بومرداس.. مدينة تستيقظ من سباتها صيفا
مع اقتراب موسم الإصطياف، تنقلب الأمور رأسا على عقب، في واحدة من أجمل المدن الجزائرية الساحلية، على طول شريط بومرداس الساحلي، حيث يتحول سبات المدينة النائمة طوال السنة، إلى حركة حثيثة، تخلط حساباتك، و تخدر عقلك إلى درجة قد يعجز فيها عن مطابقة صورتي المدينة خلال فترة الصيف و باقي أيام السنة، عندما تتحالف مياه البحر مع طوفان بشري من مختلف ولايات الوطن، فيتغير وجه المدينة النائمة إلى مدينة لا تنام.
إيمان زياري
تناقض صارخ، تعيشه عروس المدائن بومرداس، كما يفضل البعض تسميتها، فبعد السبات التي تدخل فيه فور إنقضاء موسم الإصطياف، و يدوم طيلة 9 أشهر من السنة، تعيش فيها المنطقة حالة ركود كبيرة، بنايات فارغة، طرقات خالية، و هدوء لا تكسره سوى زقزقة العصافير، أو أصوات بعض السيارات التي تعبر إحدى طرقاتها، تنهض فجأة، و تقلب الأوضاع بشكل سريع.
هكذا هو الحال بمدينة بومرداس، فعلى الرغم من احتلالها لموقع استراتيجي، و ميزاتها الكثيرة، إلا أنها تعاني من هجران بشري لفترة طويلة، قبل بداية عودة الحركة مع اقتراب حلول موسم الإصطياف، و الإرتفاع النسبي في درجات الحرارة، الذي يجعل سواحلها قبلة للكثير من اللاهثين خلف راحة و استجمام من نوع خاص.
لا تنتعش الحركة ببومرداس إلى الدرجة الطبيعية إلا بحلول فصل الصيف، و موسم الإصطياف، أين يعود الكثير من مالكي البيوت هناك، إلى فتح نوافذها التي قد يفتحها أحد المصطافين الذي استأجرها، مع إنتعاش التجارة على طول شارع 11 سبتمبر، الذي يضفي جوا من البهجة و الإنتعاش بألوان زاهية لشمسيات تفتح صباحا و لا يتم غلقها إلا فجرا، مع ديكور خاص تصنعه مختلف مستلزمات البحر.
بين فترة موسم الاصطياف باقي أيام السنة، يسجل تناقض صارخ، لا يمكن أن يتحدث عنه أو يشعر به إلا سكان المدينة، فالأوضاع تنقلب رأسا على عقب، لينفض الزوار غبار الخمول عن جسم يمتلك كل مقومات النشاط، و يقلب الهدوء إلى حركة كثيفة، للمواطنين الذين يحتلون كل شبر من المدينة، و كذا مختلف أنواع المركبات التي لا تكاد تسعها الطرقات، على الرغم من شساعتها.
بمجرد الإقتراب من المدخل، تستقبلك عبارة ترحيبية عريضة، مع نصب تذكار لبومرداس مدينة الفكر و العلم و الإبداع، بفضل العدد الكبير الذي تضمه من الجامعات و المعاهد الوطنية، كمعهد البترول، و تبدأ طوابير السيارات ذات ألواح ترقيم مختلفة، من شتى ربوع الوطن، لزوار يفضلون الاصطياف بها ، بدل مدنهم و إن كانت ساحلية.
مدينة الحدائق
بعيدا عن مياه البحر، يركز القائمون على الولاية خلال السنوات الأخيرة، على الجانب الترفيهي للمواطن، حيث تم افتتاح حديقة النصر العملاقة على طول الواجهة البحرية لوسط المدينة منذ أزيد من 5 سنوات، مما حول المكان إلى قبلة مميزة لأغلب الأسر، التي تحج إليها من مختلف أنحاء الولاية، خاصة خلال فصلي الربيع و الصيف، هذا الأخير، الذي يغزو خلاله المواطنون و المصطافون معا الحديقة، صانعين لوحة فريدة من نوعها، لا تتكرر إلا في هذه الفترة من السنة.
كما تم افتتاح مجموعة من الحدائق قبل حلول شهر رمضان، كحديقة 21 ماي 2013، تخليدا لذكرى أبناء بومرداس الذين رحلوا في زلزال زموري، ليضاف مرفق راق جديد، برقي أهل المنطقة، فضلا عن تهيئة الكثير من الحدائق كحديقة الدلفين بأعالي المدينة و فتحها قبل انطلاق موسم الاصطياف، بالإضافة إلى فتح المجال أمام الشباب للاستثمار، مثلما فعلت مجموعة منهم بحديقة التسلية بمنطقة حلايمية بمدينة بودواو، في محاولة لتوفير كافة متطلبات تحقيق موسم اصطياف ناجح، هو رهان أول مسؤول بالولاية.
زموري و قورصو و رأس جنات.. وجهات مميزة
تحظى شواطئ ولاية بومرداس بميزة خاصة في قلوب المصطافين، فعلى الرغم من أن أعدادا كبيرة تقصد الشاطئ المركزي، إلا أن سيارات كثيرة ومن ولايات مختلفة، تفضل وجهات مغايرة، أين يشد المصطافون الرحال إلى بلديات أخرى، كرأس جنات، التي يعشقها الكثيرون، خاصة من الولايات المجاورة ، كالجزائر العاصمة و البليدة، مثلما استقيناه من بعضهم لدى وقوفنا بالمكان.
و في المقابل، تعد زموري وجهة بحرية بامتياز لدى الكثيرين، حيث تمتلئ المركبات السياحية التابعة للشركات المنتشرة على طول شريطها الساحلي بالسكان، صانعين جوا خاصا، يكسر هدوء المنطقة في باقي الأيام، و ينعش حركة التجارة ، خاصة الموسمية منها، و هو الوضع ذاته بزموري الجميلة، التي يعد انفرادها بالجمع بين البحر و الغابة، ميزة خاصة تجعل منها القبلة الأمثل للكثير من العائلات الجزائرية.
العاصميون الأكثر عشقا لبومرداس
يستغرب زائر بومرداس خلال هذه الفترة، من تزايد أعداد سكان الجزائر العاصمة من الأسر و الشباب، الذين يغزون المكان أكثر من الزوار من ولايات أخرى، إذ ينتشرون بأعداد كبيرة عبر مختلف الشواطئ، ما أكده بعض سكان المدينة، الذين قالوا بأن العاصميين يفضلون شواطئ بومرداس على شواطئ العاصمة.
و قد أكدت سيدة من منطقة القبة بالعاصمة، بأنها و على الرغم من تواجد شواطئ كثيرة هناك، إلا أنها تفضل شواطئ بومرداس، خاصة زموري، لقضاء أيام مع باقي أفراد أسرتها، ما ترجعه بالدرجة الأولى لكون الشواطئ آمنة و عائلية، كما أنها تختلف في وجهة نظرها عن مثيلاتها بالعاصمة، خاصة و أنها أكثر هدوءا.
كما يشكل سكان الجنوب نسبة كبيرة من زوار بومرداس صيفا، خاصة القادمين من ولاية الوادي، كما قال لنا البعض ممن تحدثنا إليهم ، فضلا عن كونها تفتح أبوابها لاستقبال وفود كثيرة، في إطار المخيمات الصيفية، و من بينها 200 طفل من مدينة غرداية.
السلالة و الخيزران للتعريف بموروث المدينة
صيف المدينة النائمة، لا يرتبط بالسباحة و الإستجمام فحسب، بل يحاول القائمون على قطاع السياحة، بالتنسيق مع غرفة الصناعات التقليدية و الحرف، استثمار الموسم، قصد الترويج لمختلف الصناعات التقليدية التي تزخر بها الولاية، أين تم نصب الخيام البيضاء، للسماح للحرفيين بعرض منتوجاتهم للتعريف بها قبل بيعها كقطع فنية.
و من المنتظر أن تستمر الخيام على حالها على الواجهة البحرية بوسط المدينة، طيلة موسم الاصطياف، بداية من الفاتح من الشهر الجاري و إلى غاية شهر سبتمبر، أين يتناوب الحرفيون عليها بمعدل 4 فرق، تعرض إبداعاتها خاصة في مجال السلالة و صناعة الخيزران اللتين تتميز بهما بومرداس، فضلا عن الرسم على الخزف، هذا الفن الراقي الذي سافر بمنتوج المبدعين البومرداسيين إلى مختلف ولايات الوطن، و حتى خارجه، بالإضافة إلى صناعة الفخار و مختلف الأطعمة التقليدية، و الألبسة و الحلي، وكذا العسل و الخل الطبيعي.
رهان على بلوغ 15 مليون مصطاف هذا الموسم
يراهن القائمون على قطاع السياحة ببومرداس، على بلوغ 15 مليون مصطاف خلال الموسم الحالي، بعد تحقيق قفزة نوعية الموسم الماضي من 11 مليونا إلى 13 مليون مصطاف، ما فتح شهية المسؤولين لرفع العدد، من خلال محاولة توفير كل الشروط اللازمة لتحقيق ذلك، عبر توفير الأمن، النظافة، زيادة عدد مرافق الإستقبال و الخدمات و الترفيه..
كما كان والي بومرداس، عبد الرحمان مداني فواتيح، قد شدد على مجانية الشواطئ، و هدد بمعاقبة المخالفين، في سياسة يسعى من خلالها إلى راحة المصطاف، و جعل بومرداس أفضل وجهة للمصطافين.
و في انتظار تحقيق ذلك، يواصل المصطافون التدفق على مختلف شواطئ بومرداس، و زرع جو من النشاط و البهجة بكل شبر منها، لتنتعش المدينة النائمة طيلة أزيد من 3 أشهر، قبل عودتها إلى سباتها و هدوء شوارعها.
إ.ز