حذر أمس مختصون في علم الآثار و ممثلون عن أجهزة الجمارك، الأمن الوطني و الدرك شاركوا في فعاليات يوم دراسي حول "دور سلك الأمن في الحفاظ على الممتلكات الثقافية" بقسنطينة، من استفحال نشاط تهريب الآثار و تطور آلياته اللوجيستيكية، وهو ما بات يكلف الجزائر سنويا ما يعادل 6 مليار دولار كخسائر مادية ناجمة عن تهريب الآثار و التحف حسبما كشف عنه رئيس مكتب الشرطة الخاصة بالقيادة الجهوية الخامسة للدرك الوطني، الرائد خالدي عبد الرزاق.
المتدخلون في اللقاء المنظم من قبل متحف سيرتا بمناسبة الاحتفال بشهر التراث، أكدوا بأن نشاط المهربين تطور لدرجة أن تهريب الآثار أصبح يصنف في المرتبة الثالثة، بعد تجارة الأسلحة و المخدرات، وذلك بعدما بات يعتمد بشكل كبير على المعلوماتية، من خلال استحداث مواقع متخصصة لبيع التحف المسروقة، و قد تم خلال الثلاثي الأول من سنة 2016 تسجيل 29 قضية متعلقة بالاعتداء على التراث الثقافي و تهريب الآثار، على مستوى إقليم الناحية العسكرية الخامسة بقسنطينة تورط فيها 6 أشخاص و استرجع على إثرها 3100 قطعة نقدية إضافة إلى قطع فنية و أثرية تعود إلى مختلف الحقب، و ذلك حسبما أفاد به رئيس مكتب الشركة الخاصة بالقيادة خالدي عبد الرزاق، مشيرا إلى أن قيمة المسروقات ارتفعت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة بسبب تنامي نشاط الجماعات المتطرفة في سوريا و العراق و التي حولت التراث الإنساني إلى أحد أهم مواردها المالية، موضحا بأن قيمة حفريات بسيطة قد لا تتعدى صخرة بها سهم صغير تعادل 150 أورو، في السوق السوداء التي تعتبر ايطاليا و ألمانيا أكثر الدول تداولا فيها كما أضاف رئيس فرقة مكافحة المساس بالممتلكات بالناحية العسكرية الخامسة للدرك، عقون فؤاد. وتمت الإشارة من خلال المداخلتين إلى أن المدن الشرقية تعد الأكثر تسجيلا لجرائم التهريب على غرار قسنطينة، تبسة، باتنة و سوق أهراس، و ذلك لغناها بالثروات الأثرية، بالمقابل يشكل الجنوب الكبير معضلة حقيقية أمام خلايا مكافحة التهريب بسبب شساعة الشريط الحدودي و كثرة النشاط السياحي، فضلا عن وجود ثغرات في القانون 48 ـ 04 المؤرخ في جوان 1998المتعلق بحماية التراث الثقافي، و تضارب بين بعض مواده و مواد قانون الإجراءات الجزائية الجديد خصوصا ما تعلق بالحق في نقل التحف و المتاجرة بها، و إجراءات التحفظ و مدة الإيداع قيد التحقيق، و كلها ثغرات قانونية تعيق نشاط أعوان الأمن و تعقد مهامهم، خصوصا ما تعلق بالتعامل مع الأجانب، كما عبر عنه محافظ الشرطة مصطفى بالموكر، رئيس الفرقة الاقتصادية و المالية بالمصلحة الولائية للشرطة القضائية بقسنطينة . المتحدث أشار بدوره، إلى وجود ضعف في التنسيق بين مختلف الجهات الأمنية و غياب قاعدة بيانات موحدة، تسهل العمل في ظل استفحال نشاط التهريب بسبب الجماعات الإرهابية التي دخلت السوق السوداء في السنوات الأخيرة، و تحول الآثار إلى شكل من أشكال تبييض أموال العملة المزورة و المخدرات.المحافظ أكد بأن التستر على الاكتشافات الأثرية أيضا بات يطرح كمشكل، وقد سجلت حالات خلال تحضيرات قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، إذ فضلت مقاولات بناء عدم التصريح باكتشاف آثار في مواقع ورشاتها لتجنب تعطيل المشاريع و انتظار لجان تنقيب وزارية، و استكملت العمل في المواقع متسببة في إعادة ردم آثار كثيرة لولا تدخل بعض المواطنين الشرفاء، كما عبر.من جهته أضاف الرائد خالدي عبد الرزاق، بأن تهريب النيازك التي تنتشر بكثرة في ولايات الجنوب الشرقي تحول إلى ظاهرة على اعتبار أن سعر غرام واحد من النيزك، يعادل ثلاثة أضعاف سعر غرام واحد من الذهب مشيرا إلى وجود أساتذة و طلبة جامعيين و سياح متواطئين في قضايا تهريب آثار، سواء كشركاء مع أجانب و أعضاء في شبكات تهريب، أو كفاعلين يميلون إلى الاحتفاظ ببعض القطع، قصد الاتجار بها بعد ذلك، كون قيمة بعضها تصل حتى 17 مليار سنتيم، بالمقابل فإن القانون لا يمنح سوى 30 في المائة من قيمة القطعة المكتشفة لمكتشفها، في حال تم التصريح بها، بينما تعود ملكيتها كاملة إلى الدولة.و قدم ذات المصدر، دراسة حول نوعية المتورطين في قضايا التهريب، أشار خلالها إلى أن 38 في المائة منهم، أشخاص تتراوح أعمارهم بين 39 و 74 سنة 73 في المائة منهم دون مستوى تعليمي، و 8 في المائة جامعيين و أصحاب اختصاص، 7 في المائة منهم أعوان أمن و حراسة، سواء في المواقع الأثرية أو المتاحف و 17 في المائة فلاحين، بينما يشكل البطالون 29 في المائة من الناشطين في هذا المجال.و أشار إلى أن جنح تخريب الممتلكات الثقافية، على غرار المقابر و الأضرحة لغرض الشعوذة أو السرقة أو استغلال الصخور لإعادة البناء، شكلت نسبة 5 في المائة من قضايا التراث المحفوظ خلال العامين الماضيين، بينما بلغ عدد قضايا عدم التبليغ 15 في المائة.
نور الهدى طابي