جهل القانون قد يحول مطالب مشروعة إلى ..جرائم وإرهاب
لدراسة الإعتداء على الطريق العام من الناحية القانونية يجب التطرق إلى مجموعة من النقاط والأفكار لإحاطة الظاهرة بكل ما أورده المشرع من حماية للطريق العمومي في مختلف المحطات القانونية .
استفحلت في السنوات الأخيرة ظاهرة قطع الطرق العمومية على خلفية مطالب اجتماعية كالمطالبة بالسكن والشغل والإنارة وفك العزلة ... وأحيانا سياسية كالمطالبة بتنحية مسؤول محلي ما ، أو الضغط عليه للحيلولة دون تنفيذ قرار ما ... إلخ . يتم اللجوء في الغالب إلى قطع الطريق عندما لا يفي الإضراب أو الإحتجاج المرخص أو الإحتجاج السلمي بالغاية المرجوة أو لا تتم الإستجابة الطوعية للمطالب المرفوعة ، فهل ظاهرة قطع الطريق عمل مباح ومشروع أم أنها تنطوي على أوصاف إجرامية يعاقب عليها القانون ؟ .
في البداية يجب الإشارة إلى أن حرية التعبير تضمنها المادة 41 من الدستور. والتي تنص على ما يلي : " حرية التعبير، وإنشاء الجمعيات ، والإجتماع مضمونة للمواطن ".
رغم أن حرية التعبير مضمونة ، ورغم أن الإضراب حق من الحقوق المشروعة ، طبعا طبقا للشروط والإجراءات القانونية ، إلا أن اللجوء إلى قطع الطرق في إطار التعبير عن وجهة نظر ما أو لإيصال مطلب يصطدم دوما مع حرية الآخرين ويمس في الأساس بالنظام العام الذي يحميه القانون بكافة الوسائل المشروعة . لأن الطرق العامة لا تخص مجموعة دون أخرى أو حي أو قبيلة أو قرية وإنما هو ملك للعامة . فحرية التنقل حق دستوري مضمون للجميع ولا يمكن الإعتراض عليه إلا بموجب قانون .
عرف المشرع الجزائري الطريق العمومي بنصه على معاقبة السرقة في الطريق العام . حيث نصت المادة 360 من قانون العقوبات على ما يلي : تعتبر طرقا عمومية الطرق والمسالك والدروب وكافة الأماكن الأخرى المخصصة لإستعمال الجمهور والواقعة خارج مجموعات المساكن والتي يجوز لأي فرد أن يمر بها بحرية في أية ساعة من ساعات النهار أو الليل دون إعتراض قانوني من أي كان .
وقد جاء تعريف الطريق العام بهذه المادة بسبب أن قانون العقوبات الجزائري شدد على عقوبة السرقة عندما يرتكبها الجاني في الطريق العمومي ، وذلك إعتراف من المشرع بأن المساس بالطريق العمومي مساس بمصلحة عامة مقدسة ومن الأهمية بمكان . فالعقوبة السالبة للحرية في السرقة البسيطة مثلا " المادة 350 من قانون العقوبات " هي الحبس من سنة إلى خمس سنوات ، إلا أنها إذا أرتكبت بالطريق العمومي تصبح الحبس من خمس إلى عشر سنوات المادة " 352 من نفس القانون " .
نحاول إعطاء مفهوم لقطع الطريق العمومي في إطار الظاهرة محل الدراسة لأن مفهوم قطع الطريق قد يأخذ مفاهيم أخرى لاسيما إذا كان قطع الطريق هدفه الأول والمباشر هو إرتكاب أو محاولة إرتكاب جرائم ضد النفس أو المال أو إرهاب مرتادي الطريق وإبتزازهم وترويعهم ...
يقصد بقطع الطريق قيام مجموعة من الأشخاص بغلق الطريق العمومي للإحتجاج بهدف الضغط على السلطات العمومية قصد الإستجابة لمطالب أو إنشغالات أو منافع يعتقدون أنها مشروعة وأن المطالبة بغير هذا الطريق لا تحقق مطالبهم أو تأتي بالنتيجة المرجوة .
ككل الجرائم تقوم جريمة قطع الطريق على أركان ثلاثة :
تنص المادة الأولى من قانون العقوبات على ما يلي " لا جريمة ولا عقوبة ولا تدابير أمن بغير قانون " . ومن ثمة فأصل الأعمال الإباحة ما لم يحد القانون منها بنص خاص ، ويطبق النص مباشرة على الفعل اللاحق لصدوره ولا يمكن تطبيقه بأثر رجعي إلا إذا كان في ذلك مصلحة للجاني .
وعليه فقد حصر المشرع الجزائري مصدر تجريم ظاهرة قطع الطريق في قانون العقوبات بالقسم الثامن تحت عنوان الهدم والتخريب والأضرار التي تنتج عن تحويل اتجاه وسائل النقل حيث نصت المادة 408 منه على ما يلي " كل من وضع شيئا في طريق أو ممر عمومي من شأنه أن يعوق (يعيق) سير المركبات ، أو إستعمل أي وسيلة لعرقلة سيرها وكان ذلك بقصد التسبب في إرتكاب حادث أو عرقلة المرور أو إعاقته ، يعاقب بالسجن المؤقت من خمسة 05 سنوات إلى عشر 10 سنوات وبغرامة من 500.000 دج إلى 1.000.000 دج" .
وإذا نتج عن الجريمة المنصوص عليها في الفقرة السابقة إزهاق روح إنسان يعاقب الجاني بالسجن المؤبد . وإذا نتج عن هذه الجريمة جروح أو عاهة مستديمة للغير فإن العقوبة تكون السجن المؤقت من عشر 10 إلى عشرين 20 سنة والغرامة من 1.000.000 دج إلى 2.000.000 دج .
ونشير إلى أن المشرع الجزائري إستدرك بالتعديل لقانون العقوبات في سنة 2006 أين أضاف عقوبة الغرامة إلى جانب العقوبة السالبة للحرية .
المادة الأولى من قانون العقوبات تنص : " لا جريمة ولا عقوبة ولا تدابير أمن بغير قانون "
طبقا لأحكام المادة 05 من قانون العقوبات فإن الجريمة تأخذ وصف الجناية والتي تنص على ما يلي " العقوبات الأصلية في مادة الجنايات هي الإعدام والسجن المؤبد والسجن المؤقت لمدة تتراوح بين خمس سنوات وعشرين سنة " .
والعقوبات الأصلية في مادة الجنح هي الحبس مدة تتجاوز شهرين إلى خمس سنوات ماعدا الحالات التي يقرر فيها القانون حدودا أخرى ، والغرامة التي تتجاوز 20.000 دج .
العقوبات الأصلية في مادة المخالفات هي الحبس من يوم واحد على الأقل إلى شهرين على الأكثر والغرامة من 2000 دج الى 20.000 دج .
توافر فعل يمثل السلوك الإجرامي كوضع أشياء على الطريق العام لعرقلة حركة المرور أو استعمال أي تصرف من شأنه إعاقة سير المركبات .
يتمثل في ثبوت قدرة الشخص على فهم الفعل المرتكب وحرية إرادته وانصرافها لإلحاق الأذى بمصلحة يحميها القانون . وبذلك يقتضي قيام الركن المعنوي توفر عنصرين :
الأول : تجاه إرادة الجاني لإرتكاب الجريمة .
والثاني : علمه بماديات الجريمة و أن الفعل المقدم عليه ممنوعا قانونا أو يفترض علمه به .
دائما في إطار ما أفرده القانون الجزائري من حماية للطريق العام فقد تطرق المشرع الجزائري إلى فعل التجمهر في الفصل الثاني من الباب الأول بعنوان الجنايات و الجنح ضد الشيء العمومي ، حيث نصت المادة 97 من قانون العقوبات على ما يلي " يحظر إرتكاب الأفعال الآتية في الطريق العام أو في مكان عمومي " :
01) التجمهر المسلح
02) التجمهر غير المسلح الذي من شأنه الإخلال بالهدوء العمومي .
ويعتبر التجمهر مسلحا إذا كان أحد الأفراد الذين يكونونه يحمل سلاحا ظاهرا أو إذا كان عدد منهم يحمل أسلحة مخبأة أو أية أشياء ظاهرة أو مخبأة أستعملت وأستحضرت لإستعمالها كأسلحة .
يجوز لممثلي القوة العمومية الذين يطلبون لتفريق التجمهر أو للعمل على تنفيذ القانون أو تنفيذ حكم وأمر قضائي إستعمال القوة إذا وقعت عليهم أعمال عنف أو إعتداء مادي أو إذا لم يمكنهم الدفاع عن الأرض التي يحتلونها أو المراكز التي أوكلت إليهم بغير هذه الوسيلة .
وفي الحالات الأخرى يكون تفريق التجمهر بالقوة بعد أن يقوم الوالي أو رئيس الدائرة أو رئيس المجلس الشعبي البلدي أو أحد نوابه أو محافظ الشرطة أو أي ضابط آخر من الضبط القضائي ممن يحمل شارات وظيفته بما يأتي :
1 ـ إعلان وجوده بإشارة صوتية أو ضوئية من شأنها إنذار الأفراد الذين يقومون بالتجمهر إنذارا فعالا .
2 ـ التنبيه على الأشخاص الذين يشتركون في التجمهر بالتفرق وذلك بواسطة مكبر للصوت أو بإستعمال إشارات صوتية أو ضوئية من شأنها أيضا إنذار الأفراد المكونين للتجمهر إنذارا فعالا .
3 ـ توجيه تنبيه ثان بنفس الطريقة إذا لم يؤد التنبيه الأول إلى نتيجة .
و تنص المادة 98 من قانون العقوبات على ما يلي : " يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنة كل شخص غير مسلح كان في تجمهر مسلح أو غير مسلح ولم يتركه بعد أول تنبيه .
ويكون الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات إذا إستمر الشخص غير المسلح في تجمهر مسلح لم يتفرق إلا بإستعمال القوة ، ويجوز أن يعاقب الأشخاص المحكوم عليهم بالحرمان من الحقوق المبين في المادة 14 من هذا القانون" .
وتنص المادة 99 من نفس القانون : " يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات كل من وجد يحمل سلاحا ظاهرا أو مخبأ أو أشياء ظاهرة أو مخبأة أستعملت أو أستحضرت لإستعمالها كأسلحة وذلك في تجمهر أو أثناء تظاهر أو بمناسبته أو أثناء إجتماع أو بمناسبته وذلك بغير إخلال بعقوبات أشد عند الاقتضاء .ويكون الحبس من سنة إلى خمس سنوات إذا كان تفريق التجمهر قد تم بالقوة " .
ويجوز أن يعاقب الأشخاص المحكوم عليهم ، بالحرمان من الحقوق المبينة في المادة 14 من هذا القانون وبالمنع من الإقامة .
ويجوز القضاء بمنع أي أجنبي قضى بإدانته في إحدى الجنح المنصوص عليها في هذه المادة من دخول أراضي الوطن .
وتنص المادة 100 من نفس القانون ( القانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر سنة 2006 ) : " كل تحريض مباشر على التجمهر غير المسلح سواء بخطب تلقى علنا أو بكتابات أو مطبوعات تعلق أو توزع يعاقب عليه بالحبس من شهرين إلى سنة إذا نتج عنه حدوث أثره ، وتكون العقوبة الحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وبغرامة من 20.000 إلى 100.000 دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين في الحالة العكسية .
كل تحريض مباشر بنفس الوسائل على التجمهر المسلح يعاقب عليه بالحبس من سنة إلى خمس سنوات إذا نتج عنه حدوث أثره . وتكون العقوبة الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة وبغرامة من 20.000 إلى 100.000 دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين في الحالة العكسية .
تكريسا لأهمية الطريق العامة وحماية لحرية التنقل دون عراقيل أورد المشرع الجزائري حماية أخرى للطريق العام بعنوان المخالفات المتعلقة بالطرق وهو ما نصت عليه المادة 444 مكرر : ( القانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر سنة 2006 ) يعاقب بغرامة من 8.000 إلى 16.000 دج كما يجوز أن يعاقب بالحبس من عشرة أيام إلى شهرين ، كل من يعيق الطريق العام كأن يضع أو يترك فيها دون ضرورة مواد أو أشياء ، كيفما كانت من شأنها أن تمنع أو تنقض من حرية المرور أو تجعل المرور غير مأمون .
ويتضح من خلال العقوبة المقرة لهذه الأفعال بأن الوقائع تأخذ وصف المخالفة إستنادا إلى أحكام المادة 05 من قانون العقوبات السالفة الذكر . والملاحظ هنا بأن الجريمة تقوم في حق الجاني متى ثبت الركن المادي لها بغض النظر عن دوافع التصرف لأن العرقلة تمون بوضع الشيء المعرقل بالمكان دون ضرورة شرعية .
كما نصت المادة 451 من قانون العقوبات تحت عنوان المخالفات المتعلقة بالنظام العمومي بالفقرة 09 على : " يعاقب بغرامة من 6000 دج إلى 12.000 دج ويجوز أن يعاقب أيضا بالحبس لمدة 05 أيام على الأكثر :
الفقرة 09 كل من قدم أو باع أو عرض للبيع بضائع في أماكن عمومية مخالفا بذلك اللوائح التنظيمية للشرطة في هذه الأماكن دون الحصول على إذن أو تصريح قانوني .
كما تنص المادة 452 من نفس القانون على مصادرة البضائع المقدمة أو الموضوعة أو المعروضة للبيع في الأماكن العمومية والمخالفة للوائح التنظيمية للشرطة في هذه الأماكن .
أشير في الأخير إلى أن المساس بالطريق العام من خلال عرقلة حركة المرور أو حرية التنقل فيه والتجمهر أو الإعتصام في الساحات العمومية يمكن أن يأخذ وصف العمل الإرهابي إذا كان الفعل يستهدف أمن الدولة أو الوحدة الوطنية أو السلامة الترابية أو إستقرار المؤسسات وسيرها العادي وهو ما نصت عليه أحكام المادة 87 مكرر من قانون العقوبات بموجب الأمر رقم 95/11 المؤرخ في 25/02/1995 تحت عنوان الجرائم الموصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية .
لذلك فإنه لحماية الطريق والمكان العمومي عامة حاول المشرع الجزائي وضع نصوص قانونية متميزة أخذت أوصافا متباينة من الجناية إلى الجنحة إلى المخالفة ، وبذلك يأخذ كل فعل إجرامي التكييف القانوني المناسب له ، وإن تشابهت الأوصاف فإن قانون العقوبات أورد الحل لذلك بأحكام المادة 32 منه بعنوان تعدد الجرائم والتي نصت على ما يلي : " يجب أن يوصف الفعل الواحد الذي يحتمل عدة أوصاف بالوصف الأشد من بينها ".
قد تبدو فجوة التأثر الطبيعي التي شهدتها مباشرة بعد العملية الإرهابية لا نهاية لها خاصة بالنسبة للأقارب المعنيين . لكن أمام التصرفات التي بررتها تلك الحادثة ننتظر أن تتوقف مواصلتها ليترك المجال لموقف أخر مبني على اعتبارات مدعمة بالحجج الموثقة و النظرة المبتعدة عن الانفعال الذاتي.
واقعة 7 جانفي 2015 لن ولم تكن إعادة أو حلقة أخرى لأحداث 11 سبتمبر 2011 كما فهمناها ، حين تسرعت السلطات الفرنسية لاعتماد هذه الفكرة. إن الضحايا الإثني عشر من طاقم تحرير جريدة (شارلي ايبدو) جريمة غير قابلة للتبرير على الإطلاق ولا يمكن مقارنتها بآلاف الضحايا لـ (والد طراد سانتر) .كما لا يمكن مقارنة سيارة (ستروان) للأخوين كواشي بالطائرات التي حطمت بكل برودة البرجين التوأمين بمدينة نيويورك. فالسنوات التي تلت هجوم 11سبتمبر 2001 كرست بعده الجيوسياسي من خلال اتخاذ قانون (الباتريوت اكت) و خوضالحرب الثانية للخليج و فتح معسكر قوانتنامو و اللجوء إلى التعذيب المنظم بأبو غريب و فتح السجون السرية لوكالة المخابرات ''سي أي إي'' بأوربا وأماكن أخرى وما كان كل هذا إلا الجزء الظاهر لهذا البعد الاستراتيجي . الجدير بالملاحظة في هذا الشأن أن الولايات المتحدة الأمريكية اضطرت إلى العودة إلى أفغانستان لتقاتل الجماعات التي سلحتها وكونتها هي نفسها بضعة سنين من قبل.
ليس من الغريب أن تلجأ الحكومة الفرنسية إلى استدراك مسرحية الوحدة الوطنية أو تمثلية الدفاع عن الجمهورية لكي تبعد النظر عما تواجهه من وضع مقلق للغاية يسوده الإرهاق الاقتصادي وفقدان متواصل لمساندة الرأي العام لكن هذا لا يعني بالضرورة الخضوع لهذا الحل كالتزامظرفي.
ما يستوقف الجميع ليس التفاف فرنسا حول قيمها الوطنية (وأي قيم يا ترى ؟) بل يتعلق الأمر بدولة يعرف عنها أنها في مقدمة عظماء المعمورة مزعزعة في أسسها حسب ما ورد في تصريحات الناطقين الرسميين لها ، و فعلا هزها الهلع من جراء عملية إرهابية لا غبار عليها بحي من أحياء العاصمة ثم تلاها مباشرة اختطاف رهائن . و الواضح أن القضية داخلية بامتياز . وراء هذا العمل الإجرامي ثلاثة فرنسيين وهذا لا شك فيه ، و لو أن التحفظ مطلوب حين يكون التحقيق متواصلا .
الفارق بين الاستغلال السياسي للحدث وتناوله الإعلامي من جهة ، والحدث كما ورد في الشهادات مع تصريحات ممثلي العدالة من جهة أخرى يستوقفنا . تخطر ببالنا كثير من الملاحظات و البعض منها يثير الضحك لما نراه حين يربط المحللون والمعلقون الحدث بأسطورة فرنسا 1789 و مشهد مسيرة 11 جانفي 2015 و ما كشفته ... نلاحظ سيطرته على نفوس العامة بسحر إخراجه المنظم الذي سهر على جمع مختلف رموز إرهاب الدولة في الخط الأمامي كأن الرسالة تزعم أن الأمر يتعلق بصراع دولي ضد الإرهاب ومن خلف هذا التهريج الدرامي المقصود هو استهداف صورة الإسلام . وبالتأكيد شاهدنا أكثر عدد من المتظاهرين يتشبهون ب شخصية ‘’شارلو’’ عوض ‘’شارلي’’ في ذلك اليوم بين ساحتي "لاريبوبليك" و "ناسيون".
على الضفة الأخرى للمتوسط ، فإن الأحداث المأساوية التي عرفتها مدينة باريس لم تترك الذاكرة والجروح القديمة ساكنة خاصة وإن الإرهاب كان عندنا منظما وممولا ومدعما لاستهداف الأسس الجمهورية للدولة الجزائرية . وأن باريس وواشنطن وعواصم أوروبية أخرى كانت حينئذ تراهن على سقوطها وهذا ليس تعبيرا مجازيا.
نلاحظ اليوم وبدون تفاجأ أن شرذمة من الفرنسيين الجدد يهرولون داعين الجزائريين إلى نصرة ''شارلي'' مع منعهم في الحق وحتى في واجب النقد الضروري والشرعي كجزء لا يتجزأ من الحريات الجماعية التي يتبناها اليوم من هب ودب.
من كان بالأمس يجد في مجلة "هاراكيري" الهزلية ثم في قرينتها "شارلي إيبدو" الحس الثقافي لليسار الفرنسي المبني على الفكر اللاسلطوي المضاد للكنيسة وللعكرة و المتمسك بالنضال السلمي في أغلب الأحيان يصعب عليه اليوم أن يرى في كاريكاتير الرسول عليه السلام المنقولة من السابقة الدنماركية مبررا فرنسيا واضحا لان هذا الفعل الكره يعود في أحسن الحالات إلى اعتبارات تجارية أو في أسوئها يشاطر الخطب العنصرية والكراهية التي تروج اليوم في وسائل الإعلام و في الفضاء العمومي الفرنسي.
إن الأيادي الخفية المستغلة للحدث مصيرها النهائي كشف حقيقتها .كذلك بالنسبة للتوظيف المتعدد الأشكال الذي لوحظ أثناء المناقشة المتلفزة والمروجة في صفحات العدد الأخير لجريدة (شارلي ايبدو) . وبعد تهدئة الأجواء سيبقى نفس القارئ مقتنعا أن الرسم الكاريكاتوري الذي أمضاه الصحفي " لوز" والمسيء إلى الرسول عليه السلام يعطي دليلا آخر عن حرية التعبير عندهم ؟.
من ارتكبوا هذا التجاوز بغطاء ضمانات نسبية تحميهم من المتابعة لا يستطيعون استدراك الثمن الباهظ الذي دفعه من كان محروما طيلة سنين من أي حماية وهم اليوم يستنجدون و بدون حياء بتذكير ما عانت منه الصحافة الجزائرية .
عليهم أن يعلموا أننا لا نستطيع ولن نكون بجانبهم في مكافحة التطرف وأعماله الإرهابية التي تستهدف قبل كل شيء إحدى الديانات السماوية .
التاريخ يعلمنا إذا رجعنا إلى مراحله المتتالية أن الدولة الفرنسية هي التي هاجمت طويلا الإسلام حتى في دياره كما حدث بالجزائر . والدكاترة الجدد المختصين في العلمانية عليهم أن يدركوا أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين هي التي أوصلت الرسالة أمام تجاهل الأمر من قبل الجمهورية الفرنسية طيلة 132 سنة من محاولات طمس و نفي شخصيتهم .
المفارقة أن الجزائر بقيت رهينة لتاريخها الكولونيالي نظرا للتقارب الجغرافي مع المجتمع الفرنسي . بل وليس لهذا السبب فقط ، لأن جزء ا كبيرا ممن يسمون "مسلمو فرنسا" هم من أصل جزائري أما صدى النقاش الفرانكو-فرنسي فيبقى مركزا على قضايا الهوية ولهذا السبب يأخذ حتما بعدا بارزا .
في الجزائر كانت آثار العدد الأخير لجريدة (شارلي ايبدو) مضرة أكثر لأنها أعطىت فرصة إضافية لبقايا الإرهاب فوجدت الفرصة أيادي خفية أخرى لتتحرك من جديد.
فهل علينا أن نبقى الضحية الجانبية للفشل الفرنسي ذي المدى الطويل ، بإسم تصور مبهم لحرية التعبير أو على الأقل قابل للنقاش ؟ .
إن واجب الصداقة ، وخاصة نحو الفرنسيين الذين ساندوا بالأمس القضية الجزائرية والذين يقفون اليوم بجانب مطلب المساواة في الحقوق يفرض علينا أن نقول لهم لا تخطئوا في القضية اليوم و يجب أن لا يؤدي بكم التأثر إلى فقدان الرؤية .
الجرائم البشعة ليوم 7 جانفي الماضي كانت قبل كل شيء جرائم فرنسية . ارتكبت في مقاطعة بالعاصمة الفرنسية . وضحاياها فرنسيون . فلا داعي إذن للوقوف على صرخة التكبير التي لا تكلف الإسلام في شيء ولا مقوماته وحضارته الطويلة والثرية.
إن الغطاء الإيديولوجي للتيار الاسلاموي الراديكالي المرفوض بإجماع مطلق لا يمنع من معاينة " الابارتايد" في شكله الفرنسي الذي منح تأشيرة للناطق باسم اليسار المتطرف الفرنسي بمقارنة المؤمنين المسلمين بالاحتلال النازي.
يرددون عبارات ''الطائفية'' و ''الأحياء'' و "البانليو" و ''الشغب'' وفي كل الحالات يقصدون بدون حجة نفس المتهمين . ثم نستغرب عندما نسمع من أفواه كبار المسؤولين الفرنسيين نفس التهمة أي ''الجهادية'' و ''الاسلاموية'' متناسين السؤال الأهم : لماذا وكيف يقدم شبان فرنسيون ، ولدوا بفرنسا وكبروا وتعلموا بفرنسا على اللجوء إلى لغة العنف بفرنسا وحتى خارج حدودها ؟.
النخب الفرنسية والنخب السياسية بالدرجة الأولى فائدتها كبيرة في الخروج من التصورات الإعلامية المزيفة .عليها أن تنظر إلى بلدها بنظرة صريحة وأن تترك الرغبة الوهمية في إعادة حرب الجزائر.
في انتظار ذلك ، فإن موقف المسؤولين الفرنسيين والإجراءات المعلن عنها قد لا تبلغ أهدافها وتحقق مراميها في الضفة التي نعيش فيها ، ولن تزيد إلا في إثارة الذكريات المؤلمة التي ترجع بنا إلى ذلك الزمن حين كان كل جزائري '' فلاقه '' مشتبه فيه وبالإمكان تصفيته بدون متابعة .
إثر الهجوم الإرهابي على "شارلي إيبدو" الذي أدى إلى مصرع 12 شخصا من ضمنهم رئيس التحرير وأربعة رسامين، ومقتل أربعة يهود في متجر منتجات يهودية بعد ذلك بقليل، أعلن رئيس الوزراء الفرنسي مانوال فالس "حربا ضد الإرهاب وضد الجهاد وضد الإسلام المتشدد، وضدّ كل شيء يمكن أن يهدد الأخوّة والحرية والتضامن."
وتظاهر الملايين من البشر تنديدا بوحشية ضخّمتها جوقة رعب تحت شعار "أنا شارلي." وكانت هناك تصريحات بليغة تلخّص ذلك الغضب صدرت عن زعيم حزب العمل الإسرائيلي والمنافس الرئيس على الفوز بالانتخابات المقبلة والتي قال فيها "الإرهاب هو الإرهاب. ليس هناك طريقتان لتعريفه...وكل الأمم الراغبة في السلام والحرية (تواجه) تحديا هائلا" من العنف الوحشي.
كما أثارت الجريمة سيلا من التعليقات التي بحثت في جذور هذه الاعتداءات الصادمة داخل الثقافة الإسلامية وفتحت نقاشات حول استكشاف سبل لمواجهة موجة القتل التي ينفذها الإرهاب الإسلامي من دون التضحية بقيمنا. ووصفت "نيويورك تايمز" الهجوم "بصدام حضارات" لكن تم تصحيح ذلك من قبل كاتب العمود في "تايمز" أناند جيريذاراداس الذي غرّد قائلا "لم يكن الأمر يتعلق ولن يكون بحرب حضارات أو بينها. ولكنها حرب من أجل الحضارة ضد مجموعات تقف على الطرف الآخر من الخط."
ووصف مراسل الشؤون الأوروبية المخضرم ستيفن إيرلنجر بشكل واضح اليوم العصيب الذي عاشته باريس قائلا "يوم من الصفارات والمروحيات في الجو ونشرات الأخبار المحمومة وحملات الطوق البوليسية والحشود المتأهبة، وعمليات إخراج الأطفال الصغار من مدارسهم من أجل سلامتهم. كان يوما، مثل سابقيه الاثنين، من الدم والرعب في باريس وحولها." كما نقل عن صحفي كان من الناجين من الهجوم قوله إن الأمر كان شبيها بالكابوس. كما نقل آخر وقوع "انفجار كبير وأن كل شيء أصبح مظلما."
لكن هذه التصريحات الأخيرة، مثلما يذكّرنا الصحفي المستقل ديفيد بيترسون- ليست من جانفي 2015، ولكنها من تحقيق قام به إيرلنجر في 24 أفريل 1999، حظي باهتمام أقل، وذلك عندما كان ينقل هجوما "صاروخيا من قوات الأطلسي على مقر التلفزيون الصربي والذي قطع الإرسال عن الراديو والتلفزيون الرسميين" وأدى أيضا إلى مقتل 16 شخصا. وأضاف أنّ "الناتو والمسؤولين الأمريكيين دافعوا عن الهجوم معتبرين إياه جهدا للتقليص من فعالية نظام الرئيس سلوبودان ميلوشيفيتش" وقال المتحدث باسم البنتاغون كينيث بيكون أنّ التلفزيون الصربي كان جزءا من آلة القتل التي يديرها ميلوشيفيتش لا تقل أهمية عن جزئها العسكري."
ساعتها لم تكن صيحات وحشود تتظاهر صارخة "نحن تلفزيون صربيا" كما لم يتم البحث في جذور الهجوم داخل الثقافة المسيحية وتاريخها. وعلى العكس من ذلك فقد أشاردت الصحف بالهجوم وقال المبعوث ليوغوسلافيا الدبلوماسي الأمريكي المعروف ريتشارد هولبروك إن الهجوم الناجح على التلفزيون الصربي مهم بصفة هائلة وهو "على ما أعتقد تطور إيجابي." كما أن هناك أحداثا أخرى لم تدع إلى البحث في جذور تاريخ الغرب وثقافته ومثال ذلك، المجزرة الوحيدة المرعبة والإرهابية التي عرفتها أوروبا والتي نفذها في جويلية 2011 المسيحي الصهيوني المتطرف والإسلاموفوبي أندرس بريفيك الذي قتل 77 شخصا أغلبهم مراهقون.
وضمن "الحرب على الإرهاب" تم تجاهل أشدّ حملة إرهابية في العصر الحديث والمتمثلة في حملة باراك أوباما للاغتيالات الكونية مستهدفة أشخاصا مشتبه باحتمال أن يرغبوا في إلحاق الضرر بنا يوما ما، مثل الـ50 مدنيا الذين قالت التقارير إنهم قتلوا في قصف قادته الولايات المتحدة في سوريا في ديسمبر ، ولم يتم تناقل الخبر المتعلق بذلك على نطاق واسع .
وفعلا فقد قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بسجن مدير عام التلفزيون الصربي دراغوليوب ميلانوفيتش 10 سنوات لفشله في إخلاء المقر . كما خلصت المحكمة الدولية حول يوغسلافيا إلى أنّ عدد القتلى والمصابين المدنيين أثناء ذلك الهجوم "للأسف كان مرتفعا ولا يبدو متناسبا بشكل واضح."
وتتيح لنا المقارنة بين الحالتين فهما أفضل للهجوم الذي شنّه محامي حقوق الإنسان فلويد أبرامز، الشهير بدفاعه اللامتناهي عن حرية التعبير، على نيويورك تايمز قائلا "هناك أوقات لضبط النفس ولكن وفي الضوء الأكثر عجلة من أكثر اعتداء يهدد الصحافة في الذاكرة الحية (كان يمكن لمحرري صحيفة التايمز) أن يخدموا قضية حرية التعبير بكيفية أفضل من خلال الالتزام بها" من خلال إعادة نشر الرسوم المهينة للرسول محمد والتي كانت دافعا للهجوم.
وأبرامز محق في وصف الهجوم على شارلي إيبدو بكونه "أكبر اعتداء يهدد حرية التعبير في الذاكرة الحية" والسبب في ذلك يتعلق بمفهوم الذاكرة الحية وهي صنف تم صنعه بعناية ليتضمن "جرائمهم ضدنا" وفي نفس الوقت يتم استبعاد "جرائمنا ضدهم" وبدقة، فالأخيرة ليس جرائم وإنما دفاع نبيل على مثلنا العليا، التي تكون في بعض الأحيان عن غير قصد معيبة. وهذا ليس المكان الملائم للبحث فيما تم "الدفاع" عنه عندما تعرض التلفزيون الصربي للهجوم، ولكن مثل هذا البحث هو إعلامي بامتياز.
وهناك عدة صور لهذا الصنف "الجدير بالاهتمام" والذي يطلق عليه "الذاكرة الحية" رسمت إحداها قوات المارينز بالهجوم على مستشفى الفلوجة في نوفمبر 2004، في عملية تعد من أسوأ الجرائم التي تم ارتكابها أثناء الغزو الأمريكي-البريطاني للعراق.
بدأ الهجوم باحتلال مستشفى الفلوجة العام، في جريمة حرب خطيرة بغض الطرف عن الأسلوب. وتم تناقل الهجوم بكيفية واضحة في الصفحة الأولى من نيويورك تايمز، مرفقا بصورة تظهر كيف أن "المرضى وموظفي المستشفى تم إخراجهم بسرعة من الغرف من قبل جنود مدججين بالسلاح وتم أمرهم بالجلوس أو التمدد على الأرض في الوقت الذي كان فيه الجنود بصدد تقييد أياديهم من الخلف."
لقد تم تبرير ذلك الهجوم وما جرى في المستشفى واعتبر قانونيا حيث أنه تمّ أثناءه "إغلاق ما قال الضباط إنه سلاح دعائي بيد المسلحين: مستشفى الفلوجة العام." ومن البديهي القول إنّ الأمر لا يتعلق هنا باعتداء على حرية التعبير كما أنه ليس مؤهلا ليدخل لائحة "الذاكرة الحية."
هناك أسئلة أخرى ينبغي طرحها أيضا. فمن الطبيعي أن يتساءل أحدهم كيف يمكن لفرنسا أن تحمي حرية التعبير ومثل "الأخوة والعدالة والحرية والتضامن" "المقدسة؟"
مثال ذلك، هل اعتمادا على قانون غيسو، الذي يضمن بفعالية للدولة الحق في تحديد ماهية الحقيقة التاريخية ومعاقبة كل من ينحرف عنها؟ وهل أيضا بترحيل أبناء الناجين "الروما" من محرقة الهولوكوست المساكين نحو مصير أكثر مأساوية في أوروبا الشرقية؟ أم بالمعاملة السيئة للمهاجرين من شمال إفريقيا في ضواحي باريس التي شهدت تحول إرهابيي هجوم شارلي إيبدو إلى جهاديين؟ أم عندما طردت شارلي إيبدو رسامها سيني على خلفية تعليق له اعتبر أنّه يتضمن إشارات معادية للسامية؟ وهناك الكثير من الأسئلة الأخرة تطرح نفسها.
وسيلاحظ أي شخص مفتوح العينين وبسرعة أمورا أخرى حرية بالاهتمام. من ضمنها أنّ أولئك الذين يواجهون "تحديا هائلا" بشأن العنف الوحشي هم الفلسطينيون، ومرة أخرى أثناء الاعتداء الآثم على غزة صيف 2014، والذي قتل فيه الكثير من الصحفيين، في بعض الأحيان وهم داخل سيارات نقل صحفيين واضحة، إلى جانب الآلاف من الآخرين، في الوقت الذي تم فيه تقليص السجن المفتوح الذي تديره إسرائيل إلى أنقاض بذرائع تنهار عند أول تجربة.
هناك أيضا حدث آخر تم تجاهله وهو اغتيال ثلاثة صحفيين في أمريكا اللاتينية في ديسمبر مما رفع عدد الضحايا في 2014 إلى 31 قتيلا من بين الصحفيين في تلك المنطقة. ففي هندوراس وحدها لقي أكثر من 10 صحفيين مصرعهم منذ انقلاب 2009 الذي اعترفت به الولايات المتحدة ودول قليلة أخرى، ولكن مرة أخرى لم يتم اعتبار ذلك داخلا في باب الذاكرة الحية.
ولن يكون من الصعب الإسهاب. فهذه الأمثلة القليلة تصوّر مبدأ عاما جدا: بقدر ما نلقي اللوم في الجرائم على الأعداء بقدر ما يكون الغضب وجزاء ذلك من جنس ذلك. وبقدر ما تكون مسؤوليتنا على الجرائم-وبالطبع بقدر ما نعمل على وقفها- سيكون نصيب النزوع إلى التجاهل والتغافل والخشية أقل. وعلى عكس التصريحات الواضحة، فالأمر لا يتعلق "بالإرهاب هو الإرهاب. ليس هناك أسلوبان لتعريفه." هناك بالتأكيد أسلوبان لذلك: ما هو تابع لـ"نحن" وما هو تابع لـ"هم". وليس فقط الإرهاب.
في الجزائر اجماعان سياسيان وشعبيان في آن… اجماع على اصلاح شامل بكل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، فكل من التقيته من سياسيين ومثقفين ومواطنين كان مسكوناً باصلاح وطن حررته ثورة كانت “مفاجأة العروبة لنفسها”.
واجماع على تحصين الجزائر في وجه أي محاولة لاستعادة أجواء ما يُسمى في الجزائر “بالعشرية الدموية السوداء” حيث دفع الجزائريون في تسعينيات القرن الفائت ما لا يقل عن مئة الف شهيد في حرب شنها متطرفون ومارسوا فيها كل البشاعات الاجرامية التي نراها تتصدر المشهد السياسي والامني والاجتماعي اليوم في اكثر من قطر من اقطار الأمة بهدف تفتيت المجتمعات وتدمير الدول وتحطيم الجيوش وابادة الجموع والجماعات والمجموعات التي تخالف القتلة أفكارهم واراءهم وقناعاتهم.
ومما يعزز من هذا الاجماع هو مشاهد النازحين من سوريا وجمهورية مالي الافريقية بفعل حروب مشابهة كالتي عاشتها الجزائر ، فالسوريون موجودون في مخيمات يعانون ما يعانونه، اما الماليون فيفترشون شوارع العاصمة والمدن وبعضهم يتسول لقمة عيشه.
في ظل هذين الاجماعين، اللذين لمستهما في كل لقاء أو ندوة أو ملتقى فكري أو تجمع شهدته الجزائر، وهي تحتفل بالذكرى الستين لثورة التحرير والاستقلال التي انطلقت في الفاتح من نوفمبر عام1954، يدور حراك سياسي بين تيارات واتجاهات فكرية وسياسية واجتماعية لا يخلو من حدّة، في بعض الاحوال، لكن مع اصرار واضح على حماية الدولة من عبث الفتنة، وحماية المجتمع من خطر الاحتراب، وحماية المواطن من شرور التغوّل والفساد والاستبداد والاستئصال والتي باتت لسوء الحظ شروراً متنقلة من بلد إلى آخر، ومن مشهد إلى مشهد آخر.
في ظل هذين الاجماعين، يتلاقى الجزائريون على ان ما شهدوه من صراع دموي في بلادهم لم يكن البتة صراعاً طائفياً حيث ان الاغلبية الساحقة من الجزائريين مسلمة، ولم يكن مذهبياً حيث أغلبية الاغلبية تنتمي إلى المذهب المالكي، كما أن ما سعى ويسعى اعداء الجزائر إلى تغذيته كصراع عنصري بين عرب وامازيغ يسقط امام وعي وطني وثقافة عربية اسلامية ، بل ان ابرز “العروبيين في الجزائر من أصول وقبائل امازيغية” كما إن “الشاوية” وهي اكبر تلك القبائل كانت على الدوام حصناً للوطنية الجزائرية وللعروبة والعربية معاً..
ويؤكد بعض هؤلاء العروبيين – كالمؤرخ البارز الدكتور عثمان سعدي المنتمي إلى أكبر القبائل الامازيغية في العالم- ان الامازيغ هم “نتاج هجرات عربية من الجزيرة العربية، وان اصول لغتهم كنعانية، وان استقبالهم السريع للدعوة الاسلامية ما هو إلا تأكيد على هذه الحقيقة، وان ابطالهم في التاريخ الغابر ما قبل الميلاد هم ابطال مقاومة للهيمنة الرومانية على ما كان يسمى ببلاد “النوميديا”” “وموريطانيا”.
وفي ظل هذين الاجماعين، تبقى قضية فلسطين عموماً، وقضية القدس والاقصى المبارك خصوصاً، هي الجامع الاسطع للجزائريين على اختلاف مشاربهم، معتزين بدور اجدادهم في تحرير القدس تحت لواء صلاح الدين، وبدور قادتهم المعاصرين من المجاهد عبد القادر الجزائري، إلى الشيخين الجليلين عبد الحميد بن باديس والبشير الابراهيمي، إلى اول رئيس لبلادهم بعد الاستقلال الزعيم الراحل احمد بن بله، ثم إلى الرئيس العقيد هواري بومدين الذي تجاوز بعد الخامس من حزيران 1967 خلافاً معروفاً مع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وذهب إلى موسكو معلناً استعداد بلاده لكي تسدد ثمن كل سلاح تحتاجه القاهرة لازالة اثار الهزيمة والعدوان.
ويقول المؤرخ العروبي البارز د. مصطفى نويصر انه اكتشف نصاً قديماً لبومدين يقول، أن “فلسطين هي كالاسمنت المسلح للامة إذا تمسكنا بها، واذا تخلينا عنها تصبح قنبلة تنفجر فينا جميعاً”
فلسطين حاضرة دوماً في وجدان الجزائريين ومبادراتهم، وآخرها دور الوطنيين الجزائريين البارز في انجاح تجربة “اسطول الحرية لكسر الحصار على غزة”، والعديد من قوافل كسر الحصار المتواصلة حتى الساعة، وهي المعيار الذي يستخدمه الجزائريون في الحكم على العديد من الاحداث والفتن والمحن التي يمر بها وطننا العربي، وعالمنا الاسلامي، لذلك يدرك الجزائريون مثلا خطورة ما يجري في سوريا وليبيا ومصر والعراق، ليس فقط بسبب تجربتهم المريرة مع الاحتراب الاهلي وعنف المتطرفين فحسب، بل أيضاً لانهم يرون كذلك ان الصهاينة وحلفاءهم “الاقربين” والابعدين انما كانوا يستهدفون فلسطين حين احتلوا العراق وسعوا إلى تقسيمه، وحين استدعوا الناتو لتدمير ليبيا وتحويلها إلى منصة لتصدير العنف والاحتراب إلى عموم المنطقة، وحين اوجدوا في مصر اوضاعاً شاذة ودموية لشل قدرات جيشها وارهاق مشروعها الوطني والقومي، وحين غذوا وما يزالون حرباً في سوريا وعليها كان للجزائر منها، منذ بداية الاحداث فيها قبل ما يقارب السنوات الاربع، الموقف المتميّز الرافض لعزل دمشق بكل ما تمثله للامة، بل والمجاهرة باستمرار العلاقات مع سوريا رغم كل ما واجهته من ضغوط وتهديدات واغراءات بات يعرفها الجميع، وما زال البعض متخوفاً حتى الآن من ان تدفع الجزائر ثمناً لمواقفها، رغم ثقة كل العالمين بأوضاع الجزائر ان وعي ابناء ثورة المليون ونصف المليون شهيد أقوى من كل هذه المخاوف.
لذلك لم يكن غريباً ان يلمس زائر الجزائر اصرار العديد من شخصياتها وقواها السياسية على ضرورة ان يستعيد بلدهم الدور المأمول منه عربيا وعالمياً واسلامياً، لأنه في استعادة هذا الدور ما هو أكثر من واجب قومي واسلامي وتحرري، فيه أيضاً تحصين للجزائر نفسها في مواجهة العواصف والزلازل المحيطة بها.
ويلخص الكثير من الجزائريين هذا الدور بأمرين اولهما دعم كل جهد مقاوم للمشروع الصهيوني، وثانيهما اطلاق مبادرات لمحاصرة الفتن والازمات التي تعصف بالعديد من اقطار الأمة، حيث يعتقد كثيرون ان تفاهماً جزائرياً – مصرياً يستطيع ان يشكل نواة عربية واسلامية تلعب دوراً في ايجاد حلول للعنف الدائر في ليبيا، وللازمة المتفجرة والآيلة إلى المزيد من التعقيد في سوريا.
وما زلت اذكر قولاً لمجاهد جزائري كبير، كان قائداً للولاية الرابعة في جبهة التحرير الجزائرية وقد أمضى بسبب مبدئيته وصراحته سنوات عديدة في السجون، هو الرائد السي لخضر بورقعة في لقاء مع وفد من معارضة الخارج السورية جاء إلى الجزائر يدعو لتدخل عسكري اجنبي في سوريا باسم “الثورة”. يومها قال بورقعة: ” كل الثورات التي اعرفها، بما فيها الثورة الجزائرية، قامت لاخراج الاجنبي من بلادها، وهذه هي المرة الأولى التي اسمع بها عن ثورة تطالب بادخال الاجنبي إلى بلادها”، وقال” لقد احتربنا لسنوات عشر في الجزائر، لكن أحداً من الجزائريين لم يحاول الاستقواء بأجنبي على جزائري آخر”.
وفي مقابلة تلفزيونية قبل ايام مع هذا المجاهد حول ذكرياته في الثورة الجزائرية قال بورقعة:” كيف نحتفل باعياد ثورتنا، وغرناطة الشرق (يعني سوريا) تحترق… لقد بكينا غرناطة الاندلسية كثيراً، فلا تدعونا نبكي غرناطة الشرق اكثر”.
مشاهد قد تبدو متناثرة، لكنها في عمقها ذات مغزى واحد، ومعنى واحد، وهي ان ما يصيب أي جزء من أمتنا يصيبها كلها. انه الانتماء القومي العربي الذي لمسته كذلك في لقاءاتي العديدة مع شباب الجزائر، وقد جاء بعضهم من مدن وقرى تبعد مئات الكيلومترات عن العاصمة ليشاركوا في لقاء نظمه مشاركات ومشاركين جزائريون في مخيمات الشباب القومي العربي، ومنتديات التواصل الشبابي العربي.
بل مشاهد تؤكد على عمق الالتزام بالوحدة الوطنية داخل كل قطر، وهي “الوحدة” التي اعتبرها مناضلو “حركة البناء الوطني الجزائرية” اساساً لوحدة الأمة، كما جاء في عنوان ملتقاهم الفكري الثاني الذي عقدوه على نهج الشيخين المؤسسين محفوظ نحناح، الشيخ الاجرأ في مواجهة موجات العنف التي عصفت بالجزائر في العقد الاخير من القرن الماضي، ورفيقه الشيخ محمد بوسليماني الذي اغتالته ايدي الغدر والتطرف لأنه كان يدعو إلى الحوار ونبذ العنف الأهلي أيّاً كانت مبرراته.
في الجزائر حذر محسوب ومفهوم على مستوى القيادة، لكن بين الجزائريين اصرار متنام على ضرورة ان تستعيد الجزائر دورها المأمول منها عربياً واسلامياً وافريقياً وعالمياً، والكل يذكر كيف أوقفت الجزائر عام 2005 في القمة العربية مشروعاً امريكياً محمولاً من عدة حكومات عربية لاتخاذ قرار عربي للتطبيع مع الكيان الصهيوني، خصوصاً بعد احتلال العراق، وكيف أعلن مسؤولوها آنذاك :” ليست الجزائر البلد الذي يستقبل قمة تكرّس التطبيع العربي مع العدو”.
الساكت عن الحق شيطان أخرس. والصامت عن الجريمة، شريك فيها. بعد مقتلة دامت أكثر من عشر سنوات، وخلفت وراءها أكثر من 200 ألف ضحية، وقرابة الأربعين مليارا حولت إلى رماد، ها هي الآلة الجهنمية تطل برأسها من جديد، داعية كما عادتها التي لم تنسها أبدا، إلى التكفير والقتل، من خلال آلية من الجهل والعجز الفكري والتأملي. من الذي يمنح هؤلاء القتلة المتخفين حق الإفتاء بقتل الآخرين الذين لا يوافقونهم الرأي؟ اعتمادا على دين إسلامي متسام، لكنهم جيّروا تأويلاته وفق شهواتهم المريضة. ما هو هذا الشيء العظيم الذي يتهدد الإسلام والمسلمين ليصل الأمر بالشيخ عبدالفتاح زيراوي، الحاكم بأمره، لأن يخرج من الظل ليعلن جهرا بأنه يجب حرمان الروائي كمال داوود من جنسيته ومنعه من دخول الجزائر ومحاكمته وتطبيق الحد عليه. قتله. فجأة أخذ مكان الدولة وأفتى ضد كاتب لا أعتقد أنه يحمل أكثر من قلم وحاسوب صغير. نعم ما قاله كمال داوود عن العروبة وفلسطين والجزائر والدين وغيرها من الموضوعات التي أثارها في قناة فرانس2 دفعت الصحافيين الفرنسيين إلى وضعه أمام خياراته التي دافع عنها بطريقته، قابل لأن يناقش. قال سلسلة من الآراء ومن يتابع كتابات زوايا كمال داوود في الصحافة الجزائرية، والحادة جدا لا يستغرب رأيه. وهذا حقه. على الشيخ الحاكم بأمره أن يحمل قلمه ويكتب ويجادل كمال داوود بالتي هي أحسن، إن كان يملك ما يقوله، بدل الركض وراء التهم الخطيرة التي قد تقوده هو إلى السجن قبل إعدام كمال داوود لأنها مناداة صريحة وعلنية بالجريمة، التي يعاقب عليها القانون كجريمة.
الروائي والصحافي كمال داوود يكتب منذ سنوات زاويته النقدية ضد كل مظاهر الحياة بحدة بما في ذلك العدوان الإسرائيلي على غزة الذي له فيه وجهة نظر قد لا تكون صحيحة، لكنها رأي وعلى من يختلف معه أن يسال قلمه ويفتح الجدل. ماذا قال كمال في الدين ليُجرّم سوى التأكيد على أن المجتمعات العربية مريضة بدينها كما قال المرحوم المفكر مصطفى الأشرف، وعليها أن تنظر للمسألة الدينية نظرة موضوعية وجادة ولا تتركه لتجار الإيمان وموزعي صكوك التكفير والغفران. طالب بنظرة فعالة تدخل الدين في الحيز الخاص الذي يجعل الدين فوق الصراعات الموسمية والسياسوية كما نراه اليوم في الوطن العربي، والمراهنة عل المستقبل. وكل هذا لا علاقة له برواية الكاتب التي تطرح إشكالية ما بعد الكولونيالية.
سؤالي: هل قرأ الشيخ عبدالفتاح زيراوي، الحاكم بأمره، الرواية وهو العارف للغة الفرنسية؟ هل أزعجته رواية مهما كانت قيمتها، فهي في النهاية عمل تخييلي، ولم تزعجه الصفقات المشبوهة والسرقات الموصوفة للمال الجزائري والفساد المستشري الذي لم تعد الدولة نفسها قادرة على إخفائه من شدة عفن رائحته؟ ماذا يقول الشيخ عن وضعية الملايين من البشر الحياتية في المجتمعات الإسلامية والعربية تحديدا؟
ما دام أصبح خبيرا في الرواية، فماذا يقول عن النفط الذي أصبح في أدنى مراتبه بفضل العرب والمسلمين لتجويع الملايين؟
ما رأيه في داعش التي تنام في كأس القهوة التي يشربها كل صباح، وما رأيه في المسلمين وغير المسلمين الذين تقتلهم على الملأ، أمام الشاشات العالمية؟ لماذا لا يدين القتلة الذين أساؤوا إلى الدين الحنيف وشوهوه، ومنحوا كل المبررات لاعتبار العربي المسلم إرهابيا بموجب الدين واللغة وليس بموجب الممارسة؟
ما رأي الشيخ الحاكم بأمره في المسلمين الذين يقتلون المسلمين؟ والعرب الذين يبيدون العرب والعروبة التي تنفي العروبة؟ هل يعرف أن الرواية هي في النهاية عالم لغوي ينشئه الكاتب ليقول فكرة ما أو التعبير عن أزمة ما في الجسد الذاتي والمجتمعي، ومن يخالفه في الفكرة هناك شيء اسمه النقد، هو أيضا نشاط لغوي وليس سيوفا أو كاتمات الصوت، ترفع في وجه الكتاب.
فليأت بفكرة بديلة، أو بكتاب، بدل القفز إلى الجريمة الموصوفة. داعش ليست فقط حركة إجرامية، أوكلت لها وظيفة تدمير منظم لأي حياة ممكنة في المجتمعات الإسلامية والعربية تحديدا، ولكنها نظام أيديولوجي وفكري ومنظومة من الأحكام العمياء التي تلغي الزمن، لتركن في زمنها الأبدي والميت، لتقدم خدمة جليلة لأعداء الحرية والتنوير والتطور. خطاب القتل بسبب ثقافي وأدبي، هو تشريع للقتل.
أيام الموت الجزائرية في التسعينيات بدأت بنفس الطريقة.
إعلانات سريعة هنا وهناك، وشيوخ قتلة يكفرون هذا وذاك، ووزير أوقاف يبرر بسذاجة غير مقصودة القتل عندما قال: لماذا يقتلون الشرطة المساكين، فهم ليسوا شيوعيين. وكأن، على الشيوعي أو مخالف الفكر المهيمن، أن يقتل. الفكر يموت وينطفئ، عندما يأتي سدنة الدين الجدد الذين لا يستولون فقط على النص القرآني ولكن على مساحات التأويل، فيظهرون شطارتهم على الحلقات الأضعف، أي المثقفين، وينسون الفساد الذي ينخر البلاد ويدمرها من الداخل. دولة في دولة. تماما كما في العشرية السوداء، عندما انتقل خطاب الجريمة، إلى الجريمة نفسها كممارسة، فقُتِل الطاهر جاووت الذي اتّهِم بالكفر والإلحاد، والكتابة الجيدة، الكتابة الجيدة تهمة طبعا، كما هو اليوم حال كمال داوود. قتِل عبد القادر علولة بنفس التهم، لأن مسرحه الذي فتح أعين الناس، ينادي بالمروق لأنه يوصّف فساد المؤسسة وعنفها وحرقها للناس البسطاء.
لهذا أقول إني أشم رائحة الموت تحوم على تلك الأرض التي اسمها الجزائر، لأن الدولة التي تصمت عندما تنشأ في داخلها دولة، أي سلطة تحكم على الناس وتكفر من تشاء، وتتحول إلى دار إفتاء وقضاء، تصبح شريكا ضعيفا وأنها في خطر. والبلاد أيضا في خطر سيكون هذه المرة قاتلا. على الدولة أن لا تتحول إلى حلزون عنيد يخفي رأسه وكأن شيئا لم يكن، في وقت أن القتلة يتهددونها ويتهددون السلم المدني. كيف يسمح لشيخ، حاكم بأمره، بأن يهدر دم كاتب لم يسرق ولم يقتل ولم ينهب، عيبه الأوحد أنه كتب رواية جميلة أدبيا، بلغة راقية وعالية وشديدة التألق والأناقة أوصلت صاحبها إلى مربع الغونكور، التي لم يفز بها، صحيح، ولكن الحديث عنها فاق الرواية التي فازت بالجائزة. كمال داوود رجل يفكر وينشئ عالما تخييليا، متجانسا مع أفكاره وانشغالاته، لا يمكن محاورته بالسكاكين والتهديدات، ولكن بالمزيد من النقاش والجدل، كما حدث له وهو يواجه صحفيي قناة فرانس2.
أتمنى من القنوات التي استضافت الشيخ زيراوي ليعلن على الملأ التكفير القاتل، أن تستضيف كمال داوود الذي أهدِر دمه، وتسمعه، لأنه لو حدث أي مكروه للكاتب، سيتحمله القاتل الذي أفتى. فهو ليس أقل إجراما من داعش التي استعار خطابها وممارساتها. لهذا أقول اليوم بلا تردد: الجزائر في خطر.
ليس بسبب سجال بين كاتب وقارئ سماعي، لم يقرأ النص لأن كل ما قاله الشيخ الحاكم بأمره، رواية ميرسو، تحقيق مضاد، لا يبين مطلقا أنه قرأه أو حتى لامسه. لم يذكر في أية لحظة من لحظات أحكامه بالإعدام، أن الكاتب استعاد حادثة قتل العربي في غريب كامي، وأعطى المساحة لهذا العربي الذي كان بلا اسم، ليعبر عن هويته باسمه: موسى، وأن ما اعتبر ذاكرة منسية أعادها الكاتب داخل الرواية إلى الواجهة من خلال شخصية هارون، أخي موسى. الشيخ الذي يفتخر بالحضارة الأندلسية التي علّمت الغرب العقلانية، أمثاله هم من طرد ابن رشد من أسوار مدينته، وقذفوا به نحو المنافي وأحرقوا كتبه. ربما كانوا أرحم من الشيخ عبدالفتاح زيراوي، لأنهم لم يطالبوا على الأقل بقتل الكاتب؟
واسيني الاعرج في القدس العربي