استطاعت العدالة الجزائرية بشقيها العسكري والمدني أن تضرب بيد من حديد وتضع حدا لتجاوزات خطيرة أبطالها مسؤولون سابقون من الوزن الثقيل، وذلك بفضل الدعم الذي حظيت به من المؤسسة العسكرية وعلى رأسها الفقيد الفريق أحمد قايد صالح نائب وزير الدفاع الوطني رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي.
الفقيد وعبر لقاءات التوجيه التي عقدها خلال الأشهر الماضية عند زيارته لمختلف وحدات الجيش الوطني الشعبي، أكد في كل مرة دعم المؤسسة العسكرية للقضاء ومرافقته في أداء مهامه المنوطة به وتحريره من الضغوطات التي تعرّض لها في السابق، من خلال محاربة الفساد ومحاسبة رؤوس العصابة، وهو ما تجلى من خلال محاكمة مسؤولين سابقين على رأسهم الوزيران الأولان السابقان أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، إلى جانب عدد من رجال الأعمال، الذين كانوا في وقت قريب يرأسون امبراطوريات مالية استنزفت آلاف الملايير من الخزينة العمومية.
الضمانات التي منحها الفقيد للعدالة، سبقتها عملية مماثلة على مستوى المؤسسة العسكرية، عندما تم إيداع مسؤولين عسكريين سامين رهن الحبس المؤقت تمهيدا لمحاكمتهم، في صورة القائد السابق للناحية العسكرية الثانية اللواء سعيد باي، والمتابع إلى جانب القائد السابق للناحية العسكرية الأولى اللواء حبيب شنتوف بتهم تبديد أسلحة وذخيرة حربية لفائدة أشخاص غير مؤهلين لحيازتها والإخفاء ومخالفة التعليمات العسكرية، فضلا على القائد السابق لسلاح الدرك الوطني اللواء مناد نوبة،كما تمت متابعة عدد من المسؤولين العسكريين قضائيا على غرار الجنرال المتقاعد حسين بن حديد واللواء المتقاعد علي غديري، والجنرال المتقاعد جبار مهنى، وهم العسكريون السامون الذين ظلوا إلى زمن قريب فوق أي محاسبة أو متابعة من القضاء، ولم يشفع لهم انتسابهم للمؤسسة العسكرية للإفلات من القضاء.
واستمرت العدالة العسكرية في تقديم الأنموذج من خلال إيداع كل من الرئيس السابق لجهاز المخابرات المعروف بالجنرال توفيق وكذا الجنرال عثمان طرطاق والمستشار السابق برئاسة الجمهورية وشقيق الرئيس السابق السعيد بوتفليقة، حيث لا تزال صورة تحويلهم إلى المحكمة العسكرية بالبليدة عالقة في أذهان الجزائريين، والذين لم يصدقوا ما رأته أعينهم يوم 5 ماي الماضي، غير أن كل هذا لم يكن ليتحقق لولا الدعم الذي حظيت به العدالة من الراحل الفريق أحمد قايد صالح، ليختتم المشهد بتقديم المتهمين وبرفقتهم رئيسة حزب العمال السابقة لويزة حنون إلى المحاكمة، حيث صدرت في حقهم أحكام بالسجن بلغت 15 سنة سجنا نافذا، ولم تتوقف العدالة العسكرية عن محاسبة مسؤولين عسكريين آخرين في صورة وزير الدفاع الأسبق ورئيس أركان الجيش الوطني الشعبي اللواء المتقاعد خالد نزار الموجود في حالة فرار، والمدير العام السابق للأمن الوطني اللواء عبد الغني هامل.
المراحل التي سبقت المحكمة العسكرية كانت بمثابة المثال الذي حذت حذوه العدالة المدنية، بعد أن تعززت بدعم لا محدود من المؤسسة العسكرية من دون أن تتدخل في قراراتها، سيما وأن الفريق صرّح بذلك علنا في الكثير من مداخلاته أمام إطارات وأفراد الجيش الوطني الشعبي، وهو ما مكّن أيضا من مباشرة التحقيقات في قضايا الفساد، وجر الوزيرين الأولين السابقين أحمد أويحيى وعبد المالك سلال إلى خلف القضبان، تلاهما عدد من الوزراء السابقين على غرار وزير الأشغال العمومية الأسبق عمار غول، ونظيره بوجمعة طلعي، إلى جانب وزير التجارة السابق عمارة بن يونس، فضلا على وزير العدالة السابق الطيب لوح، جمال ولد عباس، السعيد بركات، محجوب بدة، يوسف يوسفي، عبد الغني زعلان، فضلا عن رجال أعمال كبار مثل علي حداد رئيس منتدى رجال الأعمال، ومحي الدين طحكوت ومحمد عرباوي صاحب علامة «كيا» في الجزائر، والإخوة كونيناف، وأصحاب شركات أخرى تسببت في هدر المال العام ونهب الخزينة العمومية، ما انعكس سلبا على الاقتصاد الوطني والقدرة الشرائية للمواطن البسيط.
وقد توجت التحقيقات التي فتحتها العدالة الجزائرية في قضايا الفساد بتقديم المتهمين من مسؤولين سابقين وأرباب أعمال على المحاكمة والتي لم تكن لتتحقق من دون مساندة ومرافقة من المؤسسة العسكرية، ليتابع الجزائريون بداية شهر ديسمبر الحالي ما أطلقوا عليه «محاكمة القرن»، بينما تجلت الضمانات التي منحها رئيس الأركان يوم تم استدعاء السعيد بوتفليقة للإدلاء بشهادته أمام محكمة سيدي امحمد بالجزائر العاصمة في قضية التمويل الخفي لحملة شقيقه الرئاسية، حيث تم تحويله في ظرف وجيز من السجن العسكري بالبليدة إلى محكمة مدينة الجزائر ووضعه تحت تصرّف العدالة، وهي إشارة قوية على أنه لا يوجد شخص بعيد عن متناول القضاء. عبد الله بودبابة