* نجاح المسار الانتخابي "يزعج" باريس
أعادت رئاسيات الخميس الماضي، الجزائر إلى قلب الدبلوماسية الدولية، حيث هنأت موسكو و واشنطن وعواصم أخرى، الجزائر بإجراء الانتخابات الرئاسية التي فاز بها عبد المجيد تبون، بينما امتنع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن تقديم التهنئة للرئيس المنتخب، في موقف يعكس انزعاج باريس من نجاح رئاسيات الخميس الماضي وتمكن الجزائر
من تجاوز أزمة الشرعية التي لازمت رأس السلطة منذ أكثر من 10 أشهر.
حدّد الرئيس المنتخب عبد المجيد تبون، ملامح سياسته الخارجية خلال الخمس سنوات المقبلة، حيث أكد خلال أول ندوة صحفية عقدها بعد إعلان النتائج الأولية لرئاسيات الخميس، أن السياسية الخارجية للجزائر سترتكز على مبدأ عدم التدخل في شؤون الدولية، وقال “أنا حساس إلى أقصى درجة لما يتعلق الأمر بالسيادة الوطنية ولا أقبل لأي أحد المساس بسيادتنا”. وقال تبون إن “الجزائر دولة محورية في إفريقيا والمتوسط والعالم العربي وستعمل على تكريس مبدأ المعاملة بالمثل”، وتابع قائلا “لا أحد يمكنه أن يدعي أن له وصاية على الجزائر”.
وكان لافتا في ردود الأفعال الدولية عقب انتخاب تبون رئيسا للجمهورية، إعلان عدة عواصم غربية و عربية فاعلة رغبتها في دعم تعاونها مع الجزائر، وترسم هذا التوجه من خلال التصريحات التي صدرت من واشنطن وموسكو وبكين وعواصم عربية أخرى، مقابل صمت فرنسي مريب أعطى انطباعا بأن فرنسا "غير مرتاحة" لتمكن الجزائر من تجاوز أشد وأخطر الأزمات السياسية التي عرفتها منذ أزمة التسعينيات. خصوصا وأن الصحافة الفرنسية قامت بحملة واسعة ضد المسار الانتخابي.
وتوحي البيانات الصادرة عن عدة عواصم غربية، أن الجزائر قد تعيد ترتيب أولوياتها الدبلوماسية من خلال تعزيز العلاقات مع روسيا التي تعد أول ممون في مجال الدفاع، إضافة إلى كونها لاعبا رئيسيا في السوق النفطية، إلى جانب بكين التي تبقى أول ممون تجاري للجزائر، وترغب في إعادة بعث مشاريع الشراكة المعطلة في الجزائر، على غرار مشروع ميناء الحمدانية بشرشال وخط السكة الحديدية بين الميناء والشبكة الوطنية للنقل بالقطارات.
وقالت الخارجية الروسية في بيان الجمعة إن إجراء الانتخابات الرئاسية في الجزائر "خطوة مهمة في تقدم هذا البلد، معربة عن أملها في أن يؤدي انتخاب رئيس جديد إلى تعزيز العلاقات الروسية الجزائرية". وحسب ما جاء في البيان: "جرت في الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، يوم 12 ديسمبر، انتخابات رئاسية، وعبّرت موسكو في البيان عن أملها " في أن يؤدي انتخاب رئيس جديد للدولة الجزائرية إلى استمرار تعزيز وتوسيع العلاقات متعددة الجوانب بين روسيا والجزائر بصورة ممنهجة».
واشنطن و روما تتطلعان
لتعزيز التعاون
من جانبها هنأت الولايات المتحدة الجزائر على تنظيمها الانتخابات الرئاسية التي أفرزت فوز تبون. وقالت مورغن أورتيغاس المتحدثة باسم الخارجية أن الولايات المتحدة تدعم حق الجزائريين في التعبير عن آرائهم بسلام (...) وتتطلع إلى العمل مع الرئيس المنتخب لتعزيز الأمن والازدهار في المنطقة.
كما هنأ وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، الرئيس المنتخب عبد المجيد تبون إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية. وشدد الوزير الإيطالي في التهنئة التي نشرها الموقع الرسمي للسفارة بالجزائر على “الصداقة مع الجزائر في جميع مجالات التعاون الثنائي الاستراتيجي في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية ولمواجهة التحديات معاً في حوض البحر الأبيض المتوسط”.
من جهتها هنأت الحكومة الاسبانية الرئيس المنتخب عبد المجيد تبون معتبرة الجزائر «شريكا استراتيجيا» تقيم معه تعاونا «مثاليا» في عديد المجالات.
وأكد بيان لوزارة الشؤون الخارجية الاسبانية، أمس، أن حكومة اسبانيا «واثقة من مواصلة تعميق العلاقات مع الجزائر في هذه المرحلة الجديدة من الإصلاحات مما يسمح بالاستجابة للتطلعات الشرعية للشعب الجزائري وضمان استقرار البلد».
وبهذه المناسبة، ذكرت الحكومة الاسبانية أن الجزائر «شريك استراتيجي لإسبانيا في المنطقة المغاربية حيث تقيم معها تعاونا مثاليا في العديد من المجالات» معربة عن أمل اسبانيا في «مواصلة هذا التعاون مع الجزائر خدمة لشعبينا والمنطقة الأورو-متوسطية بأكملها».
الجزائر تستعيد موقعها
إقليميا وعربيا
عربيا، تلقى الرئيس المنتخب عبد المجيد تبون، أمس، برقية تهنئة من قبل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حسبما أفادت به وكالة الأنباء السعودية. وأعرب الملك سلمان في برقية التهنئة “باسمه واسم شعب وحكومة المملكة العربية السعودية عن أجمل التهاني، وأطيب التمنيات بالتوفيق والسداد لفخامته، ولشعب الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية الشقيق المزيد من التقدم والازدهار”.
وتلقى تهنئة مماثلة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كما تلقى الرئيس المنتخب برقية من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني -بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية- والذي تمنى له التوفيق والسداد، وللشعب الجزائري مزيدًا من التطور والنماء. وبعث كل من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، ورئيس الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، برقيات تهنئة إلى الرئيس الجزائري المنتخب، بمناسبة فوزه، وفق ما نقلته وكالات الأنباء الرسمية لهذه الدول. كما بعث رئيس دولة الامارات العربية المتحدة، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، ببرقية تهنئة إلى الرئيس تبون ، بمناسبة فوزه بالانتخابات الرئاسية ليوم 12 ديسمبر 2019.
بدورهما، بعث كل من نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم و ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ببرقيتي تهنئة مماثلتين إلى الرئيس المنتخب عبد المجيد تبون بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية.
كما هنأ رئيس دولة فلسطين، محمود عباس، السيد عبد المجيد تبون معربا عن تطلعه للعمل معه من أجل تعزيز علاقات التعاون و الأخوة بين الشعبين والبلدين في جميع المجالات.
و أكد السيد عباس، في برقية التهئنة، أن انتخاب السيد تبون رئيسا للجزائر «دليل على ثقة الشعب الجزائري الشقيق بقيادتكم الحكيمة في هذه المرحلة الهامة من مسيرة الجزائر نحو المزيد من الديمقراطية و تحقيق طموحات الشعب الجزائري الشقيق»، معربا عن ثقته بأن الجزائر «ستجتاز هذه الظروف الحالية نحو المزيد من الرخاء والازدهار».
و أعرب الرئيس الفلسطيني، في البيان عن «تطلعه» للعمل مع القيادة الجزائرية من أجل «تعزيز علاقات التعاون والأخوة بين شعبينا وبلدينا في جميع المجالات»، متقدما بالشكر للجزائر «لدورها التاريخي والمتواصل الذي لعبته في دعم الشعب الفلسطيني ونصرة قضيته العادلة» على طريق نيل الشعب الفلسطيني حريته واستقلاله.
كما بعث قابوس بن سعيد سلطان عمان برقية تهنئة إلى تبون، والأمر ذاته قام به سفير السعودية بالجزائر عبد العزيز العميريني. بدوره هنأ الرئيس التونسي، قيس سعيد في اتصال هاتفي أمس السبت، الرئيس المنتخب عبد المجيد تبون. وأعرب قيس سعيد عن تمنياته للرئيس عبد المجيد تبون بالنجاح و التوفيق، معربا عن أمله في مزيد التعاون بين تونس و الجزائر الشقيقة وفتح آفاق جديدة في هذا الإطار لتحقيق طموحات الشعبين الشقيقين و آمالهما في بناء مستقبل مشترك. من جانبها هنأت حركة النهضة التونسية التي يقودها رئيس البرلمان راشد الغنوشي الرئيس الجزائري الجديد وبلاده بنجاح الاستحقاق الرئاسي.
هنأ رئيس الجمهورية الموريتانية، محمد ولد الشيخ الغزواني، الرئيس المُنتخب عبد المجيد تبون، بمناسبة انتخابه رئيسا للجمهورية. وجاء في رسالة تهنئة الغزواني: “فخامة الرئيس وأخي العزيز، يسعدني بمناسبة انتخابكم رئيسا للجزائر الشقيقة أن أتقدم لكم، باسمي شخصيا وباسم الموريتانيين بأخلص التهاني”، متابعا: “على ثقة الشعب الجزائري في شخصكم الكريم، كما أتمنى لفخامتكم التوفيق في مهمتكم السامية”.
وأضاف المتحدث: “إنني إذ أهنئكم وأهنئ من خلالكم، الشعب الجزائري الشقيق بهذه المناسبة السعيدة، لأؤكد لفخامتكم حرصنا على العمل انطلاقا من وشائج الأخوة، لتعزيز روابط التعاون الوثيق بين بلدينا الشقيقين بما يخدم المصالح الثنائية”.
كما أعرب احمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، عن خالص تهنئته للجزائر رسميًا وشعبيًا بنجاح الانتخابات الرئاسية. وصرّح مصدر مسؤول في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية أن أبو الغيط توجه بالتهنئة الخالصة إلى الرئيس المنتخب. وتمنى أمين الجامعة العربية التوفيق والسداد في مهامه. نقل المصدر ثقة أبو الغيط في استمرار الجزائر في دعم مسيرة العمل العربي المشترك تحت قيادتها الجديدة.
نجاح اختبار الرئاسيات
أقلق باريس
في المقابل، لم يقدم الرئيس الفرنسي ماكرون تهنئة للجزائر أو للرئيس المنتخب. وقال في مؤتمر صحفي الجمعة: أخذت علما بما أفرزته الانتخابات الرئاسية في الجزائر، وفوز المرشح تبون، وندعو السلطات إلى ضرورة الحوار مع الشعب الجزائري الذي يخرج في مظاهرات سلمية.
ورفض تبون الرد، وقال في مؤتمر صحفي: لا أرد عليه، هو حر في أن يبيع بضاعته في بلاده، وما يهمني هو الشعب الجزائري الذي انتخبني. وهو ما اعتبر بمثابة أول رد رسمي من الرئيس الجديد على التدخلات المتكررة لباريس في الشأن الداخلي الجزائري.
ولم يخف عبد المجيد تبون، خلال الفترة التي سبقت الرئاسيات امتعاضه من التدخل الفرنسي المتكرر والتي عكستها التصريحات المنسوبة لمسؤولين فرنسيين سواء خلال لقاءات رسمية أو عبر تسريبات دبلوماسية، وتحدث تبون في أكثر من مناسبة عن «حساسية» العلاقات بين البلدين، مؤكدا أن الجزائر ضحية تصريحات فرنسية وتدخلات غير مقبولة في شأنها الداخلي من جانب الفرنسيين، مضيفا أن الجزائر لم تكن أبدا مبادرة بنقد السلطات الفرنسية لكنها تدافع عن مصالحها، مشددا على ضرورة احترام الجانب الفرنسي لسيادة الجزائر واستقلالها.
استعادة دور الجزائر الإقليمي والدولي
وقد أكد الرئيس المنتخب، مؤخرا، أن الدبلوماسية هي مصالح وليس تواجد للسفراء و الدبلوماسيين، وتأسف لغياب أي دور اقتصادي للبعثات الدبلوماسية بالخارج، وشدد على ضرورة تغيير التوجه باعتماد دبلوماسية الغزو والتواجد في المحيطين الإقليمي والدولي.
وتحدث عن العلاقات الجزائرية- الصينية، مشيرا بأن هذا التقارب يثير مخاوف لدى عديد الدول النافذة والتي عملت على عرقلة التعاون بين البلدين، مشيرا بأن الصين عرضت على الجزائر تمويل عديد المشاريع الإستراتيجية، على غرار ميناء شرشال وإقامة خط للسكة الحديدية إلا أن تلك المشاريع تعطلت بسبب تماطل الجانب الجزائري في الرد على اقتراحات الصينيين.
وبخصوص العلاقات مع المغرب، قال عبد المجيد تبون، إن المودة والمحبة بين الشعبين قائمة، داعيا إلى حلّ سبب المشاكل بين البلدين، ولم يفوت الفرصة في أول ظهور إعلامي له للقول إن الجزائر بلد محوري في المنطقة، وبالتالي فإنها تتعامل من هذا الموقع سلبا وإيجاباً.
ع سمير