مجموعات إرهابية تؤمّن المسالك لمهربي المخدرات مقابل الأموال
يجمع كل الخبراء والعسكريين، على وجود تداخل واضح وتبادل للأدوار بين المهربين والإرهابيين، وتشير تقارير أمنية إلى وجود صلات بين عصابات الجريمة المنظمة والإرهاب في إطار «تبادل للمصالح» حيث تقوم عصابات التهريب بتمويل الإرهابيين لشراء أسلحة وتنفيذ عمليات إرهابية، مقابل ضمان الحماية الأمنية لمهربي المخدرات في بعض المسالك الحدودية الشرقية والجنوبية.
كشفت العملية النوعية التي نفذتها مفرزة للجيش الوطني الشعبي بمنطقة الحمراء بولاية ايليزي،والتي مكنت من القضاء على ثلاثة (03) إرهابيين مروجي مخدرات واسترجاع كمية من الأسلحة والذخيرة، عن التداخل الحاصل بين عصابات التهريب والجريمة المنظمة والإرهابيين، وأشار البيان الصادر عن وزارة الدفاع بوضوح إلى حد التداخل من خلال استعمال مصطلح « إرهابيين مروجي مخدرات»، وهو ما يدل على الدور المزدوج للعناصر الإرهابية التي تنشط في الوقت ذاته ضمن جماعات تقوم بتهريب المخدرات والأسلحة، بل وحتى المهاجرين غير الشرعيين.
ويتحدث الخبراء عن وجود تحول في الإستراتيجية الأمنية، حيث دخل الجيش في الخط الأول لمواجهة عصابات تهريب المخدرات في الجزائر، إلى جانب مصالح الأمن الأخرى، بسبب خطورة شبكات تهريب المخدرات، وتمكن الجيش في السنوات الثلاث الأخيرة من تحقيق نتائج مهمة وتسديد ضربات موجعة لشبكات تهريب المخدرات.
بالموازاة مع العمل الميداني، شرعت مصالح الأمن في تحضير ملفات عشرات المطلوبين قضائيا في قضايا إرهاب وتهريب سلاح ومخدرات من جنسيات إفريقية، لتسليمها لمنظمة أفريبول. ويشار إلى أن أغلب المطلوبين أدينوا غيابيا في قضايا تهريب سلاح ومخدرات وإرهاب، في الفترة بين عامي 2011 و2016، وأغلبهم من جنسية مالية، ومن موريتانيا والنيجر وليبيا والمغرب.
ويؤكد خبراء، بأن التهديد الإرهابي في منطقة الساحل وشمال إفريقيا قد ازداد حدة بعد التحالف الذي ربطه مهربون مع قادة جماعات إرهابية تنشط في دول الساحل، ويقول المحللون، بأن العديد من العناصر التي كانت تنتمي إلى التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا «موجاو» تنشط ضمن شبكات التهريب، حيث تتخوف الجزائر وتونس وليبيا من تطور هذا التحالف الذي يتأسس على تبادل المنفعة بين شبكات تهريب المخدرات والمجموعات «الإرهابية» النشطة في ليبيا، خاصة مع تعقد الأوضاع أكثر مما كانت عليه سابقا في الجارة الشرقية.
تقارير أمنية تكشف تحالف المهربين والإرهابيين
و أشارت عدة تقارير أمنية صدرت في السنوات الأخيرة، إلى وجود مؤشرات و وقائع تؤكد بما لا يدع أي مجال للشك، وجود «تحالف مصالح» بين المهربين والإرهابيين، حيث كشف تقرير أعدته قيادة الدرك الوطني، حول نشاط شرطة وحدات حرس الحدود، خلال الثلاث سنوات الأخيرة الماضية، عن تزايد ظاهرة تهريب الأسلحة والمواد المتفجرة بين الحدود، وأشار التقرير إلى أنه تم توقيف العديد من الأشخاص من بينهم مغاربة بتهمة المتاجرة في المتفجرات ولوازمها وتهريب الأسلحة.
وأشار تقرير أعدته مصالح الجمارك في 2015، إلى وجود علاقة بين شبكات تهريب السلع والمخدرات، مع خلايا تنشط لتبييض أموال وتمويل الإرهاب في بعض المناطق في الجزائر. وتتحدث تحقيقات أمنية، وكذا تقارير الأمم المتحدة بأن بعض المجموعات الإرهابية التي تنشط في الصحراء والساحل لها صلات مع شبكات تهريب المخدرات، حيث تقوم بتأمين مسالك لها مقابل تلقي أموال طائلة.
كما ذكرت عدد من التقارير الاستخباراتية أن عددا كبيرا من المهاجرين السريين الأفارقة يستغلون من قبل هذه العصابات من أجل تمرير المخدرات والسلاح. وقد أدان القضاء، عشرات المتهمين في قضايا تهريب مخدرات والانتماء لمنظمة إرهابية. وجلّهم من جنسية مالية، وتتحدث التقارير عن ارتفاع عدد الموقوفين بتهم الإرهاب وتهريب الأسلحة بعد الحرب في ليبيا واندلاع الحرب في شمال مالي.
غرب إفريقيا معبر المخدرات والإرهاب
وقد تحول شمال مالي، في السنوات الأخيرة، بسبب الأوضاع الاجتماعية وضعف التغطية الأمنية، إلى حلقة الوصل لأنشطة التهريب سواء للمخدرات أو المسلحين لدول الشمال الإفريقي. وتزايد عدد التنظيمات الإرهابية، التي تنشط في تلك المنطقة بسبب الصراعات الدائرة بين زعماء بعض تلك التنظيمات للسيطرة على ملايين الدولارات التي تدرها عمليات التهريب.
وتطرقت تقارير دولية عدة إلى العلاقات الوثيقة التي تربط بين الجماعات المسلحة، وتجار المخدرات. و أشار تقرير لجنة غرب إفريقيا إلى أن المخدرات «تشكل القاعدة المالية للمجموعات المسلحة». وكان مجلس الأمن قد أصدر في فيفري 2012 بيانا أقر بـ»التهديدات الخطيرة للسلام والاستقرار» في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل بسبب «الإرهاب الذي يرتبط، في بعض الحالات، بشكل وثيق بالجريمة المنظمة العابرة للحدود وبتهريب المخدرات».
وأخطر نشاطات تهريب السلاح من ليبيا إلى الجزائر، تهريب الأسلحة نصف الثقيلة مثل الصواريخ المضادة للدبابات وصواريخ الكاتيوشا، ومدافع الهاون، كونها في الغالب موجهة للجماعات الإرهابية، لكن خطر الصواريخ أرض- جو المحمولة على الكتف، عاد ليطفو على السطح من جديد في دول المنطقة المغاربية وبعض العواصم الأوروبية، في أعقاب عثور الجيش على عدد من قاذفات صواريخ «ستينغر» المضادة للطائرات في جنوب البلاد، والإعلان عن ضبط كمية كبيرة من صواريخ «ستريلا» قرب مدينة صبراتة الليبية، كانت في طريقها إلى الجزائر.
وحسب متابعين للملف، تقوم عصابات الجريمة المنظمة في بعض الحالات بتهريب بعض أنواع الأسلحة لاستغلالها في عمليات تهريب المخدرات. أما آخرون فينشطون في تهريبه من أجل الربح، حيث يقوم بعض المهربين بنقل أسلحة من ليبيا إلى الجزائر لبيعها في سوق السلاح السرية بالجزائر، وهذه الأسلحة في الغالب مسدسات وبنادق.
وصار التحالف بين الجماعات الإرهابية والمهربين أمراً قائماً، حسب تقرير الأمم المتحدة صدر في 2015، إذ كشف عن تمكن تنظيم «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي»، وتنظيم «المرابطون» الموالي له، وجماعة «أنصار الدين» من إقامة علاقات مع جماعات ليبية محلية مسلحة لتهريب الأسلحة والأشخاص، وتأمين وجود وتنقل إرهابيين بحرية في أرجاء البلاد.
وقبل أشهر حوكم متهمون في شبكتي تهريب سلاح، تنشطان عبر الحدود الجزائرية الليبية، أمام محكمتي ورقلة وبسكرة. وتضمنت محاضر التحقيق مع المتهمين بعض تفاصيل عمليات تهريب السلاح عبر الحدود الجزائرية-الليبية، وكان من بين المتهمين أشخاص من جنسيات جزائرية وليبية ومن النيجر، وتبين أن المنتمين للشبكتين يشترون السلاح من جماعات ليبية مجهولة في مكان يسمى «القطرون» تمهيداً لبيعه لاحقاً في الجزائر. وأشارت محاضر التحقيق ذاتها إلى أن المتهمين هرّبوا، عبر الحدود الجزائرية- الليبية، رشاشات وقذائف صاروخية من نوع «آر بي جي 7».
أنيس نواري