الشعراء السودانيون كائنات حرة تتعاطى السياسة بشراهة
من مواليد سنة 1954 بأم درمان، مثقف و أديب و وزير سابق لقطاعي الثقافة و السياحة بالسودان ، يشغل منصب الأمين العام للمجلس القومي لرعاية الثقافة و الفنون حاليا، إلى جانب نشاطه ككاتب و ناقد، هو الشاعر السوداني الكبير صديق المجتبى، أحد أهم أعمدة القافية في السودان و العالم العربي، يتحدث في حوار خص به النصر، على هامش مشاركته مؤخرا في فعاليات الأسبوع الثقافي السوداني، المسطر في إطار تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، عن واقع المثقف العربي و خصوصية الشعر و الشاعر في بلده السودان.
يرى المفكر و الشاعر صديق المجتبى، بأن واقع الثقافة و الشعر في السودان و الجزائر لا يختلف كثيرا عنه في الوطن العربي عموما، على اعتبار أن تسارع الأحداث و تأثير العولمة أديا إلى تراجع مستوى و مكانة المادة الثقافية، أما اللغة الشعرية فقد باتت أقرب إلى العامية منها إلى العربية الفصحى، كما لم يعد تجاوز أصول كتابة الشعر و تركيبة الأبيات يشكل عائقا أمام الجيل الجديد من الشعراء.
ويعتبر صديق المجتبى، بأن خصوصية الشعر في السودان ،تكمن في أنه لا يزال يملك مكانة كبيرة في الثقافة الشعبية السودانية، فعشاقه كما عبر ،يتسلقون الأشجار و الجدران لسماعه، لأنه يتميز بالشاعرية، إضافة إلى مساحة لا محدودة من الحرية تسمح لمتلقيه بالتعبير بطلاقة، وهو ما يجعل شعراء السودان مدمني سياسة يتعاطونها بشراهة، و يمزجون قضاياها في كل القصائد، و هو بالمناسبة هامش الحرية الذي سمح بظهور جيل جديد من الشعراء الشباب الثائرين، الذين قال، بأنهم يقودون مرحلة انتقالية في تاريخ الأدب و الشعر السوداني، و تقع عليهم مسؤولية صناعة مادة ثقافية مستقبلية ترقى إلى مستوى مايزخر به التراث الشعبي، على حد تعبيره.
و عن مشاركته في فعاليات الأسبوع الثقافي السوداني،الذي تحتضنه قسنطينة في إطار فعاليات تظاهرة عاصمة الثقافة العربية، أوضح هذا الأديب و الناقد ، بأنها تعد الثالثة له في الجزائر، حيث سبق له و أن قدم أمسيات شعرية، باقتراح من سفارة السودان في الجزائر، كما شارك في فعاليات تظاهرات ثقافية فكرية عديدة، بدعوة من الوزير الشاعر عز الدين ميهوبي، واصفا إياه بالصديق المقرب، الذي لا يغفل عن قراءة بعض من شعره، فضلا عن كونه واحدا من كبار المعجبين بفكر الأمير عبد القادر الجزائري و شعره المتصوف.
وأضاف محدثنا بأنه في كل مرة يحاول تقديم بعض من انتاجاته الثقافية و الفكرية، ليفتح بابا للتواصل الثقافي و التبادل الفكري، و يعد ديوان “الشعر في زمن العولمة”، آخر إصدار له، يضاف إلى مجموعة من الأعمال أهمها مجموعات شعرية متنوعة، نذكر منها “جداريات نيلية”، “أسمار الفقراء” و “أغنية لها”، بالإضافة إلى رائعته “ ليلى وشليل و المغني” ، وهي القصيدة التي افتتح بها فعاليات الأسبوع الثقافي و يقول في مطلعها :
" يغني المغني وكلٌ يهيم بليلى هواه
وليلى توزَّع بين اللحون
وترقص في خصلتيها القلوب
تلامع في وجنـتيها العيون
تقافز في جانبيها الطبول
وليل الغناء المهول يطول
وليلى تنام بدنيا الخيال
بغاب بعيد كثيف الظلال ".
وعن ميزة شعره، أوضح المثقف السوداني بأن الأمر يتعلق بالحضور و قوة الإلقاء ، فضلا عن خليط الجدية و الدعابة، فالشعر لغة تخاطب الروح قبل العقل، لذلك وجب على الشاعر أن يلامس كافة جوانب الحس عند المتلقي، فضلا عن أن شعره ،كما أضاف، يعالج قضايا يعيشها عالمنا العربي عموما، مستشهدا بمقطع من قصيدة «ملحمة القدس» وهي قصيدة يسرد فيها الشاعر حادثة ضرب إسرائيل بصاروخ عراقي ليلة الإسراء والمعراج يقول فيها :
«ألحق في القدس آذان الفجر
لأكتب صديقا للعصر
وأصلي خلف إمام الرسل»
وفيها يصف الشاعر الراهن العربي الصعب ،خاصة على الصعيد السياسي ويقول:
«رأيت ملوكا حجوا للبيت الأبيض هذا العام في زي الإحرام العربي»، ويضيف :
« أقتل ما شئت من عرب مادمت لا تمس بحقوق الإنسان·»
للتذكير فإن صديق المجتبي تقلد منصب وزير السياحة ثم وزير الثقافة بالسودان، وهو عضو في العديد من المؤسسات الثقافية العربية، وله العديد من الدراسات في الفكر والأدب والسياسة نذكر منها «إدارة التنوع الثقافي في المنظور الإسلامي»، و »الأنساق الفكرية في الإبداع»، و »الزمن رؤية ثقافية»، بالإضافة إلى دراسة «خطاب الصورة والرؤية الشعرية»، و بحث «اللغة العربية وتحديات مجتمع المعرفة» و كذا دراسة «شوقي وحافظ في ذاكرة الأدب السوداني».
نور الهدى طابي/تصوير الشريف القليب