مشــــروع وطنـــي لمـواجهــــة العنف في المنظومـة التربوية و المجتمع
تناول المشاركون في ندوة لتدارس كيفيات و آليات تقديم علاج متعدد التخصصات و اقتراح وصفات لظاهرة العنف في المنظومة التربوية و المجتمع، طرق نشر مفاهيم «السلم والحياة» وغرسها في سلوكيات ويوميات الشباب خاصة، باعتبارهم مستقبل البلاد.
تم طرح عدة مقترحات لدعم مشروع التحقيق الميداني الذي تشرف عليه جمعية صحة سيدي الهواري بوهران، و الذي أعطى ثماره من خلال نجاح العينات التي تم تطبيقه عليها، و ذلك خلال ندوة خاصة نظمتها الجمعية مع الشركاء و احتضنها مركز «كراسك» وهران نهاية الأسبوع الماضي.
المتدخلون أكدوا أن المشروع حقق نتائج مرضية تم عرضها مؤخرا على وزيرة التربية الوطنية، وتم اقتراح إمكانية تعميمه على كل ربوع الوطن، بعد إنضاجه بإشراك كل الأطراف التي يمكن أن تقدم قيمة مضافة للمسار الذي يندرج ضمن برنامج الإصلاحات التي تقودها الوزارة.
و اعتبر السيد أحمد تيسة ، مستشار سابق لوزيرة التربية و مختص بيداغوجي، أن المشروع لا يمكن أن تحمله جمعية وحدها، بل هو مشروع دولة بحاجة لآليات و دعم من أجل تعميم التجربة على كامل التراب الوطني، مثمنا التزام وزارة التربية الوطنية بالفكرة و طلب إنضاجها أكثر بمقترحات وأفكار عملية لتجسيدها مستقبلا، والحد من العنف وتعويضه بزرع السلم و الاطمئنان وسط التلاميذ.
وانتقد المختص البيداغوجي، منظومة التعليم التي تعتمد على التنافسية في النقاط التي تبدأ من الطور الأول إلى غاية الجامعة والتي تنتج مكونات العنف، حسبه، و اعتبرها أساس و مولد العنف، حيث أن الأساتذة والتلاميذ والأولياء و المسؤولين وغيرهم، يقيمون ماديا عن طريق التكريمات السنوية، ومعنويا عن طريق الكلمات والألفاظ، و يتم التعامل مع المتمدرسين أو الطلبة، بالنظر للمعدل المتحصل عليه، و أكد السيد تيسة أن كل ذلك يجب أن يتغير لأنه يولد العنف بمختلف أشكاله، ويسمح بتخرج أجيال لا تفقه حتى أساسيات تخصصاتها، و ركز المتحدث على إلزامية التكوين للأساتذة في أخلاقيات التعامل مع التلاميذ و كيفية توصيل لهم كل ما يساعدهم على الفهم و الاستيعاب وليس ما يجعلهم يتسابقون للحصول على النقاط فقط.
بخصوص التكوين، كشف المتحدث أن وزارة التربية بحاجة سنويا ل 17 ألف أستاذ ، يتم استقدامهم من تخصصات جامعية، دون إخضاعهم لتكوين في معاهد تكوين الأساتذة، مبرزا أن المدارس العليا للأساتذة تخرج سنويا 3 آلاف أستاذ، في الوقت الذي تحتاج المؤسسات التربوية ل20 ألف أستاذ سنويا.
من جهته، فصل رئيس جمعية صحة سيدي الهواري كمال بريكسي المشروع الذي أطلقته الجمعية قبل ثلاثة سنوات بناء على قناعة، أنه من حق كل مواطن أن يعيش في سلام وينعم بالحياة، وهي ذات القناعة، وفق المتحدث، التي تقف وراء ضرورة إشراك كل الأطراف المكونة للمجتمع في صناعة غد يسمح ب «العيش معا بسلام»، بعيدا عن أي شكل من أشكال العنف.
وفق هذه الأطروحة قامت الجمعية بإشراك عدة هيئات ومؤسسات في مشروعها النموذجي الذي مس عدة أحياء بوهران، و أشار السيد بريكسي أن التحقيق الذي تواصله الجمعية وشركاؤها، يركز على معطيات واقعية من يوميات كل الفئات المدروسة، حيث شمل التحقيق المبدئي 800 شاب من أحياء مختلفة، وجهت لهم استمارة تضم 100 سؤال، وتبين أن العنف يبدأ في أبسط الأشكال وينتجه الجميع بتصرفات يعتقدها هينة، لكن مفعولها خطير، عندما تتحول إلى تراكمات لدى الفرد.
و أضاف رئيس الجمعية أن البرنامج التكويني البسيكوـ بيداغوجي الذي خضع له بعض الأساتذة ، أعطى نتيجة وغير مجرى التعامل وسط أقسامهم التي استرجعت السكينة والسلم، وتغلب الهدف الدراسي على أشياء أخرى كانت تختلج في أذهان التلاميذ.
كما كان محور تكوين الأساتذة في جميع أطوار التعليم، و أبرز ما تناوله الحضور الذين انتقد أغلبهم أداء وتعامل ومستوى مؤطري الابتدائي والمتوسط خاصة، مشيرين إلى أن حتى المتخرجين من المدارس العليا للأساتذة بحاجة لتكوين وتأهيل تطبيقي في كيفية التعامل مع التلاميذ داخل القسم، بما أنهم في فترة التعليم العالي يتلقون تكوينا نظريا، لا يسمح لهم بحسن تأطير وتسيير أقسام قد يصل عدد تلاميذها في بعض الأحيان إلى 40 تلميذا في القسم الواحد.
وطرح بعض الأساتذة تجاربهم التي تأرجحت بين ضرورة التكوين التطبيقي في كيفية التعامل مع التلاميذ، وبين إعادة النظر في المنظومة كلها وتغيير النظرة إلى التعليم التي تركز على الحصول على النقاط فقط، دون استيعاب المعاني و عمق الدروس.
لفت الدكتور الجامعي نور الدين عبد القادر، انتباه الجميع إلى أن العنف لا يتوقف في المستوى الابتدائي من منظومة التعليم، بل يستمر إلى غاية الجامعة، أين تشهد المدرجات يوميا اعتداءات على الأساتذة، مذكرا بجريمتي القتل التي راح ضحيتها أستاذين الموسم الماضي، أحدهما من جامعة مستغانم و الثانية من بجاية، وأرجع الأمر لكون المجتمع كله أصبح ينتج العنف بمختلف أشكاله في كل الأماكن و الفضاءات.
و كانت الندوة فرصة لعدة أولياء لتقديم تجاربهم مع أولادهم و العنف المنتج لديهم وكذا الصادر عن المنظومة التربوية.
بن ودان خيرة