التهميـش الاجتماعي يولــــد الشعـــــور باليـــأس و الكراهــــيــة
نظم نهاية الأسبوع، قسم علم الاجتماع بجامعة الشاذلي بن جديد بالطارف ، الملتقى الوطني الأول حول الإقصاء والتهميش الاجتماعي.. الآثار والأبعاد والدلالات ، بحضور أساتذة دكاترة، باحثين وأكاديميين من مختلف جامعات الوطن.
و قد أجمع المشاركون في الملتقى على ضرورة التصدي لهذه الظاهرة للحفاظ على وحدة و استقرار المجتمع ، مشيرين إلى أن أساليب التهميش والإقصاء الإجتماعي تولد الكراهية ونكران الذات، علاوة على انعكاس الظاهرة على الحالة النفسية للأفراد، جراء شعورهم بالتمييز والاحتقار، ما يزرع في نفوسهم حالة من اليأس و البغضاء والضغينة، فتبرز مظاهر سلبية تمس بالفرد و المجتمع .
يرى الدكتور بن تركي رئيس كلية علم الاجتماع، أن التهميش والإقصاء ظاهرة في غاية الأهمية، تستوجب إيجاد ميكانيزمات فعالة لمحاربتها والتصدي لها لأنها تمس باستقرار المجتمع و الأمن العام، مضيفا أن الظاهرة أصبحت تستقطب المزيد من اهتمام الباحثين والأكاديميين و رجال السياسة والإعلام، على الصعيدين الوطني والدولي، كونها سببا مباشرا في تقسيم وتفكك المجتمعات وظهور الفتن و الاضطرابات الاجتماعية وبؤر التوتر ،فضلا عن الشعور بالإهانة بفعل ممارسات الإقصاء والتهميش الذي يبقى من العوامل القوية لظهور سلوكات العنف والتطرف والهجرة غير الشرعية ، بعد شعور المقصيين برفضهم من المجتمع، داعيا إلى تكاثف الجهود والعمل التحسيسي على جميع المستويات بمشاركة كل الفاعلين لمحاربة الظاهرة.
من جهته أوضح رئيس الملتقى الدكتور إلياس شرفة، بأن سياسة الإقصاء والتهميش كمفهومين متلازمين، أصبحا يشكلان وجهان لعملة واحدة وهما مرتبطان ببعضهما البعض، فإشكالية التهميش الذي يعيشه الفرد في مجتمعه، مرتبط بإقصائه الممنهج من حقوقه وممارساته سوسيو- سياسية أو سوسيوـ اقتصادية، مبنية على اللاعدل و اللامساواة والاستبداد ، مضيفا أن الإقصاء والتهميش تكون لهما في أحيان كثيرة عواقب اقتصادية وخيمة بسبب تهميش الكفاءات وذوي الطموح والخبرة العلمية.
كما أن سياسة الإقصاء، يضيف الدكتور شرفة ، تؤدي إلى ظهور خصوم من هذه الساحة المليئة بالإرهاصات لاعتبارات جهوية وأخرى فئوية في حالات كثيرة، فتكون لها عواقب اجتماعية كالعنف والتطرف والإرهاب والحرقة ، وبروز تفاوتات طبقية في المجتمع الواحد تصل أحيانا إلى تفاوتات عرقية نوعية ، نتيجة تكريس الإقصاء والتهميش وجعلها كثقافة فرعية داخل المجتمع و حتى بالمؤسسات الأخرى لاعتبارات عديدة.
و دعا المتدخل إلى ضرورة الاحتكام للحوار كثقافة فعالة، بعيدا عن الإقصاء لتمكين كل الأفراد من المساواة في الحقوق والقرارات وتكافؤ الفرص في مختلف الميادين، دون تهميش.
في حين قالت الدكتورة أم هاني بوخاري أن الإنسان يعيش داخل مجتمع مفعم بالتناقضات والصراعات ، فمثلا عند توزيع السكن الاجتماعي، كثيرا ما يلجأ أشخاص إلى الحصول على السكن بطرق غير شرعية، وهذا يجعل أشخاص آخرين يحسون بالشعور بالتهميش الاجتماعي، بحكم تغلب الأشخاص الذين يتقربون لذوي المصالح و للسلطات على الأشخاص الذين يتبعون الطرق القانونية و الديموقراطية لقضاء مختلف حاجاتهم الضرورية.
وعرجت الدكتورة بوخاري إلى انعكاسات التهميش التي تنجم عنها عدة اضطرابات نفسية، جراء عدم قدرة الإنسان على النوم والتي تعرض الشخص إلى ما يسمى بالاستبعاد أو التهميش الاجتماعي ، حيث يصبح متجها نحو زيادة التشتت الذهني،ويرافق ذلك بالطبع تراجع في القدرات التعليمية المختلفة، و الحياة المهنية و كذا بالنسبة لاتخاذ القرارات السليمة، كما أن عدم حصول الشخص على وظيفة تضمن له العيش الكريم، يكون سببا في النظرة الدونية من الآخرين له، فيقع في الاستبعاد والتهميش .
وأكدت الدكتورة بوخاري أن «المحاباة» هي استخدام علاقات القرابة أو العلاقات العشائرية أو العائلية أو الحزبية أو الجهوية أو الطائفية، بغرض تحقيق مصلحة أو تسهيل مهمة أو التهرب من مسؤولية، ليست من حق المنتفع أو لتجاوز أنظمة وقوانين محددة.
وقد تم التطرق خلال الملتقى إلى عدة محاور أخرى، من بينها أثر العولمة في ممارسة الإقصاء المؤسساتي والأبعاد الاجتماعية والقانونية للتهميش والإقصاء الاجتماعي ، إلى جانب التطرق للظاهرة وآثارها السوسيو-نفسية و أساليب تقليص ومناهضة الإقصاء والتهميش الاجتماعي والتهميش الثقافي واللغوي للنخب والشباب ، كما تم التطرق إلى الهشاشة الاجتماعية في السكن والتعليم والصحة والتعريف بالتهميش الاجتماعي كثقافة فرعية ممارسة في حياتنا اليومية .
على هامش الملتقى تم تنظيم عدة ورشات تتعلق كلها بتحديد أساليب وأسباب التهميش والإقصاء و انعكاساته السلبية على الأشخاص والمجتمع و تقديم الحلول الناجعة لمعالجة المشكلة، على أن يخرج الملتقى بتوصيات تصب في مجملها في كيفية التصدي للظاهرة.
نوري.ح