الباحث محمد غرناوط يؤرخ لمسرح قسنطينة
يواصل الأستاذ الباحث محمد غرناوط الغوص في ذاكرة قسنطينة من خلال تأليف كتاب جديد يؤرخ لمسرحها في الفترة بين 1883و 1974، سيرى النور قريبا، و يعتبر تتمة للجزء الأول الموسوم «قسنطينة ذاكرة مسرح 1974 ـ 2014» الذي طرحه في إطار تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، كما أنه انتهى من كتابة 60 بالمئة من مؤلف جديد عنوانه "جواهر مدينة قسنطينة" يسلط من خلاله الضوء على جوانب أخرى خفية في تاريخ مدينة الصخر العتيق.
الباحث قال في لقائه بالنصر، بأنه لاحظ عندما تم تعيينه كمسؤول للإعلام بالمسرح الجهوي لقسنطينة، بأن هذا الصرح الثقافي العريق لا يملك أرشيفا بمعنى الكلمة، يخلد الأعمال الفنية التي عرضت على ركحه، منذ افتتاحه في 6 أكتوبر 1883، و نفس الواقع سجله بمسرح وهران عندما زاره و لم تتمكن زوجة المسرحي العملاق عبد القادر علولة، رغم أنها أنشأت مؤسسة باسمه، من مساعدته في الحصول على وثائق و صور، كما أن بقية المسارح الأخرى ببلادنا فقدت أرشيفها و بالتالي ذاكرتها، في حين تتوفر مسارح الغرب على تقاليد عريقة في هذا المجال، حيث عثر بنفسه على صور و أفيشات للأعمال التي قدمها كاتب ياسين في السبعينات في كل المسارح التي مر بها خلال جولاته المسرحية العديدة في أوروبا .
هذا الواقع دفعه، كما أكد، للاهتمام بتأريخ مسرح قسنطينة، لكنه اصطدم بعدة عراقيل أثناء بحثه عن المراجع و المصادر التاريخية و الشهادات الحية لانجاز مؤلفه الثاني، الذي يرمي من خلاله إلى الغوص بعيدا في حقب ما قبل ظهور الشبكة العنكبوتية. و أشار الباحث إلى أنه اعتمد في عمله على أرشيف الولاية المنظم بطريقة كلاسيكية لا تراعي المعايير العالمية في الرقمنة و المعلوماتية لحفظ الوثائق و الصور و الكتب، ما يعرضها للسرقة و النهب.
و أضاف بأنه استعان كثيرا بأرشيف جريدة النصر الذي يضم الكثير من المقالات و الحوارات و التغطيات المسرحية بين 1962و 1973، كما اطلع على أرشيف جريدة «لاديبيش» بين 1908و 1962و كذا أرشيف «لينديبوندون» بين 1883و 1899 ثم بين 1904 و 1908. و تمكن من إجراء مسح كامل للمواسم المسرحية على امتداد 70 عاما بين 1883 و 1973.
و لاحظ خلال أبحاثه بأن ظهور المسرح العربي في الجزائر في سنة 1932 و إلى غاية 1954 ، أدى إلى بروز العصر الذهبي لأب الفنون ، حيث أن الكثير من الفرق العربية كانت تأتي لتقدم عروضها بمسرح قسنطينة و من بينها فرقة المسرح القومي المصري التي كان يقودها جورج إلياس الأبيض كما استقبل ذات الصرح نجوم الفن على غرار يوسف وهبي و أمينة رزق و غيرهما ، فكان المواطنون يقبلون على المسرح و يتابعون 5عروض على الأقل يوميا. و ترسخت ثقافة المسرح أكثر بمجتمعنا بعد الحركة الوطنية، كما أكد محدثنا ، فظهر مسرح مصالي و التربية و التعليم و جمعيات عديدة، على غرار الهلال التمثيلي و محبي الفن و جمعية الأمل المسرحي و غيرها التي كانت تمرر رسائل توعية و تحسيس مفعمة بحب الوطن و غرس بذور الثورة ضد المستعمر الفرنسي. و أشار الباحث من جهة أخرى إلى أن أول مسرحية قدمت باللغة العربية بمسرح قسنطينة من توقيع محمد الصالح بن خبشاش في 1919
و أوضح المتحدث بأنه استعان أيضا بالمكتبة الوطنية الفرنسية بباريس، حيث وجد الكثير من الوثائق و الصور الهامة حول قسنطينة و مسرحها ، فقد عثر مثلا على صورة نادرة لا توجد بالجزائر، لمخطط مسرح قسنطينة الذي صممه المهندس بول جيون في 1871 ، قبل انطلاق أشغال البناء، و اشترى نسخة من المخطط لإثراء كتابه.
محدثنا تأسف لأنه لم يتمكن من الحصول على رخصة للاطلاع على أرشيف بلدية قسنطينة التي كان المسرح تابعا لها و تسيره مصالحها إلى غاية 1973،و اعتبر ذلك ضمن العراقيل الكثيرة التي صادفها في انجاز هذا العمل، لكنها لم تحبطه.
جدير بالذكر أن الباحث محمد غرناوط، متخصص في الاتصال البصري، و هو يعمل حاليا كأستاذ مكون بالمركز الوطني لتكوين المختصين بمراكز المعاقين بقسنطينة و قد سبق له و أن أعد و أخرج أول فيلم وثائقي جزائري حول الإدماج المهني و الاجتماعي لشاب معاق ذهنيا تابع حالته طيلة عشر سنوات، و وثائقي حول التسرب المدرسي، و برصيده أيضا كتيب حول النصوص القانونية التي تعنى بشريحة ذوي الاحتياجات الخاصة، و توضح حقوقهم و واجباتهم.
إ.ط