الخميس 19 سبتمبر 2024 الموافق لـ 15 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

أكثـر من 50 سنة بعد الاستقلال.. رهانات جديدة يتوجب رفعها

الجزائر من «مكة للثوار» إلى عامل استقرار في إفريقيا
 قبل خمسين سنة من الآن، كانت الجزائر قبلة للثوار من إفريقيا وغيرها، وجمعت على أرضها أسماء لامعة في القارة يتقدمهم نيلسون منديلا الذي تعلم أبجديات الكفاح ضد الظلم في جبال الجزائر، وبعد هذه الفترة ورغم بعض الانحرافات والإخفاقات التي لن تقلل من رصيد الثورة أبدا، تحولت الجزائر إلى دولة مصدرة للأمن في محيطها العربي والإفريقي، وتمكنت من تجاوز الرياح العاتية التي عصفت بعديد الدول العربية، ونجحت في إحباط كل المؤامرات التي حاكتها مخابر أجنبية للنيل من استقرار الجزائر.
بعد أكثر من خمسين سنة على استقلال الجزائر، لا تزال الكثير من التساؤلات تطرح حول ما حققته الثورة، ولا يزال السؤال يثير جدلا بين المهللين للانجازات والمشهرين بالاخفاقات، وأحيانا ما انعكس هذا السجال على رصيد الثورة، وكثير ما نالت الأسرة الثورية نصيبها من الانتقاد، سجال أوقع البعض في معارك إيديولوجية بل وحتى قبلية، صراعات كادت تأتي على رصيد الثورة وثمار الاستقلال.
الجزائريون عاشوا وشبعوا طيلة 50 سنة من الخطاب الممجد لانجازات الثورة حتى التخمة، رصيد ثوري أراد له البعض أن يكون في قالب واحد جاهز للأسلاك في كل مناسبة وطنية، مثل تلك الأغاني الوطنية التي تدوي في الساحات عند كل مناسبة قبل أن تعاد إلى الأدراج في اليوم الموالي، دون أن يفسح المجال للشباب لمعرفة ثورتهم بعيدا عن النظرة الكلاسيكية الضيقة، وتمكينهم من التعبير عن وطنيتهم كل حسب رؤيته.
فالجزائر التي كانت «مكة الثوار» الأفارقة والأجانب لا يمكن أن يوضع تاريخها الحافل في قالب واحد ولا في بعض صفحات تحكي معارك على الأرض وفي الجبال، لان الثورة لم تكن فقط أسلحة وقنابل في الجبال والأودية، بل كانت صراع دائم على كل الأصعدة دبلوماسيا وسياسيا واقتصاديا، أعطى للجزائر زخما دوليا مكنها من إحباط مخططات الفرنسيين لإبقاء الجزائر فرنسية، وهي  نفس الروح التي تتيح اليوم مواجهة مخططات استعمارية جديدة تريد تركيع الجزائر أمنيا وسياسيا.
والحقيقة أن الكثير من الدول لم تهضم بعد بقاء الجزائر بعيدا عن الاضطرابات السياسية والأمنية التي شهدها العالم العربي، بل أكثر من ذلك تحولها إلى دولة مصدرة للأمن والاستقرار في المغرب العربي وشمال وإفريقيا، وعملت بعض الأطراف على إفشال جهود الجزائر في مالي، وسعت أكثر من مرة وفي عدة مناسبات لإجهاض مبادرة السلام، وهي الأطراف ذاتها التي حاولت فيما بعد إبعاد الجزائر عن الملف الليبي، حتى لا تنجح مرة أخرى في تحقيق السلام، وسعت كذلك للتشويش على علاقات الجزائر الجيدة مع تونس ودول افريقية أخرى. 
ولعل أهم تحدي تواجهه الجزائر حاليا، هو كيف يمكن أن تواصل مسارها الإصلاحي، واستكمال الورشات المفتوحة بتعديل الدستور ومراجعة بعض القوانين المرتبطة بحقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية، بشكل يسمح بإزالة الضبابية التي لا تزال تحيط بصورة الجزائر في الخارج، وفي الوقت ذاته تجنب مخاطر عدوى الاضطرابات والمؤامرات الأمنية التي تهدد السلم والأمن في البلاد، والعمل في آن واحد لإقناع الدول الأخرى وبالأخص ليبيا ودول أخرى بجدوى الحل السياسي السلمي والابتعاد عن الصراعات الاثنية الطائفية والقبلية، وتقديم النموذج الجزائري بداية من السلم والمصالحة إلى التشارك السياسي وأخيرا الفعل الأمني كخطة متكاملة وصالحة لحماية الدول العربية من الأخطار التي تتهددها.ونجحت الجزائر في تملك بعض عناصر القوة التي ساعدت على مواجهة التهديدات التي بدأت منذ سنوات وتفجرت بشكل غير مسبوق خلال الاعتداء الذي طال مصنع الغاز في تيقنتورين، والذي كان من الممكن أن يأخذ أبعادا أكثر خطورة لولا التدخل الحاسم والسريع للجيش، ومن بين عناصر القوة موقعها الاستراتيجي كبوابة لإفريقيا و دولة قوية في شمالي إفريقيا، ما مكنها من مواجهة بعض المشاريع الأجنبية من موقع قوة، على غرار مشروع الاتحاد من اجل المتوسط الذي طرحه الرئيس الفرنسي السابق، والذي كان يراد من خلاله جعل الجزائر دركي المنطقة، وكذا المشروع الأمريكي لإقامة قاعدة عسكرية في شمال إفريقيا، وهو المسعى الذي رفضته الجزائر وعملت على إجهاضه.
كما استطاعت الجزائر الانخراط في الإستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب، وتمكنت من فرض بعض القواعد الجديدة في التعامل مع التهديدات الإرهابية، وخاصة تجفيف منابع تمويل التنظيمات الإرهابية، عبر تجريم دفع الفديات للإفراج عن الرهائن المختطفين من قبل الإرهابيين، ولقيت المبادرة الجزائرية دعما دوليا غير مسبوق، كما فرضت الجزائر صوتها في المنابر الأمنية الإقليمية على غرار اجتماعات مجموعة الخمسة زائد خمسة المخصصة لمكافحة الإرهاب، وبرز إقرار دولي بخبرة الجزائر في مواجهة الإرهاب. وتحولت الجزائر في الفترة الأخيرة إلى قبلة للكثير من قادة الدول الإفريقية والدول الكبرى لمناقشة مواضيع تتعلق بالأمن ومكافحة الإرهاب، مؤشرات تؤكد تولي الجزائر الدور الريادي في المنطقة.
ولا يعني هذا بان الرهانات المقبلة لن تكون أكثر صعوبة بل على العكس، فكل المؤشرات تؤكد بان تداعيات الانتفاضات العربية وانهيار الدول وتقسيم أخرى، كلها صور من مشهد سيستمر لسنوات أخرى ربما لعشرية كاملة أو أكثر، يضاف إليها التحدي الاقتصادي مع تراجع أسعار النفط، وتزايد الاحتياجات، وهي كلها عوامل تضع الجزائر أمام حتمية مواجهتها والعمل من اجل التغلب عليها، وذلك مرتبط أساسا بقدرة المسؤولين على تكريس مبادئ الديموقراطية الحقيقية  وإقرار دستور حداثي يمنح الكلمة والحق للجميع بما فيها المعارضة التي يجب أن تكون ضمن الأصل في المعادلة وليست الفرع، ويتوقف كذلك على مدى قدرة الدولة في تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة ومحاربة الفساد ومواجهة المفسدين ورفع القيود عن الممارسات وحرية التعبير، وفسح المجال أمام أصحاب الكفاءات، تحديات ستضع الجزائر في حال التغلب عليها في مقدمة الدول الإفريقية، وستتحول من مكة للثوار إلى منبر للتطور والازدهار.
ا ن

جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com