عشقي للجزائر أكبر من عشق إيتيان ديني لها
«فلاديفوستـــــــــــوك» أفقـــــــــــر منطقـــــــــة في روســـــــيا هجرتـــــــــها النـــــــــساء فلا تهاجـــــــــروا إليــــــــها
صنعت من الألم فنا تشكيليا ومن الغوص في أعماق البحار فضاء لهندسة مسيرة حياتها التي إنتقلت بها من روسيا إلى الجزائر مرورا بعدة دول أخرى، هي مجدولين فنانة روسية الأصل عشقت الجزائر و تحديدا وهران  فنذرت حياتها خدمة لمرضى السرطان والمحتاجين في المدينة.
استقبلتنا في ورشتها بابتسامة أخفت وراءها مسيرة من الألم والأمل، ترجمتها في مجموعة من اللوحات الفنية التشكيلية التي زينت المكان، فحدثتنا بلهجة جزائرية جميلة، عن الفن والغوص في أعماق البحار وعن المدينة الروسية «فلاديفوستوك» التي صار بإمكان الجزائريين دخولها دون تأشيرة.
«فلاديفوستوك».. مدينة فقيرة هجرتها الإناث
حسب مجدولين فإن منطقة «فلاديفوستوك» الروسية التي تم إلغاء تأشيرة دخولها مؤخرا بالنسبة لعدة دول من بينها الجزائر، ما أثار الكثير من الضجة على مواقع التواصل الاجتماعي وفتح شهية الكثيرين على الهجرة إليها، تعد من أفقر المناطق الروسية إذ تتزاوج فيها الجبال الثلجية مع الغابات الكثيفة التي تعتبر مصدر دخل وحيد لسكان المنطقة و عددهم قليل جدا، حيث يعيشون على قطع الأشجار فيستخدمون جزء منها للتدفئة والباقي يبيعونه لكسب قوت يومهم، ومن أجل هذه الظروف القاسية فإن شباب المنطقة من الجنسين هجروها خلال السنوات الأخيرة نحو المدن الكبرى بحثا عن  العمل أو من اجل الدراسة، خاصة  نحو موسكو التي تبعد عنها بحوالي 700 كم، وبالتالي فإن الاعتقاد حسبها، بأن الهجرة من الجزائر نحوها سيحل مشاكل البطالة و العنوسة مجرد وهم بل نكتة مضحكة،  خصوصا وأن سكان «فلاديفو ستوك» محافظون أرثودوكس و تشددون جدا.
 محدثتنا أوضحت بأن قرار  إلغاء التأشيرة نحو المنطقة يهدف لإعمارها عن طريق جلب مستثمرين بالدرجة الأولى، وهنا أيضا تتساءل عن نوعية الاستثمار الممكن تجسيده هناك، ولتختم حديثها عن الجدل الدائر حول القضية توجهت مجدلوين  بنصيحة للشباب الجزائري بالتمسك بوطنه وخدمته لأن الجزائر من أجمل بلدان العالم كما قالت، فهي عن نفسها سحرت بها  لدرجة أنها اختارت الاستقرار هنا، وطلب الجنسية الجزائرية التي منحت لها بالفعل.
عرضت في بهو رئاسة الجمهورية و اختارت تجسيد سحر الأمير عبد القادر
أول ما شد انتباهنا عند دخولنا لورشة مجدولين لوحة فنية تشكيلية هي عبارة عن بورتريه لرئيس الجمهورية كانت الفنانة توشك على إتمامه، إلى جانب لوحات مصفوفة على طول الجدار تحاكي من لخلالها مختلف الألبسة التقليدية الجزائرية، سألناها عنها فقالت «أحب الجزائر وتراثها وكل شبر فيها، الآن فقط عرفت لماذا عشق ايتيان ديني هذا البلد الرائع».
محدثتنا قالت بأنها زارت تقريبا كل ولايات الوطن تشبعت بتراث كل منطقة، كما درستها الأنتروبولوجيا لتثري فنها، حتى انها قدمت عرضا مفصلا عن لباس المرأة الجزائرية عبر العصور « لحد الآن وجدت أن لباس المرأة الجزائرية التقليدي فيه 255 نوعا، قد لا تعرفونها مباشرة ولكن التعمق في تفاصيلها يحيلكم لتاريخ قديم يعكس الخصوصية الاجتماعية لكل منطقة».

علاقة مجدولين بالجزائر بدأت قبل أكثر من ثلاثين سنة، عندما ارتبطت بشاب جزائري كان ضمن البعثة الجزائرية لتكوين الغطاسين بروسيا حيث التقت به في المعهد أين كانت تدرس هي أيضا الغطس في أعماق البحار، منذ ذاك الحين بدأت مجدولين تتعرف على الجزائر والجزائريين رغم أنها كانت دائمة التنقل بين بلدان العالم نظرا لطبيعة عمل زوجها، مع ذلك عادت و استقرت في الجزائر منذ 10 سنوات و اختارت أن تتنفس هواء مدينة وهران.
خلال هذه العشرية جابت مجدولين ربوع الوطن بفضل مشاركتها في معارض الفن التشكيلي الذي سكن أعماقها ودرسته أيضا في الجامعة الروسية، وقد استلهمت من رحلاتها معظم مواضيع لوحاتها خاصة المتعلقة بالمرأة ولباسها التقليدي،  فهي لا تكتفي بتجسيده في لوحة فنية بل تقوم مباشرة بالبحث عن أصوله وكل التفاصيل المتعلقة به.
 محدثتنا قالت بأن أول عرض قدمته كان عن طريق مؤسسة الأمير عبد القادر وكان في بهو رئاسة الجمهورية، وكانت أغلب اللوحات للأمير عبد القادر ومختلف الألبسة التي كان يرتديها، حيث عبرت بالقول «الجزائر من البلدان القليلة التي يشارك فيها الفنان التشكيلي في المعارض الفنية مجانا، في عدة بلدان حتى الإفريقية منها الفنان يدفع مبلغا ماليا مقابل عرض لوحاته».
رسمت لوحة بدمها بعد وفاة أبنائها الثلاثة
آلام مجدولين جسدتها بلوحة فنية رسمتها بدمها الحقيقي، بعدما فقدت ابنيها في حادث مرور، و بعد أسبوعين من المأساة مات ابنها الثالث، لم تبك مجدولين ولكن جرت ثقل جروحها إلى البحر وجلست أمام لوحة خشبية وقطعت أوردة يدها وشرعت في ترجمة حزنها العميق إلى فن.
اللوحة التي سمتها «أمومة» تحتفظ بها مجدولين في غرفة نومها، و قد سبق لها وأن شاركت بها في معرض بنيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية، علما أنها اعتنقت الإسلام بعد هذه المأساة و وجدت فيه دينا يلهمها الراحة النفسية والرضا بالقضاء والقدر كما عبرت.  
حياة مجدولين بدأت بوفاة والدتها عند ولادتها رفقة أختها التوأم، لكنها ورثت من أمها ملكة الفن التشكيلي بينما ورثت أختها التوأم الموسيقى عن والدها، قالت لنا بأن جدتها لأبيها المدعوة «هانزات» تكفلت بتربيتها، وهي تركية الأصل وقد ظلت وفية لحياتها معها إلى أن وافتها المنية مؤخرا عن عمر ناهز 117 سنة.
 مجدولين  لم تتوان في  رسم لوحة فنية تخليدا لروح جدتها، بعد أن احتفظت بخصلات من شعرها الحقيقي ألصقتها مباشرة على الرسم الذي لم يغفل أي تفصيل من حياة «هانزات».
شريط وثائقي  عن الساحل الجزائري «لناسيونال جيوغرافيك»
إلى جانب الفن التشكيلي، تحترف مجدولين تصوير الأشرطة الوثائقية حيث شاركت في إنجاز شريط حول اللباس التقليدي لمنطقة أدرار وتحديدا لباس العروس، وهو شريط صورته في أعماق الساحل المتوسطي من القالة لغاية السعيدية بالحدود المغربية، كما قامت مجدولين بمغامرة فنية تحت الماء زادت من حجم انبهارها بجمال الجزائر و ساحلها و أعماقه خصوصا عند منطقة  جيجل.
 محدثتنا قالت بأن الشريط جاهز ومن المنتظر أن يبث على قناة «ناسيونال جيوغرافيك» قريبا لبرز جمال الجزائر من أعماق البحار.                             
هوارية ب

الرجوع إلى الأعلى