أكد السيد أحمد بن زليخة، رئيس اللجنة الوطنية لبرنامج «ذاكرة العالم» التابع لمنظمة اليونيسكو في الجزائر، خلال ندوة علمية احتضنتها جامعة أم البواقي أول أمس، أن العولمة وما حملته من تطور تكنولوجي هائل تسيطر عليه الدول الأكثر تطورا، باتت أداة لتعزيز التراث الغربي، ما يستوجب رقمنة التراث المحلي وتوظيف مختلف الأدوات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي لمنع التلاعب بالبيانات.
واحتضنت كلية الآداب واللغات في جامعة العربي بن مهيدي بأم البواقي، ندوة وطنية في إطار الاحتفال بشهر التراث، بالشراكة مع مديريتي الثقافة والسياحة تحت عنوان «التراث المادي واللامادي في الجزائر: حوار بين الأجيال والذاكرة الجماعية»، وقد تناول فيها أساتذة وباحثون طرق تثمين وحماية التراث المادي في الجزائر وخاصة في المواقع التراثية المسجلة على المستويين الوطني والعالمي، وكذلك دور المؤسسات القانونية والثقافية والإعلامية في تثمين وحماية التراث المادي واللامادي، إضافة إلى مناقشة مساهمة الشركات الناشئة في جانب رقمنة، مع إفراد محور خاص للأراضي الفلسطينية المحتلة حول موضوع حماية تراث القدس الشريف.
وقدّم أحمد بن زليخة، رئيس اللجنة الوطنية لبرنامج «ذاكرة العالم» التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «يونيسكو»، مداخلة تحت عنوان «التراث: تحدي الديمقراطية العالمية في القرن الحادي والعشرين، العولمة، الرقمنة، الذكاء الاصطناعي، السياسة والهيمنة»، حيث أكد فيها أن أجدادنا تركوا لنا تراثا تاريخيا وثقافيا ومجتمعيا ثمينا، يستوجب تعزيز تراثنا في إطار النظام العالمي الجديد الذي يجري إنشاؤه. ومن أبزر معالم هذا النظام الجديد، يشرح بن زليخة، العولمة بما حملته من تقدم تكنولوجي وتطور للإنترنت ورقمنة وعولمة للتبادلات الاقتصادية، ما أحدث تداخلا بين البلدان والمصالح، أثّر على الجوانب الثقافية والأيديولوجية وبقي دائما لصالح الطرف الأقوى الذي يفرض نموذجا ثقافيا وأيديولوجيا يرسّخ التفوق المفترض للتراث الغربي، مضيفا أن الخطاب حول التراث يخضع للأعراف التي تعيد إنتاج هذا التفوق، مقدما مثالا عن حالة التراث الفلسطيني وخاصة في القدس الشريف. ونتيجة لذلك، أصبحت العولمة أداة لتعزيز التراث الغربي، وفق منظور أوروبي أمريكي، ونموذج قائم على التكنولوجيا والمجتمع الاستهلاكي وقطاع الترفيه، مثلما أكد المتدخل.
كما تطرق بن زليخة إلى التطور الاستثنائي لقطاع الاتصالات وما وفّره من إمكانيات لا محدودة للتبادل والمشاركة، تلعب دورا محوريا في الترويج للنماذج ونشر الأفكار والخطابات وإعادة صياغة الشعارات والتلاعب بالآراء والأفكار المسبقة، لتلقي بظلالها على الجوانب التراثية التي غالبا ما تقترن بالجوانب السياسية أو حتى الجيوسياسية، كما هو الحال في الصراع مع الكيان الصهيوني حول قضايا تراث مدينة القدس، المسجد الأقصى، الحائط الغربي، وما يسمى بالهيكل، لذلك يجب مثلما أبرز، ألا يقتصر التواصل على تعزيز التراث فحسب، بل ينبغي أيضا أن ينتج عناصر قادرة على ضمان الأمن التراثي في مواجهة كل أشكال التلاعب والتزوير. وتابع المُحاضر، بأن البيانات الرقمية المجمعة بالنسبة للتراث، والتي غالبا ما تكون بيانات تحليلية، ذات طبيعة تاريخية وأثرية وعلمية، وقد تكون ضارة عندما يتعلق الأمر بتحديد وتصنيف وترويج التراث، كما أن التقدم التكنولوجي والفجوات التي تشكّلت لصالح البلدان الأكثر تقدما، سيؤدي إلى جعله في خدمة تراث هذه البلدان نفسها على حساب الدول الأقل نموا، لذلك تعتبر رقمنة التراث أمرا مهما للغاية. ودعا بن زليخة إلى التحلي باليقظة عندما يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي، كونه يُنتج محتويات روبوتات المحادثة المتطورة، والتي تتغذى ببيانات وخوارزميات متحيزة للخطابات السائدة، ما ينتج حالة من عدم المساواة في مجال التراث، مؤكدا أن هناك تطبيقات وحلولا مختلفة يمكن اللجوء إليها في هذا الصدد.
وفي نهاية مداخلته، أثار الكاتب، النقاش الأخلاقي الدائر بخصوص سياسات الهيمنة الأيديولوجية والمعلوماتية والتي يمكن أن تظهر حتى في الحروب السيبرانية، إذ تطال مختلف المجالات ولا تستثني التراث، وذلك من خلال التلاعب بالمعلومات.
ي.ب