دعا مختصون في التاريخ خلال ندوة وطنية احتضنتها أمس جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، إلى توفير منح للباحثين من أجل التمكن من استغلال دور الأرشيف في تصحيح مسار الذاكرة
و الحفاظ عليها، و كذا لتشجيع الدراسات الأكاديمية التي تستفيد من روح النقد التاريخي، بعيدا عن التعميمات، مشيرين إلى أن أغلب الدراسات التي أجريت بعد الاستقلال، تفتقر للعنصر الأكاديمي ،
و اعتمدت على النصوص المدونة للذاكرة، و هي إشكالية تحتاج، حسبهم، إلى المراجعة.
الندوة الوطنية التي نظمت تحت عنوان « دور المؤسسة الجامعية في الحفاظ على الذاكرة التاريخية و بعث التراث» بقاعة المحاضرات بمجمع مخابر الجامعة، بالتنسيق بين جامعتي عبد الحميد مهري و جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، استهلها الدكتور مومن العمري أستاذ بجامعة عبد الحميد مهري ، قسنطينة 02، بمداخلة حول «دور الجامعة في كتابة التاريخ بواسطة الأرشيف»، أبرز فيها أهمية الوثائق المودعة في مختلف دور الأرشيف داخل الجزائر و خارجها بكل من فرنسا تركيا، بريطانيا ، الولايات المتحدة ، تونس و غيرها من البلدان، مؤكدا بأن لها دور مهم جدا في كتابة تاريخ الجزائر الحديث و المعاصر، خلال الحقبة العثمانية و فترة الاستعمار الفرنسي، و دعا إلى ضرورة استغلالها استغلالا أمثل، و ذلك بتوفير منح قصيرة المدى، يمكن أن تصل إلى ستة أشهر، لباحثين متمرسين لزيارة مختلف دور الأرشيف و تحديد رصيدها المتعلق بتاريخ الجزائر، و تصوير ما يمكن تصويره من الوثائق، على أن تؤطر، كما أردف، هذه المهمة بدفتر شروط متفق عليه.
كما شدد المتدخل على ضرورة إبرام اتفاقيات مع دور الأرشيف الوطنية و الخارجية، بما يسمح للباحثين، في إطار القوانين المعمول بها، بالوصول إلى الرصيد الأرشيفي
و استغلاله كما يجب، داعيا إلى ضرورة قيام وزارة التعليم العالي و البحث العلمي بمساعي حثيثة مع وزارة الخارجية، لإبرام اتفاقيات مع الدول التي سبق ذكرها، من أجل تسهيل عملية الحصول على تأشيرة الدخول للبلد المعني، كما هو الحال بالنسبة لفرنسا، التي تحوز على النسبة الأعظم من الأرشيف المتعلق ليس فقط بتاريخ الجزائر في فترة الاستعمار ، بل الأرشيف العثماني الذي تم نهبه بعد الاحتلال الفرنسي.
و أشار المتحدث بأنه يمكن في هذا الإطار، أن تنجز الجامعة بعد إتمام المهمة قاعدة بيانات تتضمن الوثائق الأرشيفية التي جرى تصويرها من قبل الباحثين المرسلين إلى مختلف دور الأرشيف ، و أن يتم تصنيفها حسب الموضوعات التي تعالجها، من خلال الاستعانة بخبرة أساتذة و طلبة في علم المكتبات، على أن توضع بعد ذلك تحت تصرف الباحثين.
و يمكن، كما أكد الأستاذ مومن العمري في مداخلته ، للجامعة، من خلال مخابر البحث المتخصصة و المعتمدة لديها، تشجيع فرق البحث و التكوين الجامعي و كذلك مشاريع الدكتوراه في نفس المجال، و قدم مقترحا بتكوين مترجمين متخصصين لتسهيل عمل الباحثين في استغلال الوثائق المكتوبة بلغات أجنبية، و كذا دعم الباحثين و تشجيعهم على تحسين مستواهم في مجال لغة البحث، و إنشاء جائزة تمنح سنويا لأحسن الأبحاث التاريخية التي تعتمد على الأرشيف و تقدم إضافة نوعية في مجال البحث التاريخي ، مختتما محاضرته، بالتأكيد بأنه «لكي تقدم كل هذه المقترحات نتائج ملموسة، يجب تنمية الوعي بأهمية الأرشيف في حفظ الذاكرة الوطنية و ترقية البحث التاريخي».
من جهته طرح الدكتور علاوة عمارة في مداخلته الموسومة « إشكالات الرواية الشفوية و النص و الوثيقة» إشكالية مفادها أن أغلب الدراسات الحديثة في المجال التاريخي، اعتمدت على النصوص المدونة للذاكرة، أي أن الذين كتبوا حول التاريخ بعد الاستقلال من الهواة، و بالتالي تفتقر كتاباتهم إلى العنصر الأكاديمي، و هذه الإشكالية تحتاج، حسبه، إلى المراجعة، موضحا بأن دور الجامعة هو أولا تصحيح مسار الذاكرة و ذلك بتشجيع الأبحاث الأكاديمية، وفق معايير متعارف عليها، بالاعتماد بشكل أساسي على الأقدمية العلمية ، بعيدا عن التعميمات، معتبرا القضية مهمة جدا ، لما للذاكرة من دور بارز في بناء المجتمع و تثمين العلاقات، خصوصا و أن المواطن يحتاج لذاكرة تجنبه التفكيك.
أسماء بوقرن