ساهم انتشار فيروس كورونا والحديث عن دخول موجة ثانية، وتنامي حالة الهلع والخوف من المرض، في انتعاش نشاط مراكز التحاليل والأشعة الطبية، التي أصبحت تتنافس فيما بينها لاستقطاب أكبر عدد من الزبائن، مما جعل مختصين يحذرون من ظاهرة المتاجرة بالخدمات الطبية على حساب جيب وصحة المواطن.
يصطف عشرات المواطنين يوميا أمام مراكز التحاليل والأشعة الطبية لإجراء اختبارات طبية فور الاشتباه في التعرض إلى الإصابة بفيروس كورونا، أغلبهم لا يحملون أي ورقة أو وصفة من طبيب معالج، وهو ما وقفت عليه «النصر» على مستوى إحدى المخابر الواقعة غير بعيد عن مستشفى القبة بالعاصمة في جولة استطلاعية حول نشاط هذه المراكز في ظل جائحة كورونا، وكانت حينها الساعة تشير إلى الثامنة صباحا، ورغم أن الوقت كان مبكرا ، إلا أن البطاقات التي وزعها عون المخبر الذي يستقبل المرضى أمام المدخل فاقت 26 بطاقة.
ولم يكن من الذين قصدوا المخبر من المصابين بفيروس كورونا، يسألون عن ثمن التحاليل أو ما إن كان لا بد من إحضار وصفة طبية من عند الطبيب، على خلاف باقي الحالات المرضية التي تتطلب وصفة طبيب معالج، والنصيحة الوحيدة التي كان يقدمها العون الذي يستقبل المرضى، كمبادرة شخصيه منه، هو عدم الاستعجال في إجراء تحليل الدم أو « سيغولوجي» وضرورة الانتظار لعشرة أيام على الأقل بعد الإحساس بالأعراض حتى لا تظهر النتيجة سلبية، على غرار ما وقع مع عدد من المرضى دفعوا ما لا يقل عن 3000 دج مقابل تحاليل لم تظهر الإصابة بالفيروس.
نفس الإقبال تشهده مخابر أخرى بمختلف بلديات العاصمة، لا سيما الخاصة بإجراء أشعة «السكانير» الذي استهلك هو الآخر منذ عودة الجائحة بقوة، الملايين بل الملايير من جيوب المواطنين البسطاء، مقابل أشعة معظمها لم تظهر الإصابة بالمرض لأن الأعراض كانت في بدايتها، أو قدمت نسبا غير صحيحة ودقيقة لنسبة انتشار الفيروس في الجهاز التنفسي، مقابل تكلفة لا تقل عن 10 آلاف دج.
والحالات التي وقفت عليها «النصر» متعددة ولا تكاد تحصى، آخرها أفراد أسرة بكاملها تنقلوا طواعية لإجراء السكانير بمركز معروف بضواحي بلدية القبة، فور أن أصيب رب الأسر بالفيروس، ظنا منهم بأن العدوى طالتهم، لتكون النتيجة سلبية، مع أن بعضهم أحس فعلا ببعض الأعراض الخفيفة لكوفيد 19، مقابل دفع مليون سنتيم عن كل فرد.
أجهزة سكانير وأشعة لا تكشف عن المرض تحولت مصدرا للبزنسة
ويؤكد البروفيسور مصطفى خياطي بأن أشعة السكانير هي آلية فقط لتقييم مستوى انتشار الفيروس في الرئة في الحالات المعقدة أو المستعصية، ولا يحدد الحالة ما إذا كانت تتعلق بكوفيد 19 أو غيرها، فهذا النوع من الأشعة تظهر مدى تضرر الأنسجة الموجودة على مستوى الرئة، موضحا بأن المنظمة العالمية للصحة سبق وأن نبهت إلى هذه النقطة، وأكدت بأن الكشف البيولوجي هو وحده الذي يسمح بتشخيص المرض وليس السكانير أو تحاليل الدم « سيرولوجي».
ويرى الأستاذ خياطي بأن العديد من المخابر التابعة للقطاع الخاص لا يهمها سوى ربح المال، مما يدعو السلطات على رأسها وزارة الصحة إلى التدخل لوضع حد لظاهرة المتاجرة بالخدمات الطبية، قائلا:» إن إجراء أشعة سكانير لا معنى له بتاتا عند الاشتباه بكورونا»، ومن الأفضل اقتناء الجهاز الخاص بقياس نسبة الأكسجين في الدم عوض هدر ميزانية الأسر في تحاليل مخبرية لا تجدي نفعا.
ويؤكد المصدر بأن تسعيرة أشعة السكانير التي تتراوح ما بين 8000 و10 آلاف دج ليست معقولة ولا تساوي قيمة الخدمة الطبية التي يحصل عليها المريض، مناشدا الوزارة الوصية للتدخل لتسقيف الأسعار على أن لا تزيد عن 5000 دج كأقصى تقدير، أما بالنسبة لتحاليل الدم فهي مجرد هدر للمال لأن نتائجها غير مضمونة، فهي مجر آلية للمساعدة على إحصاء عدد الإصابات الجديدة من قبل الوزارة.وتظهر أشعة «سيرولجي» نسبة المضادات الحيوية العامة في الجسم، وإن كانت نسبتها مرتفعة فهذا يعني أن فيروس كوفيد التقى مع فيروسات أخرى في الثلاثة أشهر الأخيرة التي سبقت إجراء التحاليل، في حين أن أشعة «تي جي أم» تظهر المضادات الحيوية الخاصة، وهي أيضا لا معنى لإجرائها بالنسبة للمصابين بفيروس كورونا.
وينصح البروفيسور مصطفى خياطي المصابين بأعراض كوفيد 19، من بينها الإسهال والحمى والتعب وسيلان الأنف وفقدان حاستي الشم والذوق، إجراء التحاليل المخاطية أي «بي سي أر» أو الكشف البيولوجي الذي لا تزيد تكلفته عن 5 آلاف دج، أو على الأقل حساب نسبة الأكسجين في الدم، وتفادي الاحتكاك بالناس والانعزال لمدة لا تقل عن 10 أيام فور ظهور الأعراض.
«نعيش فوضى في التشخيص»
ويؤكد من جانبه نائب رئيس النقابة الوطنية للصيادلة الخواص مراد شابونية بأننا نعيش فعلا فوضى في التشخيص، رغم غلاء تسعيرة الأشعة الطبية لا سيما «السكانير»، قائلا إن تنظيمه سبق وأن أثار هذه القضية مع نقابة الأطباء الأخصائيين للصحة العمومية لإعادة ضبط الأمور، وتسقيف تسعيرة هذه الخدمات الطبية.
ويؤكد المتحدث بدوره بأن أشعة السكانير ليست أساسية لإثبات إصابة الشخص بالكوفيد، بل هي مجرد تحاليل تكميلية للتشخيص البيولوجي من أجل ضبط قائمة الأدوية الملائمة للعلاج، أو من أجل معرفة نسبة انتشار الفيروس في الرئة، ليحصل المريض على الحقن التي تمنع تخثر الدم، التي لا توصف للمريض إلا إذا كانت الإصابة تساوي أو تفوق 40 بالمائة على مستوى الرئة.
ويجزم المصدر بأننا نعيش فعلا فوضى في التشخيص مع توسع انتشار الفيروس، مع أن العلاج واضح وتم ضبطه من قبل وزارة الصحة عبر اعتماد البروتوكول الصحي المعروف، وهو غير مكلف وناجع.
«الخوف من التوجه إلى المستشفيات شجع على التداوي الذاتي»
وفي نظر رئيس منظمة حماية المستهلكين مصطفى زبدي فإن الخوف من التوجه إلى المستشفيات بسبب العدوى، وهروبا من الاكتظاظ والضغط الذي تعيشه مختلف المصالح الاستشفائية شجع الأفراد على التداوي الذاتي، ومن ذلك التوجه إلى مراكز الأشعة والمخابر طواعية للتأكد من الإصابة بكورونا قبل استشارة الطبيب المعالج.
ويقترح زبدي رفع قيمة التأمين على هذه الخدمات الطبية الذي ما يزال في مستويات رمزية، للتخفيف على جيوب المواطنين، لكنه يرى بأن التسعيرة لا يمكن التحكم فيها لأنها تبقى عبارة عن خدمات يطلبها الزبون وليست تشخيصا طبيا، لكن الحصول عليها من المفروض أن يكون بموجب استشارة طبية حتى لا تذهب الأموال هباء منثورا، لا سيما وأن بعض التحاليل تعادل قيمتها نصف الراتب الشهري لموظف بسيط.
لطيفة بلحاج