200 مليون سنتيم شهريا أو أكثـر .. هي أجرة ليست لرئيس بلدية عاصمة الولاية و لا لوال و لا لوزير و لا للوزير الأول و لا للرئيس الأول للمحكمة العليا و لا لقائد الجيش و لا حتى لرئيس الجمهورية الذي يجمع في يديه و بحكم مهامه الدستورية سلطات تنفيذية و تشريعية و قضائية.
إنها ببساطة أجرة لاعب كرة القدم يستخدم رجليه فقط و ينشط في البطولة الوطنية التي دخلت عالم الاحتراف منذ سنوات، غير أن ممارساتها توحي بأنها لا تحمل إلا الاسم فقط، و أن سنوات أخرى مازالت أمامنا لولوج العالم الاحترافي القاسي الذي يحوّل لعبة ما يمارسها هواة إلى صناعة يمارسها عاملون فتذرّ الأموال الطائلة على أصحابها من عملهم المتواصل.
الواقع المرّ الذي يسمح بدفع أجور بمئات الملايين لا أحد يدري من أين أتت و كيف، اعتبره المسؤول الأول على الرابطة أمرا غير مقبول للغاية، و سيكون من غير العدل دفع أجور من خزائن نوادي مفلسة تنتظر إعانات الدولة لصرفها في المرتبات و المنح و المبيت و الأكل و الشرب و في أشياء أخرى تحتاج إلى التدقيق و التحقيق فيها كما يقتضيه القانون.
و الأدهى من ذلك أن هنالك من يعترض على تسقيف ما يسمّى بأجور اللاعبين و يريد جعلها مفتوحة بين اللاعب و المسيّر. هذا يكون أمرا ممكنا و مقبولا لو أن الأموال المدفوعة كأجور هي من عائدات الملاعب و الإشهار و السبونسور و غيرها من النشاطات الرياضية كما يحدث في البطولات الاحترافية في العالم أجمع، لكن أن يتم دفع الأجور و المنح من أموال الدولة و إعاناتها بمئات الملايين إلى لاعبين قد لا يلعبون طوال الموسم و لا يحققون بالضرورة الفرجة الجماهيرية، فذلك من الممارسات التي لم تعد تحتملها الخزينة العمومية التي لا تستطيع إلا تمويل الفرق الهاوية و المنتخبات الوطنية و الرياضة المدرسية.
فما أن يسدل الستار على فصول البطولة الوطنية المحترفة لكرة القدم و ما وقع فيها خلال موسم  أمام الملأ من عجائب و غرائب بل فضائح، حتى يدخل ما يسمّى بالمناجرة و غيرهم من الوسطاء و الدخلاء في رحلة البحث عن العصافير النادرة لاصطيادها و بيعها بعد عرضها على أندية و شركات رياضية يصرّح مسيروها بأنها مفلسة أو على الحافة و مع ذلك تدفع بسخاء مئات الملايين من السنتيمات كأجرة شهرية للاعبين مغمورين.
قد تقرأ عنوانا صحفيا أو تسمع همسة من مناصر أن لاعبا بدأ يسطع نجمه قد وقّع لنادي مقابل أجرة شهرية بمائتي مليون و محظوظ آخر بلغ سعره أكثـر من ثلاث مائة مليون في سوق « الميركاتو « الصيفي.
أرقام مهولة كهذه تستوقف أي أستاذ جامعي باحث أو طبيب معالج ماهر أو مهندس مخترع أو أي دارس لسياسة الأجور، للتساؤل عن مدى صحة الأخبار التي تفيد أن شخصا يتقاضى حقيقة في الجزائر أجرة شهرية تقدر بثلاث مائة مليون سنتيم دون أن يدفع أعباء الضرائب و الضمان الاجتماعي التي يدفعها عامل يتقاضى ثلاثة ملايين سنتيم.
في البطولات التي تخضع لمعايير الاحتراف المتعارف عليها و التي تعتبر النوادي الرياضية بمثابة شركات تجارية، لا تطرح قضية الأجور أصلا و لا مبلغها، فلاعبو كرة القدم في العالم يتقاضون أجورا فلكية و هي تفوق بمئات المرات أجور كبار المسؤولين الذين يديرون العالم و يحظون بنجومية أيضا.
النصر

الرجوع إلى الأعلى