تُعوّل الجزائر على تطوير شعبة تربية المائيات وذلك من خلال إطلاق وتشجيع استثمارات حقيقية بها، كما تتوجّه الدولة نحو هذا النشاط دعما لمجال الصيد البحري، ورفع الإنتاج السمكي الذي تضاعف أواخر عام 2023 محققا 5500 طن، بما يساهم في تغطية احتياجات المواطن ورفع حصته من الكائنات البحرية التي تناقصت بفعل تهديد عوامل بشرية ومناخية.
إيناس كبير
وتعد تربية المائيات مصدرا مهما لتوفير الغذاء كما تساعد في تقليل الضغط على استهلاك الأسماك البحرية، التي يمكن استزراعها في أحواض المياه العذبة، أو الصناديق المعلقة في البحر المفتوح، فضلا عن تربية المائيات المدمجة في الفلاحة.
وتختلف أنواع الأسماك المستزرعة حيث تنتشر تربية الرخويات والصدفيات وصغار الأسماك الموجهة للاستهلاك، وأخرى للزينة، فضلا عن النباتات المائية، كما تفتح المجال لتوفير مناصب شغل في استثمارات أخرى لاسيما إنتاج الأعلاف، صناعة العتاد والتجهيزات الخاصة بإنشاء المزارع المائية.
وخلال استطلاع للنصر حول هذا النشاط الاقتصادي الذي بدأ يسجل انتشاره في عدة ولايات، لاحظنا بأن هناك العديد من الشباب الراغبين في إنشاء مشاريع في هذا المجال، يسألون عن التكوينات اللازمة للمستثمر لتسيير المزرعة، فضلا عن تكلفة المشروع والتجهيزات التي يحتاج إليها.
مشاريع في طور الإنجاز ودعم للمزارع المائية
وتسعى الدولة لتوفير الدعم للمستثمرين الذين يطمحون لإنشاء مزارع مائية، كما قطعت خلال سنة 2023 مشوارا لا بأس به، وفقا للإحصائيات التي عرضها المهندس المختص في تربية المائيات، زكرياء زوراغي، حيث أفاد بأن عدد المشاريع المُنجزة في المياه العذبة وصل إلى 51 مشروعا، عشرة منها أُنجزت سنة 2023، بينما سيتدعم مجال تربية المائيات بـ 52 مشروعا مازال في طور الإنجاز.
وفي تربية المائيات البحرية سُجل 42 مشروعا بإجمالي 79 قفصا عائما، منها مشروعان أُنجزا في السنة ذاتها، فيما ارتفع معدل استزراع صغار الأسماك من 19 مليونا سنة 2019 إلى 21 مليونا، ووصل عدد المشاريع في تربية المحار إلى 42 مشروعا، ثلاثة منها أنجزت سنة 2023.
كما تحوّل الفلاحون أيضا إلى إدماج تربية المائيات مع الفلاحة الزراعية، التي أصبحت تشغل حيزا كبيرا ويُعوّل عليها لرفع الإنتاج، وبحسب زوراغي فإن وزارة الصيد البحري أحصت 102 ألف حوض فلاحي يمكن استزراعه بالأسماك، ويردف بأن سنتي 2022 و2023 شهدتا استزراع 16 ألف حوض فلاحي بأسماك مختلفة، فيما تم تكوين 3200 فلاح في تربية المائيات المدمجة لتحقيق استثمار ناجح.
وفي سياق متصل أوضح محدثنا بأن خوض المزارع الصغيرة مجال تربية المائيات، يحقق لها فائدة من ناحية رفع جودة الإنتاج الفلاحي، عند استعمال مياه أحواض الأسماك في سقي الأراضي وذلك لجودتها وغناها بالمادة العضوية خصوصا «الآزوت»، ما يساهم في خفض تكلفة البيع عند توفير مصاريف شراء الأسمدة.
وصرح المختص بأن فرص الاستثمار أصبحت مرتفعة في هذا المجال، وذلك لما يعرفه من تنوع في شعبه، فضلا عن إدراج المشاريع الناشئة فيه ضمن المجالات ذات الأولوية في قانون الاستثمار الجديد، بالإضافة إلى صرف تحفيزات مالية جبائية تضمنها قانون المالية لسنة 2024، كما تطرق المهندس إلى منحة 50 دينارا لكل كيلوغرام من سمك البلطي، وتخفيض قيمة الضريبة على القيمة المضافة من 19 إلى 9 بالمائة في نشاط تحويل أسماك البلطي، فضلا عن إنشاء مناطق خاصة بتربية المائيات.
مورد جديد لتحقيق الأمن الغذائي
وقد عرفت الموارد الصيدية في الجزائر إنتاجا محدودا خلال 20 سنة الأخيرة، حيث تراوح ما بين 100 ألف إلى 120 ألف طن، تحت تأثير عدة عوامل مناخية وبشرية، وفقا لما أفاد به زوراغي، فيما بدأت تربية المائيات تلعب دورا في رفع الإنتاج الذي تضاعف أواخر سنة 2023 محققا 5500 طن من الأسماك.
وقد وقفت الدولة على ما حققه القطاع خلال السنة المنصرمة من نتائج اقتصادية في ظرف وجيز، لذلك فهي تهدف في الوقت الحالي إلى إنتاج 100 ألف طن من المائيات، مقسمة إلى 40 ألف طن من صنف المائيات البحرية، و60 ألف طن في المياه العذبة، خصوصا وأن الطلب أصبح متزايدا على المائيات، وذكر المهندس بأن الوتيرة التي يسير بها المجال أبانت أن الظروف أصبحت مهيأة للانطلاق في استثمارات حقيقية خصوصا ما تعلق بتحكم المستثمرين في تقنيات الإنتاج، وتوفر المدخلات كالأعلاف وأنواع الأسماك سواء المحلية أو المستوردة.
رفع حصة الفرد الجزائري من الأسماك
وذكر المهندس بأن تربية المائيات أصبحت مكملة للصيد البحري عالميا، فحصة الفرد من استهلاك الأسماك تأتي بمعدل سمكة إلى اثنتين مصدرها هذا المجال الذي أصبح يساهم في الحفاظ على المخزون الطبيعي للمورد الصيدي. بدورها تبذل الجزائر مجهودات بالشراكة مع خبراء ومهنيين يعملون على دفع تربية المائيات لرفع حصة الفرد الجزائري من الأسماك التي بلغت في السنوات الأخيرة حوالي 4.7 كيلوغرام في السنة، وهو رقم يرى زوراغي بأنه مازال بعيدا عن المعدل الذي تنصح به منظمة الصحة العالمية، بما يقارب ما بين 10 إلى 11 كيلوغراما في السنة.
ورغم النتائج التي حققتها الجزائر في ميدان تربية المائيات إلا أنه مازال يواجه بعض التحديات، ذكر منها المهندس بأن الآلات المحلية لا تلبي الطلب المتضاعف على الأسماك، فيما تأخذ معالجة المشاريع وقتا طويلا. من جهة أخرى لفت إلى أن المخاطر العالية التي تهدد مشاريع تربية المائيات وتخلف خسائر فادحة، تجعل المستثمرين يخشون استثمار أموالهم في هذا المجال، فضلا عن النمط الاستهلاكي للفرد الجزائري خصوصا فيما يتعلق بأسماك المياه العذبة التي يحمل أحكاما مسبقة عن مذاقها رغم قيمتها الغذائية العالية.
ولتجاوز هذه التحديات، ذكر زوراغي، بأنه يجب الخروج من مرحلة التجريب والتوجه نحو استثمار حقيقي وفق أنظمة إنتاج مكثفة ومستدامة، فضلا عن اتباع التقنيات الحديثة القائمة على أسس علمية وتثمين الموارد المائية، بالإضافة إلى احترام فترات الراحة البيولوجية للصيد البحري من أجل الحفاظ على الموارد الصيدية الطبيعية.
كما تحدث المصدر عن مشكل نقص البياطرة المختصين في معالجة الأمراض التي تواجه الأسماك، وذكر بأنه يوجد مخبر وطني واحد لمراقبة وتحليل منتجات الصيد البحري ونظافة الأوساط، المتواجد في عين البنيان، وبحسب المختص فإن المخبر يقوم بعمل كبير في هذا المجال.
اعتماد تقنيات حديثة في الاستزراع
ويعتمد تطوير الاستزراع السمكي على شقين هما التغذية الجيدة وتطوير نظم الاستزراع، حيث أشار المختص في تربية المائيات زكرياء زوراغي، إلى عدة تقنيات وأنظمة حديثة، مثل نظام «راس RAS» لتدوير المياه، والزراعة «الأحيومائية» التي تجمع بين تربية الأسماك والزراعة خارج التربة، فضلا عن توظيف تكنولوجيا «البيوفلوك» التي تُبنى فكرتها على أساس استخدام بكتريا غير ذاتية التغذية تستهلك «النيتروجين» فتتخلص من «الأمونيا» التي تسبب مشاكل كبيرة للأسماك، وهذه البكتريا نفسها تشكل مصدرا بروتينيا مرتفعا لتغذية الأسماك وبذلك تتحسن خواص جودة المياه وتنخفض تكاليف التغذية.
وأضاف المتحدث بأن بعض المزارع المائية تنتج البلطي وحيد الجنس بعدة تقنيات، مثل التفريخ الاصطناعي عن طريق الهرمونات، كما تعتمد المزارع المتطورة على التكنولوجيا لخلق تسيير فعال، ومراقبة الأنظمة فضلا عن تحليل المؤشرات الفنية لتقييم أداء المزارع، وأردف المهندس بأن انترنت الأشياء أصبحت ضرورية أيضا في هذا المجال بالاعتماد على أنظمة مرتبطة بأجهزة استشعار تراقب جودة المياه، حيث تعطي نتائج في الحين على مدار الساعة، كما يمكن برمجتها لإطلاق إنذارات في حالة وقوع أي خلل، فضلا عن الاعتماد على التغذية الذكية.
هذه هي الشروط لتحقيق إنتاج وفير
وأكد المختص على جملة من الشروط التي اعتبرها عاملا مهما لإنجاح تربية المائيات، والتقليل من المخاطر التي تهدد المزارع، وضع في أولها الحرص على اختيار الموقع المناسب للمزرعة الذي يجب أن يتوفر على مصدر مائي جيد من حيث التدفق والجودة، إلى جانب تحليل مياه الموقع قبل إطلاق المشروع، وتوفره على الكهرباء، حيث أوضح بأن معدات المزارع المائية تعتمد على الطاقة الكهربائية بمعدل 24 ساعة، فضلا عن القرب من البنى التحتية لتسهيل إيصال المعدات والاحتياجات، والمساعدة على التسويق للمشروع.
وأضاف المتحدث بأن اختيار الأنواع المناسبة للتربية وتوفير المدخلات اللازمة خصوصا الأعلاف ذات النوعية الجيدة يعد أمرا ضروريا، كما أشار إلى ضرورة تواجد اليد العاملة المنتجة والتي تحرص على ضمان التسيير الفعال للمزرعة.
كما تطرق زوراغي للتكوينات التي يجب أن يتلقاها الشخص الذي يفكر في إنشاء مشروع لتربية المائيات، خصوصا وأن المجال يعد متشعبا ويضم عدة تخصصات متداخلة لاسيما البيولوجيا، الفيزياء، الكيمياء، والبيوكيمياء، فضلا عن الإلكترونيك والميكانيك، لذلك يرى بأن الفريق المسير للمشروع يجب أن يكون متكاملا وذا خلفية علمية فضلا عن تمكنه في تسيير المزارع، وتحليل المخاطر المحتملة عملا بالاستراتيجيات الخاصة بوقاية المائيات من الأمراض حتى تتوفر للأسماك البيئة الملائمة لنموها، ناصحا بالتقليل من استخدام الأدوية والمضادات الحيوية في حالة تعرض أسماك المزرعة للمرض، وتعويضها بالأحواض العلاجية، كما أكد زوراغي على ضرورة الإنذار بالمرض لمنع تفشي العدوى خصوصا إذا كانت المزرعة بالقرب من مزارع مائية أخرى. وترتبط تكلفة إنشاء مزرعة مائية بعدة عوامل، وضحها زوراغي في حجم المشروع، ونظام التربية المعتمد عليه، فضلا عن نوعية المواد المستعملة وتكاليف العلف والنوع المستزرع، والمعدات والتجهيزات. كما قسم المختص أسماك المائيات المستزرعة إلى عدة أنواع منها أسماك المياه العذبة التي حصرها في البلطي النيلي، والبلطي الأحمر الذي تشجع الدولة على إنتاجه، سمك القط الإفريقي، وسمك البوري، بالإضافة إلى تربية أسماك الزينة، فضلا عن الصدفيات مثل البلح والطحالب، والجمبري الذي تعمل المزارع المائية على أقلمته للعيش في المياه العذبة. إ.ك