يحذر خبراء استراتجيون ومحللون من خطورة الوضع الحالي في الجارة ليبيا، وتوجهه نحو دموية أكبر في المستقبل بسبب تزايد التدخلات الخارجية العنيفة من أكثر من طرف، وهو ما يستدعي تحركا فوريا من دول الجوار بالأساس، لأنها المعني الأول بما يجري في هذا البلد كون أمنها القومي متربط بأمن ليبيا.
يتجه المشهد الليبي نحو المزيد من التعقيد والانفجار بسبب التدخلات الخارجية المباشرة التي تزايدت في الأسابيع الأخيرة والتصريحات الصادرة عن أكثر من طرف التي تهدد بالمزيد من التدخل وتموين أطراف الصراع بالمزيد من العتاد الحربي، وهو ما بدأ يتجسد على الأرض، حيث تهدد قوات خليفة حفتر باجتياح العاصمة طرابلس، في وقت طالبت فيه حكومة الوفاق الوطني الدعم من العديد من الدول الحليفة وأعلنت النفير العام للدفاع عن العاصمة.
وأمام هذا المشهد المتسارع يدق خبراء ومحللون أمنيون ناقوس الخطر، وهم يحذرون من أن الوضع في ليبيا سيصبح أكثر خطورة ودموية من السابق، وهو ما من شأنه التأثير بشكل مباشر على أمن دول الجوار وبخاصة الجزائر، لشساعة الحدود بين هذه الدول.
وفي هذا الصدد يرى العقيد المتقاعد والخبير الأمين بن اعمر بن جانة أن ليبيا قد تتحول إلى "شرق أوسط ثاني"، بمعنى انتقال الأزمة الدموية القائمة اليوم في دول شرق أوسطية على غرار سوريا والعراق إلى ليبيا.
وحذر المتحدث في تصريح "للنصر" أمس من أن الأمور تتجه نحو نقل مجموعات إرهابية أصولية إلى ليبيا واستعمالها بالتالي في حرب بالوكالة من طرف قوى إقليمية ودولية عدة.
وأضاف محدثنا بأن الوضع في ليبيا متأزم وخطير بسبب التدخلات الخارجية العنيفة هناك على غرار ما تقوم به تركيا وحلفائها والسعودية والإمارات، الذين لكل منهما طائفة وأهداف معينة تريد تحقيقها في هذا البلد، وعليه فإنه ما لم تتم صحوة في القريب العاجل من دول الجوار فإن الوضع في هذا البلد سيتحول إلى خطر كبير.
أما بخصوص الدور الذي يجب على الجزائر - باعتبارها دولة جارة ويهمها ما يحدث في ليبيا بشكل مباشر – القيام به في هذا الظرف بالذات، فيرى الخبير بن جانة أن الدور الجزائري كان حاسما في وقت ما، لكنه تراجع وتقريبا غيب تماما بعد ذلك، وهذا الغياب هو الذي أدى إلى ذهاب الأزمة في هذا الاتجاه.
ومن هذا المنطلق فهو يرى بأنه على الجزائر أن تضع ضمن أولوياتها الوضع في ليبيا والعمل على احتواء الأزمة هناك قبل تفاقم الوضع، لأنها دولة جارة والحدود البرية بين البلدين واسعة وصحراوية ومفتوحة، وكل البوادر التي قد تؤثر على الجزائر موجودة في ليبيا، داعيا في هذا الصدد إلى عمل جيواستراتجي في هذا البلد الجار في المقام الأول، ثم في الساحل في المقام الثاني.
أما الخبير فريد بن يحيى، وفي تقييمه للوضع الحالي في ليبيا أكد بأن المخطط الأولي القاضي بتقسيم ليبيا إلى ثلاث دول فدرالية قد عاد بقوة اليوم، والقوى الكبرى لم تتفق فقط حول طبيعة التقسيم على أساس قبلي وعلى أساس الثروات، ولذلك فهذه القوى لا تريد إشراك الجزائر لأن هذه الأخيرة تريد الحفاظ على الوحدة الترابية لهذا البلد مثلها مثل تونس.
وشدد محدثنا في تصريح "للنصر" أمس بأن موقف الجزائر واضح من الأزمة وهي لا تريد أي تدخل أجنبي، أما تركيا فهي تلعب بوجهين، وجه مع العالم الإسلامي وآخر مع الغرب.
ويضيف فريد بن يحيى بأن الجزائر كانت غائبة عن المشهد الليبي بسبب مرض رئيس الجمهورية السابق، لذلك لم تلعب دورها الحقيقي، وهو ما أضعف موقفها في نهاية المطاف.
أما بالنسبة لأولويات الدور الجزائري في هذا المرحلة لاحتواء التطورات الدراماتيكية للأزمة الليبية فيقول ذات الخبير بأن على الجزائر أن تجمع القبائل الليبية أولا، وأن تدعم حكومة فايز السراج في المقام الثاني، وتفتح قناة غير رسمية مع خليفة حفتر، وتكثف التنسيق المخابراتي مع القاهرة لأن هناك مصالح وتهديدات مشتركة للبلدين باعتبارها دولتي جوار.
ثم على الجزائر أن تتجه نحو تفعيل دور اتحاد المغرب العربي، والاتحاد الإفريقي لاحتواء الأزمة، والتنسيق أيضا مع قوى دولية وإقليمية على غرار روسيا والصين وإيطاليا إلى حد ما، وعلى المستوى الداخلي عليها إصلاح وتفعيل الدبلوماسية الوطنية، ووضع تخطيط استراتيجي حقيقي في هذا المجال.
ونشير أن الأحداث في ليبيا تتطور بشكل متسارع بعد إعلان اللواء خليفة حفتر عزمه على اجتياح العاصمة طرابلس، وقد منحت قواته ثلاثة أيام تنتهي اليوم لمدينة مصراتة لسحب قواتها من محيط العاصمة، كما قامت طائرات تابعة له أمس بتنفيذ غارات على مدينة امسلاتة الواقعة شرق مدينة ترهونة ما خلف ثلاثة قتلى في صفوف المدنيين، وهي تحشد للهجوم على العاصمة في الأيام القادمة.
إلياس -ب