بعث رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة اليوم السبت، برسالة بمناسبة إحياء اليوم الوطني للمحامين، فيما يلي نصها بالكامل:
"بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين
وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين
أيتها السيدات الفضليات،
أيها الســــادة الأفاضــل،
نحتفي وأهل الـمهنة والاختصاص بهذا اليوم الوطني لهيئة الدفـاع الذي كلما احتفلنا به تجلّت لنا حقائق تمتطي الزمن و تنتقل عبر الأجيال ما دامت قيم العدالة هي أغلى ما يصبو إليه كل إنسان في الوجود.
إنها المهنة التي ترتبط بقيم العدالة وبكل ما يصبو إليه ضمير الأمة من ترقيةٍ وتمكينٍ لمبادئ الحق والحرية والـمساواة وغيرها من أسـس التطـور و الازدهار الحضاري بمفهومه الواسـع والشامل.
لقد أريد لهذه الـمناسبة أن تكون في هذا الشهر بالذاتي شهر مارس الذي هو شهر الشهداء وشهر النصـر.
إن لمهنة المحاماة الـمتشبعة بمُثُل النضال والتضحية من أجل التحرر والتخلص من الاستعمار و مظالـمه، دورا لا يمكن عزله عن مسيرة كفـاح الشعب الجزائري واستِمَاتَتِه من أجل افتكاك الحرية والعـزة والكرامة واسترجاع السيادة الوطنية و لها سهمَها الوافرَ في الانخراط في الكفاح الوطني وثورة التحرير المجيدة.
وكثير من أعضاء هذه الـمهنة قدَّموا أرواحهم فـداء لأمتهم ووطنهم وفي مقدمتهم المناضل الأستاذ الشهير علي بومنجل رحمه الله الذي نحيي ذكرى استشهاده في هذا الشهر وكان ممن قدموا أرواحهم ودماءهـم فداء للجزائر وطنا وأمة وحضارة.
أيتها السيدات الفضليات،
أيها الســادة الأفاضــــل،
إن إحياءكم لهذا اليوم هو تأكيد للارتباط مع هذا الرصيد الحافل بالمجد و معه استحضار الـمنزلة التي تحتلها مهنة المحاماة في مسار الكفاح الإنساني ضد الظلم ومن أجل الحرية والعدالة وبسط الحقوق التي يٌفْترَضٌ أن تكـون مكفـولة لكل إنسان.
إن هذه الشَّمائل الرفيعة هي ذاتها التي حفزت العديد من المحامين الأجانب الشرفاء على حمل قضية الجزائر إبان الثـورة في ضمائرهم ودافعـوا عنها ببسالة ومنهم من دفـع حياته ثمنا لهذه الـمواقف الشجاعة.
فلهؤلاء الذين أخلصوا لـمبادئهم وجمعوا بين مقتضيات مهنة الدفاع وأخلاقياتها وجرأة النضال وعقيدتها أجزي جزيل الشكر والامتنان وتحية التقدير والإكبار.
أيتها السيدات الفضليات،
أيها الســادة الأفاضــــل،
إن قَدَرَ الـمنتمين لهذه الـمهنة العريقة هو اضطلاعهم برسالة عظيمة متنوعة في أهدافها وواسعة في مراميها وأبعادها.
فهم مٌكَوَنٌ أساس ثابت الوجود في العمل القـضائي كما يمكنهم أن يقدموا مساهـمات أخـرى في مجـالات عديدة لصالح أمتهم ووطنهم تٌقَـدَرٌ بظروفها ومقاديرها.
غير أن الحديث عن جدارة هيئة الدفاع وأهليتها للتفاعل البَنَّاءِ مع الشأن العام والـمساهمة في إصلاح حاضره، لا يٌغْنِينَا بأي حال عن التذكير بموقعها ضمن مكونات السلطة القضائية، وبما يَقعٌ على عاتقها من واجبات ومسؤوليات باعتبارها الطرف اللازم في إنجاز المحاكمة العادلة ونصرة الحق وتجسيد سيادة القانون وتحقيق أحد أهم مبادئ حقوق الإنسان وهو الحق في الدفاع.
وأودٌّ أن أذكر في هذا السياق بالاهتمام الخاص الذي أحيطت به هذه الهيئة في رسالة التكليف الخاصة بإصلاح العدالة، نظرا لـما كان يمثله موضوع إعادة النظر في مهنة المحاماة من أهمية، لاعتبارات عديدة من أبرزها ما كانت تحتاج إليه لتكييفها مع الـمتطلبات الجديدة الاقتصادية والاجتماعية، ومع الـمبادئ الدستورية والـمعاهدات الدولية الـمصادق عليها.
لقد حرصت اللجنة الوطنية لإصلاح العدالة على أن تخص هيئة الدفاع بنصيبها من الاهتمام وكذا الـمهن الأخرى الـمساعدة للعدالة والـموارد البشرية التي يتشكل منها قطاع العدالة بصفة عامة.
وعلى مدى كل الـمراحل كانت الهيئة موجودة في مختلف اللجان الفنية الـمكلفة بتشخيص الواقع وتقديم الاقتراحات الـمرغوب فيها فضلا عن سٌنَّةِ التشاور الـمستمرة مع النقـباء ومع غيرهم من المحامين.
لا شك في أنَّ تقدمًا كبيرًا تم تحقيقه في مبـادئ شتى مما له صلة بالدفاع وحسبنا التذكير بالقانون الـمنظم لهذه الـمهنة الصادر في 2013.
وبمجمل القول فإن هذا النص القانوني قد جاء في سياق الـمسار الـمتكامل لإصلاح العدالة، واستجابة في نفس الوقت لرغبة كانت ملحة من طـرف المحامين الذين أتيحـت لهم فرصة إثراء ومناقشة مشـروعه وتدارك النقـائص التي تم تسجيلها خلال التجربة السابقة.
ومنها ما يتعلق بحقول التدخل التي ازدادت اتسـاعا بفعل مستلزمات الإصلاح في المجال القضائي، وما نجم عنه من تدابير لصالح الـمتقاضين ومنها ما يرجـع إلى الـمقتضيات الاقتصادية والاجتماعية وغيرهما من الـمتطلبات التي تزداد تعقـيداً كل يوم مما يوجب على هيئة الدفاع، مثلها مثل القضاء مضاعفة الجهد لاكتساب مهارات التعامل معها بكفاءة.
إن تعزيز مقام هذه الهيئة بعد التعديل الدستوري لعـام 2016، والنـص في هذه الوثيقة السامية على استفادة المحامي من الضمانات القانونية التي تكفل له الحماية من كل أشكال الضغوط وتوفر له إمكانية ممارسة مهنته بكل حرية في إطار القانون هي تعزيزات قوية تضيف لهذه الهيئة الـمزيد من التمكين والثقة لاسيما وقد جاءت ضمن الأحكام الدستورية الـمعززة لاستقلالية السلطة القضائية، ومترادفة مع الضمانات الدستورية الأخـرى الـمتعلقة بالحقوق والحريات الأساسية وحقـوق الإنسان لـمنظومة متكاملة غايتها إقامة المحاكمة العادلة وتطبيق قوانين الدولة على الجميع بإنصاف.
ومن الواضح أنَّ ما ترتبه هذه الـمبادئ في إرسـاء وتأصيل حالة التــلازم بين سـمو القـانون وهيـبة الـمؤسسات القائمة على تطبيقه وما يواكبها من جهد لترقية حقوق النّاس سواسية أمام القانون هي السبيل الـموصـل إلى تعزيز الشرعية بمفهومها الحـديث أي الشـرعيـة التي تقـوم على قـاعدة الـمقبولية من الـمواطنين.
تلك الـمقبولية التي لا تتحقق إلا بمجهود مثابر ومقاربة متعددة الأبعاد تتناول جميـع الشروط والـمكوّنات الـمطلوبة لإرساء عـدالة وطنية مستقلة ومتجددة تساير التطور والحداثة، وتملك القدرة على حماية الحقوق والحريات الفردية والجماعية، وفـرض سيادة وسلطان القانون و الـمساواة في تطبيقه واحترامه من طـرف الجميع.
أيتها السيدات الفضليات،
أيها الســادة الأفاضــــل،
إن هذه هي الأبعاد التي وضعناها نصب أعيننا عند مباشرتنا لإصـلاح قـطـاع العـدالـة وعند تحويلها إلى أهـداف يجـري إنجـازها تباعًا.
وبفـضل الأشـــواط الـمعتـبرة التي قطعـناها في مختـلف هذا الإصـلاح أصبح بإمكاننا الحـديث عن تحقيق منظـومة قضائية عصـرية مـؤهلة لتلبية احتياجات المجتمع الجزائري في الوقـت الحاضـر ولعقـود أخـرى قادمـة.
وهذا بفضل انجاز الهياكل القضائية في كافة أرجاء التراب الوطني وتجهيز جميـع الـمرافق القضائية بالوسائل اللائقة للعمل، وإحـداث تقدم غير مسبوق في مجال العصرنة، وتعميم الوسائل الإعـلامية والإلكترونية، وتدارك النقص في الـموارد البشرية من قضاة وأمناء ضبط وموظفين وما رافق ذلك من تكوين وتأهيل.
ومن نتائج هذا كله وغيـره من المحقـقات الأخرى التي عرفها قطاع العدالة أن استكملت الهيئة القضائية كامل مقـومات سلطـتها واستقـلاليتها بما يتسق مع الـمبادئ الدستورية، وبما يعـزز مكانتها ودورها في ضبـط وتأطير الحياة العامة وفقا للقانون، وبما يتماشى مع صيانة الحقوق الأساسية والحريات الفردية والجماعية.
لقد أصبـح القـضاة وسائر مستخدمي قطـاع العدالة بفضل هذا المجهود على درجة متقدمة من التأهيل والاحترافية، مما أدى إلى تحسن في مستوى الأداء القضائي من حيث النوعية ومن حيث الفصل في القضايا ضمن آجال معقولة.
ومع تقريب العدالة من الـمواطنين في كافة أرجاء الوطن وتسهيل لجوئهم إلى القضاء، وما تم إدخاله من مناهج وأساليب متطورة وتكنولوجيات حديثة للإعلام والاتصال لتحسـين ظروف العمل وضمان شفافيته، أحرز القطاع تقدما ملحوظا في مجال تعـزيز الأمـن القانوني والقضائي داخل المجتمع، ومن ذلك ما تم القيام به من تكييف للمنظومة القانونية مع الـمقتضيات الدستورية الجديدة كالقـوانين الـمنشئة للمؤسسات الدستورية الجديدة، وجلّها يتعلق بحماية وترقية حقوق الإنساني كما جـرى تكيـيف القـضـاء الجـزائي الذي يتـجـه هـو الآخـر إلى ترسيـخ هـذه الحقـوق بعـد مراجـعة قانـون الإجـراءات الجزائية وفقا للدستور للأخذ بقاعدة التقاضي على درجتين في المحاكم الجنائية وتعزيز قرينة البراءة
وحقوق الـمشتبه فيهم في فترة التوقيف للنـظر، والتأكيـد على الطابع الاستثنائي للحبس الـمؤقت، وتعزيز سلطة قاضي الحكم في حماية الحريات باستحداث نظام الـمثول الفوري وإسناد سلطة الإيداع في الحبس لجهة الحكم بدلا من النيابة في الجنح الـمتلبس بها وغيرها، ومرافـقة كل هـذه التعزيزات بدعم حقوق الدفـاع في جميع مراحل الإجراءات.
أيتها السيدات الفضليات،
أيها الســادة الأفاضــــل،
إن العدالة هي مجـال تحقيق التوازن الذي يتعين أن يتعاون الجميع على تقويته والمحافظة على سلامته.
وستظـل السلــطة القضائية بكل مكوِّناتها ملتزمة بنطاقها الدستوري وبتنفيذ القوانين بسيادة واستقلالية وتجـرد وحياد، ضمـن القـناعة الراسخة بترقية وتطـوير الحقـوق والحريات ومواصلة تطهير المجتمع من الشوائب والأسقام.
من أجل هذا سيستمر قطــاع العدالة في إنجاز ما هو مسطر من الأهداف القائمة على مجموعة متكاملة من التدابير الـرامية إلى تحقيق الـمزيد من التطوير في الأداء وفي تحسين الإصغاء والتكفل باهتمامات الـمواطنين.
وعلى هذا الـمنوال فإني أطلب من جميع القطاعات الأخرى الـمعنية في الدولة أن تعمل كل في مجال اختصاصه من أجل إعطـاء هذا الأمر حقه من العناية والجدية والعمل على إعـداد مشاريع النصوص التي يتعين تحضيرها لتكييف مضامينها مع الأحكام الدستورية الجديدة.
إننا بعد أن استطعنا أن نتغلب على الإفرازات السلبية لسنوات المحنة، وتجـاوز الدمار الذي خلفه الإرهاب بإمكانياتنا الذاتية في محيـط دولي لم يكن في تلك السنوات على دراية بامتدادات الظاهرة وعبورها للأوطان، وبعد أن تمكنا من تحقيق الـمصالحة الوطنية وتحويل حالات فقدان التوازن وتضييع الإحداثيات إلى طـاقــة مفيـدة للأمـن والاستقرار، قد تمكنا من إرساء قواعد انطلاق جديدة لاستئناف مسار التنمية والتقدم على أقـوم وأهدى سبيل.
و ينبغي أن يسود الاقتناع بأن توفير أفضل الفرص لحياة الـمواطنين وتحسين أوضاعهم على مختلف الـمستويات يستوجب مواصلة التنمية وهو رهان لا يقل شأناً عن الرهانات الأخرى إن لم أقل أهمها.
كما يجب أن لا يغيب عن الأذهان ما تتميز به الـمرحلة الراهنة من توسع في دوائر الخطر التي تحيط بمناطق شاسعة من حدودنا، تضاف إليها الـمنافسة الدولية الصعبة وتضارب الـمصالـح الاقتصادية القائمة على سعي الأقويـاء للاستئثار بالـموارد الـمتاحة دون حساب لغيرهم.
إن هذه الحقائق هي العوامل الـمضافة التي تحث أبناء الوطن على التماسك الاجتماعي والمحافظة على الوحدة الوطنية والتقليل من أوضاع التشنج والـمواقـف الـمسبقة التي قـد تضـر بالتوافـق المجتمعي الذي نحن في أمــس الحاجـة إليه في مثـل هذه الأوقـات.
من أجل هذا، ينبغي أن تظل الروح الايجابية التي تقدر الـمصلحة العليا للوطن و تجعلها تسمو فوق كل الاعتبارات الأخرى هي الدافع والمحرك الأساس لـمختلف الفعاليات الناشطة في البلاد.
والأكيـد أن ما تضمـنه الدستور الأخيـر من تثبـيت للمكونات الأساسية لهويتنا و هي الإسلام و العروبة و الأمازيغية، هذه المكونات الـمرتبطة بوشائج وعرى لا تنفصل ولا تنفصم هي من العـوامل التي تغذي هذه الروح الإيجابية وتزيد في طاقة أبنـاء الوطـن الواحد على العمل من أجل ترقيته وازدهاره في كنف السلم والوئام و الأمن والازدهار.
إن الاختيار الديمقراطي هو مبدأ راسخ يجري بناؤه وتعميقه على قواعد واضحة، تماشيا مع مختلف السياقات التي تتم في ظلها، وتحرص كل الحرص على احترام الأحكام الدستورية و القانونية السارية في هذا الشأن.
وقد تم الحرص في هذا الإطار على احترام الـمواعيد الانتخابية وذلك بإجرائها في مواقيتها المحددة - اقتناعًا مني - بأهمية هذا الالتزام في المحافظة على الاستقرار الـمؤسساتي وديمومة الـمرافق العامة و مواصلة التطور و التنمية.
و مـن الثابت أن الاستمرار في هذا التطور و الحرص على تنويع مصادره، لن يفلـح إلا بالاعتماد على الـموارد والإمكانيات الـموجودة والبدائل التي يمكـن اللجوء إليـها لخلق الثـروة و تحقيق تنمية مستدامة.
إن هذا كله يتطلب تحفيـز القطـاعـات الأكثر امتصاصا لليد العاملة والأكثر بعدًا عن التقلبات الاقتصادية العالـمية.
و في هذا الإطار تظل الصناعات التحويلية و زيادة عدد الـمؤسسات الصغيرة والـمتوسطة والتوسع في الطاقات الـمتجددة و إقحامها في بعض القطاعات الـمنتجة، من البدائل الـممكنة مثلها مثل السياحة التي يجب تحسين مستوى كفاءتها وتنوعها.
و يظل التوسع في المجال الفلاحي مبدأ استراتيجيا يتعين تطويره باستمرار، والاستفادة من مختلف الكفاءات والـمعطيات العلمية والتكنولوجية لـمضاعفة إنتاجيته.
كما نؤكد على وجوب التصدي لظاهرة السطو على الأراضي الفلاحية الخصبة وتطبيق القوانين السارية في هذا الشأن بالجدية والصرامة الواجبة.
أيتها السيدات الفضليات،
أيها الســادة الأفاضــــل،
إن حرص الدولة على الاستمرار في دورها الفاعل في رفع مستويات النمو الاقتصادي و الاستثمار في رأس الـمال البشـري والتنمية الاجتماعية وغيرها يقتضي مساهمة جميع الأطراف الداعمة وفقا لـمقاربة الديمقراطية التشاركية.
ويقتضي بالقدر نفسه التصدي بحزم لكل التصرفات السلبية في المجتمعي والاستمرار في محاربة الجرائم و الآفات الـمختلفة الضارة بأمنه وصحته واستقراره.
كما يتعين الأخــذ في الحســبان ما تشهـده الاتجـاهــات الإجرامية من التشابك والتعاضد والامتداد و ما ينجــم عنهما من خطر و ضرر.
وفي هذا السياق تبدو الجرائم الالكترونية عيِّنة من الإفرازات السلبية الحديثة الناجمة عن التـطـورات التكنولوجية الهائلة.
ولذلك، فإننا بقـدر ما نشجع على الاستفادة القصوى من هذه الابتكارات، ونحـث أبناءنا على التعامل معها والبحث والتطوير والإبداعي بقـدر ما ننبه إلى الـوعي والحيطة مما قد يرد من هذا العالم الـمفتوح من السلبيات.
إن الجرائم الالكترونية أصبحـت حقيقـة قائمـة بفعل توظيف التقنيات العالية التي تتيحها التكنولوجيا في خـدمـة أهـداف غير مشروعة للإضرار بالأشخاص والـمؤسسات والدولي مما يتطلب تعـزيز آليات التنسيق والتعاون الإقليمي والدولي لمحاربتها و التصدي لها.
ومن جهتنا فقد شـرعنا في اتخاذ التدابير التأمينـية الـمطلوبة، كما تعكـف الحكومة حاليا على إعـداد مشروع قانون يعزز آليات التصدي لهذه الآفـة الجديدة ووقف خطرها الـماثل والدائم.
هذه السياقات كلها، يمكن للمحامي كرجل قانون أن يُسهم و أن يقوم بدور ايجابي متعدد الأبعاد في النهوض بالوطن وترسيخ القـيم البناءة في المجتمعي و من ذلك ما يقوم به في إطار عمله وممارسـته للمهنة للإسهام بدوره في إرساء قواعد الحكامة القضائية.
إن حرصـنا على تجسـيـد هـذه الأهـداف و غيـرها نابـع من قناعتنا بما للقـضاة من مسؤولية باتت مكرسة في الدستور و في القـانون الأساس للقـضاء ومدونة أخلاقيات الـمهنة وما توجبه من استقامة فكريـة وأخلاقية و أدبية ومن التزام بالقواعد التي تشترطها وظيفة إقامة العدل و سيادة القانون.
وإذا كان من واجب القاضي احترام خصوصيات وأخلاقيات مهنته وضوابطها، فإنه ينبغي التأكيد بأن المحاكمة العـادلة وتطبيق القانوني هي ثمرة لمجهود مشـترك تتضافر من أجل انجازه إرادات العديد من الأطراف الـمساهمة، و في مقدمتهم أسـرة الدفـاع و مساعـدو العـدالة الذين هـم مطالبـون أيـضا بالتحلي بأخلاقياتهم الـمهنية وبالتقاليد النبيلة لواجباتهم، بالقــدر الذي يجعـل مـن السلطـة القضائيـة وأســرة الـدفـاع، الـمساهمين الأساسين في زرع الثـقافـة القانونية وترسيـخ دولـة القانـون.
ذلك أنه لا جدال في أن حقوق الإنسان هي قضية البشرية برمتها، وأن كل تقدم يحصل في هذه الحقوق التي تزداد اتساعاً وتنوعا هو خَيرٌ كٌلٌه.
وقد انضمت بلادنا وصـادقت بسيادة واقتناع على مختلف الـمعاهدات والصكوك الدولية الصادرة في هذا الشأن وهي تعمل من أجل تنفـيذ مبادئها بعد ما أدرجت مضامينها في الدستور وكيَّفَت منظومتها التشريعية وفقها.
وهي مقتنعة بأن الغالبية الكبرى من هذه الـمبادئ لا تتعارض مع رصيدها التاريخـي ومـع منظـومتـها القيمـية، و مٌدرِكة في نفـس الوقـت بأن عالم اليوم هو عالـم متـرابـط الأوصـال وقد تحــول فيه الإنسان الفـرد إلى موضوع من مواضيع القانون الدولي.
لكننا مع ذلك سنظل متفطنين إزاء الـمساعي الـمتسترة، وهي كثيرة في هذه الأيام التي تدعي الدفاع عن هذه الـمبادئ وغيـرها من قواعد العدالة ومبادئ الشرعية الدولية وهي في الحقيقة تُسوٍّغ لأهـداف أخرى لا تخفى آثارها في دول عديدة، بعضها يكاد اليوم أن يصبح أثراً بعد عينٍ.
إنني على يقين من أن المحامين الجزائريين يدركون أن الحلول العملية لتطـوير الديمقراطـية وحقوق الإنسان ومعالجة النقائص الـموجودة لن تكون ذات مضامين حقيقية إلا إذا نبعت من صميم العمل الوطني البناء الذي يوفر لها خاصية العمق والامتداد الشعبي.
إن إحيـاء هيئة الدفــاع ليومها وما سيتخلله أثناءه من مناقـشات ومداخلات متنوعة هو مناسبة أخرى للبحث في الشـؤون الـمهنية وأولوياتها في الـمرحلة الحالية وفي الـمستقبل الـمنظور.
ومن الثابت أن الحرص على تحقيق الـمزيد من التمكين لهذه الـمهنة النبيلة في بناء دولة الحق والقانوني وفي نشر قيم الفضيلة، لا يتأتى إلا بما يبذل مـن الجهود الـمستمرة في مجالات التكوين والتحكم في الـمهارات التي يشترطها الحاضر الذي نعيشه على الصعيد الوطني والعالـمي.
هذا ولا يسعني إلا أن أعرب لكم عن تقـديري لجهود هيئة الدفاع في بلادنا، راجيا لكم مزيدا من النجاح والتوفيق.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.