أكد المختص في الديمغرافيا، الدكتور فاتح بعيط ، من جامعة الحاج لخضر باتنة 01، بأن الإحصاء السكاني عملية ضخمة ومعقدة، موضحا في حوار مع «النصر»، بأن الأمر يتعلّق بعملية سيادية لا يعني إجراؤها نشر كافة نتائجها وذلك حماية للأمن الوطني، وأضاف الدكتور بعيط وهو طبيب أيضا، بأن إجراء التعدادات العامة للسكان والمساكن يكون على الأقل مرة واحدة كل عشر سنوات لمقارنة النتائج، إلا أن الدول المتقدمة تنفذها كل خمس سنوات لمتابعة نمو السكان ورصد البرامج.
حاوره: يـاسين عـبوبو
واعتبر نائب عميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية المكلف بالدراسات العليا والبحث العلمي والعلاقات الخارجية، أن الجزائر التي أجرت منذ الاستقلال خمسة تعدادات بتواريخ متذبذبة ، تأخرت في إجراء الإحصاء السادس بعدما كان مزمعا إجراؤه سنة 2018، بسبب الظروف السياسية والصحية التي مرت بها البلاد.
وأكد الدكتور بعيط فاتح، بأن تعداد الجزائر لعام 2022، سيكون مغايرا لسابقه في 2008 نتيجة لتغيير التقسيم الإداري من 48 إلى 58 ولاية، ما سيسمح للمختصين من مقارنة تطور مختلف المؤشرات.
التعداد سيسمح بمقارنة مؤشرات التنمية بعد التقسيم الإداري الجديد
النصر: ما هو الإحصاء العام للسكان والمساكن وماذا يشمل؟
التعداد العام للسكان والمساكن هو عملية إحصائية غايتها تحديد السكان المقيمين والرحل في إقليم وتاريخ معينين، وجمع خصائصهم الكمية والكيفية، إذن هو أداة لمتابعة السكان ورصد ديناميتهم الديمغرافية (الولادات والوفيات والهجرة) والاجتماعية (الزواج والتعليم و...) والاقتصادية (نوعية السكن والعمل ووسائل التنقل والمياه والطاقة و...) والصحية (الأمراض والإعاقة)، بالإضافة إلى بعض المعلومات كالدين والطائفة والعرق واللغات الممارسة وحتى الانتماء السياسي.
النصر: كيف تتم عملية التعداد السكاني؟ وهل تنحصر في طرق محددة ؟
التعداد عملية سيادية، تشرف عليها لجنة ذات سلطة قانونية من مختلف القطاعات، كالداخلية والمالية والصحة والإعلام والأمن، يترأسها رئيس حكومة أو وزير داخلية وتنفذها ميدانيا دواوين الإحصاء، وعادة ما يقدم صندوق الأمم المتحدة للسكان الدعم التقني و/ أو المالي لدول المحتاجة لضمان جودة المعطيات وفق معايير دولية محددة.
وهي عملية ضخمة ومعقدة، تستوجب توفير موارد بشرية مدربة على جمع المعطيات، وموارد مالية هائلة، و كذا خرائط دقيقة للبلد بأكمله، ناهيك عن إجراء حملات إعلامية واسعة لنجاحها.
تقنيا يشكل أعوان التعداد أول حلقة في نظام المعلومات، ويشترط فيهم الكفاءة اللغوية والتقنية، ومن الأفضل أن يكونوا من جنس الإناث، ما يسمح لهم بدخول المنازل و ملء استمارة المعلومات، مراعاة لبعض الضوابط والقيم الاجتماعية، أما المراقبين والمنسقين فيعملون على تحويل المعلومات المستقاة إلى تقنيي مراكز الجمع المحلية ثم الجهوية، وأخيرا المركزية.
النصر: ماذا عن استغلال التطور التكنولوجي في عملية التعداد السكاني؟
سعت الدول المتقدمة و على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية في تعداد 2020 إلى استخدام التكنولوجيا الحديثة، مما أحدث ثورة في جمع المعطيات، حيث استخدمت الصور الجوية من شبكات الأقمار الصناعية لتحديد مواقع المنازل الجديدة والقديمة، كما تخلوا عن الاستمارات الورقية، وأعطوا خيار الإجابات إما عن طريق الانترنت أو الهاتف أو البريد، وبالمقابل أقصى ما وصلت إليه الدول النامية في تنفيذ تعداداتها، هو استخدام اللوحة الالكترونية التي ستقلل من هوامش الأخطاء والتكلفة.
يجب إدراج تداعيات جائحة كورونا ضمن برنامج التعداد السكاني
النصر: هل لاستخدام التكنولوجيا الحديثة سلبيات على ما يعرف بأمن المعطيات؟
عمليا يجب على الهيئات الإحصائية، التي انتقلت من الاستمارة الورقية إلى الاستمارة الالكترونية في تعداد السكان والمساكن، أن تتخذ كل الاحتياطات الممكنة لضمان أمن وسرية المعطيات، باستخدام تقنيات التشفير وتخزينها على شبكة داخلية ذات وصول مقيد، وتوفير برامج الكشف عن التسلل والاختراق، وهذا ما يتماشى أيضا مع الاتفاقيات الدولية حول الأمن السيبراني وحماية البيانات الشخصية.
النصر: هل هذا يعني أن نتائج التعداد السكاني لا تنشر كلها؟
عادة ما تنشر بعض النتائج الأولية والنهائية، والتي تستخدم من طرف بعض الأكاديميين والصحفيين في دعم أبحاثهم ومقالاتهم، أما قواعد معطيات التعداد فلا يجب أن تنشر بتاتا لأنها تدخل ضمن السرية، وتبقى محفوظة لدى مؤسسات الدولة المخولة لذلك، ويسمح تصفحها أو طلبها وفق نظام رقابي معين.
النصر: هل يرتبط توقيت وموعد التعداد السكاني بظروف محددة أم بتوفير الإمكانيات؟
توصي شعبة السكان للأمم المتحدة، بإجراء التعدادات العامة للسكان والمساكن على الأقل مرة واحدة كل عشرة سنوات لمقارنة النتائج، إلا أن الدول المتقدمة تنفذها كل خمس سنوات لمتابعة نمو سكانها، ولرصد برامجها التنموية.
في هذا الإطار أجرت الجزائر منذ الاستقلال خمس تعدادات متذبذبة التواريخ، 1966 و1977 و1987 و1998 وأخيرا 2008، وهذا العام 2022 تسعى الهيئات الإحصائية إلى تنفيذ التعداد السادس، والذي أتى متأخرا بأربع سنوات بسبب الظروف السياسية والصحية التي مرت بها البلاد.
تعداد الجزائر لعام 2022، سيكون مغايرا لسابقه 2008 نتيجة لتغيير التقسيم الإداري من 48 إلى 58 ولاية، ضف إلى ذلك وجوب تطبيق سلسلة من العمليات الحسابية على نتائج هذا التعداد للرجوع إلى عام 2018، وهو التاريخ الذي كان من المزمع إجراء التعداد فيه، ما سيسمح للمختصين من مقارنة تطور مختلف المؤشرات ذات الصلة.
النصر: كيف تساهم نتائج التعداد في البرامج التنموية؟
نظرا لضخامة عملية التعداد ونوعية الأسئلة، تستخدم عادة الطرق المباشرة في حساب المؤشرات التي تدمج لاحقا في برامج التنمية، لكن الدراسات الدولية، قد شخصت الضعف في المعطيات المستقاة من التعدادات، لذا وقبل نشر أي نتائج من المستحب التأكد من جودة المعطيات بتطبيق الطرق الديمغرافية للتقديرات غير المباشرة، في هذا السياق أثبتت بعض الأعمال الجامعية مؤخرا، نقصا في جودة التعدادات الجزائرية السابقة، فمثلا التركيبة السكانية حسب الجنس والعمر الوطنية والمحلية في تعدادي 1998 و2008، قد ضمت أعداد من السكان مجهولي العمر، ناهيك عن إنتاج مؤشرات وطنية أو جهوية على أقصى تقدير والتي اعتمد عليها صناع السياسات وأصحاب القرار في تدبير مسائل محلية، والتي أدت إلى بروز فروق في كمية ونوعية الخدمات الاجتماعية، والاقتصادية، والصحية المقدمة للمواطنين، وباتت إلى تاريخ قريب من اليوم أرضية للمطالبة بالإنصاف، بل وعنصرا مفرزا للسخط والهزات، وفي حصيلتها تكلفة عالية للدولة والسكان على حد السواء.
النصر: ما المرجو من التعداد السكاني السادس للجزائر؟
يجب أن تكون معطيات التعداد ونتائجه دقيقة، والتي ستمثل دعامة لصناع السياسات، وكذا الفاعلين في اتخاذ قرار مبني على معطيات صحيحة، ضف إلى ذلك من الأنجع إدراج أسئلة جديدة إلى تلك الأسئلة المعروفة، حتى تتماشى مع التغيرات التي شهدها المجتمع الجزائري خلال الـ 14 سنة الماضية، كالتغطية الصحية الشاملة وتداعيات جائحة كوفيد 19.
الهدف من الإحصاء متابعة النمو السكاني ورصد البرامج التنموية
و من المزمع أن يعطي تعداد الجزائر لعام 2022، صورة حول النمو السكاني في المدن وفي البلديات التي عرفت اتساعا مقارنة بتعداد 2008، كما أن توفير مؤشرات موثوق فيها سيسمح لا محالة من رصد احتياجات السكان مقارنة بأداء البرامج سارية المفعول وتغطية العجز، فمثلا في قطاع التربية والتعليم هل عدد المدارس كان كافيا لاحتواء المتمدرسين في مختلف الأطوار، أما في ميدان الصحة هل كمية اللقاحات مثلا كانت كافية استهدفت كل مستحقيها، ناهيك عن التغطية الطبية وهياكل العلاج والاستشفاء، وبالمثل في قطاع السكن و التوظيف وهذا ما يضمن الأمن والاستقرار.
النصر: كيف سيساهم التعداد السادس للجزائر في صياغة التوقعات ورسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية؟
ستكون التركيبة السكنية حسب العمر والجنس في مختلف البلديات والولايات في تعداد 2022، قاعدة لاستشراف عدد السكان وفق العديد من السيناريوهات مثلا حتى سنة 2050 أو 2060، وصياغة نموذج محلي للتنمية مبني على مقاربة الحكم الراشد، هذه التوقعات لا تساهم فقط في تقدير الواجب انجازه مستقبلا من مدارس ومستشفيات وسكنات وطرق ومياه وطاقة و...، بل في التفكير في قضايا استراتيجية مقبلة عليها البلاد، كالاستثمار في العائد الديمغرافي والتقاط محاسنه الاقتصادية والاجتماعية، ومستوى الإنجاب الملائم لديمومة المجتمع الجزائري.