق كامل وأياما من العمل المتقن.
قصدنا وسط مدينة قسنطينة لزيارة ورشات التطريز، وقابلنا حرفيين للحديث عن واقع النشاط، أكد محدثونا أن التطريز اليدوي يتجاوز حدود الحرفة التقليدية، فهو في جوهره فن متكامل وتوليفة من أنشطة دقيقة ومتناسقة تتقنها المرأة القسنطينية منذ عقود، وتشكل جزءا أصيلا من تراث المدينة وهويتها الجمالية.
وقال أصحاب محلات بأحياء عتيقة من رحبة الصوف، و الشارع أو طاطاش بالقاسم و الجزارين، بأن عبقرية التطريز تتجسد في طريقة لف خيوط المجبود الفاخر والفتلة الذهبية اللامعة بطرية فنية للحصول على لوحة جميلة تعكس جمال الطبيعة الذي يظهر من خلال رسمة الطاووس، أو الزهور أو أغصان « اللواي» وغيرها من الرشمات المتقنة بعناية.
حرفيات يرسمن آخر تفاصيل اللوحة
قابلنا خلال جولتنا ربيعة بوعمامة، سيدة في الخامسة والأربعين من عمرها، قضت 18 سنة من عمرها في خدمة فن الطرز اليدوي في ورشتها المتواجدة بشارع « سوق العصر»، فقالت إنها تعيش اليوم آخر أيام الحرفة كما عبرت. كانت تسترجع ذكرياتها مع النشاط وكيف بدأته وهي شابة وقضت سنوات شبابها في ممارسته، قائلة:» لطالما كنت مولعة ببريق الخيوط الذهبية ومبهورة بطريقة لفها على الأقمشة، خصوصا فن المجبود وأقول فن لأن هذا العمل عبارة عن مهارة إبداعية تنتج جمالا.
تضيف: «المجبود يعد سلطان الطرز في قسنطينة، فكل غرزة فيه تحمل قصة، وكل خيط ذهبي يشهد على صبر حرفيات قسنطينة، لكنه اليوم لم يعد مرغوبا كما كان رغم أنه لا يزال ينجز باليد دون تدخل الآلات». موضحة، بأن غلاء الخامات وتراجع الإقبال على اللباس التقليدي المطرز جعلا الطرز اليدوي مهددا بالزوال، وأضافت أن القندورة القسنطينية المطرزة يدويا قد يتجاوز سعرها 20 مليون سنتيم، وهو ما جعل الزبونات يتجهن نحو القندورة المصنعة بالماكينة لأنها أرخص.
مشيرة في ذات السياق، إلى أنه وبفعل هذا التحول اتجهت أغلب الخياطات من الجيل الجديد إلى تعلم الخياطة الآلية بدل الطرز اليدوي، لأن السوق ببساطة لم يعد بحسبها يكافئ الجهد اليدوي.
تراجع تكوين الفتيات يقلص عدد الحرفيات
وترى المتحدثة، أن غياب التكوين والدعم من الجمعيات الحرفية تسبب في تسريع اندثار هذا الفن، موضحة أن أغلب الجمعيات تكتفي بتنظيم معارض شكلية، دون أية برامج فعلية لتكوين الفتيات أو دعم الحرفيات ماديا ومعنويا في مجال فن التطريز اليدوي.
كما أشارت، إلى أنه حتى مراكز التكوين المهني التي كانت تدرس الطرز التقليدي أصبحت تستبدله بدورات في الخياطة العصرية وتصميم الأزياء الحديثة. متابعة بالقول «إنه من المؤسف أن تزول تقاليدنا من أيدينا ونحن نكتفي بالمشاهدة.»
ورشات تغلق أبوابها وأخرى تغير النشاط
في جولة ميدانية بقلب مدينة قسنطينة وبالضبط وسط أحيائها العتيقة التي يفوح منها عبق الأصالة، وقفنا على حجم التراجع الكبير الذي تعرفه حرفة الطرز اليدوي التي لطالما ميزت المرأة القسنطينية وزينت أفراحها بأبهى الألوان والخيوط الذهبية.
علمنا من خلال حديثنا إلى التجار و السكان، أن معظم الورشات والمحلات أغلقت، وتحولت أخرى إلى ورشات خياطة حديثة تعتمد على الماكينات السريعة بدل الإبرة، والطبلة، والخيوط الذهبية التي كانت رمزا للصبر والإبداع اليدوي.
كما شدنا ونحن نتنقل في المنطقة، انحسار في حجم المعروضات من القطع المطرزة يدويا، مقابل رواج واسع للمنتجات المصنوعة بالماكينات، والتي اكتسحت السوق بفضل أسعارها المنخفضة ومظهرها الجذاب. أخبرنا أحد التجار وصاحب واحد من بين أقدم محلات بيع الملابس التقليدية في المدينة، أن الورشات التي كانت تعج بالحرفيات المتمرسات في الطرز اليدوي لم تعد موجودة، فالعديد من السيدات اللواتي كن يتقن هذا الفن إما غادرن المجال، أو تقاعدن ولم يخلفهن أحد.
وأضاف التاجر، بأن السوق اليوم تسيره الموضة السريعة، حيث تبحث الزبونات عن القندورة الجميلة بأقل سعر، دون أن يعين أن ما يفقدنه في المقابل هي روح القطعة وأصالتها.
دخلنا محل تاجر آخر اسمه رستم، فقال إنه يملك ورشة لتصميم القندورة القسنطينية، وسألناه عن مصدر القطع المعروضة فأوضح لنا أن ورشته تشغل سيدات من الجيل الجديد، يتقن الطرز بالماكينات فقط، ويعتمدن على الزخرفة بالأحجار اللامعة والخرز المستورد بدل التطريز اليدوي.
كما أوضح لنا، أن الورشات التي ما تزال تعتمد على اليد في التطريز تعد على رؤوس الأصابع، وذلك بعدما غزت الماكينات المجال لأنها أقل تكلفة وأسرع وأكبر من حيث الإنتاجية. لكن رغم ذلك، أوضح المتحدث، بأن هناك زبونات لا يزلن يفضلن القندورة المطرزة يدويا لأنهن يعتبرن ارتداءها فخرا واعتزازا بهويتهن القسنطينية.
وأوضح رستم، أن السبب الرئيس وراء تراجع الطرز اليدوي هو ارتفاع التكاليف فالمواد المستعملة كالخيوط الذهبية والفضية، كما أصبحت الأقمشة الأصلية مثل « الجنوة أو الجلوة» باهظة الثمن، بينما يعجز الزبائن عن دفع أسعار مرتفعة مقابل القطع اليدوية.
وبحسبه، تواجه الورشات الصغيرة صعوبات في البقاء أمام الماكينات الحديثة التي تنتج عشرات القطع في اليوم الواحد، مقارنة بقطعة واحدة تنجز يدويا في أسبوع كامل.
وذكر المتحدث، أن الطرز اليدوي يحتاج إلى دعم حقيقي لأنه لا يمكن أن يستمر بالجهد الفردي وحده، مطالبا بضرورة تدخل الجهات المختصة في التراث والحرف لإدماج النشاط في مشاريع اقتصادية وثقافية.
ورشة بعبق الماضي
اقترح علينا جميع من شملهم استطلاعنا، بزيارة ورشة الحرفي قيس حميدي، المعروف في قسنطينة بإصراره على المحافظة على الصناعة التقليدية الأصلية.
دخلنا ورشته التي تقع في بيت عربي قديم بحي رحبة الصوف، فاستقبلنا بابتسامة عريضة، قال إنه يمارس الحرفة بروح وقلب وعين المحب وأنه ورثها أبا عن جد، وما يزال يريد المحافظة عليها لأن كل قطعة يطرزها هي بالنسبة إليه لوحة فنية يرسمها بخيوط ذهبية دقيقة وهذا ليس إلا فنا على حد وصفه.
وأضاف المتحدث، أن الحرفة لغة تراث وهوية لأن كل غرزة وكل زخرفة على القماش تحكي كما عبر عن قصة من التراث. لكنه تأسف بالمقابل للوضع الذي آلت إليه الحرفة اليوم، قائلا إن ورشته كانت فيما مضى تضم العديد من الحرفيات، اللواتي كان يتابعهن وهن يصممن القندورة مرحلة بمرحلة، إلى أن يتم إنجازها على أصولها فتكون عبارة عن قطعة فنية باذخة الجمال. أما في الوقت الحالي، فانه يتعامل كما أوضح، مع قلة قليلة جدا من الحرفيات اللواتي يشتغلن في منازلهن لقلة الطلب على الطرز اليدوي.كما أشار في ذات السياق، إلى أن الشابات لا يردن تعلم حرفة الطرز بل يفضلن الوظائف، عكس الطرز اليدوي الذي يتطلب صبرا ووقتا طويلا. وقال إنه نادرا جدا ما تطرق بابه سيدة تريد التعلم. مضيفا، أن الذهنيات تغيرت كثيرا فالفتيات اليوم يملن لقضاء الوقت على مواقع التواصل الاجتماعي بدلا من الجلوس أمام « القارقاف» أو الانشغال بالإبرة والطبلة، موضحا أن التطريز في زمن مضى كانت عادة تنشأ عليها الفتاة في منزل أبيها.
هذا هو الحل
وأضاف المتحدث، أن الموضة غيرت من ملامح القندورة القسنطينة التي كانت منذ القدم، رمزا للأناقة والهيبة في الأعراس والمناسبات، كونها مطرزة بخيوط من الذهب على قماش الجلوة المتين، ومزينة بزخارف مستوحاة من الطبيعة مثل الزهور.
وقال قيس، بأن نساء اليوم، يفضلن القندورة العصرية بخيوط خفيفة وخرز لامع، بدل القماش التقليدي الثقيل، بحيث يتم استعمال القطيفة الإيطالية بدل الجلوة ، وتستورد مواد الزخرفة من الهند أو دبي، بينما تنفذ التصاميم بالماكينة في بضع ساعات فقط. وأشار قيس، إلى أن الفرق بين القندورة اليدوية والعصرية ليس فقط في الشكل، بل في الروح التي تفقدها القطع الحديثة، إذ تغيب عنها اللمسة الإنسانية التي كانت تميز كل عمل فردي، وكل غرزة تعبر عن ذوق صانعتها. ويرى الحرفي، أن الحل لإنعاش حرفة الطرز اليدوي، هو دمجها في الاقتصاد الثقافي والسياحي، عبر دعم الورشات الحرفية، وتشجيع التعاونيات النسائية، وتنظيم معارض وطنية ودولية تروج لهذا الفن العريق. لينة دلول
يتصدر اسم وليد بلفوناس، ابن حي فيلالي بمدينة قسنطينة، الأحاديث في الشارع المحلي وعلى مواقع التواصل منذ يومين، فالرجل الذي قضى جل حياته عاجزا على كرسي متحرك، وقف فجأة وتمكن من المشي لأول مرة بعد معاناة مع الإعاقة التي داهمته وهو رضيع، ولازمته طيلة 48 سنة، وهي قصة يروي تفاصيلها للنصر.
تشبه حكاية وليد البالغ من العمر 50 عاما، المعجزات، لأنها غير متوقعة وصعبة التصديق، فابن قسنطينة الذي خذلته قدماه وهو في الثانية من عمره، فاجأ الجميع بالوقوف والمشي دون تدخل جراحي، في مشهد إنساني تفاعل معه الكثيرون على مواقع التواصل واستحق دموع كل من عرفوه من أقارب وجيران، شهدوا على معاناته الطويلة التي فجرتها حمى قوية حرمته من نعمة الحركة طوال سنوات حياته الماضية، فعاش مصابا بشلل جزئي تسبب له في عجز شبه كلي.
توجهت النصر، إلى بيته والتقت بعائلته، أين أخبرتنا الأخت الكبرى بتفاصيل الحالة الصحية لشقيقها وكيف بدأت المعاناة مبكرا عندما أصيب بحمى حادة تسببت له في مضاعفات صحية خطيرة مست الجهاز العصبي، ومنذ ذلك الوقت فقد القدرة على المشي وعاش سنوات طويلة من التحدي بين الفراش والكرسي، معتمدا على مساعدة شقيقاته خاصة بعد وفاة والديه.
السر في الرياضة والإرادة
وأضافت المتحدثة، أن كل الأطباء آنذاك عجزوا عن تشخيص حالته المستعصية، إلى أن زار قبل مدة طبيبة متخصصة فكانت تلك نقطة تحول في حياته.
أخبرته الدكتورة «كوحيل» حسبها، بأن الأمل في الشفاء ليس مستحيلا موضحة أن الأعصاب لا تموت لكنها تحتاج لإرادة وتدريب حتى تستعيد نشاطها، فكانت تلك الكلمات بمثابة شرارة أعادت إليه الأمل لينطلق في رحلة جديدة مع التحدي عبر العلاج الطبيعي والتأهيل الفيزيائي، والتمارين الحركية، وهكذا شكلت الرياضة طريقه للعودة للحياة.
أما وليد، فقال لنا بأنه بدأ تدريبات يومية داخل منزله مع تمارين بسيطة في البداية، ثم انتقل تدريجا إلى تمارين أصعب لإعادة تفعيل عضلات الساقين، موضحا أنه كان يحاول الوقوف بالاستناد إلى الخزانة، مع الاستعانة بالحجارة الخاصة بالتيمم لتقوية عضلات القدمين.
ورغم الألم والتعب لم يستسلم محدثنا، الذي أكد أن المعجزة حدثت بفضل المتابعة الطبية والتدريب المستمرين، علما أنه لم يكن يتوقع هذه النتيجة السريعة، قائلا:» كنت بمفردي في البيت أشاهد التلفاز، ثم خطرت ببالي فكرة الوقوف، فوجدتني أتحلى بالإرادة اللازمة للوقوف ووقفت بالفعل ثم مشيت بعد عقود من المعاناة». يضيف بتأثر بالغ « لم أصدق نفسي في البداية وقلت بصوت عال سبحان الله، الله أكبر كن فيكون».
أخبرنا أحد جيرانه، أن وليد رغم إعاقته الطويلة لم يكن شخصا منعزلا غير محب للحياة، بل عرف بين جيرانه بحبه الكبير لتربية القطط التي كان يعتني بها داخل المنزل، كما كان مهتما بشراء شتلات الأشجار وغرسها، والاعتناء بالنباتات التي تنمو حول محيط العمارة مستعينا بمساعدة أصدقائه.
ويعتبر من عرفوا الرجل ، بأن قصة وليد نموذج حي عن قوة الإرادة الإنسانية ورسالة ملهمة لكل شخص فقد الأمل يوما.
إيمان فرقاني
اقتحمت نرجس لبادي، وهي سيدة من ولاية سكيكدة، مجال النقل الخاص مؤخرا، وذلك بعدما قررت أن تشتغل كسائقة سيارة أجرة وهي سابقة في الولاية. صنعت سائقة سيارة الأجرة الحدث محليا، حين قررت التخلي عن وظيفتها في مقر البلدية و الالتحاق بسلك الناقلين الخواص، قرار استقبله مواطنون يستغلون خط السير الذي تشتغل عليه بترحيب كبير، خصوصا فئة النساء التي ترى أن خدمتها نوعية و تقدم إضافة مختلفة، فيما تعتبر هي التجربة جديدة و تحديا لها كامرأة وربة منزل.
حلم طفولة
وأكدت نرجس للنصر، أنها كانت مهتمة بالسياقة ومجال النقل منذ الصغر خاصة مهنة سائقة سيارة أجرة، ولهذا الغرض كانت دائما تحلم أن تمتلك سيارتها الخاصة التي تستعملها لهذا الغرض، وقد تعلمت قيادة المركبة في سنّ مبكرة، مشيرة إلى أنها بعد أن تركت وظيفتها بالبلدية قبل الزواج لظروف معينة لم تجد بديلا عن الالتحاق بنشاط النقل، وكانت تلك فرصة لها لتحقق حلم الطفولة.
قال، إنها باشرت العمل بداية رفقة شقيقها في سيارته، ثم قدمت ملفها الخاص لمديرية النقل لتحصل على ترخيص النشاط على أحد الخطوط، كما تابعت تكوينا في مجال السياقة لمدة أسبوعين قبل أن تشرع منذ شهرين في العمل بصفة رسمية في هذه المهنة.
وعن مدى تقبل عائلتها وبخاصة زوجها لهذه المهنة، أكدت المتحدثة، أنه رحب جدا بالفكرة لأنه يعلم جيدا أنها تحب السياقة منذ الصغر، و مدرك لطبيعة شخصيتها المختلفة و قد قدم لها كل الدعم والمساندة المعنوية، هو وأبناؤهما الذين شجعوها أيضا كما قالت، ويشعرون بالفخر بشجاعتها.
وأوضحت، أن أشقاءها جميعا رحبوا بقرارها ولم يعترضوا إطلاقا خاصة وأنها تعمل كما قالت مع شقيقها «دوبلور». كما تؤكد المتحدثة أنها لم تندم بتاتا على دخولها هذه المهمة، ولم تشعر بأي خوف لأنها ابنة المدينة و عائلتها معروفة على حد تعبيرها.
معظم زبائني من النساء
أما زملاؤها فكانوا أيضا داعمين ومرحبين حسب تأكيدها، بل وشجعوها كثيرا وهو تحديدا ما رفع معنوياتها وحفزها على المواصلة، كما قالت بأن زبائنها يعاملونها بكثير من الاحترام حتى حينما ترفض نقلهم إلى أماكن معينة أحيانا وبالأخص فئة الشباب. وبهذا الخصوص، أكدت بأن معظم زبائنها من النساء والعائلات، كما تقل رجالا محترمين وتركز جيدا في تمييز طبيعة الشخص الذي يطلب خدماتها قبل أن توافق على صعوده إلى سيارتها كي تتجنب كل أنواع المشاكل لاحقا.
قالت لنا، إنها تتعامل مع الزبائن عن طريق الهاتف، حيث تتلقى طلبات التوصيل بهذه الطريقة، ولذلك تشكل العائلات النسبة الأكبر من المتعاملين، حيث تتخصص أحيانا في نقل الأبناء المتمدرسين إلى المدارس ومن ثم إعادتهم إلى بيوتهم، كما تقلهم من وإلى الدروس الخصوصية في أيام السبت.
كما أبدت محدثتنا، استعدادها للعمل على الخطوط الخارجية ما بين الولايات والبلديات، وقد تلقت حسبها طلبات في هذا الخصوص لكنها لم تشرع في العمل بعد. كما قالت بأنها تتعامل مع بعض الحالات الإنسانية بحيث تقل الشيوخ، والمسنين، والمرضى إلى المستشفى مجانا، كاشفة عن حلمها بإنشاء مؤسسة للنقل عبر سيارات الأجرة خاصة بالنساء والعائلات فقط.
وخلال جولة معها في وسط المدينة أكدت، بأن سكيكدة معروفة بالازدحام المروري وبحكم أنها من المنطقة فإنها تعرف شوارعها و أزقتها جيدا، وتعمل دائما على تجاوز هذه المشكلة وإيجاد الحلول اللازمة، مشيدة بمعاملة الشرطة لها و التي تتسم بالاحترام واللباقة وهو ما لاحظناه خلال الطريق برفقتها.
كمال واسطة
عرفت تيك توك، في بداياتها على أنها منصة ولدت للترفيه والرقص والتحديات القصيرة، لكنها سرعان ما تحولت اليوم إلى واحدة من أخطر أدوات الصراع الإعلامي في العالم، فالتطبيق الذي أسر قلوب المراهقين وجعل ملايين المستخدمين يعيشون في فضاء من المقاطع السريعة والمحتوى العابر، أصبح فجأة محور جدل سياسي دولي، تتقاطع فيه المصالح الأمنية الأمريكية مع دعاية الكيان الصهيوني المحتل ودوائر النفوذ الاقتصادي الكبرى.
ومن اتهامات بالتجسس على الأمريكيين، إلى حظر رسمي في المؤسسات الفيدرالية والمدارس، بدا وكأن الطريق يقود إلى نهاية المنصة في الغرب قبل أن تنقلب المعادلة تماما، إذ لم يغلق التطبيق، بل تمت السيطرة عليه من الداخل، عبر صفقات ضخمة نقلت ملكيته إلى مستثمرين أمريكيين مقربين من الكيان ومن مراكز القرار في واشنطن.
اليوم، ومع احتدام الحرب في الشرق الأوسط وتزايد المعارك الرقمية على المنصات، يطفو السؤال الجوهري على السطح: هل ما زال «تيك توك» مساحة ترفيهية محايدة؟ أم تحول إلى منصة موجهة تخدم رواية معينة وتعيد صياغة وعي الملايين وفق أجندة إعلامية محددة؟
بداية الصراع الأمريكي– الصيني حول «تيك توك»
لم يكن تطبيق «تيك توك» في بداياته أكثر من فضاء افتراضي بسيط لتبادل مقاطع الرقص والمحتوى الترفيهي بين المراهقين، قبل أن يتحول تدريجيا إلى ساحة مواجهة جيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين.
بدأت القصة سنة 2017، حين استحوذت شركة التكنولوجيا الصينية «بايت دانس»((ByteDance على التطبيق الأمريكي «ميوزيكلي» (Musical.ly) مقابل نحو مليار دولار، ودمجته في منصتها العالمية الجديدة «تيك توك»» غير أن هذا الاندماج الذي بدا تجاريا بحتا في ظاهره سرعان ما أثار مخاوف أجهزة الأمن والاستخبارات الأمريكية التي رأت فيه محاولة صينية ذكية للتغلغل داخل الفضاء الرقمي الغربي وجمع بيانات المستخدمين الأمريكيين.
ومع حلول عام 2019، فتحت لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة تحقيقا رسميا حول الصفقة، لتبدأ مرحلة الشكوك العلنية والاتهامات بالتجسس، أما في سنة 2020، فقد بلغت الأزمة ذروتها عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عزمه على حظر التطبيق نهائيا داخل الأراضي الأمريكية، ما لم تنتقل ملكيته إلى شركة أمريكية، ووجدت واشنطن في تلك اللحظة فرصة لتصعيد المواجهة الاقتصادية مع بكين معتبرة «تيك توك» تهديدا مباشرا للأمن القومي وللسيطرة الأمريكية على سوق الإعلام الرقمي العالمي.
ورغم أن إدارة جو بايدن لاحقا، خففت من لهجة التصعيد وأوقفت قرار الحظر مؤقتا، إلا أن التحقيقات الاستخباراتية استمرت بوتيرة متصاعدة خاصة بعد ظهور تقارير تتحدث عن وصول موظفين صينيين إلى بيانات مستخدمين في أمريكا، منذ تلك اللحظة، لم يعد «تيك توك» مجرد تطبيق ترفيهي، بل واجهة لصراع أيديولوجي وتقني بين أكبر قوتين في العالم، تستخدم فيه البيانات والخوارزميات كسلاح جديد في معارك النفوذ والمعلومات.
من حظر إلى استحواذ.. كيف تحول «تيك توك» إلى أداة دعاية ؟
قبل عام واحد فقط، كانت منصة «تيك توك» تواجه موجة غير مسبوقة من الانتقادات والاتهامات داخل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث اتهمت بالتجسس على المستخدمين الأمريكيين، ونشر محتوى غير لائق للأطفال والمراهقين، فضلا عن تبنيها لخطاب بدا في بعض الأحيان ناقدا للسياسات الإسرائيلية في فلسطين.
دفعت هذه التهم بالحزب الديمقراطي الحاكم آنذاك، إلى المطالبة بحظر المنصة نهائيا، وهو ما تجسد فعلا في قرارات حظر استخدامها داخل المؤسسات الفيدرالية والمدارس الحكومية.
لكن المشهد تغير كليا مع وصول إدارة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، المعروف بميوله للصفقات التجارية والاقتصادية ، ففي ظل هذه السياسة البراغماتية، لم يعد الحل في الحظر، بل في الاستحواذ، وهكذا انتقلت ملكية المنصة بنسبة تقارب 80 بالمئة إلى مستثمرين أمريكيين نافذين، يتقدمهم الملياردير «لاري إليسون»، ثاني أغنى رجل في العالم ومؤسس شركة «أوراكل»، وأحد أبرز المتبرعين للجيش الصهيوني، الذي يعتبره امتدادا لمشروعه الشخصي.
و إلى جانب إليسون، برز اسم روبرت مردوخ، مالك شبكة «فوكس نيوز» المعروفة بخطها الإعلامي الموالي الصهاينة، و»سفرا كاتس»، الصهيونية الأمريكية المقربة من ترامب، والتي زارت تل أبيب مرات عدة منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023 لدعم العمليات الإسرائيلية. كما انضم إلى المجموعة «جيف ياس»، أحد كبار الممولين للمؤسسة العسكرية للكيان المحتل.
بهذا، تحول «تيك توك» من منصة متهمة بمعاداة الكيان الصهيوني إلى منصة يهيمن عليها رأس المال الأمريكي-الصهيوني، ما يعني أن السيطرة على المحتوى لم تعد مسألة خوارزميات فقط، بل أصبحت جزءا من منظومة نفوذ إعلامي واقتصادي تسخر لخدمة الدعاية الحربية وتحسين صورة هذا الكيان على المستوى العالم.
اليوم، لم يعد السؤال حول سبب غلق منصة لا تعجب سياساتها واشنطن؟ بل لماذا لا تُشترى المنصة وتُعاد برمجتها لخدمة من يملكها؟ والحقيقة التي تتجلى هي أن «تيك توك» لم يعد صينيا كما كان، بل أصبح أمريكيا بإدارة صهيونية الاتجاه والهوى.
الرقابة الرقمية..
حين تتحول المنصات إلى أدوات لتكميم الصوت
منذ اندلاع عملية طوفان الأقصى إلى غاية الإعلان عن وقف إطلاق النار، تحولت ساحة الإعلام الغربي ومنصات التواصل الاجتماعي إلى سلاح موجه ضد السردية الفلسطينية، إذ باتت الرواية الإسرائيلية تحظى بالأولوية المطلقة في التغطية الإخبارية، بينما يقمع كل ما يخالفها تحت ذرائع معايير المجتمعية وانتهاك شروط الاستخدام، وفي الوقت الذي تحجب فيه صور القصف والضحايا الفلسطينيين من «تيك توك» و»إنستغرام» و»فيسبوك»، تفتح المنصات ذاتها على مصراعيها أمام حملات دعم الكيان الغاصب، وتشهد الحسابات الفلسطينية أو المتضامنة معها عمليات حذف متكررة، أو حظر خفي يقلص مدى انتشار منشوراتها، في محاولة ممنهجة لإسكات الأصوات الميدانية التي توثق الجرائم الصهيونية.
وسبق لمراسل «ميدل إيستمونيتور»، محمد أسعد، أن أكد بأن الصحفيين والنشطاء الفلسطينيين في غزة الذين يشاركون لقطات من الحرب الجارية يواجهون رفضا وحذفا لمحتواهم من قبل شركات الإعلام الرقمي، مضيفا بأن «تيك توك» يحذف أي فيديو يتعلق بقصف المنازل أو إصابة أو مقتل المدنيين، كما يتلقى أصحاب الحسابات تحذيرات بانتهاك شروط الاستخدام.
هذا الواقع لا يقتصر على ما يحدث في الفضاء الرقمي فقط، بل يعكس أيضا سياسة إعلامية غربية قديمة تتعمد تجاهل أصل القضية وتظهر الفلسطيني كصورة مشوهة خالية من الإنسانية، في محاولة لتبرير العدوان وتجميل وجه الاحتلال، بينما تخفى الحقيقة خلف رقابة موجهة وخوارزميات منحازة.
«تيك توك» و «إكس» أسلحة في معركة الصورة
في محاولة يائسة لقلب موازين الخطاب الرقمي، دعا رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، مجموعة من المؤثرين الأميركيين خلال لقاء عقد مؤخرا بمقر القنصلية الصهيونية في نيويورك، إلى استخدام منصتي «تيك توك» و»إكس» بوصفهما سلاحين في المعركة الإعلامية الدائرة حول حرب غزة.
وجاءت هذه الدعوة بعد أن واجه نتنياهو إحراجا دبلوماسيا غير مسبوق في الأمم المتحدة، حين انسحبت وفود عديدة من القاعة أثناء إلقائه كلمته في مشهد يعكس العزلة المتزايدة لإسرائيل على الساحة الدولية.
وأكد في حديثه، أن الحرب لم تعد تخاض بالسيوف أو الدبابات فقط، بل بالهواتف والكاميرات والمنشورات، مشددا على ضرورة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كجبهة قتال موازية لتوجيه الرأي العام العالمي، واعتبر «تيك توك» المنصة الأولى في هذا الصراع، في حين وصف مالك «إكس» إيلون ماسك بـالصديق الذي يمكن الاعتماد عليه في دعم الرواية الصهيونية.
هذه التحركات تعكس إدراك الكيان المتأخر لتأثير الإعلام الجديد في صناعة الوعي الجمعي، بعد أن خسرت جزءا كبيرا من حرب الرواية أمام المحتوى ...
الفلسطيني الذي وثق المأساة بالصوت والصورة، وكشف زيف السرديات الصهيونية، وهكذا تحولت المنصات إلى ميدان مواجهة جديد، تستخدم فيه الخوارزميات بدلا من الرصاص.
* الباحث في علوم الإعلام والاتصال يونس زيايتة
السيطرة على الخوارزميات تفرض نموذجا جديدا من النفوذ وتقنين المعلومة
يرى الدكتور يونس زيايتة، أستاذ محاضر في علوم الإعلام والاتصال بجامعة قالمة، أن قصة سعي الولايات المتحدة الأمريكية للاستحواذ على منصة تيك توك، أو إجبار الشركة الأم الصينية «بايت دانس» على بيع عملياتها الأمريكية، هي قصة تتجاوز المنافسة التجارية أو حتى مجرد حماية البيانات، لتلامس صميم الصراع الجيوسياسي على السيادة الرقمية بين واشنطن وبكين.
ويمكن تفسير خلفيات السعي الأمريكي للاستحواذ أو فرض البيع القسري من خلال ثلاثة دوافع استراتيجية مترابطة، أولها وأكثرها إلحاحا هو الهاجس الأمني القومي، إذ تكمن المخاوف في إمكانية استخدام الشركة الصينية لبيانات ملايين المستخدمين الأمريكيين وإتاحتها للحكومة الصينية، هذا الخطر يتجاوز جمع البيانات الفردية إلى القلق من قدرة بكين على بناء «خرائط اجتماعية دقيقة للمجتمع الأميركي» يمكن توظيفها لاحقا في حملات دعائية ممنهجة وشديدة الاستهداف.
أما الدافع الثاني، فيتمثل حسبه، في الأمن المعرفي وخطر التأثير السياسي والإعلامي، إذ ينظر المسؤولون الأمريكيون إلى «تيك توك» كـأداة دعاية أو سلاح معلوماتي بيد طرف خارجي، خاصة وأن التطبيق يستخدم بكثافة بين الشباب الأمريكي (Gen Z) ويعتبر مصدرا رئيسيا للأخبار القصيرة، وبيئة خصبة لتمرير معلومات مغلوطة ومضللة أو الإشاعات.
ويدور القلق كما أوضح، حول استخدام المنصة للتأثير على الرأي العام الأمريكي أو التدخل في الانتخابات. أما العامل الثالث هو التنافس التكنولوجي والاقتصادي، بحيث ترى واشنطن في بقاء شركة صينية في موقع متقدم وحيوي في سوقها تهديدا للتفوق الأمريكي في الفضاء الرقمي والمنصات الاجتماعية. وهو ما فعلته سابقا مع شركة «هواوي» التي كانت أكبر منافس لشركة «آبل» مهددة السيطرة التكنولوجية لأمريكا على العالم.
ويخلص الدكتور زيايتة، إلى أنه لا يمكن اعتبار الصفقة مجرد قضية تجارية، بل هي جزء لا يتجزأ من صراع رقمي شامل بين القوى الكبرى، معركة في نظرها أكبر من مجرد تطبيق ترفيهي، ترغب واشنطن في الاستحواذ عليه، ما يؤكد أن الصراع يدور حول قواعد النظام الرقمي العالمي نفسه، حيث تسعى الولايات المتحدة لتأكيد قدرتها على احتواء التمدد التكنولوجي الصيني.
نحو ولادة نظام رقمي عالمي متعدد الأقطاب
ويؤكد الدكتور الباحث في علوم الإعلام والاتصال، أنه مما لا شك فيه أن السيطرة الأمريكية المباشرة على هذه المنصة ستؤثر تأثيرا جذريا ومباشرا على سياسات المحتوى والخوارزميات، إذ أعلن مسؤولون أمريكيون أن الاتفاق يمنح الولايات المتحدة سيطرة مباشرة على خوارزميات المنصة، والتي تعد الأداة الأساسية لتحديد ما يشاهده المستخدمون وفي توجيه الرأي العام. وتضمنت خطة السيطرة بنودا رئيسية لضمان نزع الملكية الفكرية الأكثر أهمية، وهي خوارزمية التوصية، تشمل هذه البنود إعادة تدريب الخوارزميات داخل الولايات المتحدة تحت رقابة شركات تقنية محلية، وإنشاء إدارة مستقلة للمحتوى لا تخضع لمركز قرار خارجي، وإقامة شراكة أمنية مع شركات أمريكية مثل «أوراكل» للإشراف على البنية التحتية، وهذه الإجراءات تهدف بشكل معلن إلى منع أن تكون الخوارزمية أداة دعاية أو سلاحا معلوماتيا بيد أي طرف خارجي.
ويرى الأستاذ زيايتة، أن هذا التحول ينعكس جذريا على تدفق المعلومات عالميا عبر تعميق ظاهرة تجزئة الإنترنت، و عليه فإن عملية إعادة تدريب الخوارزميات تعني عمليا إنشاء نسخة أمريكية معدلة ومراقبة، ما يهدد بتجزئة التجربة الرقمية، وقد يؤدي ذلك إلى استبدال واشنطن قلقها من التحيز الصيني بـحياد موجه يخدم مصالحها الجيوسياسية، ما قد يضيق نطاق الروايات المخالفة للسياسة الخارجية الأمريكية أو سرديات حلفائها، وما يزيد الأمر تعقيدا أن هذه الخطوة قد تشجع دولا أخرى مثل الاتحاد الأوروبي، وكندا، وأستراليا، على مراجعة تشريعاتها لفرض سيطرتها على البيانات والخوارزميات، ما يؤدي إلى تعميق تجزئة الفضاء الرقمي العالمي.
خوارزميات لتوجيه الرأي العام
ويوضح المتحدث، أن هناك شبه اتفاق على فشل الكيان الصهيوني رفقة الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب الإعلامية الأخيرة، وبخاصة على شبكات التواصل الاجتماعي، إذ لم تتمكن السردية الصهيونية من تحقيق تعاطف الرأي العام العالمي، وعلى الرغم من سياسات كبح نسبة الوصول وتقييد المحتوى في العديد من هذه الشبكات الاجتماعية على إلا أن الصورة الواقعية تحظى بحرية أكبر مقارنة بوسائل الإعلام الكلاسيكية التي نجدها في الغالب مؤيدة للكيان وداعمة للرواية الصهيونية.
وقد أعادت منصات التواصل الاجتماعي تشكيل سردية داعمة للقضية الفلسطينية ومناهضة لسياسات التجويع والإبادة الجماعية الممارسة من قبل الكيان الصهيوني رفقة الحليف الأمريكي، وهو ما يفسر الميزانية التي خصصها الكيان مؤخرا والمقدرة بـ145 مليون دولار للقيام بحملة تأثير في الرأي العام الأميركي وبخاصة في الجيل زد عبر فيسبوك، تيكتوكوانستغرام.
ويعتقد العديد من المراقبين، بأن استحواذ الولايات المتحدة الأمريكية على منصة «تيكتوك» يندرج ضمن خطة الكيان الصهيوني لبسط نفوذه الإعلامي والتحكم في الرأي العام الأمريكي.
ويرى الدكتور زيايتة، أن هذا المسعى يتجاوز البعد الإعلامي إلى البعد التقني الخوارزمي، إذ يمكن من الناحية التقنية أن يتم التحكم في خوارزميات «تيك توك» عبر التأثير الخوارزمي الموجه عن طريق آليات دقيقة في هندسة الخوارزميات.
ولا يعتمد التوجيه على الحظر الصريح كما أوضح، بل على هندسة تفضيلات المستخدمين بصورة غير مرئية، تستغل هذه الآلية فعالية «تيك توك» في توليد بصمة رقمية شخصية لكل مستخدم مما يجعلها مثالية لتمرير رسائل موجهة في سياق ترفيهي، أي أن الخوارزمية ستكون تحت الإشراف التقني الأمريكي، وبالتالي جعلها أداة تنفيذية لسياسة أمنية، تستوعب تلقائيا أولويات سياسة المحتوى الأمريكية وتعمل بسرعة.
* أستاذ الإعلام بجامعة قسنطينة 3عادل جربوعة
سلاح جديد وتحولات رقمية تستدعي تخصصات وسياسات مستقلة
يرى الأستاذ والباحث الجامعي في علوم الإعلام والاتصال بجامعة قسنطينة 3 الدكتور عادل جربوعة، أن المرحلة والتحولات التي يشهدها العالم تستدعي اقتراح تخصصات علمية جديدة في مرحلة الليسانس والماستر وحتى الدكتوراه، تتوافق مع هذا التوجه الرقمي والتقلبات العالمية.
ويقترح الباحث، تعديل البرامج التكوينية بإضافة مواد تدريسية تساهم في توعية وبناء حصن فكري نوعي لدى الطلبة، كما يؤكد على أهمية تدريب الطلبة والمتكونين في دورات وورشات تطبيقية داخل أسوار الكليات وفي المؤسسات الإعلامية والاتصالية الشريكة، في إطار اتفاقيات تمنح الجميع فرصة المساعدة والبناء الواعي للأجيال.
كما تحدث، عن عقد ملتقيات وطنية ودولية وأيام دراسية ومحاضرات تصب في التخصصات والمشكلات المعاصرة، بما يعزز تفاعل الجامعة مع التحولات الرقمية والفكرية الراهنة.
ويرى الأستاذ جربوعة، أن إنشاء منصات عربية مستقلة بات ضرورة حتمية للحفاظ على السيادة المعلوماتية، لكن أولا من الضروري التمكن من معرفة أغوار التطبيقات الغربية وتشخيصها، ومعرفة كيف تبنى وكيف تصمم ومن وراءها من طرف مختصين وباحثين، مما يفتح المجال للمبتكرين والمبدعين في إنشاء الترياق والسلاح الذي يكون أكثر قوة من المتوفر، ومنه تطوير مهارات المبرمجين والمصممين والمهندسين وممتهني الإعلام والاتصال بهدف المجابهة وتقديم الأفضل من حيث الشكل والمضمون، وهذا ما يرفع التحدي أمام المطورين الصناعيين لاكتشاف التكنولوجيا الحديثة في مجال الاتصال، ولم لا الاختراع وإنشاء مؤسسات منافسة تفرض وجودها.
أما فيما يتعلق بطبيعة الصراعات الحديثة، فيؤكد الدكتور جربوعة أن هناك حروبا جديدة بصيغة مختلفة، السلاح فيها الكلمة والصورة وتقنيات إعلامية بحتة، وخسائرها معنوية وقيمية دولية، بل وحتى مادية واقتصادية، في إشارة إلى التحول العميق الذي جعل الإعلام اليوم سلاحا استراتيجيا يسبق المعارك الميدانية ويحدد نتائجها قبل وقوعها.
أما فيما يخص تأثير انتقال «تيك توك» إلى ملكية أمريكية على حرية التعبير والتعددية الإعلامية، خصوصا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والقضايا الهامة عموما فيرى الباحث، أن المنصات الرقمية أصبحت لغة التفاعل المعاصرة ووسائل الاتصال الحديثة وبوابات الوصول إلى الجمهور الواسع والمتنوع في الصفات ومناطق التواجد، ومثال ذلك منصة تيك توك، التي تهدف العديد من الشخصيات البارزة والمؤسسات الرائدة للسيطرة عليها بشتى الطرق، وذلك في إطار امتلاك التكنولوجيا والسيطرة على المعلومات الكبيرة وكذا الرأي العام المحلي والعالمي بغرض توجيهه وزرع أفكار وسياسات تخدم أجندات عالمية تسيطر عليها جهات مثل أمريكا ومن يواليها وكله في إطار فرض السيطرة، والتبعية، والاستنزاف الاقتصادي، وتشويه صورة الأطرف المعادية وإذلالها.
وفي المقابل تحسين صورة المؤيدين والناصرين والراضخين للأنظمة القوية، من خلال توظيف أفضل المبرمجين و المطورين العالميين واستقدامهم من مؤسساتهم الأصلية ومحاولة إقناعهم بالعمل مقابل مبالغ خيالية في المؤسسات المعنية بالسيطرة، وفرض منطق القوة بتوفير ظروف ملائمة لهم ماديا ومعنويا. لكن لا نظن كما أضاف، أن ذلك سيكون بالسهل كون القوى العالمية تحاول المقاومة وفرض الذات مثلما تقوم به الدول ذات كثافة الاستعمال الكبير للتكنولوجيا على غرار الصين، وروسيا، والهند، والتي تعد مزرعة التأثير والرأي العام العالمي بسبب الكثافة السكانية المرتفعة والتقارب الجغرافي والإيديولوجي.
رضا حلاس
يحذّر مختصون من خطر الانتشار الواسع للألعاب الإلكترونية في أوساط الأطفال والمراهقين، إذ أصبحت الشاشات جزءا لا يتجزأ من حياتهم اليومية، بل وصارت تشكّل عنصرا أساسيا في أنشطتهم اليومية الترفيهية والتعليمية أيضا.
ويشير أطباء ونفسانيون، إلى أن المخاطر الناجمة عن الاستخدام المفرط للألعاب الإلكترونية متعددة، فهي لا تقتصر فقط على ضياع الوقت أو الانعزال الاجتماعي، بل قد تتفاقم لتُشكّل تهديدا مباشرا لصحة الطفل النفسية والجسدية، مثل القلق، الاكتئاب، وضعف التركيز، ومشاكل النوم. وبينما ينشغل كثير من الآباء بمواجهة هذا الواقع عبر المنع أو التوبيخ تُؤكد الدراسات والمختصون، أن الحل الأكثر فعالية يكمن في تبنّي أسلوب الحوار المفتوح والتواصل المستمر، فالعلاقة القائمة على الثقة والإنصات المتبادل تُعدّ عاملا حاسما في الوقاية من الإدمان الرقمي وتوفّر بيئة آمنة تعزز من وعي الطفل وتساعده على التوازن بين الواقع والعالم الافتراضي.
* الدكتور رشيد بلخير
تهديد للصحة النفسية والجسدية
يحذّر الدكتور رشيد بلخير، الأخصائي في علم النفس العيادي، من مخاطر الألعاب الإلكترونية التي باتت تنتشر بشكل واسع بين الأطفال والمراهقين، موضحا أنها لم تعد مجرد وسيلة للتسلية أو تمضية الوقت، بل تحوّلت في بعض الحالات إلى تهديد حقيقي للصحة النفسية والجسدية، خصوصا مع غياب الرقابة والتوجيه. ويؤكد، أن التأثيرات السلبية لهذه الألعاب تظهر بشكل أوضح لدى الفئات الهشّة، أو أولئك الذين يعانون من اضطرابات نفسية سابقة، حيث يمكن أن تُفاقم من حدة القلق والعزلة والاكتئاب، إضافة إلى التأثير على جودة النوم وضعف التركيز، ناهيك عن بروز سلوكيات عدوانية أو انفعالية مقلقة، نتيجة الإدمان الرقمي والاستخدام المفرط دون ضوابط.
الهروب إلى العالم الرقمي راحة مؤقتة تقود إلى عزلة ومشكلات أعمق
ويوضح الأخصائي، أن العالم الافتراضي بات يشكل ملاذا للهروب من الواقع بالنسبة للعديد من الأطفال، أين يجدون فيه مساحة بديلة للتعبير عن أنفسهم أو التسلية أو حتى التنفيس عن ضغوطهم النفسية، غير أن هذا الهروب، وإن بدا مريحا ومؤقتا، لا يقدم حلولا حقيقية للمشاكل التي قد يواجهها الطفل في حياته اليومية، بل يزيدها تعقيدا بمرور الوقت، فكلما تعمّق الطفل في استخدام هذا العالم الرقمي، كلما ازداد ابتعاده وانسحابه عن محيطه الأسري والاجتماعي، مما يؤدي إلى عزلة نفسية وتراجع في مهارات التفاعل الواقعي. كما أن نظام المكافأة الفوري الذي تتيحه الألعاب (نقاط، مستويات جوائز) يجعل دماغ الطفل أقل قدرة على تحمّل الإحباط أو الانتظار وهو ما ينعكس على سلوكه اليومي في المدرسة والمنزل.
وقد يؤدي هذا إلى فقدان الدافعية نحو الإنجاز في الحياة الواقعية، إذ يشعر الطفل بأن العالم الرقمي أسهل وأسرع في تحقيق المكافآت والنجاح الوهمي، مقارنة بالواقع الذي يتطلب جهدا وصبرا.
«التحديات القاتلة» تستغل حب المغامرة لدى الأطفال وتهدد حياتهم
ومن أخطر الظواهر المرتبطة بالعالم الرقمي تلك التي يُطلق عليها "التحديات القاتلة" أو "الألعاب المميتة"، وهي أنشطة يتم تداولها على الإنترنت بين الأطفال والمراهقين، تتراوح بين القيام بسلوكيات خطرة لإثبات الشجاعة أو إيذاء النفس، وقد تصل في بعض الحالات إلى الانتحار، وهذه التحديات تستغل حب المغامرة لدى الصغار ورغبتهم في إثبات الذات أمام أقرانهم، خاصة في ظل غياب الوعي الكافي أو الرقابة الأسرية.
وأشار النفساني العيادي ، إلى أن قصصا واقعية كثيرة حول العالم تُظهر خطورة هذه الظاهرة، مثل حالات انتحار مرتبطة بألعاب مثل "الحوت الأزرق"، ولعبة " مريم"، و" روبلوكس"و غيرها من التحديات التي تشجع الأطفال على تنفيذ مهام متزايدة الخطورة، وهنا تتضاعف أهمية الحوار الأسري والتوجيه المبكر لتوعية الطفل بالمخاطر دون اللجوء إلى أسلوب التخويف المفرط، بل بأسلوب يقوم على الشرح والمرافقة والتثقيف.
كما يُلاحظ في العديد من المدارس انخفاض في مستوى الانتباه والفهم لدى الأطفال الذين يقضون وقتا طويلا أمام الشاشات مقارنة بأقرانهم، فدماغ الطفل في مراحل النمو يحتاج إلى تنوع في التحفيز، مثل القراءة والأنشطة الحركية والتفاعل الاجتماعي، لتقوية الشبكات العصبية وتطويرها. لكن الإفراط في استخدام الأجهزة الإلكترونية يؤدي حسب المتحدث، إلى تحفيز نمط واحد سريع الإيقاع، ما يُضعف قدرة الدماغ على المعالجة العميقة للمعلومات وحل المشكلات المعقدة، ويصبح الطفل أكثر ميلا إلى التفكير السطحي والسريع بدلا من التفكير النقدي والتحليلي، وهو ما ينعكس على أدائه في المدرسة ويقلل من قدرته على التعلّم المستقل أو الإبداع.
أضرار لا تقتصر على الصحة النفسية
وأكد بلخير، أن الأضرار لا تتوقف عند الجانبين النفسي و الاجتماعي، بل تمتد إلى الجانب الصحي والجسدي أيضا، فبحسب تقارير طبية، هناك ارتفاع مقلق في معدلات السمنة لدى الأطفال بسبب قلة النشاط البدني الناتج عن الجلوس المطوّل أمام الشاشات، كما تُسجَّل مشكلات متزايدة في العمود الفقري نتيجة الوضعيات الخاطئة ، واضطرابات في الرؤية بسبب التعرض المستمر للأشعة الزرقاء المنبعثة من الأجهزة الإلكترونية.
كما يتأثر النوم بشكل كبير، فالتعرض للأجهزة الإلكترونية قبل النوم يقلل من إفراز هرمون الميلاتونين المسؤول عن تنظيم النوم، ما يؤدي إلى أرق مزمن واضطراب في الساعة البيولوجية للطفل، و هذه المشكلات مجتمعة تؤثر بشكل غير مباشر على الأداء الدراسي، حيث يصبح الطفل أقل تركيزا وأكثر تعبا وانفعالا.
الحوار والتواصل الركيزة الأساسية للوقاية والمرافقة الواعية
ويرى الأخصائي، أن الأسرة تظل الحصن الأول لحماية الأبناء مؤكداً أن المنع وحده ليس كافيا، بل يجب أن يُرافقه حوار دائم، ومراقبة واعية، وتوجيه هادئ مبني على الثقة والتفاهم، مبرزا في ذات السياق أهمية خلق مساحة للتواصل العاطفي داخل البيت، لأنها تُساعد الطفل على التعبير عن مخاوفه وتجاربه دون خوف من العقاب أو التوبيخ.
فالحوار المنتظم لا يقتصر فقط على تبادل الكلمات، بل يُعدّ جسرا لفهم أعمق لما يعيشه الطفل داخل العالم الرقمي، فعندما يشعر الطفل بأن والديه يستمعان إليه باهتمام ودون إصدار أحكام أو استخدام أسلوب التخويف، يصبح أكثر استعدادا لطلب النصيحة والبوح بمخاوفه وتجاربه أو الإفصاح عن مشكلاته، بما في ذلك إذا تعرض لمحتوى خطير أو تحديات مشبوهة على الإنترنت، مما يسمح للأسرة بمرافقته بشكل إيجابي.
ويشدد بلخير، على أن الصمت الأبوي تجاه ما يواجهه الأبناء في العالم الرقمي خطر حقيقي، وأن الإهمال هو بمثابة تخلّ عن الدور التربوي، فالمطلوب ليس المنع الكامل، بل المرافقة الإيجابية، والمشاركة النشطة في حياة الطفل الرقمية، لتكون التكنولوجيا وسيلة للتطور، لا بوابة نحو الضياع.
التكنولوجيا ليست شرا مطلقا
ورغم التحذيرات، لا يعتبر الأخصائي الألعاب الإلكترونية شرا مطلقا بل هي أداة يمكن أن تكون مفيدة أو ضارة بحسب كيفية استخدامها مشيرا إلى أن الأبناء يمكنهم الاستفادة منها بشكل كبير إذا وُجهوا التوجيه الصحيح، واستُخدمت باعتدال ووعي وإشراف مناسب، لا سيما تلك التي تُنمّي التفكير المنطقي أو تحمل طابعا تعليميا، لكن الخطر الحقيقي يكمن في ترك الطفل يواجه هذا العالم بمفرده، دون توجيه واعي.
أنشطة واقعية بديلة تعيد التوازن
ولتقليل الاعتماد المفرط على العالم الرقمي، يُشجّع المختص على إدماج الأطفال في أنشطة واقعية تُسهم في تنمية شخصياتهم وتعزيز مهاراتهم الاجتماعية والذهنية، ومن بين هذه الأنشطة، ممارسة الرياضة التي تُنمّي اللياقة البدنية والانضباط، والانخراط في الفنون كالرسم والموسيقى والمسرح، والتي تُعزز الإبداع والتعبير عن الذات. كما تُعدّ المطالعة وسيلة فعّالة لتوسيع الخيال وزيادة الحصيلة اللغوية والمعرفية، بالإضافة إلى ذلك، فإن المشاركة في الأنشطة الجماعية مثل العمل التطوعي أو الرحلات المدرسية تُنمي روح التعاون والانتماء وتُساعد على تفريغ التوتر وتعزيز التفاعل الاجتماعي والذكاء العاطفي مشيرا إلى أن هذه البدائل الواقعية تُسهم بشكل فعّال في بناء شخصية متوازنة وقادرة على مواجهة تحديات الحياة بثقة.
سامية إخليف
لطالما ارتبطت القطط بمكانة خاصة في حياة مربيها باعتبارها الرفيق الوفي والأنيس الدائم، غير أن غياب فضاءات عمومية تسمح باصطحابها ظل يحرم هؤلاء من مشاركتها لحظاتهم اليومية، وهذا النقص تحول إلى دافع للشاب نور الدين، الذي افتتح مؤخرا أول مقهى من نوعه في الجزائر تحت اسم «HeyCat Coffee Shop»، ليمنح عشاق القطط فرصة الاستمتاع بفنجان قهوة أو لحظة استرخاء رفقة هذه الحيوانات الأليفة.
وحسب ما أكده نور الدين للنصر، فإنه استلهم فكرة المشروع مما شاهده خلال سفره لعدد من البلدان، أين اكتشف وجود لافتات للقطط داخل المقاهي العالمية، وكيف أصبحت عنصرا من عناصر الجذب والراحة بالنسبة للزبائن، لذلك أراد أن ينقل التجربة إلى الجزائر بروح محلية، فحول شغفه إلى مشروع شبابي يجمع بين المتعة والترفيه من جهة، وتعزيز ثقافة الرفق بالحيوان من جهة أخرى.
تجربــة مختلفــــة
يحظى المقهى الجديد الذي افتتح مؤخرا بالجزائر العاصمة، بترحيب واسع وإعجاب كبير من طرف محبي القطط، حيث عجت منصات التواصل الاجتماعي بصور وفيديوهات توثق أجواء المكان، و عبر من خلالها الزبائن عن سعادتهم بهذه التجربة الفريدة التي اعتبروها إضافة نوعية. ذلك لأن المقهى لا يتيح فقط فرصة الاستمتاع بفنجان قهوة في أجواء مميزة، بل يوفر للزبائن أيضا الفرصة للقاء أشخاص يتقاسمون الشغف ذاته بعالم القطط، ما يسمح لهم بتبادل خبراتهم حول التربية والتعرف على سلالات جديدة قد يرغب البعض في اقتنائها مستقبلا.ولأن التفاصيل الصغيرة تصنع التميز، فقد حرص القائمون على المقهى حسب ما لاحظناه من خلال صفحات المكان على مواقع التواصل، على أن يكون كل شيء فيه مستوحى من عالم القطط، بدءا من الديكور الداخلي والتصاميم الهندسية، وصولا إلى المشروبات والحلويات. فأكواب العصائر الباردة على سبيل المثال زينت بأغطية على شكل أذني القط، والحلويات قدمت بطابع مخالب القطط، وحتى التحليات الباردة صممت بأشكال مستوحاة من هذا الحيوان الأليف. تجعل تفاصيل دقيقة كل من يلج المكان يعيش تجرب حسية وبصرية مع هذه الحيوانات كما عبر صاحب المشروع، وهو ما يضمن وفاء الزبائن وعودتهم مجددا إلى المقهى لتكرار التجربة أو مشاركتها مع شخص آخر. وقد بينت التعليقات على حسابات المقصى الصور والفيديوهات التي تنشر عبرها، عن استحسان كبيرة للفكرة، ورغبة أشخاص في تعميمها لتمس ولايات أخرى، كما اقترح البعض أن تتوفر في المكان حيوانات مختلفة أبرزها العصافير والكلاب والأسماك.
ولأن القطط هي النجوم الحقيقية في المكان، فقد وضع صاحب المقهى جملة من الشروط لحمايتها وضمان راحتها، أبرزها منع تصويرها بالفلاش لتفادي توترها، وعدم حملها بالقوة أو إيقاظها أثناء نومها لما لذلك من أهمية على صحتها، كما منع على الزبائن إطعامها وخصص لها غذاء مناسبا، مشددا على ضرورة إشراف الأولياء على أطفالهم عند الاقتراب من القطط حفاظا على سلامة الطرفين.أما الإجراءات الصحية، فتتمثل في تعقيم اليدين قبل وبعد ملامسة القطط كشرط أساسي.
فضــاء يحمــل جانبــــا إنسانيـــا تجاه القطــط
وحسبما أوضحه الشاب نور الدين، فإن الهدف الأساسي من المشروع يتمثل في إضافة لمسة جديدة ومختلفة في الجزائر، وخلق فضاء يجمع بين محبي القطط وعشاق القهوة في أجواء مميزو وفريدة.كما أضاف المتحدث، بأن المشروع لا يقتصر على كونه ترفيهيا وتجاريا فقط، بل يحمل أيضا جانبا إنسانيا يتمثل في العناية بالقطط وتوفير بيئة آمنة لها.وعن اختياره للعاصمة بالذات كعنوان للمشروع، أوضح المتحدث بأنه اختارها لتحتضن أول فرع حتى يتسنى له تنظيم ومتابعة العمل عن قرب، مشيرا في ذات السياق، إلى خططه المستقبلية المتمثلة في التوسع وفتح فروع أخرى عبر ولايات الجزائر. وأضاف المتحدث، أن ما يميز « هاي كات كوفي شوب» عن باقي المقاهي هو أنه ليس مجرد مكان لتناول القهوة، بل تجربة كاملة صنعت بشغف، مع توفر مشروبات ووصفات جديدة ليست منتشرة بعد في السوق المحلية.
وأوضح نور الدين، أن جميع القطط محصنة ضد الفيروسات، وهي من سلالات نقية مستوردة، كما قال يهتم بصحة الزبون من خلال الوقوف على صحة ونظافة القطط وتعقيمها يوميا. مضيفا أنه يتعامل مع طبيب بيطري أسبوعيا لأجل الفحص والمتابعة. كما يحرص كذلك على سلامة القطط من خلال توجيه زبائن المحل لغسل أيديهم قبل لمس الحيوان لأنها كائنات حساسة، كما وضع حسبما أوضح، عدة قواعد للتعامل معها لضمان راحتها من جهة وسلامة الزوار من جهة ثانية. وحسبما قاله الشاب، فإن التبني بالمحل ممكن لكن بشروط دقيقة، حيث لا يمكن إدخال أي قط عشوائي بل يجب أن يكون منسجما مع المجموعة الموجودة. وقال إن المقهى عرف ردودا رائعة ومرحبة منذ افتتاحه، حيث استقبل الناس الفكرة بحب كبير، موضحا بأن أكثر الفئات إقبالا عليه هم الطلبة والعائلات، ومحبو القطط بشكل عام. ولم تصادف الشاب أي تحديات عند فتح المشروع لأن الفكرة مدروسة من جميع النواحي كما علق. وعن خططه المستقبلية أوضح، بأنه يطمح لتوسيع الفضاء وفتح فروع في ولايات مختلفة، إضافة إلى تنظيم فعاليات خاصة وربما شراكات مع جمعيات الرفق بالحيوان.
وأضاف المتحدث، أن وجود قطط في المحل يخلق نوعا من الراحة النفسية، فانطلاقا من تجربته الشخصية كان يشعر بالطمأنينة عند زيارته لمطاعم ومقاهي في بلدان أجنبية فيها حيوانات أليفة، كما أنه بعد فتحه للمقهى بالجزائر، تأكد من فعالية مشروعه لأن ردود الفعل كانت إيجابية جدا، وكلمة سعادة رافقت كل الرسائل و التعليقات التي تلقاها منذ بداية العمل.
لينة دلول
في أحد أحياء قسنطينة، بدأت حكاية من مطبخ صغير يجمع شغف الزوجين حمزة مريم، بابتكار وصفات صحية مستمدة في الطبيعة تكون لذيذة وخالية من السكر الأبيض المكرر والإضافات الصناعية، هو تحديدا ما دفعهما للعودة إلى المطبخ التقليدي و اعتماد بعض تقنيات التجفيف القديمة لإنتاج أطعمة صديقة للصحة.قابلتهما النصر، مؤخرا خلال معرض للصناعات التقليدية بقصر الحاج أحمد باي، أين حققت منتجاتهما الاستقطاب و النجاح والإشادة، فقالا إن الفكرة لم تكن وليدة الصدفة، بل نتاج تجربة شخصية خاضها الزوجان حين أدركا أن السكر العادي لم يعد مجرد مكوّن بسيط في حياتهما، بل صار خطرا يهدد صحة أطفالهما وكل من يحبّان وقد علقا على الأمر قائلين: «كنا نستهلك السكر بشكل يومي لكن مع الوقت ومع ازدياد الحديث عن أضراره بدأنا نعيد التفكير في نمط حياتنا بعدما أدركنا أننا ندمنه بشكل كبير». وتضيف مريم : «أردنا أن نحدث فرقا في حياتنا وحياة الناس من حولنا فبدأنا نبحث عن بدائل طبيعية وآمنة». وقد أدكت المتحدثة، أنهما درسنا المشروع لأكثر من أربع سنوات قبل أن ينطلقا في تجسيده منذ سنة تقريبا.
منتجات من قلب الطبيعة
تعتمد المنتجات التي يقدمها الشابان بشكل أساسي على الفواكه الطبيعية التي يتم تجفيفها، وتحتوي أيضا على الشوكولاطة الداكنة، والمكسرات، مع لمسة من الابتكار الناتج عن البحث المتواصل في مجال الغذاء. كانت البداية حسب محدثينا مع « فرويتيلا» وهو أول منتج لهما، يتمثل في حلوى طبيعية 100% مصنوعة من أجود أنواع الفواكه، دون أي سكر مضاف. قالا لنا، إن عملية التصنيع تبدأ باختيار الثمار بعناية من متعاملين موثوقين، ثم تُجفف طبيعيًا وتُحوّل إلى قطع حلوى طبيعية تضاف إليها مكونات طبيعية أبرزها بذور الشيا.«يوضح حمزة :» نعيد الوصفة مرات ومرات حتى نصل إلى منتج نرضى عنه تمامًا، فالجودة عندنا ليست مجرد شعار بل مبدأ».
ولم يتوقف الزوجان عند هذا الحد، بل سرعان ما وسعا خط الإنتاج ليشمل نوعين جديدين من الحلوى، منها قطع مشكلة من الفواكه المجففة والمكسرات، مغلفة بشوكولاطة داكنة تحتوي على 90% من الكاكاو، وخالية تمامًا من السكر، إلى جانب ألواح شوكولاطة مصنوعة من الكاكاو النقي والمحلاة بالفواكه المجففة، دون أي مواد محلية صناعية أو سكر . وقالا، إنهما يضيفان بذور الشيا لبعض المنتجات لما لها من قيمة غذائية عالية، حيث أوضحت مريم :» نحن لا نقدم حلوى فقط، بل نقدم وجبة صغيرة مغذية وآمنة».
أكثر من مجرد حلوى
ومن الجوانب المميزة في منتجاتهما هي الطريق المتعددة لاستعمال الفواكه المجففة، وبهذا الخصوص قال حمزة: « يمكنك ببساطة وضعها في ماء ساخن وستحصل على شاي طبيعي بنكهة فريدة وفوائد صحية لا تحصى»،.
وتحدث الزوجان من جهة ثانية، على التحديات التي واجهتهما لإقناع الزبائن بمنتجاتهما، والتي شكلت مقابل ذلك دافعا للاستمرار وبلوغ نجاح نسبي.وأكثر ما واجه الزوجين من صعوبات كما أوضحا، كان الحصول على المواد الأولية بالجودة التي يطمحان إليها قالا: كانت المهمة صعبة لأن جودة المادة الأولية تحدد جودة المنتج النهائي، مع ذلك لم نستسلم بل اعتبرناها تحديات تحفّزنا على الاستمرار». إلى جانب ذلك، كان من الصعب كسب ثقة المستهلك الجزائري، خصوصا وأن ثقافة الأكل الصحي حديثة الانتشار ولم تبلغ بعد مرحلة كبيرة، لكنهما مع ذلك يعولان كثيرا على الصحوة التي حدثت في السنوات الأخيرة لتوسيع مشروعهما أكثر.وقد علق الشابان :»نريد أن نصل إلى كل بيت جزائري، ونقترح بدائل طبيعية فعلاً وليس مجرد شعارات». مؤكدا أنهما سعيدان جدا بما حققاه لحد الآن لأن ما بدأ كحلم شخصي تحول إلى مشروع بحمل فوائد كبير على الصحة، وشعارهما في رحلتهما للتغيير هو أن الأكل الصحي ليس حرمانًا بل أسلوب حياة، وأن الجمع بين المذاق اللذيذ والفائدة الصحية ليس مستحيلا. عبد الغاني بوالودنين