شلال دباغ يصب في الجهوي الأول بمولود صغير في حجم الكبار
خطفت مولودية حمام الشلالة الأضواء في رابطة عنابة الجهوية هذا الموسم، و كانت بمثابة المفاجأة السارة، لأن هذا الفريق حديث النشأة في الساحة القالمية، لكن إطفاءه الشمعة الثانية تزامن مع إلتحاقه بحظيرة الجهوي الأول، حيث ظهر المولود الصغير في حجم الكبار و نجح في تحطيم كل الأرقام القياسية للرابطة منذ تأسيسها، بحكم أنه صعد بتقدير «ممتاز»، من دون تذوق مرارة الهزيمة على مدار موسم كامل، فضلا عن حصده أعلى رصيد نقطي، لأنها المرة الأولى التي يتمكن فيها فريق من بلوغ عتبة 78 نقطة على مستوى رابطة عنابة.
هذا الإنجاز تحقق من فريق تجاوز منذ ولادته كل مراحل الطفولة و التمرس و إرتدى منذ أول يوم ثوب «الكبار»، كون الطاقم المسير رسم خارطة طريق قبل انطلاق الموسم، باستقدام المدرب عبد النبي، مقابل تدعيم التعداد بعناصر لها خبرة، و تدشين المشوار بخماسية كان عبارة عن إنذار مبكر لباقي المنافسين، رغم أن الأمور ظلت غامضة، بتواجد فرق راودها نفس الطموح، إلا أن «الشلالة» اعتلت الصدارة منذ الجولة السادسة، وأحرزت اللقب الشتوي بفارق خطوتين عن شباب الذرعان.
إلى ذلك مرت المولودية إلى السرعة القصوى في مرحلة العودة، لأن معالم سباق الصعود إرتسمت، لما أصبحت المعادلة ثنائية الأطراف، ببقاء شباب الذرعان كمنافس وحيد على ورقة الصعود، غير أن «الشلالة» حققت 12 إنتصارا متتاليا، فكانت الجولة 26 مناسبة لترسيم الصعود، مادام الفوز على الذرعان جعل الفارق يتسع إلى 9 نقاط، الأمر الذي كان كافيا لإعطاء إشارة انطلاق الأفراح .
وبلغة الأرقام فإن نقطة قوة «الشلالة» تكمن في صلابته داخل الديار، لأنه أحرز 43 نقطة في حمام دباغ، وتعادله الوحيد كان في الجولة ما قبل الأخيرة من الموسم ضد جيل الطارف في مقابلة شكلية، مقابل نجاحه في العودة ب 10 إنتصارات من خارج القواعد، و لو أن تماسك الخط الخلفي كان من العوامل المباشرة التي ساهمت في صعود الفريق و تتويجه باللقب، على اعتبار أن دفاع المولودية لم يتلق سوى 16 هدفا طيلة الموسم، 5 منها كانت داخل القواعد، لينهي المشوار بأقوى دفاع مناصفة مع شباب الذرعان، وذلك بوجود الحارس المتألق روابحية و الرباعي قرمان، بوحديد، بوثلجة و معلالة، بينما حازت الشلالة على ثاني أقوى هجوم بعد نجم بوشقوف، بالنجاح في هز شباك المنافسين في 71 مناسبة، لكن هذه الأرقام كانت كافية لتشكيلة المدرب عبد النبي لترسيم الصعود قبل 4 جولات من نهاية المشوار، رغم أن السباق ظل متواصلا على أشده، بسبب المطاردة اللصيقة لشباب الذرعان.بالموازاة مع ذلك فإن مشكل الملعب يبقى مطروحا بحدة، لأن المولودية وعلى غرار الجار الإتحاد ستجبر الموسم القادم على الإستقبال خارج القواعد، في انتظار انطلاق مشروع إنجاز مركب رياضي بطاقة إستيعاب تقارب 500 آلاف متفرج، وأرضية مغطاة ببساط من العشب الإصطناعي، لكن أسرة «الشلالة» مصممة على مواصلة الفتوحات، بحثا عن إنجاز تاريخي، بالصعود إلى قسم ما بين الرابطات، وبالتالي النجاح في نفض الغبار عن منطقة حمام دباغ السياحية، من خلال إنتفاضة كروية .
الحقيقة أن الصعود إلى الجهوي الأول يبقى إنجازا باهرا من فريق تأسس منذ سنتين وحقق نتائج فاقت كل التوقعات، لكننا وعند إنشاء هذا النادي كنا قد سطرنا برنامج عمل على المديين القصير والمتوسط، والتواجد في الجهوي الأول يعتبر من الخطوات التي راهننا عليها، لأن طموحاتنا كبيرة، وسنعمل على مواصلة المسيرة بنفس الديناميكية بحثا عن مكانة في قسم ما بين الرابطات، مادامت سياستنا في التسيير واضحة المعالم، كوننا نعمل في شفافية تامة، بعيدا عن المشاكل و الصراعات الداخلية، و سر نجاحنا هو التلاحم السائد وسط المجموعة، كوننا عبارة عن أسرة واحدة تعمل من أجل مصلحة الفريق، و قد وضعنا القطار على السكة من إمكانياتنا الخاصة، و عند إنطلاق الموسم تحصلنا على إعانة من البلدية بقيمة 400 مليون سنتيم، و مع ذلك فقد أنهينا المشوار دون ديون، كون مساهمات الأنصار و المحبين سمحت لنا بتغطية الكثير من المصاريف، لأن السلطات المحلية قدمت لنا يد المساعدة وفق الإمكانيات المتاحة، خاصة البلدية و الولاية و مديرية الشباب و الرياضة، كما أن الفرصة كانت مواتية لنيل شهادة الاستحقاق، كيف لا والفريق الآخر لبلديتنا نجح بدوره في تحقيق الصعود، وكم كانت فرحتنا كبيرة لصعود الفريقين سويا على الجهوي الأول، و هو مكسب لا بد أن نستثمر فيه لتحقيق نهضة كروية بحمام دباغ، حيث أنني شخصيا أراهن على لعب أدوار طلائعية الموسم القادم، رغم افتقارنا للخبرة و التجربة في الجهوي الأول.
ما يمكن قوله أن صعود مولودية حمام الشلالة يبقي صورة ابني سامي (رحمه الله) عالقة في ذهني طوال اليوم، لأن اليوم الذي كنت قد أعطيت فيه موافقتي لمسيري الفريق على تدريب التشكيلة تلقيت فيه خبر وفاة ابني في حادث مرور ببلدية مداوروش بولاية سوق أهراس، و هو النبأ الذي نزل علي كالصاعقة في أمسية رمضانية، لكنني لقيت دعما نفسيا و معنويا كبيرا من مسؤولي الشلالة، حيث أنني حاولت التراجع عن مهمة التدريب هذا الموسم، بسبب الإحباط النفسي الكبير، لكن مسيري المولودية نجحوا في إخراجي من تلك الظروف الصعبة، و شرعت في العمل بجدية، بإستقدام بعض العناصر التي سبق لي تدريبها، و قد كان إتفاقي مع الطاقم المسير على لعب الأدوار الأولى، و مع مرور الجولات كسبنا الثقة في النفس و آمننا بحظوظنا في القدرة على تحقيق الصعود، لكن المهمة لم تكن سهلة، لأن منافسا بحجم شباب الذرعان لم يتنازل عن ورقة الصعود سوى في الجولات الأخيرة، و الحقيقة أن أصعب مقابلة لنا كانت ضد الذرعان، لأنه فريق قوي و منظم، و سر نجاحنا يكمن في كوننا نمتلك مجموعة منسجمة و متكاملة عملت بجدية من أجل تحقيق هدف واحد، و كسب ثقة الطاقمين الفني و الإداري في مرحلة العودة كان كافيا للمحافظة على الريادة إلى غاية تحقيق الصعود.
صدقوني إذا قلت بأن سر نجاح المولودية يكمن في إنضباط المجموعة، لأن اللاعبين أحسوا بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقهم، و عملوا بجدية من أجل تحقيق المبتغى، والدليل على ذلك أنهم لم يتحصلوا طيلة موسم كامل سوى على 3 بطاقات حمراء ناتجة عن تلقي إنذارين، إضافة على 17 بطاقة صفراء، كما أن الطاقم المسير عمل كخلية نحل، من دون طفو أي مشكل داخلي على السطح، لتكون الثمرة صعود تاريخي إلى الجهوي الأول بعد مشوار خال من الهزائم.
مما لا شك فيه أن المساهمة في صعود الفريق تبقى أغلى ذكرى في مشواري الكروي، لأنه ليس من السهل التتويج في الجهوي الثاني لرابطة عنابة، حيث كانت لي تجربة في مواسم سابقة مع آمال قالمة، لكننا أخفقنا في المنعرج الأخير، في ظل وجود عديد الفرق تلعب دوما أدوارا طلائعية في البطولة، لكن ما لمسته عند موافقتي على الإنضمام إلى المولودية هو الجدية الكبيرة من المسيرين منذ إنطلاق التحضيرات، مما جعل حلم الصعود يراودنا مبكرا و هذا بمجرد خوضنا بعض اللقاءات الودية، لأن مؤشرات المجموعة المنسجمة و المتكاملة لاحت في الأفق، الأمر الذي أجبرنا على الإلتزام بالجدية في التدريبات، و التسلح بروح الإرادة و العزيمة في المقابلات الرسمية، على اعتبار أننا تمكننا من كسب المزيد من الثقة في النفس و الإمكانيات بفضل النتائج الإيجابية التي سجلناها في الجولات الأولى من البطولة، و تجاوب الطاقم المسير مع هذه النتائج ساهم في وضع القطار على السكة، لأن المسيرين ظلوا يعملون على توفير كافة الإمكانيات و تحفيز اللاعبين على تحقيق نتائج أفضل، ليكون الصعود هدية منا كلاعبين إلى الطاقم المسير و الأنصار الأوفياء الذين وقفوا بجانبنا طيلة موسم كامل.
الأكيد أن فرحة الصعود تكون أغلى ما يمكن أن نقدمه للأنصار الأوفياء و كذا الطاقم المسير، لأنني شخصيا مررت بظروف إستثنائية، على إعتبار الوالد كان قد توفي منذ نحو 4 أشهر، لكنني وجدت في أسرة المولودية السند الذي خفف من تأثري بهذا المصاب الجلل، و قد حاولت وضع خبرتي الطويلة التي إكتسبتها من خلال لعبي في أقسام عليا مع فرق جمعية الخروب، ترجي قالمة، بكوش لخضر و أولمبي بومهرة لتأطير المجموعة، خاصة في المقابلات الرسمية، كون المدرب عبد النبي ظل دوما يصنفي في خانة مساعده فوق أرضية الميدان، ولو أن المهمة لم تكن سهلة، لأن باقي المنافسين كانوا يطمحون لتحقيق الصعود، و ما جعلنا مستهدفين أكثر عدم تلقينا أية هزيمة، إلا أننا أظهرنا مستوانا الحقيقي في اللقاءات الحاسمة، و بالتالي فإن صعودنا كان مستحقا، و الكل إعترف بأن التتويج كان عن جدارة.
هذا الإنجاز كان مفاجئا بالنسبة للكثير من المتتبعين، لكنه في حقيقة الأمر منطقي، لأنه تحقق بفضل سلاح الإرادة، حيث أننا كنا الأقوى على جميع الأصعدة، و تشكيلتنا عبارة عن مجموعة متكاملة، حتى أن الغيابات المسجلة في بعض الأحيان لم يكن لها تأثير كبير على المردود الجماعي، والدليل على ذلك وجود مدافعين في قائمة الهدافين في صورة قرمان، مع ذلك فإنني كنت أسعى إلى إستغلال أكبر عدد من الفرص المتاحة لتسجيل الأهداف، ليس من أجل التتويج بلقب هداف الفريق، و إنما للمساهمة في صنع الإنتصارات، و تصدري لائحة الهدافين برصيد 21 هدفا من دون أي ضربة جزاء كان ثمرة مجهودات جماعية من باقي الزملاء، لأن هذه التجربة الناجحة جعلتنا أسرة واحدة .