انطلقت، قبل أيام، حملة جني منتوج الكستناء أو ما يعرف ب»القسطل»، بمناطق المصيف القلي وبالتحديد في جبال أولاد أعطية وقنواع، وسط توقعات بتراجع في الإنتاج بسبب عوامل عديدة يرجعها المنتجون إلى مرض مجهول أصاب أشجار الكستناء، يهدد بانقراضها، مطالبين مصالح الغابات والخبراء والمختصين، بالإسراع في إيفاد فرقة مختصة لتشخيص المرض وإيجاد طرق المعالجة والوقاية قبل انقراضها، فيما تشهد الطرقات المؤدية إلى هذه المناطق، حركة نشطة لشباب المنطقة على متن مركبات نفعية، يقومون ببيع الكستناء لزبائن يأتون خصيصا من ولايات شرقية، لاسيما من قسنطينة وميلة، لاقتناء ما يحتاجون بأسعار معقولة وفي المتناول، تتراوح بين 200 إلى 250 دج، فيما يؤكد منتجون، أن السوق يشهد فوضى ويسيطر عليه وسطاء يشترون الكلغ بـ180 دج ويقومون بإعادة بيعه بأسعار قياسية تلامس 600 و700 دج للكلغ في الأسواق الوطنية.
روبورتاج: كمال واسطة
النصر تنقلت إلى بلديات المصيف القلي المشهورة بإنتاج الكستناء، على غرار بلدية أولاد أعطية وضواحيها وعلى وجه الخصوص منطقة بوالنغرة وكذا بلدية قنواع، بالمنطقة المسماة تيزغبان المعروفة بكثافتها الغابية وتزامن ذلك مع شروع الفلاحين في حملة الجني، حيث قصدنا أحد المنتجين وجدناه بمدخل أولاد أعطية بالقرب من بستانه في مركبة نفعية يقوم ببيع الكستناء وبعض الحشائش والخضر، يدعى «بشير صبوع» وهو معلم متقاعد قال بأنه يمارس نشاط إنتاج الكستناء والجوز والخضر منذ عقود ويملك بستانا به أزيد من 3 آلاف شجيرة من الكستناء والجوز وقد رجع بنا إلى تاريخ زراعة هذا النوع من الأشجار وبالتحديد في سنوات السبعينات، حينما قامت البلدية بجلب شتلات وغرسها، بينما هناك من يقول أن زراعة الكستناء كانت قبل هذه الفترة وبالتحديد في فترة الاستعمار، أين تم جلب الشتلات من أوروبا، لأن المناخ السائد في أولاد أعطية وقنواع يشبه تماما مناخ أوروبا الملائم لزراعة هذه الأشجار، حيث أنه وكلما اقتربنا من البحر، نجد هذا النوع من الأشجار، لأنه يحتاج لمناخ رطب وبارد ولا تصلح زراعته في مناخ يتميز بالرطوبة والحرارة أو بارد وجاف.
مرض فيروسي يفتك بأشجار الكستناء وراء تراجع الإنتاج
وبخصوص الإنتاج، أكد المتحدث أنه في تراجع من عام لآخر وربما يكون التغير المناخي هو الذي أثر على الأشجار، حيث لم يعد مناخا باردا رطبا وأصبح مناخا يتميز بالبرودة والجفاف وهو السبب وراء انتشار مرض مجهول في الأشجار والذي أدى بدوره إلى التراجع في الانتاج.
وتبدأ بوادر المرض في الظهور من أعلى الشجرة، من خلال تشقق الأغصان، ثم يصل إلى الجدع وظهور بقع بيضاء به لتعم كامل الشجرة وتبدأ الأوراق في الذبول والسقوط وتموت البذرة قبل نضجها وهكذا ينتقل المرض من شجرة إلى أخرى ويزيد في الانتشار كلما ارتفعت درجة الحرارة.وبحسب ما روى لنا المتحدث، فقد لوحظ انتشار هذا المرض أيضا في أوروبا، أما عندنا للأسف لحد الآن، يضيف المتحدث، لم نلحظ أي متابعة من طرف مصالح الغابات أو الفلاحة، لتشخيص طبيعة المرض وتوفير أدوية المعالجة وتقديم الإرشادات الوقائية، لأنهم كفلاحين عجزوا لحد الآن عن تحديد نوع هذا المرض الذي يفتك بأشجار الكستناء ويهددها بالانقراض.
كان قبل سنوات يدر عملة صعبة ويساهم في تنمية الاقتصاد
وأضاف محدثنا، أن زراعة الكستناء تتوزع بين بالأراضي الخاصة والأراضي الغابية التابعة للدولة وأنهم وجدوا صعوبة كبيرة في غرسه في المساحات الغابية وتوفير أنظم سقي، لأن الغالبية يعتمدون حاليا على السقي التقليدي وهناك من يعول على الأمطار وهنا أكد مصدرنا أن دور الدولة فعال في المحافظة على هذه الشعبة وبالتالي لا بد أن تتدخل لمنح الدعم والتسهيلات اللازمة لتوسيع زراعته في الأملاك الغابية، من أجل المحافظة عليه من الانقراض، لأن هذا النوع من المنتوج كان إلى وقت قريب يساهم في التنمية الاقتصادية للمنطقة وأيضا للبلاد ويدر عملة صعبة، لأن أجانب من إيطاليا وتونس كانوا يقبلون على اقتنائه بكميات كبيرة وهناك أنواع كثيرة من الكستناء، منها صنف يدعى الباكور، ينضج ويتم جنيه في بداية سبتمبر، بينما الأنواع الأخرى يتم جنيها بداية من منتصف أكتوبر إلى غاية نوفمبر، خاصة وأن شجرة الكستناء تصنف من الأشجار المعمرة وهناك من يزيد عمرها عن 200 سنة وبالتالي لا بد من توفير أراض جبلية تتيح للفلاحين غرس الكستناء وتوسيعها وفي حال العكس، فإن مصيرها، حسب المتحدث، سيكون الانقراض لا محالة.
ونحن نهم بمغادرة المكان، توقفت سيارة على متنها شخص قال لنا بأنه يقيم في قسنطينة وجاء خصيصا إلى منطقة أولاد أعطية، من أجل اقتناء الكستناء من مكان زراعتها واختيار أجود الأنواع وبأسعار معقولة، عوض اقتنائها بأسعار مرتفعة تتراوح بين 500 إلى 600 دج من قسنطينة وأكد أنه متعود على زيارة المنطقة سنويا من أجل هذا الغرض ومنها التنزه والتمتع رفقة عائلته في أماكنها الخلابة ومناظرها الطبيعية الخضراء.
مطالب بإيفاد فرق مختصة لتحديد طبيعة المرض والوقاية منه
وغير بعيد عن أولاد أعطية، توجهنا في النقطة الثانية إلى منطقة تيزغبان التي تشتهر بدورها بإنتاج الكستناء، حيث صادفنا أحد الفلاحين الذي رافقنا واتجه بنا إلى بستانه وسط الغابات الكثيفة وتجولنا بين الأشجار، ليؤكد أن الإنتاج هذا الموسم لا بأس به، لكن حبات الكستناء حجمها صغير مقارنة بالمواسم الماضية واشتكى بدوره من المرض الغريب الذي ضرب الأشجار وتسبب في إتلاف وموت العشرات، ما ألحق خسائر كبيرة بالفلاحين، بحكم أن هذا النشاط هو المصدر الذي يسترزقون منه وأبدى المتحدث استغرابه من هذا المرض الذي يطلقون عليه «الميض» نسبة إلى البياض الذي يصيب الأغصان وجذوع الأشجار، لكنهم يجهلون طبيعته وأسبابه وينتظرون بفارغ الصبر قدوم مصالح الفلاحة ومحافظة الغابات لتشخيصه، حتى يتمكنوا من معالجته والوقاية منه، مناشدا المصالح الفلاحية ومحافظة الغابات، لإيفاد فرقة مختصة لتشخيص المرض وإيجاد المعالجة الخاصة به وترشيد الفلاحين لإتباع الطرق الوقائية.
وذكر المتحدث، أن المرض ألحق خسائر بالفلاحين وبدرجات متفاوتة هناك من اتلفت جميع الأشجار التي يملكها، كما أن نسبة إنتاج كل شجرة انخفضت مقارنة بالسنوات الفارطة، فهناك شجرة تنتج بين 25 كلغ إلى قنطارين، بعد أن كانت تنتج الضعف في سنوات سابقة، مشيرا إلى أن المرض تظهر بوادره عندما يكتسي البياض أغصان وجذع الشجرة، ثم يصل إلى الثمار فيتلفها وتذبل مباشرة والغريب هو أن المرض ينتشر بسرعة ومن شجرة إلى أخرى، كما أن الشجرة الواحدة التي لم يمسها المرض، تنتج ما بين 25 كلغ إلى قنطارين كما تم ذكره ورغم هذا، فإن الفلاحين، حسب المتحدث، مستعدون لتوسيع زراعة الكستناء في حال لقوا الدعم اللازم من الدولة، لاسيما في ما يتعلق بالكهرباء الريفية والمياه، على اعتبار أن منطقة تيزغبان التي يقطنها أزيد من 120 عائلة، تفتقر لحد الآن للكهرباء الريفية والماء والغاز وغيرها من المتطلبات، باستثناء الطريق الذي تم تعبيده وساهم في فك العزلة عن سكان المنطقة.
وسطاء وراء ارتفاع الأسعار وتجار يطالبون بفتح سوق موسمي
وبخصوص التسويق، يشهد هذا النوع من المنتوج فوضى كبيرة في السوق المحلية، في ظل انعدام سوق يضبط وينظم عملية البيع والشراء، بعد أن سيطر الوسطاء عليه وتحكموا في التوزيع والأسعار، حيث يشترونه بأسعار الجملة بـ180 دج، ثم يعيدون بيعه في ولايات أخرى بأسعار تتراوح بين 400 و700 دج وعليه، لا بد من انشاء سوق موسمي بالمنطقة سيكون له دور كبير في تنظيم عملية تسويق المنتوج والمحافظة على القدرة الشرائية للمواطن، كما أنه سيلعب دورا كبيرا في الترويج للجانب السياحي للمنطقة، بحكم أن المنطقة تمتاز بطابعها السياحي لأنها قريبة من البحر. وفي طريق عودتنا، صادفنا شبابا في مركبات نفعية على حافة الطريق، يبيعون الكستناء، قالوا بأنهم يشترونها من عند الفلاحين بسعر الجملة يتراوح بين 160 إلى 180 دج ويعيدون بيعها بأسعار تتراوح بين 200 إلى 250دج حسب الحجم والنوعية وتوقعوا أن تنخفض الأسعار مع استمرار عملية الجني وهنا أكدوا أن تسويق المنتوج يغرق في شبه فوضى بسبب انعدام سوق ينظم هذه التجارة وتقدموا بمقترح للسلطات المحلية والولائية، من أجل فتح سوق موسمي لتسويق الكستناء، بعيدا عن ممارسات الوسطاء والمضاربين، كما أن فتح هذا السوق، حسبهم، من شأنه أن ينعش الحركة التجارية وحتى السياحية، خاصة المتعاملين الأجانب من إيطاليا وتونس، كانوا إلى وقت قريب يقبلون على شراء منتوج المنطقة بكميات كبيرة وهو ما يساهم في تنمية الاقتصاد وجلب العملة الصعبة.
* المهندس الفلاحي كمال بوالشرش
فيروس معدي ينتقل بالرياح والطيور سبب مرض الأشجار
ويرى المهندس الزراعي ونائب الاتحاد الوطني للمهندسين الزراعيين، كمال بوالشرش، أن المرض الذي أصاب أشجار الكستناء، هو فيروس معد ينتقل بواسطة الرياح والطيور وكذلك المناخ، من خلال ارتفاع درجة الحرارة مقارنة بسنوات الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي وتنتشر زراعة هذا المنتوج في أراض كلها ملك للدولة، أراض غابية ويصعب حاليا على الفلاحين محاربة المرض لأنه انتشر وكان عليهم في البداية قطع كل شجرة مصابة وحرقها في مكانها، من أجل تجنيب نقل الفيروس من الأغصان المقطوعة لأماكن أخرى.
وبخصوص تاريخ زراعة الكستناء في سكيكدة، فهناك روايتان حسب المتحدث، الأولى تذهب إلى أن زراعته تمت في عهد العثمانيين والثانية في فترة الاستعمار الفرنسي وتتمركز زراعته في المناطق الشمالية الباردة التي يزيد علوها على 700 متر عن سطح البحر ويحتاج في فصل الشتاء لأزيد من 700 ساعة برودة أقل من 7 درجات وتصلح زراعته في المناطق المشابهة لمناخ منطقة أولاد أعطية وقنواع من حيث الارتفاع وتساقط الأمطار.
أشجار الكستناء لن تنقرض إلا في حال ارتفعت درجة حرارة الأرض
وبخصوص اهتمام الفلاحية بتوسيع زراعة هذا النوع من المنتوج، فإن المشكل الكبير، يضيف المختص، يكمن في إدارة الغابات، لأنه لم يتم زرع أشجار تعويضية لتلك التي أتلفت وبالتالي العدد انخفض مقارنة ببداية الألفية، مؤكدا أن هذا النوع من الأشجار لن ينقرض إلا في حالة واحدة، تتمثل في ارتفاع درجة حرارة الأرض، مضيفا أن الانتاج السنوي العالمي يبلغ مليون طن، 70 بالمئة منه في الصين.
ك/و