05 جويلية.. الاستقلال والحصيلة
اليوم تكون قد مرت 53 سنة كاملة على استقلال الجزائر واسترجاع شعبها لسيادته وكرامته وحريته وانعتاقه من الاستعمار الفرنسي.. 53 سنة في خدمة الاستقلال الوطني والفرد الجزائري.. هي سنوات من البناء والتشييد على كافة الصعد وفي جميع الاتجاهات.
هل من حق الأجيال كل الأجيال -بما فيها جيل أول نوفمبر نفسه- أن تنظر لما تحقق طيلة هذه الفترة، وأن تضع تقييما ولو أوليا لها في هذا الظرف الدولي الحالي الذي يتميز بسقوط دول شقيقة لنا استقلت مثلنا نحو الهاوية فقدت فيها معاني السيادة و الاستقلال الوطني الذي كتب بالدماء والتضحيات الكبيرة؟.
عند الخامس جويلية من كل عام يطرح نفس السؤال ماذا تحقق طيلة كم سنة من الاستقلال؟ لكن يبدو أن هذا السؤال ليس دقيقا بالقدر الذي يسمح بتقديم اجابة دقيقة له، وهو في النهاية تساؤل عام.
كان على طارحي السؤال تقديم المزيد من التفاصيل مثل ماذا تحقق من بيان أول نوفمبر؟.. وهنا ربما لا نجد أحسن من إجابة الراحل العملاق عبد الحميد مهري الذي قال أن ما تحقق من بيان أول نوفمبر هو الاستقلال الوطني.. أما بناء الدولة التي نص عليها البيان فهو قابل للنقاش.. والاستقلال في حد ذاته ليس بالشيء الهين في هذا المقام.
ومن حق الأجيال أن تسأل أيضا عما حققته الدولة الفتية التي جاءت بعد 1962 على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وهذا ليس لمجرد طرح السؤال.. لكن بالنظر للإمكانات التي تحوز عليها البلاد والثروات التي تملكها والكوادر التي دربتها طيلة خمسة عقود من الزمن. ومقارنة بدول أخرى في مقامنا أو أقل منا من حيث الامكانات لكنها حققت ربما الكثير مما حققناه.
عندما سألت المجاهد صالح قوجيل عن رأيه في ما تحقق طيلة 53 سنة من الاستقلال قال ببساطة أن ذلك يتطلب أن يقدم كل الذين مروا على حكم البلاد كشفا بالحصيلة التي حققها كل واحد منهم في الميدان.. وقال لقد حققنا «النصر».. و بهذا المنطق يلزمنا سنوات من الوقت وقناطير من الأوراق لمعرفة كل المنجزات التي تحققت في البلاد منذ 1962 إلى اليوم.
لكن الأجيال التي تطرح دائما هذا السؤال بمناسبة الخامس جويلية لا تبحث عن هكذا إجابة فهي تعلم ان الكثير تحقق في الجانب المادي والمعنوي أيضا.. و هناك ما لم يتحقق بعد..لكن من واجب الباحث عن حصيلة 53 سنة من الاستقلال أن يعبر جيدا عما يريده من وراء ذلك.
ومن المنطق أن نقول ان الحصيلة تختلف من مجال لآخر.. فالجانب السياسي ليس كالجانب الاقتصادي مثلا والجانب الاجتماعي ليس كالثقافي ومنه فإن الحصيلة تختلف من قطاع لآخر.. وفي هذا الخضم لابد من الإشارة إلى أن الكثير من الاحزاب السياسية والشخصيات والمواطنين والمعارضة وغيرهم من الأجيال الجديدة غير راضين تماما عن الجانب السياسي، وهم يعتقدون أنه كان باستطاعتنا ان نقطع اشواطا كبيرة في مجال الديمقراطية مثلا.. والكثير من الذين يقيمون سلبا فترة الاستقلال يركزون على هذا الجانب أكثر من غيره.
وحتى في الجانب الاقتصادي عدم الرضا موجود وواضح أيضا.. بعد 53 سنة تصل فاتورة الاستيراد إلى 58 مليار دولار ولا نزال نأكل مما تنتجه أيادي غيرنا... ووصل بنا الأمر إلى حد استيراد البطاطا... هذا شكل من أشكال النقائص التي يرفعها البعض عند مناسبة عيد الاستقلال من كل عام ليقولوا ..كان بالإمكان أن نكون احسن مما نحن عليه اليوم.
ويبدو طرح سؤال ماذا تحقق في سنوات الاستقلال؟ مشروعا للجميع ليس من باب النقد والانتقاد والمعارضة بل أيضا من باب الغيرة على الوطن.. من باب تحصين الاستقلال والسيادة الوطنية.. من باب التنبيه إلى اننا ربما يمكن أن نكون أحسن حالا.. من باب النقد الذاتي والمراجعة والتقييم.. من باب التطلع نحو الأحسن.. لابد على جيل أول نوفمبر أن لا يسيء قراءة هذا السؤال وأن لا يتحرج منه، و أن لا يحس أنه المستهدف من ورائه... لابد على الآباء أن يسمعوا جيدا لتساؤلات الابناء وان يحاولوا فهم ما يدور في خلدهم.. لأن زمن الآباء ليس كزمن الأبناء.
وهذا لا يعني إنقاص ولو ذرة واحدة من الكثير الذي تحقق خلال 53 سنة من الاستقلال.. لكن تقييم مرحلة الاستقلال لابد أن تكون في إطار العقل وخارج الأبوية التي يريد البعض رسمها والتي ترفض حتى مبدأ النقاش وفتح الملفات مع الأجيال الجديدة.. لابد أن تكون خارج ذهنية التفوق والاستعلاء والتزييف التي تؤدي في النهاية إلى الاقصاء وفتح المقص لقطع الحبل السري بين الجيل الأول والاجيال التي جات بعد الاستقلال.
إن اي تقييم حقيقي لفترة الاستقلال لابد أن يأتي أيضا في ظل التفريق بين الذاكرة والتاريخ.. وهذا الأخير الذي لابد على الجميع أن يفهم أنه لابد أن يكتب كما هو دون مجاملة أو زيادة أو نقصان وهو من مهام المؤرخين... لأن منع كتابة التاريخ هو الذي سيؤدي الى الشك والمراجعة والتراجع لدى فئات عريضة من المجتمع.
التحديات الجديدة تفرض علينا أن نصون كل الذي تحقق في ظرف 53 سنة من الاستقلال، و أن ندعم أسسه بعيدا عن أي نظرة أو رأي قد يؤدي إلى هدمه من الأصل... ما تحقق في الميادين المختلفة من اختصاص أصحاب الاحصائيات.. لكن الرهان اليوم أولا وقبل كل شيء يتركز حول صيانة الهدف الأول للثورة التحريرية وهو الاستقلال الوطني والسيادة لأن الرهانات والتحديات الحالية كبيرة وقاسية جدا، وحماية الاقتصاد الوطني و ثروات البلاد بما فيها ثروة الشباب.. لأن الانسان هو العامل الحاسم في كل معركة.
و لن يكون باستطاعتنا حماية مكتسبات الاستقلال وتقويتها دون ترك الفرصة للأجيال الجديدة... محمد عدنان